( إلى والديَّ الحبيبين ــ يرحمهما الله ــ يوم التحق الوالد بموكب المجاهدين من مدينة ديرالزور متجهين إلى أرض فلسطين عام 1948م ، حيث كان من المشرفين على تجمع المجاهدين فضيلة الشيخ عبدالوهاب بن سيد أحمد الراوي الرفاعي يرحمه الله ؟ وبقينا نحن الأطفال أكبرنا عمره عشر سنوات ، وأصغرنا لم يتجاوز العام . بقينا في دارنا الأيام المديدة مع حكايا الوالدة تسلي بها أطفالها ، ومع دموعها في بعض الأحيان على ما يأتيها من أخبار ، وأسأل الله لهما ولكل المجاهدين وزوجاتهم المؤمنات الصابرات جنات النعيم ... ) .
أتناسينا ربيعَ المصطفى=ومآتيهِ وأزكى روضةِ!!
* نشرت بمجلة الخيرية ( العالمية ) الكويتية ـ العدد 89 ـ في 1/4/1418 هـ
سألتني الأعينُ الظمأى التي=أقلقتْها ظلماتُ الوحشـــةِ
أين منَّا للربيعِ ابتهجتْ=أنفسٌ ضاقتْ بطولِ الهجعةِ ؟؟
واعتدادٌ لجنى أفنانِه=باسقاتٍ باليدِ المسلمةِ ؟؟
أين منَّا ذلك المجدُ الذي=ليس في أسفارِه من زلَّةِ ؟؟
تذكرُ الدنيا على رجعِ الصَّدى=ما له في أُفقِها من رفعةِ
في يدَيْ عصرِ اضطرابٍ لطمتْ=كفَّتاهُ ما له من هدأةِ !!
كم درجنا في فيافيه ضحىً=فكبتْ أفراحُنا في الغُمَّــةِ !!
و رمانا بالأذى قانونُه=بيدٍ غادرةٍ جائرةِ
منذ ستين ونيفٍ قد مضتْ=من سنيِّ العمرِ غرثى جفوةِ !!
و وعينا شجوَنا منذ الصِّـبا=إذ طمى في غدوةٍ أو روحةِ
ونشأنا و على آماقِنا=حملَ الشَّجوُ رفيفَ الفرحةِ
إخوةً عشنا ، وما أشغلنا=ما زها في لهوِهم من فتنةِ
و عرفنا اللهَ في فطرتِنا=و رأينا النُّورَ في الفاتحـةِ
و ملأنا قلبَنا من حبِّه=وهدى مصحفِنا والسُّنَّةِ
وسألْنا ـ يومَها ـ والدَنا=أين أيامُ ربيعِ الدعوةِ !!
أين حبلُ اللهِ في أُمتِنا=و اعتصامُ العصبةِ المؤمنةِ !!
أين ميْدانُ علانا يا أبي=والهدى الأسمى بظلِّ العزَّةِ !!
وطريقٌ فيه نلقى أمنَنا=ونرى فيه تداني المُنيةِ !!
***= ***
هزَّني همِّـي ، وقد هزَّ الأذى=موكبَ الصبحِ بطولِ المحنةِ
فتثاقلْتُ ، وقد أغفتْ على=مجدِها المجروحِ أبهى بسمةِ
و اكتئابي بدَّ دّ الأمنَ على=زفرةٍ ثارتْ بوقدِ اللوعةِ
وأتاني والدي مؤتزراً=سَحَرًا يمسحُ عني عبرتي
قالَ و الدنيا بعيني أظلمتْ :=أيْ بُنَيَّ اليومَ فجرُ الصحوةِ
إنه المصحفُ نادى أُمَّـةً=في دياجي غفلةٍ مقلقةِ
ضجَّتِ الأرضُ بتكبيرٍ ، فقمْ=واشهد الدنبا بأجلى حُلَّةِ
الربيعُ الحلوُ قد وشَّى المدى=وحباه منه أسنى شِيَةِ
والسماوات ، ومِن أملاكها=نزلوا بين طيوبِ العبقةِ
و ُلدَ النُّورُ فيا هذا الورى=لاتلنْ ـ ويحك ـ معْ إمَّعةِ
واحظَ بالتوحيدِ سبحانَ الذي=يومَ أعطى جادَ بالمرحمةِ
وسعَ الدنيا رخاءً و ندىً=فانظرنْها بالمنى والنعمةِ
وُلدَ الفتحُ ، و ولَّى ظلمُهم=و توارى صاغرًا في ذلَّةِ
لن يعيشَ المؤمنُ الأتقى على=غيرِ عزٍّ رغمَ عصفِ الشدَّةِ
قلتُ و انجابَ المدى عن ومضةٍ=ما أُحيْلاها ـ أخي ـ من ومضةِ
ملأ النورُ حنايا أضلعي=ولوى من ألمي عن مهجتي :
يا أبي كيفَ أُباهي و الأسى=يمضغُ القلبَ بِشِدْ قَيْ وحشةِ ؟!
كيف تحييني المنى في زهوِها=ولهيبُ البثِّ يغشى مقلتي ؟!
