كتبتها في سجن تدمر في نهاية عام 1982 وخلال عام 1983
صبراً على حكم الإله العادل=الحربات مقيداً بسلاسل
في السجن والجلاد يلهب ظهره=من دون ستر أو رداء فاصل
يا سجن تدمر والحياة مريرة=والرعب فيك يزيل عقل العاقل
والجوع فيك مخطط ومقرر=فطعامنا لا يرتجي لقلائل
فيك الحلاقة منته عن ديننا=والموت يصبح غاية للسائل
أما الحمام فإنه حمامنا=والقلب يعدو في الصدور كتفل
والقلب يجأر بالدعاء ويشتكي=وقع السياط على الجسوم كوابل
والبردفيك من النوافذ قادم=في شهر كانون كسهم قاتل
والحر في تموز كان مصيبة=يربو على جلد السياط لأرجل(5)
والكل يسعى للهواء ملوحاً=إما ببشكير وإما بعازل
أما التنفس لا أراه تنفسا=بل قطع أنفاس برعب قائل
عند التفقد يصفعون وجوهنا=بمقابض الأيدي وبسط أنامل
أما انتبه فهو الجديد بسجننا=وخلال أشواط التنفس نصطلي
نار السياط من المساعد والألى=من حوله ومن الرقيب الأول
أما الشتاء تمضه بمرارة=مترقبين طلوع فجر عاجل(6)
لا أنسى يوماً والطعام أمامنا=عند المساء وبابنا لم يقفل
والليل خيم والمنام مصيبة=والصبح إن يأتي فليس بأمثل
البعض منا مفطر حيث انتهى=والبعض منا صائم لم يأكل
زاروا العنابر والزيارة مرة=وأتت بألوان العذاب لنبتلي
يا رب فارحم ضعفنا ورجاءنا=وارحم بتدمر كل شهم باسل(7)
وارحم بتدمر كل أروع ماجد=من عالم ومهندس أو صيدلي
أو عامل يسعى بقوت عياله=في الحقل أو في السوق أو في المعمل
وارحم طبيباً في ثراه معذباً=قد فاز بين رفاقه بالأول
وأتى لينفع شعبه وبلاده=فمشى بليل راسفاً بسلاسل
وكذا يجازى العلم في أوطاننا=وبأمة رضيت بحكم السافل
يا حافظاً أنت الخيانة كلها=ولبست بين الناس ثوب مناضل
فمضى الشباب وفرقوه بقوة=بل صدعوا بالحق صرح الباطل
حتى إذا دار الزمان ونكست=رايات ظلمك في الحضيض الأسفل
ومشى بك الإخوان مكتوفاً إلى=ساح العدالة للقصاص العادل
لا تحزنن ولا تكن متعجباً=فكما تدين تدان يابن الفاعل
رباه هذا الليل خيم حقبة=فمتى يزول الظالمون وينجلي
ومتى سنحيا آمنين مع التقى=لا قيد سجان وصوت سلاسل
عشرون عاماً من حكومة حزبهم=فرضوا على الشرفاء حظر تجول
عاثوا فساداً في البلاد وأهلها=بل قيدوا في الجيش كل مناضل
أو سرحوه فأصبحت قواتها=تمضي بأمر الخائنين وتبتلي
حرب الهزيمة صيروها نكسة=بل صفقة من حاكم متعامل
رباه قد تقنا لرؤية راية=تعلو بتحكيم الكتاب المنزل
فمتى ستحقق والجنود تحفها=من حامد ومكبر ومهلل
الله أكبر والرسول زعيمنا=هذا نشيد الجيل في المستقبل
رباه أسأل والسؤال عبادة=أيحول حول للنظام العادل
من بعد ما فعلوه في أم الفداء=من التعسف والخراب الهائل
كم فيك يا أم الفداء مصائب=قد عيل صبري نحوها وتجملي
قد خلفوا فيك الدمار وضاعفوا=عدد اليتامى في حضون أرامل
كم مسجد خرت مآذنه ضحى=بمدافع الباغي وكم من منزل
أين الذين قضوا بأرضك نحبهم=تحت الركام من الشيوخ العزل
أما الشباب فهذه أخبارهم=ما بين مقتول وبين مضلل
أسمعت عن سجن المدارس يا أخي=وإذا عجبت فكيف
كم حرة فقدت شريك حياتها=وحلاوة الأيام من بعد تدلل
أما البقية والبقية مرة=صاروا كسكان البوادي الرحل
كم من فتاة عريت في حذوها=والوجه يحكي البدر بعد تكامل
تغضي حياء والحجاب يزينها=وتهيم في الشرف الرفيع الأمثل
