من لامية العجم للطغرائي
حبُّ السلامةِ يثني هم صاحبهِ = عن المعالي ويغري المرء بالكسلِ
فإن جنحتَ إليه فاتخذ نفقاً في = الأرض أو سلماً في الجوِّ فاعتزلِ
ودع غمار العُلا للمقدمين على = ركوبها واقتنعْ منهن بالبللِ
يرضى الذليلُ بخفض العيشِ مسكنهُ = والعِزُّ عند رسيم الأينق الذّلُلِ
فادرأ بها في نحور البيد جافِلةً = معارضات مثاني اللُّجم بالجدلِ
إن العلا حدثتني وهي صادقةٌ= فيما تُحدثُ أن العز في النقلِ
لو أن في شرف المأوى بلوغَ منىً = لم تبرح الشمسُ يوماً دارة الحملِ
أهبتُ بالحظِ لو ناديتُ مستمعاً = والحظُ عني بالجهالِ في شُغلِ
لعله إن بدا فضلي ونَقْصهمُ= لِعينه نام عنهم أو تنبه لي
أعللُ النفس بالآمال أرقبها = ما أضيق العيش لولا فُسحة الأمل
لم أرتضِ العيشَ والأيام مقبلةٌ = فكيف أرضى وقد ولت على عجلِ
غالى بنفسي عِرْفاني بقينتها= فصنتها عن رخيص القدْرِ مبتذَلِ
وعادة السيف أن يزهى بجوهرهِ = وليس يعملُ إلا في يديْ بطلِ
ماكنتُ أوثرُ أن يمتد بي زمني = حتى أرى دولة الأوغاد والسفلِ
تقدمتني أناسٌ كان شوطُهمُ= وراءَ خطوي لو أمشي على مهلِ
هذاء جزاء امرىءٍ أقرانهُ درجوا= من قبلهِ فتمنى فسحةَ الأجَلِ
فإن علاني من دوني فلا عَجبٌ= لي أسوةٌ بانحطاط الشمسِ عن زُحلِ
فاصبر لها غير محتالٍ ولا ضَجِرِ = في حادث الدهر ما يُغني عن الحِيلِ
أعدى عدوك من وثِقتْ به = فحاذر الناس واصحبهم على دخلِ
فإنما رُجل الدنيا وواحدها = من لايعولُ في الدنيا على رجلِ
وحُسن ظنك بالأيام معجزَةٌ = فَظنَّ شراً وكن منها على وجَلِ
غاض الوفاءُ وفاض الغدر وانفرجت= مسافة الخُلفِ بين القوْل والعملِ
وشان صدقكَ عند الناس كذبهم= وهلْ يُطابق مِعْوجٌ بمعتدلِ
إن كان ينجع شيءٌ في ثباتهمُ = على العهود فسبق السيف للعذلِ
يا وراداً سُؤر عيش كلُّه كدرٌ = أنفقت صفوك في أيامك الأول
فيم اقتحامك لجَّ البحر تركبهُ = وأنت تكفيك منهُ مصة الوشلِ
مُلكُ القناعةِ لا يُخشى عليه ولا= يُحتاجُ فيه إلى الأنصار والخَولِ
ترجو البقاء بدارٍ لاثبات بها= فهل سمعت بظلٍ غير منتقلِ
ويا خبيراً على الإسرار مطلعاً = اصمتْ ففي الصمت منجاةٌ من الزلل
قد رشحوك لأمرٍ إن فطٍنتَ له = فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهملِ