( إلى روح الإمام الفقيه الداعية فضيلة الشيخ / يوسف القرضاوي يرحمه الله
في جنات الخلود إن شاء الله )
فـد فقدناك شيخنا فتلظَّتْ بلهيبِ استعارِها الأحشاءُ
مـتَّ لكنْ بُعِثْتَ فالعلماءُ = في مغاني أمجادِهـم أحياءُ
لـم نزلْ نذكرُ الذين دعتْهُم = للمزايـا : الشَّريعةُ الغرًَّاءُ
هـم أشادوا ركْنَ المحامدِ تتلو = فيه من زهـوِ فخرِهـا الآناءُ
فمُحيَّاهُـمُ يطلُّ علينا = بالرواياتِ زانَهـا الإنشاءُ
فكأنَّـا نعيشُ عصرًا حبَتْهم = بركاتٌ من ربِّهـم و ثنـاءُ
كنتَ فينـا مُقَدَّمًـا ذا مكانٍ = مالعلياءِ فضلِه إخفـاءُ
وإمامًـا وأُسوةً فالمآقي = تتملَّى خُطاكَ والنُّظراءُ
ويطولُ اليومُ الحزينُ فأصختْ = للمنادي الأحبَّةُ الأوفياءُ
وتباكى مَن ليس في الموتِ يبكي = لشجونٍ ضاقتْ بهـا الأحناءُ
بين فيضِ الأحداثِ نادى صريخٌ = فاسْتُثيرَتْ لصوتِه الحنفاءُ
واشْرأبَّتْ أعناقُ قومي لخطبٍ = وتحـرَّى الفواجـعَ النُّدماءُ
هـي في أُمَّتي رزايا زمانٍ = آلَمتْهـا لبأسِهـا اللأواءُ
وأكبَّتْ فمـا لهـا من نصيرٍ = غيرُ ربِّـي ، فعندَ ربِّـي الرجاءُ
وترى القومَ بين باكٍ حزينٍ = وكئيبٍ قـد نالَ منه العَناءُ
ماتَ مَن ماتَ ! والسُّؤالُ غنيٌّ = بالإجاباتِ سِفرُه والثَّناءُ
فلِمـوتِ الأفذاذِ حسرةُ نفسٍ = أضرمتْهـا في الأُمَّـةِ الأرزاءُ
لـم تكنْ تدركُ المكانةَ لمَّــا = فارقتْ ساحَ عـزِّهـا العظماءُ
فشكتْ سطوةَ الليالي ازدراءً = ببنيهـا، فهل وعـى الأبناءُ !
مالَأَتْ وهنَهـا فألقى عليهـا = غمراتٍ يعـجُّ فيهـا الشَّقاءُ
فكأنَّ التاريخَ غابَ فباءَتْ = بهـوانٍ تصوغـه البأساءُ
وكأنَّ الأمجادَ أخوتْ رؤاهـا = فاستنامتْ وغادرَ الإيحــاءُ
آهِ يا أمَّـةَ المـآثرِ ولَّـى = عـن مآتي زمانِهـا الإصغاءُ
أمعَنَ السُّوءُ والأذى في رباهـا = فتأذَّتْ وعاثَ فيهـا العفاءُ
وبموتِ الفرسانِ زادَ شقاهـا = فاشرأبَّت للبارئِ الصُّلحاءُ
التقاةُ الأبرارُ والموتُ حـقٌّ = إذ توارى الهُــداةُ والعلماءُ
كم فقدنا من الأباةِ رجالا = عرفتْهـم في الغُمَّــةِ الغبراءُ
وبكتْهُم بيضُ الليالي وألقتْ = من رزيَّـاتِ بثِّهـا الأبناءُ
يوسُفُ القرضاوي ترجَّل لمَّــا = جاءَ للشيخِ مِن علاهُ النِّداءُ
قدَّمتْهُ الأيامُ رائـدَ دينٍ = وحبَتْهُ بالرفعةِ البلغـاءُ
ورعـاهُ الرحمنُ شهمًـا تغنَّى = بالمثاني فطابتِ الأصداءُ
وزهتْ في يديه أسمى المعاني = مغدقاتٍ ، والسُّنَّةُ الغرَّاءُ
