جاءني أحد الشباب من مدينة حماة وقد رآني كيف أثمن عمل السخرة الخارجية والحراس الليليين ورؤساء العنابر وقد كتبت فيهم بعض الأبيات، وكان هذا الأخ من المضمين على جميع الصعد وقال لي ألا أستحق قصيدة قلت له نعم هو الأخ أكرم دعاس من حماة وقد سميته (أبو بصير) لشجاعته، ثم تابعت مدح الأخوين موفق وعبد الغني عمره وقد حدث أكثر من تنفيذ في تلك الفترة فتابعت المديح بالرثاء وتوفي الأخ هيثم الشيخ ديب من اللاذقية بحمى التيفوئيد والشهداء الذين سأرثيهم الآن هم:
1- الأخ هيثم توفي 8/5 مساء الأربعاء 1985 من اللاذقية.
2- الأخ وليد دقاق – محمد عبد الكريم الأحمد – عبد الرزاق شحود أعدموا في 11/5/ يوم السبت 1985 حماة
3- الشهيد محمد عبد الله اليوسف – أعدم في 13/5/ يوم الاثنين عام 1985
وفي نيسان كم قتلت رجال وسحت في شباطعهم الدماء
والآن ابدأ برثاء الشهيد هيثم توفيق الشيخ ديب ومن بعده من الشهداء
أخي أبا بصير أبا الوفاء=ويا مثل الفتوة والإباء
تقبل هذه الأبيات ذكرى=ورمزاً للمودة والإخاء
عرفتك في الشدائد مثل سهم=تواجه ما تنزل من بلاء
كما زانتك أخلاق عذاب=بأيام السعادة والرخاء
أراني الله طلعتم سريعاً=وموعدنا غداً أم الفداء
شباب رغم هول السجن كانوا=كأسدٍ في العزيمة والمضاء
وما أثنت عزائمهم للسياط=ولا لكمٍ وركلٍ بالحذاء
وإني لست موفيهم بشعري=حقوقهم وإني في عياءٍ
سأجعل من بطولتهم حديثاً=ندياً بالمديح والثناء
وإني بعد صحبتهم زماناً=أخذتهم أعز الأصدقاء
ضراغيمٌ وكانوا من مضاءٍ=سيوف الهند تبرق في اللواء
يجيبون النداء لكل خطبٍ=على رغم المخاوف والشقاء
ويا عبد(1) الغني جزيت خيراً=وأمدح مذعناً لا لرياء
بفضلك حيث إن الفضل دين=وما شعري سوى بعض الجزاء
أبا القعقاع يا أسداً هصوراً=بآجام العلا والكبرياء
وكمٍ خطبٍ ألم بنا عظيمٍ=فكنت لهوله كبش الفداء
أبا القعقاع يا تاجاً وعرفاً=وإكليلاً برأس الخلصاء
ولن أنسى مواقفكم حياتي=وعذراً إن أغيث في الثراء
شباب حماة من عاشرت منكم=ذوي الأخلاق أصحاب النداء
ببذل النفس في كل اعتراكٍ=ومعمعةٍ بسجن الأدعياء
أقررها بصدقٍ واعترافٍ=وتدعوني الشهادة للأداء
فأدلي قائلاً وبكل فخرٍ=لتنجب مثلكم رحم النساء
وقلبي كلما ذكرت حماةٌ=تصدع ثم أوحى بالبكاء
لعيني والدموع جرت غزاراً=على الخدين تهطل في سخاء
فكم نكبت وكم فيها مصابٍ=وكم جرحٍ يثور مع المساء
وبيتٍ قد خلا من ساكنيه=سوى الأطفال مع بعض النساء
مصاب طارت الأخبار فيه=يجل على التأسي والعزاء
وجاءوا بالدعاة وعذبوهم=وأهل العلم خلف الأنبياء
وداعاً يا أطباء عظاما=ويا إخواتنا وإلى اللقاء
وأعيان المدينة من طيبٍ=وأركان الحضارة والبناء
إذا أقبلت عبادتنا وذكر=وطاعات وناملة الدعاء
وآمالي بأن أرد العواصي=وأشرب ماء هارون ارتواء
وأمشي في شوارعها وامضي=لبيت الله في وقت النداء
وحولي من أسود الفيل جمع=وزهرات الشباب الأتقياء
أهيثم قد جرحت القلب جرحاً=وعاش القلب بعدك باكتواء
أبت بآفة الحمى وكانت=مبرحةً وغلت في خضاء
بسجنٍ لا علاج به وخوف=ونقص في الطعام وفي الغذاء
ومع هذا فلم نحسب لموتٍ=فقد كنا نؤمل بالشفاء
