من وحيِ القرآنِ
حجازُ لقلبِي بالحجاز هُيامُ
ووَجْدٌ له طيَّ الضلوع ضِرامُ
بعدتَ ولم تبْعُد فأنتَ بخاطرِي
مقيمٌ، فلا ملَّ النزيلَ مُقام
حللتَ فؤادًا خاليًا فملكتَه
وما قادَه إلاَّ إليكَ هُيام
ولا بدَّلَ الحبَّ الزمانُ فإننا
تُصان عهودٌ عندنا وذِمام
لقد لامني فيك العذولُ سفاهةً
ومن يعشقِ الأوطانَ كيف يُلام
يقولُ أتهْوَى منزلاً ما عرفتَه
فقلتُ: أمَا الأجدادُ فيه أقاموا؟
فما أنكر الآباءَ إلا مهجَّنٌ
ولا الدارَ إلا مارقون لئام
لئن لم أكن بالعصْر هذا متيّمًا
فلي بالعصور السالفاتِ غرام
غراميَ نجدٌ والحجازُ وأهلها
وجرعاؤها وديانها وإكام
ونوقٌ على الكثبان تحدو رُعاتُها
يلوح دخانٌ خلفَها وخِيام
ونخلٌ على الواحاتِ مدَّ رُواقَه
تداعبُه ريحُ الصَّبا ونِسام
أصاحِ أدرْ طرفَ الخيال لما مضى
فما يحجبُ الفكرَ المنيرَ ظلام
تشاهدْ عِتاقًا قد تعشّقتِ الوغى
إذا ثوَّبَ الداعي فهنَّ غَمام
تُغيرُ فما يومًا ألمّ بها الونى
ولا صدَّها عند اللقاء لِجام
عليها من الفرسان عُرْبٌ أشاوسٌ
إذا اهتزَّ خطّيٌّ وسُلَّ حُسام
عليها بنو عدنانَ فاضت جموعُهم
وقحطانُ تتلو والفِجاج قتام
جبابرُ لبّوا دعوةً علويّةً
فغابت نصالٌ جُرِّدتْ وسِهام
دعاهم إلى الإيمان بالله وحدَه
رسولٌ شريف النبعتين هُمام
محمدُ خيرُ الخلق من آل هاشمٍ
نبيٌّ كريمٌ والجدود كرام
لقد شرَّفَ اللهُ الوجودَ ببعثه
وتمَّ له فوقَ الأنام مَقام
مذِ اختاره الرحمنُ للجهل آسيًا
توارتْ جهالاتٌ وزال سَقام
أنار عقولاً أوغلتْ في ضلالها
وأزرى بنور البدر وهْو تَمام
تقيٌّ نقيٌّ زاهدٌ متهجِّدٌ
عزيزٌ أبيٌّ ليس فيه مَلام
شجاعٌ كريمٌ لا يُخيِّبُ سائلاً
ولا عن غياث المستجير ينام
قديرٌ حليم ٌسيّدٌ متواضعٌ
حكيمٌ بتصريف الأمورِ هُمام
عفيفٌ يفَيض الطّهرُ من نور وجههِ
حبيبٌ مَهيبٌ منذ كان فِطام
فضائلُه حين استبانت لقومه
دعَوه أمينًا وهو بعدُ غُلام
سجاياه أعيا وصفُها كلَّ حاذقٍ
فقصَّرَ مَدّاحٌ وضاق كلام
ولستُ أجيد القولَ لكنّ مِدحتي
مناقبُه أملتْ بها وغرام
يقولون ما آياتُه، ضلَّ سعيُهم
وآياتُه - ليست تُعَدّ - عِظام
كفى معجزُ الفرقان للناس آيةً
علا وسما كالنجم ليس يُرام
فكلُّ بليغٍ عنده ظلّ صامتًا
كأنّ على الأفواه صُرَّ كِمام
كفى نصره فردًا تعاديه أمّةٌ
ومن ينصرِ الرحمنُ كيف يُضام؟
تُدافع عنه العنكبوتُ بخيطها
ويدفع كيدَ المشركين حَمام
وسوم: العدد 821