وأنال الطغاةَ منه بيانا = يومَ ديسَ التهديدُ والإغـراءُ
وقضاها لـم يرضَ بالضَّيمِ دارا = أو تُجـافى العزيمةُ القعساءُ
ومشاها والظلمُ كان عدوًّا = إذ عليه تكالبَ الأعـداءُ
وبأعلى تصريحِه لم يُداهنْ = أو ينافقْ ، وللجناةِ اعتداءُ
جــدَّ في الدعوةِ الأثيرةِ علمًـا = واتِّـزانًـا ميزانُه البيضاءُ
ليلُهـا كالنهارِ باتَ جليًّـا = فيه صــحَّ التَّصريحُ والإيماءُ
ومَن اعتدَّ بالكريمِ يقينًـا = أُلْبِسَ العُمْرَ زهـوُه والرواءُ
الإمامُ الجليلُ والفارسُ الشهمُ . = . وطـودُ الهدى وهـذا الإياءُ
عاش فيها مجدِّدًا وفقيهًـا = ولديه من الغراسِ اصطفاءُ
ومن العـزٍّ قـامةٌ أكرمتْها = رغـمِ إيذاءِ عصرِه العلياءُ
والمفاهيمُ من هُدى مصطفانا = بيِّناتٌ وما عــراهُ الرياءُ
عاشَ قرنا بالله معتصمًا للهِ . = . يدعـو وتشهدُ الفضلاءُ
قـد مشاها بدينِه مطمئنًّـا = مشمخرًا يهابُه السُّفهاءُ
مـا أعـزَّ الأبطالَ في لجج الكربِ . = . تسامى ثباتُهم و الأداءُ
وأقاموا في الثَّغرِ لم يتأخَّرْ = عن حِمــاهُ الأباةُ والأصفياءُ
هكذا تشهدُ السجون ويدري = مارآهُ السجَّانُ والسّجناءُ
في صلاةٍ للمغربِ الناسُ هـاموا = وعـراهم حين الصلاةِ البكاءُ
والطواغيتُ بعدها منعوهم = بئسَ بئسَ الطاغوتُ والبغضاءُ
كان فيها إمامُهم قَرَضَاوي = وعـدوُّ الهدى هـمُ الأشقياءُ
ولـه رغمَ بغيِهم وقَفاتٌ = ليس تُطوَى آثارُهـا الحسناءُ
سبقتْها مسيرةٌ قد تبنَّى = مجتَنـاهـا في الدعوةِ الأكفياءُ
يوسُفُ الفخرُ للكرامِ إذا مـا = للمعالي تباهتِ الجـوزاءُ
الفقيهُ العلاَّمـةُالبَـرُّ أزجى = بالهــدى مـا تمنَّتِ الغرباءُ
صاحبُ الفكرِ مستنيرًا بوعيٍ = ماطوتْـهُ بالبهرجِ الأهـواءُ
هـو أفْـقٌ ميْدانُه فيه تزهو = بالنَّواحي البهيَّةِ اللألاءُ
وهـو الشاعرُ المجيدُ ولـولا = ما أفاضتْ في قلبِه الغـرَّاءُ
لتباهتْ به القوافي حِسانًـا = وتنحَّى عن دربِــه الشعراءُ
ما رأى العيشَ غيرَ وقفةِ حُـرٍّ = ولأجـلِ الإسلامِ كان النِّـداءُ
فتسامى بدينِه إذ تمادتْ = بالعداواتِ الغارةُ الشَّعواءُ
فازدرى السَّفاحَ اللئيمَ أبيًّـا = والطغاةُ الجناةُ فيهــا سواءُ
وتواروا تحت الترابِ خزايا = إنهم فيما قـد جنوا لؤماءُ
حيثُ وَلَّوْا إلى الجحيمِ جـزاءً = ولذاك المذمومِ طابَ الجــزاءُ
جـلَّ ربِّي هـو المعاقبُ منهم = مَن تمادى وأُذْنُـه صمَّــاءُ
وتعالى بئس التَّعالي لنفسٍ = حين أغرتْ نقصانَهـا الكبرياءُ
إنَّ طعمَ انتقامِ ربِّـي شهيٌّ = لطغاةٍ ما أذعنوا إذ أساؤوا
