هل أصبحَ التاريخُ فينا دَمْعَةً...؟
قد قلتَ يا...يا سيِّدي...
قد قلتَ لي...
الحبُّ بوصَلَةٌ تواسي دَمْعَةً
تجري على خدِّ المَلامْ!
فَلِماذا توجِعُني...؟
دَليلُ دَمي يُعّذِّبُهُ غيابٌ
راحَ يَقْرأُ دمعَ أمَّي في ضَبابِ دمي
ما راحَ يقرؤني سوى ليلِ الحُطامْ!
فلماذا تُوجِعُني...؟
أقمحي في انكسارِ مشيئَتي
ما قامَ يَحْرُسُ قُبلَةً على خدِّي
يُدْميها الظَلامْ؟
لا وقتَ يُرجِعُني إلى ذاتي
ولا صوتٌ سيسمِعُني الصَّدى
خُذْني إلى بَحرٍ على أمواجِهِ مَطَرُ العِتابِ،
يَقودُني... أَمشي إلى قَمحٍ سيُرجِعُني
إذا ما طلَّ في القلبِ الغَمامْ
هلْ تاهَ فيَّ الوقتُ فوقَ متاهةِ الزيتونِ؟
هلْ...؟
قد صاحَ ديكُ الفَجْرِ في ثديِّ الثَّرى!
فَلَمَسْتُ في روحي حَليبَ دمي...!
ما تاهتْ رؤاهُ...
إذا سألتَ حَنينَهُ، لأجابَ حارِسَ قلعَةٍ:
"ما زالَ يَحرُسُ في ثرى القُدسِ الذِّمامْ".
تَتَقَدَّمُ الأيامُ بوصَلَةً تَموجُ بِحِسِّها
فَرَأيتُ في يَدِها حَليبَ فمي
قَطَفْتُ منَ الثرى لوني قَرَنْفُلَةً
رأيتُ حَلِيبَها في... في يدي..
فعَرَفْتُ لونَ هويَّتي...
فَدَمي يُعَطِّرَهُ الرضامْ
وأعودُ أسألُ سرَّ همَّي
كيفَ ... كيفَ لِدَمْعَةٍ تمشي على خدِّي؟
ولمْ... لمْ أُشفَ من وَجَعٍ يُعَذِّبُ في دمي نَدَمي!
فَصاحَ على يدي حَجَرٌ يقولْ:
" لا تَنْتَظِرْ... لا تَنْتَظِرْ... حِبرَ الكلامْ"
لُغَتي تحومُ فَراشَةً لا... لا ترى إلاَّ "يهوذا"...
يَقْطِفُ الأيامَ دمعاً من دمي...!
ودمي يتوهُ على طَريقِ ضَبَابِهِ...
فتعَطَّلَتْ لُغةُ الفَرَاشَةِ، وانتهى حبرُ الضياءِ،
فحَوَّطَ الخطوَ القَتامْ!
وطُقوسُ شمسي نَظْرَةٌ خضراءَ،
تَمشي شهوَةً تشتاقُ لونَ رحيقِها
والشوقُ أعْطَبَهُ سَرابُ خِيانَةٍ...
فاذا الندى لم يكتبِ التَّاريخَ فوقَ دمي
فكيفَ سيكتُبُ التَّاريخُ في قلبي اليمامْ؟
وَقَفَتْ على الأغْصانِ دَهْشَةُ حَيْرَتي
خَرْساءَ تُتْعِبُها المَتاهةُ،
ما نَطَقْتُ بغيرِ قنْديلي...
وصوتي يقرأُ الكلِماتِ شوقَ سَحابَةٍ
وقِراءَتي وَجَدَتْ "يهوذا" يُطفئُ القِنْديلَ،
لا شيءَ يُشْعِلُ لَحظَةً دَمُها يَسيرُ إلى دُموعِ حَنينِها
إلاَّ بِعَصفٍ جَمْرُهُ منْ دَمْعِهِ
أسقى الحَمامْ!
لا شَهْوَةً خَرَجَتْ بغيرِ مَذاقِ حُلْمٍ...
يَشتَهي لونَ الصَّهيلِ،
متى سَيَشْتاقُ الحنينُ هديْلَهُ؟
خذني إلى وقتٍ لأَقطُفَ في مَذاقِ الحُلْمِ،
بُركانَ الشَجَرْ!
قد قُلْتَ يا... يا سيِّدي
قد قُلْتَ لي
الحبُّ بوصَلَةٌ تواسي دَمْعَةً تجري
على خدِّ القَمَرْ
فَتَذَكَّرَتْ كَلِماتُ قلبي شَوْقَ حُبِّكَ،
قلتُ: أحمِلُهُ معي...