وأهملك اللئام وأنت تذوي=وتذبل لا انسداد بالحشاء
إلى أن جاء أمر الله ليلاً=وسلمنا الأمور إلى القضاء
وفاضت روحكم والله يدري=ويعلم ما بسجن الأشقياء
من الويلات أو أمثال هذا=وما يلقى الشباب من العناء
ومالك من شبيه غير وردٍ=فريدٍ في الجمال وفي البهاء
يسر الناظرين إذا رأوه=من الريح الزكية والزهاء
تخلى عنه ساقيه وولى=وظل الورد محتاجةً لماء
إلى أن جف واسود غصون=وحالته الرياء إلى هباء
وما إهمالهم إلا دليل=على العمق المركب في العداء
نصيريون أشأم من عليها=وأدنى قيمةً من خنفساء
وهذا ما جناه عليك قوم=أميز الكلب عنهم بالعواء
وأربأ فيه من نزهٍ وأسمو=عليهم بالأمانة وبالوفاء
ثمانٍ قد خلون من الليالي=بأياء مساء الأربعاء
وخمس ثم ثامنة وتسعٌ=وألفٌ قد تلتها بانطواء
دنت شمس الغروب لمنتهاها=وخر البدر من كبد السماء
لقد قتلوه إهمالاً وعدواً=وبالإهمال عين الاعتداء
وهذا يومه فتذكروه=وتم الدفن في أرض الخلاء(1)
أبا ديب سقتك اليوم مزن=عذاب صوتك من السماء
فقدنا مؤمناً بل قل ملاكاً=تظن من البراءة والصفاء
ولم أملك سوى دمعي وشعري=وتدوين القصائد والرثاء
شباب اللاذقية اقبلوها=فأنتم في مثابة أقرباء
وإن كنا أصبنا فيه طراً=وكنا في المصاب على السواء
سأروي هذه المأساة فعلاً=وآلاف المآسي في جلاء
مريض ضجت الآلام فيه=إلى أن مات معتلاً بداء
وما نقلوه إصراراً أو عمداً=لمستشفى وضنوا بالدواء
سوى النذر ليسير وليس يجدي=وهيثم كل يومٍ للوراء
وحاربه الطبيب وضاق ذرعاً=وقلب الكل يغلي الجواي
أهيثم إن حقك بات فرضاً=علي وقد عجزت الأداء
فأرجوك السماحة يا كريماً=لأني ما قدرت على العطاء
إلهي ضاقت الدنيا علينا=وما للناس غيرك من رجاء
وآلاف الشباب تموت شنقاً=بسجن شهيدٍ في أرض القواء
وقلبي صار أعشاراً كعهنٍ=تطاء بعد نقش في الهواء
لأن أحبتي ماتوا جميعاً=ومن يحيا فعين عيني نأني
أبا توفيق اتسعت جروحي=بآلامٍ أحد من المراء
أتدري أنهم قد فاجؤونا=ونحن نعيش أيام العزاء
بإعدامٍ رهيبٍ نفذوه=ومجاعةٍ تناقش بالحذاء
وليد يا ابن دقاقٍ سلاماً=لروحك وهي تخفق في الفضاء
إلى أن شارفت جنات عدنٍ=مخبتها ملائكة السماء
هزار كان في داري يغني=ويطربني وهي تخفق في الفضاء
وأما ابن أحمد لا أراه=سوى ملك تجلبب في الضياء
نظرت إليه محتسباً مصابي=ووجهه مشرق مثل السناء
هنيئاً يا ابن أحمد بل وطوبى=لما في الخلد من عيش الهناء
أبا شحود يا بطلاً أبياً=ومالك من مثيلٍ في الإباء
عرفتك في سجونهم هزبراً=كأنهم بعينك الكقذاء
وقد فارقتنا فإلى جنانٍ=وجنان الخلد أبشر والبقاء
محمد يوسفٍ وهلت وقلبي=وذبت عدا الحشاشة والذماء
وقفت بنا خطيبا قبل موتٍ=تودع والمشاعر في غلاء
ووجهك مشرق الوجنات طلق=وما لجمال وجهك من كفاء
وقام أبوك في قلبٍ صديعٍ=يزين حسن قدك بالكساء
أبا عزام قابلها بصبرٍ=ولا تجزع لطارقة النواء
محمد في الجنان فقر عيناً=وهلل بالسعادة والرضاء
وأبدلنا بوجمتك ابتساماً=وبالإطراق رفعا للعلاء
فابك قد تأسى في شبابٍ=تخرج في المدينة من قباء
وسار على طريقتهم بهديٍ=وفيهم اقتدى خير اقتداء
وناداه الإله إلي عبدي=فلبى مسرعاً صوت النداء