فعليهم لعناتُ ربي بقبرٍ = وبيومِ الحشر القريبِ الشَّقاءُ
هـم عصاةٌ للهِ كِبرًا وبغيًـا = في حياةٍ لهـم بهـا خُيَلاءُ
تأنفُ الأرضُ أن تضمَّ أذاهم = فَهُـمُ الشَّرُّ كلُّـه والبلاءُ
وهُـمُ الأعداءُ الشِّدادُ لدينٍ = فيه للخَلْقِ أمنُهم والهناءُ
وبنوهُ الأبرارُ في كلِّ أرضٍ = والأُباةُ الأفذاذُ والشُّهداءُ
هـم ضيوفٌ لدى الكريمِ إذا ماتوا . = . فطوبى والجيرةُ الأنبياءُ
يالهـا في جِنانِـه من حياةٍ = ليس يفنى خلودُها والبهـاءُ
أهلُهـا كلٌّ مؤمنٍ في ظلالٍ = مالآفاقِهـا الحِسانِ انقضاءُ
لــكَ بشرى عـلاَّمةَ العصرِ فاهنأ = فلك الرضوانُ العميمُ رداءُ
لانزكِّي على العليمِ ولكنْ = حسبُنا في الظنونِ هذا الرجـاءُ
سَمْتُـهُ ربَّانِيُّ فعلٍ و قولٍ = فيقينٌ بربِّه و وفاءُ
ماعلمنا لديـه إلا جهادًا = أكرمَ الصَّبرُ أمـرَه والمَضاءُ
حقبٌ لـم يزل بليلِ أساها = صامدًا صابرًا فنعــمَ الولاءُ
ولدين الإلـهِ عاشَ حفيًّـا = ولتلكَ المكانةِ استثناءُ
نالهـا الشيخُ والبراهينُ تترى = حُجَجًــا مالِبَثِّهـا إبطاءُ
فله البيِّناتُ في كلِّ شأنٍ = والمواضيعُ بعدُ والأسماءُ
وأفاضت مؤلفاتُ عليمٍ = بالمثاني فأُفقُهـا وضَّاءُ
ولِمتنِ الحديثِ شانٌ لديه = ومعانٍ قدسيَّةٌ وانجــلاءُ
ذاك منهاجُ كلِّ بَــرٍّ تقيٍّ = وفقيهٍ لـه الهدى أفياءُ
علماءُ الإسلامِ حصنٌ منيعٌ = فيه للناسِ عصمةٌ واحتماءُ
هـم لإرثِ النَّبيِّ عاشوا حُمـاةً = وهُـمُ الأولياءُ والفقهاءُ
وبهـم يرحـمُ العبادَ إلهي = إن تثنَّى عند الخطوبِ الدُّعــاءُ
كم أُجيبُوا وللزمانِ رزايا = لشعوبٍ مغلوبةٍ وابتلاءُ
والعقوباتُ للشعوبِ اختبارٌ = إن تناءى عـن دينِها الأبنــاءُ
وتفشَّى الفسادُ فيهم وعجَّت = ويح قومي بالموبقاتِ النساءُ
واستفزَّتْ أهـواءَهم نزغات ٌ = مالهم دونها يــدٌ واتِّقـاءُ
وهنا يذكرُ المصابون مَن هُـمْ = في الملماتِ تُـدفعُ البلواءُ
لـم يزلْ بعدك الرجالُ رجالَ . = . العصرِ مـا أقعدَتْهُمُ الضَّرَّاءُ
هـاهُمُ اليومَ في الثغورِ تجلَّتْ = رغـمَ ذا الخطبِ ليلةٌ قمـراءُ
تطمئنُ القلوبُ حيثُ يُباهي = بالرجالِ الصباحُ والإمساءُ
وبرؤياهُمُ البشائرُ تُـزجَى = فتزول المخاوفُ النكـراءُ
وشبابٌ على المآثرِ ألْفوا = مجــدَ دينٍ يعيدُه الأتقياءُ
وعلى الطُّهـرِ والهدى فتياتٌ = عِشْنَ مـا غرَّهُنَّ مَن قـد أساؤوا
إنَّمـا روحُـك الكريمةُ تحيي = رفرفاتٍ عهودُهـا شمَّـاءُ