* دير الزور : بلدة الشاعر الواقعة على نهر الفرات
لربي الحمدُ خلاَّقِ الأنامِ=حباني بالرشادِ على الدوامِ
نشأتُ ولي من الإيمانِ باعٌ=عليه أشدُّ في عيشي زمامي
ولم أقربْ مدى أيامِ عمري=فِعالَ الشَّرِّ أو متعَ الحرامِ
ولم أعبدْ سوى الرحمنِ ربَّا=ولم أرهبْ طواغيتَ الظلامِ
ولم أسجدْ لغيرِ اللهِ إنِّي=بريءٌ من ضلالاتِ اللئامِ
ولم أركضْ وراءَ هوىً ، وحسبي=سلوكي ــ بالهدايةِ ــ واهتمامي
وسُنَّةُ خيرِ خلقِ اللهِ نورٌ=يضيءُ مكاره الدنيا أمامي
وعشتُ وإخوتي في اللهِ صحبي=وهل أغلى من الصَّحبِ الكرامِ
أراهم فرحةً بربوعِ صدري=أردُّ بعَذبِ نجواهم أُوامي
قضينا أهنأَ الأيامِ نسمو=بآدابِ المودةِ والوئامِ
فهم درعي إذا هاجتْ خطوبٌ=وعوني في القعودِ وفي القيامِ
ويجمعُنا بحبِّ اللهِ عهدٌ=تألَّقَ بالوسائلِ والمرامِ
ويُتحفُنا اللقاءُ على صلاةٍ=ويعلو بالنُّفوسِ شذا الصِّيامِ
وليس لنا سوى الإسلامِ نهجٌ=فأعظمْ بالشَّريعةِ من نظامِ
لقد باءَ الذين بها استخفُّوا=بخسرانٍ وعادوا بالحطامِ
ونالوا من حقولِ العيش شوكًا=به الأيامُ تُدمَى بالجِسامِ
فذابتْ في شقاوتِها قلوبٌ=على جمرِ المكارهِ والضَّرامِ
وما عقلوا وفي الأرزاءِ ذكرى=وعاشوا ــ كالبهائمِ ــ للطعامِ
فما زالَ الضياعُ بلا انحسارٍ=ولا زالَ الهوانُ بلا لجامِ
ولم تذعنْ نفوسُهُمُ لربٍّ=عليمٍ بالسَّرائرِ ذي انتقامِ
ولم يركبْ إلى العلياءِ قومي=مراكبَ عزِّهم بينَ الأنامِ
يعيشون التشتُتَ والمخازي=وهم عن دينِهم قيدُ انفصامِ
تمزِّقُهم مذاهبُ كافراتٌ=فهم مابينَ لطمٍ وارتطامِ
وقد هجعوا بوادي الذُّلِّ صرعى=وما طلعَ الصباحُ على النيامِ
وليس لهم و واأسفي إمامٌ=يوحِّدُ صفَّهم بعدَ انهزامِ
وقد قامت حضارتُنا قديمًا=على نهجِ الخلافةِ والوئامِ
وقد طالتْ أمانينا بعصرٍ=به نارُ السَّفاهةِ في احتدامِ
متى ياقومَنا نسعى بعزٍّ=ونحيا لانبالي بالظلامِ ؟!
متى يا شعبَنا تُطوَى الدَّنايا=من الأهواءِ ــ ويحَكَ ــ والركامِ ؟!
وتجتمعُ القلوبُ على نداءٍ=به لفخارِنا أسمى مرامِ
لقد جعلوا لهم من كلِّ باغٍ=زعيمًا عاثَ بالقيمِ العِظامِ
وجاءَ بغيرِ شرعِ اللهِ زورًا=يُمنِّيهم ويهزأُ بالأنامِ
ولم يأسفْ على ماحلَّ فيهم=من النكبات تترى بانتظامِ !!
ولم يقنتْ لربِّ العرشِ يومًا=ولم يؤمنْ بحقٍّ أو سلامِ
أهلْ طابتْ بدنياهم ثمارٌ !!=نسوا بنعيمِها يومَ الزحامِ !!
ولا يبني جدارَ المجدِ قومٌ=حيارى يستقون من الجهامِ
أترمي القوسُ لولا كفُّ شهمٍ=وليس لرميةٍ من غيرِ رامِ
إذا لم تُنشئ التقوى رجالا=لأُمتِنا فأيقنْ بالعُقامِ
وإن لم ترتضِ الإسلامَ نهجًا=فليس لها سوى الموتِ الزؤامِ
ألستَ ترى سرابَ الوهمِ يغشَى=مواسمَ حقلِهم في كلِّ عامِ
وذي من جرحِ أكبُدِنا تنادي=فلسطينُ الحبيبةُ في الضَّرامِ
فمَن ذا يستجيبُ ويفتديها=وبينَ يديه مصقولُ الحسامِ
وكم هتفتْ ، وكم فاضتْ دماءٌ=و رُوِّعَ أهلُها ، والقلبُ دامِ
وقادتُنا أحالوا الأمرَ جهلاً=لمكتبِ مجلسِ الأمنِ الهمامِ !!
