هوامش :
- الوزين : حب الحنظل .
- الجحشم : البعير الذي انتفخ جانباه وقعد عن السعي .
- شــظَّه الأمر : شقَّ عليه ، فأدبر عنه .
لا رأى الفاجعُ حـالَ المكتوينْ = والطريدَ الحُــرَّ مَن يحمي العرينْ
أو دَرَى فعلَ الليالي إذْ مَحَــتْ = في مغانيهـم بساطَ السَّامرينْ
ليس في أرضٍ كما في أرضِهم = من كآباتِ وجوهِ المـؤمنينْ
سلبَ الظلمُ مساءاتِ الهنا = إنَّ راعي الظلمِ في الدنيا ظنينْ
والطريدُ الفذُّ من ركبِ الهدى = باتَ في أُفْقِ السُّهـا لايستكينْ
يتثنَّى وفـمُ المجــدِ لــه = يتباهى اليومَ بالحـرفِ الرَّصينْ
تنطوي اللجةُ في إقـدامِه = لايبالي بالرزايا والمنونْ
وكنورِ الصبحِ في وجـهِ الهدى = مانأى الملهوفُ عن أغلى سفينْ
يمنحُ العاني إباءً صارخًـا = صرخـةُ الحـقِّ ستُفني الظالمينْ
والبطولاتُ حديثٌ مُجْتَنَى = من رفيفِ النقعِ شذوِ الظافرين
ما أخافتْهم أيادي بطشَ مَن = روَّعـوا الأطفالَ بالحقدِ الدفينْ
هكذا يحيا أخـو دعـوتِنا = يرخصُ العمرَ ... يضحِّي بالوتينْ
يزرعُ الدربَ شجيراتِ المنى = في سبيلِ اللهِ ذا الظلُّ الثمينْ
حيثُ ألفى لهفةَ النَّفسِ إلى = جنَّـةِ الخلدِ ففاضتْ بالحنينْ
وبدينٍ لـم تـزلْ رفعتُه = تملأُ الصَّدرَ بطيبِ المنجبينْ
فالطريدُ اليومَ رمـزٌ للنَّدى = للوفـاءِ العذْبِ رغمَ المجرمينْ
لايبالي بالحكايات التي = جعلتْ سِفرَ الأماني في ظنونْ
يخدعُ الأمَّــةَ طاغوت الهوى = يمزجَ المـاءَ بمسحوقِ الوزينْ (1)
يا أخا الأبرارِ في ساحِ الوغى = ترتدي الثَّوبَ الموشَّى باليقينْ
لأُولي الهمَّـةِ أبناءِ الأُلـى = قـد تعافوا من جراحٍ وشجونْ
ورموا بهرجَ الدنيـا لِمَـنْ = غَــرَّهُ المالُ وطيشُ المترفينْ
وهـو العيشُ كما شاهدْتَه = فيه للواعي فصولُ الآثمينْ
كأسُه العذبةُ تشكو من أذى = يــدِ ذاكَ النَّذلِ صنوِ المفترينْ
وفتى الإسلامِ في مغنى الرضـا = أُبعِدَتْ عنه وغابتْ لاتبينْ
ومرامي الخيرِ لـو أنطقهـا = ربُّنـا الأعلى عن السِّرِّ الدفينْ
لااستقلَّتْ بمعاني فضلِهـا = وههفَتْ أوصافُهـا للمتقينْ
نعمتِ الدنيا التي آلمَهـا = وجـعُ القلبِ الذي يأبى المهينْ
لُعِنَتْ دنيا بهـا الشَّرُّ طغى = ومـع الحقدِ تآخى والمجـونْ
فالمساحاتُ التي حـرَّمهـا = وحـيُ ربِّ العرشِ في دنيا الفتونْ
يتلاشى ما بهـا من سفهٍ = بهوان المترفين العابثينْ
والملاهي أطربَتْ شيطانَهم =فَهْوَ يرعى هرطقاتِ المحتفينْ
وإذا النُّذْرُ تناديهم إلى = خِـربةِ الشيطانِ لولا يستحونْ
عاجلَتْهـم نقمةُ اللــهِ فـلم = تــَرَ فيهم غيرَ عبدٍ مستكينْ
حقبٌ تمضي وأخـرى أهلُهـا = في تبارِ الإثــمِ أمسوا هامدينْ
ما تخطتْهُم رحى غفلتهم = إذ أتى المنذرُ يُنْبِي الغافلينْ
فتـلا آياتِ ربِّ العرشِ في = أُذُنِ الناسِ عساهـم يسمعونْ
ويـلَ مَن بارزَ بالإثـم الذي = أهلكَ الناسَ العتاةَ المجرمونْ
حيثُ فازَ الركبُ أحيا أهلَه = بالمثاني واستقامَ المدلجونْ
هـم بمحرابِ تُقـاهم رُكّــعٌ = سُجَّدٌ للهِ ربِّ العالمينْ
وترى رحبَ الطريقِ المجتبى = ليس يرضى بجموعِ الغابرينْ
هـم أرادوها كما شاءَ الهوى = فاستحقوا النَّـارَ مثوى الجاحدينْ
ما ارتضوا نهجًـا وقد أنزله = ربُّنـا الأعلى كشأنِ النَّابهينْ
فتقدمْ يافتى الإسلامِ واهتفْ = في سبيلِ اللهِ والشَّّرعِ المبينْ
قد تعاني من أذيَّاتٍ وقد = تُحـرمُ الراحةَ في الدنيا سنينْ
إنَّـك الملاَّحُ في لُجَّتِهـا = ولـك المجدافُ يجري بالسفينْ
أيُّـها الملاَّحُ لاتخشَ اللقــا = إنه الطوفانُ يطوي المحنقينْ
أنت من روحِ عهودِ المصطفى = والأعادي قـد بغـوا مستنسرينْ
وبأولاتِ المزايا والتُّقى = يتباهى جيلُنا الحــرُّ الأمينْ
إنه جيلُ المثاني مــاونى = أو توارى في عِـدادِ المرجفينْ
كالدراري في مداراتِ الهدى = لن تراهـم في ركابِ الآفلينْ
يصنعُ المجدَ ويبني صرحَه = مَنْ تصدَّوا لزحوفِ الفاسقينْ
بارك اللهُ مساعيهم على = مدرجِ العلياءِ هـا هم قادمونْ
رغـمَ وَقْدِ الكربِ في أيامهم = رغمَ غاراتِ الطغاةِ المشركينْ
رغـم قيظِ الشَّرِّ فارتْ نارُه = في جحيمِ الشَّرِّ والحقدِ الدفينْ
وهـي الرايةُ عادتْ بالهـدى = حيثُ بالإسلامِ رفَّتْ لاتهونْ
لـم تصنْها غيرُ أيدٍ عاهدتْ = ربَّهـا القاصمَ ظهرَ المجرمينْ
وهي الأمَّـةُ لـم تعبأ بمَنْ = خـذلوها فب البرايا عاجزينْ
مِللُ الباطلِ ضلَّتْ دربَها = وتصدَّتْ لهُـدانا من كلَّ حينْ
واشرأبَّتْ هكذا في كِبرِها = تهلكُ الحرثَ وتجتثُ الوُكونْ
إنَّـه الحادي ينادي أمَّــةً = أيـن أبناؤُكِ أين الصَّادقونْ ؟!
