في ظاهر غرناطة مكان يسمى إلى اليوم «حسرة العربي» يروى أن أبا عبد اللَّه الصغير وقف عليه وألقى منه النظرة الأخيرة على الحمراء وبكى، فقالت له أمه: ابك كالنساء ملكاً لم تحافظ عليه كالرجال.
بكى حينما حان الوداعُ وأُسْدِلت=ستورٌ على الحمراءِ حمراءُ
وغاب أذان طالما ملأ الدُّنا=وأقبل هول الموت في موكب عمي
ورنّتْ نواقيس الكنائس تزدهي=وأسفر عن أحقاده كل مجرم
وأقفرت الساحات من كل راكع=وتالٍ كتاب اللَّه في جوف مظلم
وهُتِّكَت الأستار عن كل حُرَّةٍ=وأُغْمِدت الأسياف من كل مسلم
وصاحت عجوز مزَّقَ الدهر =وناحت فتاة في صباها المُحَطّم
وعريت الأفراس من كل ماجدٍ= سريعٍ إلى الُجلّى وفاد وضيغم
وجاء عميد الغالبين يؤزُّه=صليبٌ إلى الثارات حارقةً ظمي
وقال أتينا ظافرين أعزّةً=إلى راية الإنجيل نهفو وننتمي
أتينا تسدُّ الشمسَ منا زحوفُنا=وجئنا كسهم من قضاء محتَّم
فسلم لنا سيفاً وتاجاً وراية=وغادرْ ربا الحمراء عجلانَ
وقالت له أمٌّ حَصانٌ أبيةٌ =وفي قلبها حزن مرير كعلقم
حرامٌ عليَّ الدمع فالعربُ أمتي=ودمعيَ كالعنقاءِ والصبر ملهمي
أنا الفارس المفجوع فيما صنعته=وأنت كعاب في إزارٍ منعَّم
ألا فابك مثل الغيد ملكاً أضعته= وما صنته عن عفة وتكرُّم
ألا كنت مثل الليث في حومة الوغى=يصول إذا يرمي ويشدو إذا
وخضت إلى الفردوس بحراً من =وأنت الأبي الحر والفارس الكَمي
وموتك في الحمراء عرس =وغُنْمٌ جليلٌ دونه كل مَغْنَم
ولو مُتَّ مقداماً لعشتَ مخلّداً =وصرتَ نشيداً كالأغاريد في الفم
وخُلِّدت بين المسلمين كحمزةٍ=وكفنت في برد من المجد والدم