أمورٌ تُضحكُ الثكلى ، وبلوى=تصيبُ القلبِ من قبلِ السهامِ
وكيف يـدُ اليهودِ تُقيمُ حقًّا=وخنجرُها إلى الإسلامِ ظامِ !!
نظامُ الأقوياءِ أُقيمَ عمدًا=لخنقِ تنفُّسِ القومِ الكرامِ
وأمَّا السِّلمُ ــ ياهذا ــ فكذْبٌ=فليس على البسيطةِ من سلامِ
ستبقى الحربُ دائرةً رحاها=وللمستسلمين يــدُ الرَّغامِ
رويدك يافلسطينُ استعدِّي=ليومِ الثأرِ نوفي بالذِّمامِ
ومهركُ من دمِ الأبرارِ يُرجَى=ومن أرواحِهم أغلى وِسامِ
وأمَّا اليوم ياقدسي فصبرًا=إذا أبصرتَ طغيانَ اللئـامِ !!
ففي مغناكِ قد رقصتْ يهودٌ=فصدِّي عن مراحِكِ أو تعامي
أهيبُ بأُمَّةٍ شُلَّتْ خطاها=وهل يقوى الكسيحُ على القيامِ !!
على آفاقِها روحي تُنادي=فيصغي للصَّدى صمتُ الظلامِ
فأين عراقُنا يصغي مليًّا=وأين الزَّحفُ من أرضِ الشآمِ !!
وأين شبابُ أمتِنا سُمُوًّا !!=وأين كتائبُ الصِّيدِ الكرامِ !!
وأين جِباهُ أبرارٍ إذا ما=بدتْ يُجلى بها وجهُ القتامِ !!
أراهم ـ ويْ كأنِّي ــ إذ أراهم=أرى نصرًا بأطباقِ الغمامِ
له أجنادُ ربِّك ، فالمنايا=لكلِّ مخاتلٍ بينَ الأنامِ
أراهم مثلما ينداحُ مجدٌ=يبيدُ بزحفِه صفَّ الطَّغامِ
أراهم قادمين ولستُ أرضَى=لعينيَّ العمى يطوي مرامي
أراهم قادمين بكلِّ فجرٍ=يلوحُ ، فيامحاجرُ لاتنامي
أرى راياتِ قرآني وأُصغي=لتكبيرِ الكتائبِ في الخيامِ
أراهم في مساجدِنا تُقاةً=تلاميذَ المصاحفِ والحسامِ
فليس سوى الجهادِ يعيدُ قدسي=بعزٍّ ، ولا سبيلَ إلى السَّلامِ
ففي القرآنِ أمرٌ ليس يخفى=على أهلِ البصائرِ والذِّمامِ
وفي هَدْيِ النَّبيِّ بيانُ حقٍّ=لملحمةٍ تدكُّ حمى اللئـامِ
ومَن قالَ : السلام ، فقد تسلَّى=وهذا الوهمُ ينخرُ بالعظامِ
وليس سوى القتالِ ، وذي دماءٌ=تُراقُ ، وألفُ دارٍ لانهدامِ
ورأيُ دهاةِ عالمنا خبيثٌ=و رأيُ بني العروبةِ في انقسامِ
فهل ؟ ومتى ! وكيف نعودُ قومًا=تسيِّرُنا الشريعةُ بانسجامِ !!
ليعلمَ مَنْ يكيدُ لنا بأنَّا=أباةٌ لانميلُ إلى التَّرامي
تصاممَ حِسُّنا عن كلِّ هَذْرٍ=وعِفنا كلَّ معسولِ الكلامِ
ولن نرضى المهانةَ والتباكي=وتعفيرَ الجباهِ على الرَّغامِ
ألسنا للمصاحفِ خيرَ جندٍ=فبوركَ بالتَّقيِّ وبالهُمامِ
نداءٌ جاءَ من بين المآسي=لذي بصرٍ يرى ، ولذي اهتمامِ :
ألا هبُّوا بدعوتكم هداةً=فدينُ اللهِ يدعو لاعتصامِ
***= ***
أناشيدي ... وصمتُكِ في شِفاهي=كوى قلبي الملوَّعَ باضطرامِ
وما انفضَّتْ لنا في التيهِ ذكرى=يثيرُ غبارَها العاتي ملامي
أتتْ تعشو بوحشتِنا ، وألقتْ=مفاتنَها الرخيَّةَ للرَّجامِ
لقد عصفتْ مرارتُها بنفسي=وما هدمَ الرجا فأسُ السَّقامِ
وما ضلَّ الطريقَ وما توانى=ونارُ الخطبِ ترعفُ بالسِّمامِ
وبايعَ ربَّه مذْ كانَ طفلا=ولم يبرحْ ببدءٍ و اختتامِ
تولَّعَ بالهدى المعطارِ صَبًّا=وسارَ بذا الفخارِ إلى الأمامِ
فأودعه الهدى حبَّ المعالي=فشبَّ على المآثرِ والتَّسامي
وإنَّ الحقَّ لايخشى طغاةً=مضوا بالغيِّ في السوقِ الحرامِ
ونادى للمودةِ والتَّصافي=وعابَ هوى التَّفرقِ والخصامِ
إذا اجتمعتْ على التقوى قلوبٌ=فقد نالتْ مفاتيحَ الفِخامِ
***= ***
لقلبي كلَّ آونةٍ دعاءٌ=يُجَدَّدُ في القعودِ وفي القيامِ
دعاءٌ خالصٌ للهِ أرجو=به للمسلمين من الوئامِ
وقالوا : ما لقلبِكَ لم يُغرِّدْ=على أوتارِ حبٍّ أو غرامِ
ومالكَ لم تشارك في هواهم=بأعراسِ السَّفاهةِ والرَّغامِ
ومالك لاتجيدُ به انحناءً=لهذا الحكمِ أو ذاك النِّظامِ
ولم تُغْرِ ابتعاثَك للقوافي=حداثتُهم كصبٍّ مستهامِ
وقالوا . وافترقنا ، كلُّ وادٍ=له أهلٌ بأنماطِ الكلامِ
ومَنْ سيشاركونَهُمُ تراموا=على كيلِ الشتائمِ والملامِ
مضتْ دنيايَ لكنْ لم تزدني=سوى الخيرِ المُـرجَّى والتسامي
مضتْ وتهادت الأيامُ تُزجي=كما يُزجَى الغمامُ إلى الغمامِ
وإشراقُ ابتساماتي تراها=برغمِ الكربِ والخطبِ العرامِ
وأطوي صفحةَ الماضي نقيًّا=مساحبُ طهرِه أبهى قوامِ
سأحفظُ ما حييتُ عهودَ ربي=وأكلؤُها بروحي واهتمامي
وأرفعً رايةَ الإسلامِ فخرا=وليس يطيقُ شانئُها مقامي
ولا أُغضي على كيدِ الأعادي=ــ لهذا الشرعِ ــ أو حقدِ اللئـامِ
هوانُ المرءِ في طلبِ الدنايا=على مستنقعٍ قذرٍ حرامِ
ولم يسكنْ ذليلٌ دارَ عـزٍّ=وإن هو عاشَ في أعلى مقامِ !!
يذكِّرُني صبايَ بكبريائي=على أهلِ التَّـكبرِ في الأنامِ
يروني مكفهرَّ الوجهِ لمَّـا=أراهم يعكفون على الحطامِ
ولستُ أُريهُمُ وجهًـا طليقًا=ولا أُبدي رضايَ ولا اهتمامي
وتلكَ طبيعةُ الإيمانِ تحيي=قلوبَ المؤمنين على الدوامِ
أُسفِّهُ غيرَ هيَّابٍ طغاةً=فبالرحمن حولي واعتصامي
ولن أرضى ممالأةَ الأعادي=فهذا الداءُ ينخرُ في العظامِ
***= ***
يـدُ الإسلامِ مابرحتْ وفاءً=تشدُّ على يـدِ الصَّحبِ الكرامِ
تناءتْ دارُنا ، وأتتْ رياحٌ=فأودتْ باللقاءِ وبالسلامِ
وما عادتْ مرابعُنا ربيعًا=تزيِّنُها المنى في كلِّ عامِ
وعهدٌ للأُخوَّةِ لم يُصرَّمْ=على عصفِ المصيباتِ الجِســـامِ
فذا مروانُ ألمحُه ودودًا=وأُبصرُ نورَ صدقٍ في هشامِ
وإخوةُ دعوةٍ عاشوا كرامًا=على حللِ المودةِ والوئامِ
وعروتُها وفاءٌ واعتصامٌ=فأكرمْ بالوفاءِ والاعتصامِ
وحبُّ اللهِ يجمعُنا ، وفيه=تطيبُ الأمسياتُ على الدوامِ
فياربي سألتُك أن نراهم=بدير الزورِ من أرضِ الشآمِ (*)
ليرجعَ صفوَ هاتيك الليالي=ببعدٍ للمكارهِ وانحسامٍِ