عندما يصبح الموت خيارا

اعلان الأسرى الفلسطينيّين بقيادة مروان البرغوثي الاضراب المفتوح عن الطّعام  من 17 نيسان 2017، حتى تحقيق مطالبهم الانسانيّة، أو الشّهادة، لم يأت من فراغ، ولا هروبا من الحياة، بل لقرع أجراس الحرّيّة والكرامة الانسانيّة التي يمتهنها المحتلّون، ويدوسون بذلك على لوائح حقوق الانسان واتّفاقات جنيف الرّابعة بخصوص الأراضي التي تقع تحت الاحتلال العسكريّ، وأبناؤنا وأخوتنا الأسرى الذين لجأوا إلى خيار الجوع والشّهادة يعرفون تماما قدسيّة الحياة الانسانيّة، فهم ورثة حضارة إنسانيّة عريقة، ويدركون معنى مقولة الرّاحل محمود درويش:"على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة" ويدركون تماما أن لا معنى للحياة بدون كرامة، ومطالبهم تأتي من باب الحصول على أدنى متطلّبات الحياة الكريمة، وإذا ما فقد الانسان أدنى متطلّبات الحياة، فإنّ الحياة تفقد قدسيتها ومعناها، ويصبح الموت خيارا لا هروبا من الحياة بل لأنّ في الموت حياة أيضا. والأسرى الذين يضحّون بحرّيتهم دفاعا عن حرّيّة وطنهم وشعبهم، وكرامة أمّتهم لا يخافون الموت، وكما قال الرّاحل سميح القاسم" أنا لا أحبّك يا موت، لكنّي لا أخافك."

والاحتلال الذي يواصل غطرسته وبطشه ولا يزال يتنكّر لحقوق الأسرى الانسانيّة، لم يتعلّم من التّاريخ، فقد أعمته عن رؤية الحقائق قوّته العسكريّة، والدّعم اللا محدود من قوى الطّغيان والظّلم العالميّة، وما يقابلها من هوان عربيّ رسميّ، ولا يدرك حتّى الآن أنّ مصيره لن يختلف عن مصائر سابقيه من المحتلّين والمستعمرين، وهو مزابل التّاريخ مهما طال الزّمن. وفي المقابل فإنّ الأسرى يدركون تماما أنّ "النّصر صبر ساعة" وهم يتسلّحون بهذا الصّبر، ولو أدّى ذلك إلى الموت شهداء، وعندها سيكون للموت معنى ساميا لا يفهمه الطّغاة.

وإذا كان الموقف العربيّ الرّسميّ لا يزال عاجزا، أو صامتا عن الحراك الدّبلوماسيّ نصرة للأسرى، وهذا يقود إلى صمت الرّأي العامّ الدّولي الرّسمي أيضا، فإنّ سقوط  شهداء من بين الأسرى المضربين سيكون دافعا لصحوة الشّعوب العربيّة المغيّبة عن دورها التّاريخيّ المنوط  بها، وعندها ستنفجر الأوضاع، وستشتعل نيران الغضب التي سيصعب السّيطرة عليها، ولن تنجو من لهيبها دول وشعوب المنطقة جميعها.

والاحتلال الذي لا يتعلّم من التّاريخ، يعلم أنّ قضيّة الأسرى قضيّة شعب وتهمّ كلّ فلسطينيّ، فلا يوجد بيت فلسطينيّ لم يكتوِ بنار ومعاناة الأسْر، فمئات الآلاف من أبناء هذا الشعب ذاقوا مرارة الأسْر بشكل شخصيّ، ويعيشون في وطن أسير. لكنّ هذا الاحتلال يتنكّر لحقوق هذا الشّعب، وأوّلها حقّه في تقرير مصيره في وطنه، وإقامة دولته المستقلّة بعاصمتها القدس الشّريف، مثله مثل بقيّة الشّعوب.

ومن هنا فإنّ الجامعة العربيّة والقوى والمنظّمات الدّوليّة المدافعة عن حقوق الانسان، مطالبة أكثر من أيّ وقت مضى، بالضّغط على حكومة الاحتلال كي تستجيب سريعا إلى مطالب الأسرى الانسانيّة العادلة، وللرّضوخ للقانون الدّولي ولقرارات الشّرعيّة الدّوليّة لانهاء الاحتلال ومخلّفاته، لأنّ الصّراعات الدّامية التي تسود المنطقة هي بشكل وآخر وليدة استمرار هذا الصّراع الذي طال أمده.

وسوم: العدد 718