أبجديّات الطريق

يا مِن يَداكِ على مَدى وَجَعي يَدايْ

هُبّي...

فَهَذا الأفقُ يَغرَقُ في صَدايْ

لا صَمتَ في الصمتِ الذي يَجتاحُني

فَتَهَيَّئي للصّمتِ يَزرَعُني على أَعتابِ وِجداني بِدايَة

وَالآهُ يَقتاتُ انقِطاعي عَن نَدايْ

والفَجرُ يَرحَلُ بي ... وَأَرحَلُ خَلفَهُ

خَطوي يُتَرجِمُهُ الهَوى أَثَرًا لِأَنفاسِ الغُروب

وأَظَلُّ وَحدي... يَستَقيمُ لَدَيَّ إِبحاري إلى ذاتي...

وذاتي في حِجاب!

والعُمقُ يَهتِفُ بي انبَعِثْ أُفُقًا صَفا!

قم يا "تُراب"

النّومُ جُنّازُ النّفوسِ تَخاذَلَت عَن عَهدِها ...

لِتَزُجّها في ظُلمِ مَنفاها بَعيدًا عَن مَرابِعِ مَجدِها ريحٌ غَضوب

مِن لُجَّةِ الصمتِ الذي صِرناهُ لمّا صارَنا

قُم يا "تراب"

***

العُذرُ مَيداني غَدا

             والقُدسُ تَخطِبُها الحِراب

والموتُ عُنواني أَنا

             وحُروفُ أُمنَيَتي سَراب

وَلِسانُ حالي سَكرَةٌ

             وَسِتارُ أَعذاري عَذاب

والنَّومُ مَوتُ الأرضِ مِن تَحتي ...

                         فَقٌم حَيِّ التراب!

***

لا وَقتَ نَملِكُ للسُّؤالَ ولِلمَقالِ وللعِتاب...

قلبٌ لِـمَغناةِ الهَوى .. أُفُقٌ لِـمَرساةِ الغِياب

كَالعيسِ يَقتُلُنا الظَّما .. وَالنّبضُ مَقطوعُ الجَواب

قد سُخِّرَت كُلُّ الحُروفِ لِأَبجَدِيّاتِ الضَّباب

والكُلُّ مَشحونٌ وَمَرهونٌ بِطَقس الإِرتقاب

**

لا وَقتَ صَدِّقني أُوَزِّعُهُ على شَرَفِ الأَماني وَالمعاني

قد غامَتِ الرُّؤيا... وزَحفُ الصمتِ لا يُرجى نَداه

قُمْ يا "تُراب"!

قُمْ طلِّقِ الدّنيا ثَلاثًا وَارتَقِب وَعدَ السّما:

عُدتُم فَعُدنا فَاضرِبوا فَوقَ الرّقاب..

قُمْ طَلِّقِ الدّنيا ثَلاثًا إِنَّها عادَت لِتَخطِبَ وُدَّنا ...

والغَزلُ مَنقوضٌ، وَلَيلُ المُرجِفينَ بِكُلّ باب

قُم طَلِّقِ الدّنيا وقد عادَت غُرورًا يَرتَجيهِ غُرورُنا عُجْبًا

وَمَوتُ الروحِ خاتِمَةُ العُجاب

قُمْ طَلِّقِ الدّنيا وَقد عادَت سَرابًا يَرتَجيهِ عِطاشُنا..

فَالليلُ أَقبِيَةٌ...

وَأَمامَ زَيفِ العُذرِ لا يَشفي الجَواب.

كَم سِرتُ وَحدي...

حينَ كانَ الناسُ –كُلُّ الناسِ-

يَشتاقونَ مَوتي...

وَانتَظَرتْ!

يا مَن رُؤاكَ على مَدى وَجَعي رُؤايْ

كَم سِرتُ وَحدي حينَ كانَ الدّربُ أُمًّا ...

لَم تَلِد إلا خُطايْ!

كم سرتُ وَحدي ...

وانتَظَرتْ

وصَهيلُ صَمتِكَ نَعشُ ذاتي...

كَفّي تُصَفِّقُ وَحدَها...

والموتُ يَقصِفُ كَفَّ أُمي ..

لا أَراك!

يا مَن صَدى جَزَعي تَغَرَّبَ عَن فَضاك...

كَم مِتُّ وَحدي...

حينَ آواكَ التَّوَجُّسُ والعِتاب..

روحي تُسافِرُ وَحدَها..

وإذا الشَّوارعُ قَد خَلَت مِن روحِها

وَأَوَت إِلى بَردِ الحُفَر

بَغدادُ صارَت خَلفَ ظَنّي

بَغدادُ لا يَهوى شَوارِعَها السَّفَر

والقُدسُ تَغرَقُ بِالزِّحام

وَيَدايَ تَقتَرِفُ الحِرابَ... ولا حِراب!

قُم يا "تُراب"

قُم طلِّق الدّنيا ثلاثًا..

إنَّها قد راوَدَتني فَوقَ لَحمِ القُدسِ عَن روحي...

وروحي في سَفَر!

سَتَموتُ بَردًا، أو سُكوتًا، أو غِيابا...

فَالقُدسُ لَحمي يا أخي...

وشَوارِعُ الدنيا خَراب!

قُم يا "تُراب"

قُم طَلِّق الدّنيا ثَلاثًا ..

قَبلَ أن تَغزوكَ مِن أَوكارِها نُطَفُ الخَطيئَةِ والضَّغينَة..

وَأَظَلُّ وَحدي أَرتَجيكْ...

وَأَراكَ في حِضنِ السحابْ

رَحِمَ الرُّؤى الحُبلى بِروحِ الحادِثات

والوقتُ أنَّتْ من سَنابِكِهِ الليالي الداكِنات...

وَأَوى إِلى عَسَسِ الشوارعِ والحُفَر..

فَغَدا طَريقُ القُدسِ مَوتي المنتَصِر...

كَم سِرتُ وَحدي... والطَّريقُ يَقولُني:

حَرفي دَمٌ... طورٌ، وزيتونٌ، وتين...

وصَهيلُ أُمنِيَةٍ تُراوِدُها يَدُك

والوقتُ يَنساني، وَلا يَنصاعُ لَك!

كَم سِرتُ وَحدي والأماكِنُ تَسكُنُك

وَالريحُ تَصرُخُ في حِمى وَجَعي...

وتَستُرُ لَوعَتي عَن ذاتِها.. وَتَبوحُ لَك ...

وَأَراك...

أَحلِفُ أَنّني ما كُنتُ إِلا صَوتَ أُمنِيَةٍ تَروحُ إِلَيكَ مِنك...

تَتَشابَهُ الأَشياءُ فيك...

والوَقتُ يُسقِطُ عَن بَراءَتِهِ الشُّبَه..

الوَقتُ يَسكُنُهُ اغتِرابُه..

يا مَن صَداكَ على مَدى صَمتي صَدايْ...

ما مِتُّ وَحدي...

صَوتُكَ المسكونُ بي ...

ها يَستَفيقُ على دَمي...

نَعشي بَعيدْ..

صَوتي وَطَنْ

وسوم: العدد 983