قَبَّلتُ فيهِ شِغافَ قَلبِكَ،
كيفَ ما قَبَّلتْ شُطآنَ عمري
غيرَ أمواجِ الخَطَرْ؟
ودُخانُ دربي لَفَّ قمحي مَجْدَلِيَّةَ دَمْعَةٍ
فَلِماذا تأخُذُني المتاهَةُ، مثلَما أخَذَتْ
على عَطَشِ الرؤى الصَّحراءُ؟
لا شيءَ في الصَّحراءِ غيرُ سَرابِ رَملٍ
لا يواسي مجدليَّةَ دَمْعَةٍ
تَشْتاقُ ألوانَ الثَّمَرْ!
يا سيِّدي عِطْرُ الورودِ على الثَّرى
يَستافُ لوني...
كيفَ لا تستافُ أَغْصَاني سوى دَمْعِ المَدى؟
لا يَغْفِرُ الزَّيتونُ صمْتاً...
قَد تَصاعَدَ فوقَ هاوِيَةٍ...
وما... ما استلَّ من دَمِهِ الشَّرَرْ
أأسيرُ في نسيانِ قافِلَتي...؟ لا
لا شيءَ يأتي غيرُ قبري
أو شذا وَطَني...
فكيفَ؟ وكيفَ أُتعِبُ ذاتي في أفكارِها؟!
إمَّا احتضانُ القَمحِ، أو مَطيُّ السَفَرْ!
في الصَّمتِ تبكي فَراشَةٌ في ظلِّ قبري
أينَ منيِّ البحرُ؟ أينَ الموجُ؟ أينَ؟ وأينْ؟
أنا لُغَةُ البِحارِ، تعيشُ في أمواجِها...
وإذا آمْتَطَيْتُ عَواصِفي
لا يَمتَطي ظلِّي سوى لُغَةِ البَحَرْ
كيفَ آنْطَفَتْ منِّي الفصولُ؟!
وما انطَفى دمعٌ على خدِّي
فيا... يا سيِّدي خدِّي انكَسَرْ!
ورأيتُ في كَفْيّْكَ جُرْحي راعِفاً
ما... ما رأيتُ سوى " يهوذا" لَحظَةَ عَتْمَةٍ
جاءَتْ لِتَغْسِلَ في دمي وقتي
فيا وقتاً بأيِّ مشيئَةٍ تأتي؟
وما... ما زلتَ تَنْتَظِرُ اليَمامَ على صدى وَجَعي؟
فَقُلْ:
" أتَعَثَّرتْ فيكَ القوافِلُ،
ما تَعَثَّرَ في الدروبِ دُجى الحُفَرْ"
ومَشَيْتُ يا ... يا سيِّدي
لأُلَملِمَ الأحزانَ عن وقتي كَخيمَةِ دَمْعَةٍ
فبأيِّ لونٍ قد أُلَمْلِمُ لَحظَتي
واللوَّنُ أصبَحَ في في يدي دَمْعاً
ودمعي كَيْفَ أقلَعَهُ؟
وما... ما زالَ في يَدِيَ التْرَدُّدُ والقَهَرْ؟
والوقتُ يُدمي رؤيَتي...
فمتى ستنسى العينُ دَمْعَةَ جَمرَةٍ
أبكَتْ سُكوتَ حِجارتي؟
وحِجارتي لا تنسى...
في عينيها أحزانُ السَهَرْ
وبِأيِّ هَمٍّ لَمْلَمَتْ عَطَشَ الطريقِ مشيئَتي؟
ويَدي بِلا بئرٍ...
فَكيفَ أقومُ أرسِمُ في الدموعِ سَحابَةً؟
هل أملأُ الأشياءَ من دمعي؟
وصوتُ " المعمَدانِ" تَمَنْطَقَتْ رؤياهُ
في رؤيا الحَجَرْ
عَلَّمْتَني يا سيِّدي نقشَ السَّماءِ على كَلامِ قصيدتي
أَمْسَتْ حروفي في سَماءِ كَلامِكَ أيقونَةً
كحِجارَةٍ مِقْلاعُها صوتُ الظَّفَرْ
قد قُلْتَ أَعْطي ثوبَكَ الثاني
لَعَلَّ الريحَ تسكُنُ في يَدَيْكَ ندىٍ
وما سَكَنَتْ على ظِلِّي سوى عَوْيِ الذِّئابِ،
فصاحَ ثوبي كيفَ تَتْركُني على بواَّبَةِ القدسِ الشريفِ،
كغيمَةٍ عَطْشى وما طلَّ المَطَرْ؟
يا ليتني وقتَ انهِزامِ يَمامَتي
ما بِعتُ جَدِّي!
