فلسطين المحتلة تطرق أبواب جنيف
غسان مصطفى الشامي
منذ أن احتل الصهاينة أرض فلسطين المباركة عام 1948م، والفلسطينيون يناشدون الأمم المتحدة، ومنظمات المجتمع الدولي من أجل الوقوف عند مسؤوليتهم الأممية، ودعم نضال شعبنا الفلسطيني من أجل الحرية وتقرير المصير، وإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس على كامل التراب الفلسطيني، كما يطالب الفلسطينيون المنظمات الأممية دوما العمل على وقف كافة أشكال الاعتداء على الأرض الفلسطينية وسرقتها من قبل اليهود، ووقف الاستيطان المتواصل، وتتجدد المطالبات الفلسطينية مرارا للأمم المتحدة بالإفراج عن كافة أسرانا البواسل في سجون الاحتلال، ووقف جرائم التهويد المستمرة بحق القدس والمسجد الأقصى، وعودة اللاجئين إلى أرضهم وغيرها من المطالبات والدعوات للمنظمات الدولية؛ في المقابل فإن منظمات المجتمع الدولي تتنصل من وعودها للشعب الفلسطيني وتقابل الدعوات الفلسطينية بقرارات أممية لا تساوي الحبر الذي كتبت فيها، رغم خذلان المجتمع الدولي للفلسطيني؛ إلا أن الفلسطينيين يواصلون نضالهم الأممي والدبلوماسي، فقد تغيرت الأحوال بالنسبة لمقعد فلسطين بالأمم المتحدة عند صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة وقبول فلسطين عضو مراقب في 29 من نوفمبر من عام 2012م، حيث أصبح متاح لدولة فلسطين الانضمام للمنظمات والهيئات الدولية ومحكمة الجنايات الدولية، والاستفادة من عضوية هذه المنظمات الدولية والهيئات الأممية وعلى رأسها محكمة الجنايات الدولية التي تزعج الصهاينة وتغضبهم كثيرا عند الحديث عن الجرائم ( الإسرائيلية ) بحق الفلسطينيين والشروع برفع قضايا على المسئولين الصهاينة في المحكمة الدولية وملاحقتهم عبر الجهات الأمنية الدولية ومنعهم من السفر، وحديثا أبلغ المجلس الفيدرالي السويسري السلطة الفلسطينية بقبول فلسطين طرفا ساميا لاتفاقيات جنيف الأربع وبرتوكولها الإضافي.
إن حدثا مهما مثل قبول فلسطين عضو في اتفاقيات جنيف الرابعة الذي رفض عام 1989م حيث قدمته منظمة التحرير الفلسطينية، يعد شيئا مهما في تاريخ النضال الأممي لشعب فلسطين، ويجب على الفلسطينيين كخطوة مرحلية مؤقتة في نضالنا ضد العدو (الإسرائيلي) استثمار هذه العضوية واستغلال القرارات الدولية بما يخدم قضايا التحرر الفلسطينية، ويجب ألا نغفل أهمية هذه الوسائل وصددها الدولي الكبير وتأثيرها في المجتمع الدولي والدول الغربية، ويجب استخدام هذه الوسائل الأممية بما يحقق الأهداف الفلسطينية دون التنازل عن الأرض والحدود ومع الحفاظ على الثوابت والحقوق الفلسطينية، ومن أجل فضح جرائم العدو الصهيوني بحق الإنسان والأرض الفلسطينية منذ نكبة عام 1948م.
إن اتفاقيات جنيف الأربعة التي تمت صياغة الاتفاقية الأولى منها عام 1864م والأخيرة عام 1949م تتركز على حماية حقوق الإنسان الأساسية في حالة الحرب، و الاعتناء بالجرحى والمرضى وأسرى الحرب، وحماية المدنيين الموجودين في ساحة المعركة أو في منطقة محتلة إلى آخره ... أليس فلسطين تحيا اليوم أحوال حقوقية صعبة، وانتهاكات واعتداءات سافرة ومتواصلة على حقوق الإنسان من قبل سلطات الاحتلال (الإسرائيلي)، التي تقمع الحريات الحياتية وتنتهك حق الحركة والتنقل والسفر والأمن والأمان، فضلا عن ممارسة جرائم القتل اليومية بحق أبناء شعبنا الفلسطيني، وبين الفنية والأخرى لم يسلم قطاع غزة من حرب ضروس تأكل الأخضر واليابس .
شيء مهم لنا كفلسطينيين وجزء أكيد من نضالنا العريق أن نستخدم عضوية اتفاقية جنيف وبقوة وإعداد تقارير يومية للمؤسسات الدولية والأممية عن أحوال حقوق الإنسان في فلسطين، والواقع الأليم والمعاناة الكبيرة التي يحياها الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي، فرغم حصول فلسطين على عضو مراقب في الأمم المتحدة وتوقيع الاتفاقيات الدولية؛ فإن هذا لا يعفي ( إسرائيل) من مسؤوليتها فهي دولة احتلال ومسؤولة عن شعب فلسطين المحتل.