تلك آثارُ خُطى تاريخِهم = ليس تبلى أو مغانيهـا نُسِينْ
ويلهم كلُّ الحشودِ اندحرتْ = وفلولِ المرجفين الشَّانئينْ
لـم تنم آماقُ فرسانِ الهدى = فهُـمُ الأحفادُ جمعُ المخلصينْ
يتراءى فيهُـمُ وجـهُ الضُّحى = فَسَنى الفتحِ على كلِّ جبينْ
لرضا الرحمنِ عاشوا قيمًـا = ومعانيهـا حِسانٌ في السنينْ
ولِفتـحٍ لخطاهـم يُرتَجَى = رغـمَ أوغادِ البرايا يحشدونْ
يُغلَبُ الشَّرُّ وإن طالَ به = أمدُ الخطبِ وغـيُّ المفسدينْ
يرثُ الأرضَ عبادٌ همُّهُم = في اتِّباعِ المنقذين المرسلينْ
فَهُـمُ النَّفحُ لدنياهم وإنْ = أبعدتْهم عربداتُ الآثمينْ
تعلمُ الدنيا محيَّاهم إذا = فاضَ بالنُّورِ طريقُ السَّالكينْ
وعليهم لـم تزلْ تبكي الدنى = يومَ غابوا عن قضاياالقاطنينْ
ليس فيهـم مترفٌ أخَّــره = عن نداءات المثاني أيُّ دونْ
تهنأ الأمصارُ إنْ حلُّوا بهـا = فَهُـمُ الخيرُ يُواسي البائسينْ
كالأزاهيرِ التي لاتختفي = في بساتينَ جناها المحتفونْ
باقـةُ الأفراحِ في أيديهُــمُ = والهدايـا لكئيبٍ و حـزينْ
أنصفوا الناسَ فما في حيِّهم = غيرُ مسرورٍ تعافى من شجونْ
وعلى الــوُدِّ تصافى جمعُهـم = بينَ أفـذاذِ الرجالِ المصلحينْ
قتلوا الحقدَ وقد فرَّقهم = وأشاعوا الحبَّ فاسْتُبْقِي مصـونْ
لـم تجـد فيهم فتىً يُغضي على = حسرةٍ تُدمي وما فيهم حـرونْ
فهُـمُ الأحبابُ في دينٍ سما = بالإخـاءِ العذبِ والعهدِ المكينْ
وخصالُ السُّوءِ لـم تنبتْ على = تربةِ الإيمانِ بين المصطفينْ
نبذتْهـا أُمَّــةٌ مختارةٌ = لِبناتٍ صالحاتٍ و بنينْ
يُنبئُ الحـالُ الذي أكرمهم = بمآتيـه إلــهُ العالمينْ
إنَّ ماتلقاهُ في مجتمعٍ = صاغـه الإســلامُ لايعروهُ هــونْ
فالسجايا فاضلاتٌ والنُّهى = زانهـا الفكرُ الرصينُ المستبينْ
هُــنَّ يومِئنَ بطُهرٍ إن عـرا = دنسُ اللــؤمُ لإنسانٍ مهينْ
فشقيٌّ أو خبيثٌ عابثٌ = مَن رمى إخوتــَه للقائلينْ
وتمارى ماكرًا حـرَّضه = قلبُه المخدوعُ مـذ كان جنينْ
فجليسٌ صالحٌ عِشْ معه = وابتعدْ عمَّنْ لدنياهُ خدينْ
يتعالى الخِبُّ عن موقعِه = وهو المخلوقُ من ماءٍ وطينْ
ذلـك المعوجُّ مـا أرضعه = ثــديُ بنتِ الأصلِ أختِ النابغينْ
هـو لـم يَنْضُ عن العين القذى = مـدَّةَ العمـرِ وأحياهُ مهينْ
يصعدُ السُّلَمَ لكنْ لم يزلْ = أسفلَ الحوضِ بمرماه قمينْ
فترفَّقْ أيُّها المسكينُ لا = تـرمِ بالنفسِ لأوهـامِ الفتونْ
لستَ أهـلا للمعالي إنَّهـا = لـذوي الألبابِ قوم عارفينْ
لـم يوشِّحْنَ فتـىً ذا سفهٍ = بثناءِ المتقينْ المخبتينْ
هكذا الأمــةُ يأتي بؤسُهـا = من فعالِ المفلسين البائسينْ
لـم تجد من قبلُ من يزجرُهم = فتمادوا بفِعـالِ العابثينْ
سيرةٌ فيه مداهـا يُزدَرَى = لُـوِّثتْ بالإثـمِ والفعلِ المشينْ
أهـو الصورةُ في مجتمعٍ = تُرتَجَى بئسَ مطافُ المفترينْ
جُمِعَتْ فيه خصالٌ قد نهى = عن مَسَاويها نبيُّ المسلمينْ
ومَن استعدى على إسلامه = باتَ كالجَحْشَمِ بين الخائرين (2)
شظَّه الأمرُ فأمسى نائيًـا = في عِدادِ اليائسين الغابرينْ (3)
وتلاشى مفلسًــا في عيشه = والمصيرُ النَّارُ بين الهالكين