كيفَ أحيا ناعمَ البالِ و في=مسمعي يطرقُ ثُكلُ الأمَّــةِ ؟!
***= ***
هذه القدسُ وفي جبهتها=أثرُ العارِ ، وصفعُ النكبةِ
والملايينُ التي تعرفُها=بينَ لهوٍ قذرٍ أو رِدَّةِ
واليهوديُّ الذي ناجزْتَه=يتحدَّى بشرَ الأرضِ التي :
أذعنتْ للرجسِ في غيبتِنا=واليهوديُّ وريثُ اللعنةِ
يا أبي ماذا أرى غيرَ العنا=في نظامٍ عالميِّ الخسَّةِ
وأراني ـ ويحَ نفسي ـ قشَّةً=تتلوَّى في هديرِ الموجةِ !!
وبكربٍ أثقلَ الرأسَ به=ما اعتراني من دوارِ الهجعةِ
وإذا بي بينَ يّدَيْ نومي أرى=نفرةً ضجَّتْ بها أُنشودَتي
وفمُ الفجرِ ينادي نُوَّماً=حيَّ يا قومُ لأوفى يقظةِ
وتعالوا لجهادٍ ليس في=غيرِه اليومَ سبيلُ الرفعةِ
إنها البشرى فوالهفتنا=إنها الرؤيا ، وطيبُ النفحــةِ
حلوة الخطوِ ، وفي آبائِنا=جـدَّ في الأبناءِ صدقُ السيرةِ
ليلةٌ هلَّتْ وفي أعينِنا=من تباشيرِ ابتسامِ الثِّقةِ
ربِّ فارحمْ والديَّ استنشقا=عبقَ الجنَّـةِ ... عامَ النفرةِ
فأبي عافَ المغاني ، ومضى=لجهادٍ فيه أشهى مُنيةِ
ولأُمِّي ـ حولَ أطفالٍ لها ـ=من دعاءٍ فيه صدقُ اللهجةِ
وحكايا إذْ تسلينا بها=لم تزلْ تخطرُ في ذاكرتي
لك عاشا ، وفلسطينُ على=مقلتيْ شجوهما في حسرةِ
ربَّنا فارحمْهما أنتَ الذي=تُرتَجَى للعفوِ ، ثمَّ الجنَّــةِ
***= ***
الربيعُ المشرقُ الباهي جلا=بالسَّـــنا اللمَّـاحِ وجـهَ الظلمةِ
والنداءاتُ التي كانتْ صدى=أرجعتْها البيدُ في رجعيتي
بوركتْ ـ واللهِ ـ من رجعيَّةٍ=لتخومِ العزِّ بعدَ الذلةِ
مكةُ الخيرِ وفي أردانِها=عِطْرُ روحٍ عربيِّ اللفتةِ
ملأَ الدنيا شذاهُ وسرى=بالمثاني يالطيبِ الوِجهةِ
أينما حـلَّ فنورٌ و هـدىً=وانعتاقٌ عن جنوحِ الرغبةِ
رفعَ الرأسَ أبيًّا شـــامخًا=ما حنى يومًا إباءَ الجبهةِ
مَنْ يرَ اللهَ له ربًّا يعشْ=أبدَ العمرِ بأجلى عزمـةِ
ذلكُم تاريخُه ... أسفارُه=لم تزلْ تُتلى على بيِّنةِ
بارتِ الزِّيناتُ في أيامهِم=بفصولٍ مُرَّةٍ مظلمةِ
ربَّ عدوانٍ على أُمتنا=صارَ إنقاذًا لها من ورطةِ
واعتداءٍ صارخٍ لمَّـا يدعْ=آمنًا في مُدُنٍ أو قريةِ
باتَ في قانونِهم ذا صفةٍ=ـ مثلما دافوه ـ إنسانيَّةِ
ضاقَ بالأمةِ قانونُ العمى=وتمادى والغًا في السَّـــكرةِ
***= ***
أوما آنَ لقومي أن يروا=جرحَهم ينزفُ ثرَّ الدفقةِ !!
ستعودُ الأرضُ في أفيائِه=جنَّةً وارفةً بالبهجةِ
لا يغرنْكَ تمادي بأسِهم=عاثَ بالحقدِ الذي لم يثبتِ
فغدًا تأتي سرايا مَنْ جَنَوْا=ثمرَ الصَّبرِ بنورِ الدعوةِ
عرفَ الحقَُ بني جلدَتِه=فأتاهم مغدقًا بالصِّلةِ
ليس فيهم مَن رمتْ وجهتُه=خلفَ أوهامِ سرابِ الخدعةِ
أو توارى بين مسعىً خَرِبٍ=مثقلٍ بالكيدِ أو بالشقوةِ
فانطلاقُ الحقِّ في ركبانِه=قامـعٌ للشرِّ في المعمورةِ
والتجاراتُ بدتْ بائرةً=غيرَ ما في سوقِه الرابحــةِ
إنَّه الإسلامُ ياقومي وما=في سواه للعلى من وثبةِ
فاحزموا الأمرَ وهبُّوا إنَّما =يرقبُ النصرُ ربيعَ الشرعةِ