دخل الجنود وساوموها عرضها=بسفاهة وخلاعة وتحلل
صرفت بكاء تستغيث ربها=ومضى اللقيط بفعله المتراذل
قد ضاق تعبيري وضقت بخطبها=ذرعاً وأعياني الكلام كباقل
يا أخت أندلس عليك تحية=حطمت آمال الشباب الآمل
أهديك يا أم الفداء بشائراً=بالعز والإزهار في المستقبل
وسمعت عن طفل تهشم رأسه=ألقاه أجناد السرايا من عل
بحماة في جسر الشغور بسرمدا=واسأل سراقب عن شباب راحل
كانوا كأزهار ترف بربوة=هبت عليها ريح ليل أليل
فإذا رطاب غصونها قد صوحت=نحو الذبول وأي زهر ذابل
صبراً سراقب للزمان دواره=والليل يطرده الصباح فينجلي
بمعرة النعمان كانت صفوة=ممن تجل من الشباب الفاضل
هذا هو الدكتور حسني(8) قد مضى=والعنفليص ولا تسل عن كامل
ومضى شباب الجامعات مضيهم=فخلت معرتنا من الشهب الألي
كانوا بشائر نهضة دينية=وعليهم الآمال في المستقبل
والآن لا أدري إلى أين انتهوا=أو كيف حالتهم غدت فتأمل
وخرجت منها سائلاً هل قرية=سلمت ولم تنكب فلم أتحصل
هذي مفرشمتي وتي تلمسني=ومعوشرين وعن سليم فاسأل
أو معصران وجرجناز فحدثن=عن خطب كل منهما واستعجل
نحو التمانعة التي قد أقفلت=أبواب مسجدها بقفل أثقل
أو قرية الغدفا وكم طفل بها=يبكي ويبكين بكاء الأرمل(9)
وإذا قصدت معر تحرما فالتمس=أخبارها وارجع إلى كفرنبل
واذهب إلى جسر الشغور وقف=على جثمان طفل بالحراب مهلهل
يا جسر أين نجومك الغر وأين=البدر كان مشتعشاً لم يأفل
أما الكواكب في المعار قد هوت=والسجن مأوى من بها لم يقتل
والبدر في الصحراء غاب مضمخاً=هذا الجواب وقد علمت فسجل
اسمع ندائي يا أخا الإسلام=في كل المواطن وانقل
أخبار طاغية الدروز وجيشه=ولواء جيش بالحمى مستبسل
هجموا على جسر الشغور وهدموا=أحياءها بحمية المستقتل
فكأنهم زنج تهاجم بصرة=ويفوتها صور بشعر من علي
وخرجت من جسر الشغور ميماً=حلبا لأحصى كم ضحايا القاتل
ووقفت في أحد الشوارع مصغياً=فسمعت من بعد صراخ مولول
فهرعت ملهوفاً لأكشف سره=وإذا بجيش دارع متسربل
عدد المعارك يستبيح صراحة=حي المشارقة التي لم يكمل
أفراحه بالعيد حتى داهموا=سبعين بيتاً كالوحوش وأثكل
إني ظلمتك يا وحوش معذرة=مني إليك فسامحيني واقبل
فوجدتهم سبعين زادوا عشرة=جمعوهم من ساحة ومنازل
وزهير مشروق يبارك خطوهم=إن الحذاء من المكان بأسفل
أما أريحا قد غزوها يا أخي=وجبال زاوية غدت كالمعقل
ملأوا قرى الجبل الأشم مفارزاً=وفصائل الوحدات إثر فصائل
والطائرات تحوم في أجوائه=تلقي جنودا كالجراد الآكل
خمسون معتقلاً أتوا من سرجة=واستشهد الزيدان خير مقاتل
في شهر أيلول الذي هتكوا به=حجب النساء وتلك بعض مهازل
قام النظام بها يريد تقدماً=أهو التقدم كشف شعر مسدل
والبازبور واحسم وبسامس=لاقت من الويلات مالم تجهل
هذه نماذج من ضحايا ظلمهم=المستبدا المستطير الشامل
واللاذقية ودعت أبناءها=وإمامها وبذكرهم فتعلل
لا بالسرور فقد مضت أوقاته=لكن بدفع مثل ماء المرجل
لم يبق في طول البلاد وعرضها=من قرية ومدينة أو منزل
إلا أصيبت في أعز شبابها=الطيبين الطاهرين الكمل
بل إن جبهتنا القديمة ألغيت=وتحولت بسلاحها للداخل
أجل على عهد اليهودي الذي=ضرب العروبة في ثياب مناضل
والكل والمقصود من هذا=هو الإسلام فاصح يا أخي لا تغفل