إننا كفلسطينيين يجب أن نستخدم عضوية اتفاقية جنيف لفضح جرائم التعذيب والاعتداء السافر بحق أسرانا البواسل في سجون الاحتلال، خاصة أن هناك أكثر من 5000 أسير فلسطيني بينهم أكثر من 600 أسير مريض، وهناك 21 أسيرة فلسطينية، وهناك آلاف أو مئات الأسرى في السجون السرية، وأن عدد شهداء الحركة الفلسطينية الأسيرة جراء التعذيب بلغ أكثر من ( 250 شهيد) منذ عام 1967م، فلابد من وقف جرائم التعذيب الصهيونية بحق الأسرى واحترام آدميتهم وإنسانيتهم والعمل على حمايتهم من بطش السجان واستغلال الظروف الإنسانية لهم ووقف الإهمال الصحي، خاصة أن البروتوكول الأول الملحق باتفاقيات جنيف، اعتبر مقاومة حركات التحرر للاحتلال الأجنبي نزاعاً مسلحا دولياً، ونص على أن أسرى حركات المقاومة ـ ضمن شروط معينة ـ يعدّون أسرى حرب، كما يجب الاستفادة من ميثاق روما الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية، والذي يعتبر أن التعذيب جريمة ضد الإنسانية .
إن جرائم الاحتلال (الإسرائيلي) بحق شعبنا الفلسطيني كثيرة منذ احتلال أرض فلسطين ولم تتوقف الجرائم الإسرائيلية بحق الإنسان والأرض الفلسطينية، والانضمام لهذه الاتفاقية يصبح بإمكان فلسطين محاسبة المسئولين الصهاينة، ومعاقبتهم وملاحقتهم أمام محكمة الجنايات الدولية خاصة أن الفلسطينيينيمتلكون وثائق وملفات كثيرة للجرائم " الإسرائيلية " بحق شعبنا الفلسطيني، بدءً من جرائم التطهير العرقي ونكبة فلسطين عام 1948م حيث قتل العدو الصهيوني الآلاف من الفلسطينيين وتم تهجير أكثر من 800 ألف فلسطيني، وتم تدمير أكثر من 500 قرية وحي فلسطيني خلال الحرب النكبة التي دامت ستة شهور، كما أن هناك آلالاف الصور والوثائق والتقرير المسجلة التي عرضت على الفضائيات ووسائل الإعلام تحكي وتسجل جرائم الاحتلال (الإسرائيلي) بحق الفلسطينيين منها اجتياحات المخيمات والقرى الفلسطينية المتواصل، ومخيم جنين شاهد على ذلك، والحرب على غزة عام 2008-2009 ، وحرب حجارة السجيل عام 2012م ، جل هذه الجرائم وغيرها يجب أن يتم ملاحقة الصهاينة وفقا لقانون محكمة الجنايات الدولية ويجب محاصرة الصهاينة وتنفيذ العقوبات الدولية بحقهم، كما يجب علينا كفلسطينيين الاستعجال في رفع دعاوى قضائية وحقوقية أمام المحاكم الدولية ضد الاحتلال الصهيوني، خاصة أن الاحتلال يستثمر الوقت لارتكاب المزيد من جرائم القتل والاعتقال وتدمير المنازل والممتلكات والاقتحامات المتكررة والتهويد المستمر للأرض الفلسطينية والقدس والمسجد الأقصى المبارك.
قبول فلسطين عضوا في اتفاقيات جنيف يمنحها فرصة كبيرة في العمل على إبطال القوانين والقرارات العسكرية الصهيونية التي تتعامل بموجبها دولة الاحتلال مع الفلسطينيين، ويجب السعي الجاد لتجريم هذه القرارات والعمل على وفضحها وفضح السلوك الصهيوني العنصري بحق الفلسطينيين .
إن عضوية فلسطين في اتفاقيات جنيف لابد أن تكون مصدر قلق دائم للعدو الصهيوني، وتستخدم بشكل قوي لفضح وتعرية العدو الصهيوني، ويجب على الدبلوماسية الفلسطينية وكافة السفارات الفلسطينية أن تستفيد من هذه الفرصة في إعداد الملفات القانونية والقضائية والصور التي تكشف الجرائم الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني ..
يجب أن يكون لهذا الانضمام استحقاقه، ويجب أن لا ينام الدبلوماسي الفلسطيني وهو يلاحق الصهاينة ويعد المذكرات الحقوقية والقانونية التي تدين العدو وتجرمه أمام المحاكم الأممية، ويجب أن يحاسب العدو الصهيوني على كافة جرائمه بحق شعبنا الفلسطيني، وهذا الأمر يحتاج منا إلى جهد كبير، ومتواصل وعلى كافة الصعد والمستويات ضمن برامج التحرر الوطني وإقامة دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس بإذن الله.