ليتَني قلَّبتُ أوراقي وكوشاني
فيا... يا ليتني...
لَرَأيتُ الدَّمعَ فيَّ سَحابَةً
أسيبقى يوجِعُني التَّمَني؟
وما... ما أورقَتْ أيَّامي في ظلِّ التَّمَنْي
ما خَطَتْ فيها الدُّرَرْ!
أأتيتُ أبحثُ عن ندىً فيهِ عَزاءُ دَمي
لِأُشْهِرَ خيمَةً أُخرى؟
فصاحتْ خيمَتي الأُولى:
"تَعِبْتُ منَ الرَّحيلِ، فكيفَ أذبَحُ في يدي
جَمرَ التَّشَرُّدِ؟ كيفَ؟
ما زالَ يوجِعُني الهَجَرْ
وأنا على وَجَعِ التُّرابِ تَداخَلَتْ لُغَةُ الحَنينِ،
على ضَبابِ الوقتِ تَنْتَظِرُ الصَّباحَ،
وما تَدَاخَلَ خَطْوُها لُغَةً
يُبَلِّلُها الحُسامُ،
تَعَطَّلتْ لُغَةُ الحنينِ لأنَّ بوحَ كلامُها
يُدمي الكِبَرْ!
ما زالَ في دمعي " يهوذا" شَهوَةً
عَبَثَتْ على قلبي بِعَتْمَةِ رَشْوَةٍ
تغتالُ من دمِي الحضورَ،
وفي مياهِ الليلِ تَعجِنُ خُبْزَ أمِّي!
ويحي أما ما زلتُ مُتَّكِئاً على وَجَعِ الضَّبابِ،
فَكَيْفَ يصحو في دمي
صوتُ الخيولْ؟!
لَمْلَمتُ دَمعي فوقَ جُدرانِ المَكانِ،
فَخانَني وقتي...
ولمْ أحمِلْ إليهِ سَنابِلي...
فَتَعَلَّقَتْ فيَّ المَرَاثي...
ويحي فَقَدْ خَجِلَ الصَّباحُ،
وما... ما فارَقَتْ رُؤْياهُ
ألوانَ الأُفولْ!
هلْ... هلْ أصابَ أصابِعي كَسَلُ النَّدى؟!
فَتَصاعَدَتْ مِنهُ غُبارُ الليّْلِ هاوِيَةً
تُكَسِّرُ لَهفَ قلبي...
كًلَّما اشتَعَلَ التَّشَوُّقُ فوقَ لهفِ أصابِعي!
ويحي أيَشْتَعِلُ الحنينُ إذا تَناسى القلبُ
أشواقَ النَّخيلْ؟
وبأيِّ عاطِفَةٍ سَأسمَعُ "أَشْعِيا"؟
في حَضْرَةِ التَّاريخِ يَقطِفُ منْ جِرارَكِ أمَّي
لونَ دمي فراشَةَ غيمَةٍ...
تجري إلى بوحِ الضِّياءِ وثيقَةً
منْ... من سيُلغي حُضورَها
ودمي الدَّليلْ؟
فَلِماذا أنْتَظِرُ القَوافِلَ في مدى نسيان ذاتي
والصهيلُ هديرُهُ قد هزَّ بئراً
فارتَوَتْ في القُدسِ صحراءُ البَتُولْ؟
وبأيِّ عاصِفَةٍ أُعيدُ الثَّوبَ لي؟
وأنا على كَتِفي هزيمَةَ غَيْمَةٍ!
هل أصبَحَ التَّاريخُ فينا دَمْعَةً؟
ما في يدي غيرَ الكلامِ أَسُوقُهُ خَجَلاً
فيبكي القمحُ أحلاماً
على حَجَرٍ يُوَجِّعُهُ الذُّ بولْ!
هلْ ضاعَ منِّي أشعيا؟
لا ... لا يَزالُ بِشارةً تشتاقُ " حيفا"
كيفَ لا أشتاقُ من فَمِهِ نُبوءَةَ حُلْمِنا
وأُجَرِّدُ الأشياءَ من دمعٍ
على قلبي انفَطَرْ؟
يا سيِّدي... لمْ... لمْ أجِد في ساحتي
إلَّا أنا...!
فبأيِّ ثوبٍ غيرُ ثوبِ دمي
سَأَدْخُلُ غيمَةً لا تَنْكَسِرْ؟
وسوم: العدد 809