سألتُ دَمْعي أجرحٌ جَدَّ في يَمَنٍ=أم أنَّه الجُرحُ في شامٍ وبَغدانِ؟
أمْ قد ذرفتَ لشجْوِ القدسِ عانيةً= أمْ قدْ أسَيْتَ لمِصرٍ أمْ لِلُبنانِ؟
أمْ راعكَ الخطبُ يُدمي في طرابُلُسٍ=أمْ في الجزائرِ أمْ في أرضِ سودانِ؟
فأنْهَرَ الدَّمْعُ في الخدَّيْنِ منسكبًا= وقالَ أبْكي على أهْلي وخُلَّاني
ما عادَ لي في بلادِ العُربِ من أمَلٍ= ما عدتُ أشدو "بلادُ العُرْبِ أوْطاني"
في كلِّ ناحيةٍ تجتاحُ جائحةٌ= يَبقى الحليمُ بها في ثوْبِ حَيْرانِ
في كلِّ ناحيةٍ أوْجاعُ عاديةٍ= وأنَّةٌ لسجينٍ تحتَ سَجَّانِ
في كلِّ ناحيةٍ لِصٌّ يُخادعها= ويسرقُ القمحَ من أرضٍ وبُستانِ
ما عدتَ تسمعُ فيها شدْوَ شاديةٍ= إلَّا نعيقًا لبومٍ أو لغِرْبانِ
كأنَّما خرَسَتْ أنغامُ أُلْفتِنا= وقدْ توارى الهَوى في طيِّ نِسيانِ
تطاوَلَ اللَّيْلُ فيها مِثلَما جبَلٍ= أناخَ فوْق الحشا في ثِقْلِ أطنانِ
وصاحَبَتنا رؤى الأحزانِ من زمَنٍ= وواكبَتْنا الدَّواهي مِثلَ طوفانِ
وخِيلَ أنَّا وُلِدنا في مُكابدةٍ= كأنَّما نحنُ في أتُّونِ بُركانِ
فليْس تُحصَى بأعدادٍ مصائبُنا= وليْس تُحصَى سهامُ الصِّلِّ والشَّاني
قد استشاطتْ بنا ألْوانُ فُرقتِنا= وكادَ يَنْضَبُ فينا وَحْيُ قرآنِ
فحاربَ الأخُ في المَيْدانِ إخوَتَهُ= وقد جهِلْنا مَنِ المَجْنِيُّ والجاني!
وها هي الفِتنةُ الشَّعواءُ قدْ هَدَمَتْ= ما كان مِن أسُسٍ فينا وأرْكانِ
نُسلِّمُ الأمْرَ للأعداءِ في وَهَنٍ= وفي رضوخِ الضَّعيفِ الصَّاغرِ الواني
يا قوْم هذي تباريحٌ مؤرِّقةٌ= ما عادَ ينفعُ فيها أيُّ كِتمانِ
يا قوْم أيْن شعارُ الأمسِ وحَّدَنا= وأيْن فينا شغافُ الوامِق الحاني؟
وأيْن ما كان فينا من مُساعَفةٍ= وأيْن عزمُ الفتى ذي الهِمَّةِ الباني؟
وأيْن فينا زعيمٌ راشِدٌ فطِنٌ= يقودُنا في أمانٍ نحْوَ شُطآنِ
يخشى الإلهَ ويُحيي مَجدَ أمَّتِنا= يكونُ نسغًا لأوْرادٍ وأغصانِ
يُرسي دعائمَ صرحٍ طالَ مَطلبُهُ= ويَنتضي سيْفه في دَحْرِ عُدوانِ
إلى مَتى سنقولُ الدَّهرُ فرَّقنا= إلى متى سوْف نبقى رَهْنَ أضغانِ؟
متى سيعلو لنا شأنٌ بعالَمِنا= ونستعيدُ زمانًا عاليَ الشَّانِ
متى تُوَحِّدُنا آلامُ حاضِرنا= لنبْنيَ الغدَ في حبٍّ وتحنان؟
متى تعودُ هديرًا في حَناجرنا= فوْقَ الرُّبوعِ "بلادُ العُرْبِ أوْطاني"؟