في فـؤادي وجيبُ ليلٍ طويلٍ ...

( القسم الثاني من قصيدة : في فؤادي وجيبُ ليلٍ طويلٍ ) 

طَوَفان الأقصى الأثير ترنَّمْ = يملأِ الأرضَ شدوُك اللألاءُ

وتخطَّ الإفسادَ من عبثِ الشَّرِّ . = .تُجَدَّدْ بهدينا الآناءُ

نازعتْكَ انطلاقَكَ الحرَّ حقدًا = عربداتٌ فُجَّارُهـا سفهاءُ

هـم تمادوا وللهديرِ انصداعٌ = في رؤوسٍ من زورِها الكبرياءُ

والربيعُ البهيجُ مازالَ حيًّـا = والضروعُ الكريمةُ المعطاءُ

لم يمتْ مجدُنا برغـم عتاةٍ = فصَناديدُه هـــــمُ الغـرباءُ

ولـه الفصلُ في شؤونٍ عَرَتْها = ونوايا تسوقُهـا البغضاءُ

وألاعيبُهم تخرُّ هباءً = أو غثاءً وللغُلُــوِّ انطــواءُ

مارأوا بل ولن يروا من رجاءٍ = فتراموا فللهــداةِ الرجاءُ

إنَّ هذا الطوفانَ ضربةُ عــزٍّ = لـم تغادرْ مَـنْ عينُه عمياءُ

جرفَ الباطلَ اللعينَ وداوى = مَن عرتْهم في فجرِه الآراءُ

أنقذَ الأمةَ الجريحةَ من وهْنٍ . = . فعادَ الفــدا وغابَ الـخــواءُ

ورأتْ أُمَّــةُ الحنيفِ علاهـا = و وعتْها يومَ انزوى الزعمـاءُ !

فعن الحقِّ لن تردَّ خطاها = وعن المجدِ لايُـرَى الإغضاءُ

محِّص اليومَ ماتراهُ شموخًا = في زمانٍ طغاتُه الجبناءُ

قد تدانت منه الشعوبُ لتروي = لبنيهـا ماحقَّقَ الشُّرفاءُ

حيثُ أحيا ما للشعوبِ من الأمرِ . = . وأوفى آمالَها الإصغاءُ

إنَّهم جنـدُ أُمَّــةٍ أخرجتْها = للبرايا الآياتُ والرحماءُ

وتباهى بهـا الزمانُ ودانتْ = لمزايا معسولِهـا الغبراءُ

وهـو الدِّينُ واحدٌ ليس إلا = وسواهُ المبادئُ الدكناءُ

ماتناسى أهلُ الحِجى في شعوبٍ = أنهكَ الضَّنكُ حالَهـا والعناءُ

فأقـرُّوا لشرعِنا طيبَ عيشٍ = فامتنانٌ لدينِنـا وثنــاءُ

قد أعَــدْتَ التاريخَ يكتبُ فصلا = من فصولٍ ربيعُهـا النعماءُ

إنَّمـا تسعدُ الشعوبُ إذا مــا = أكرمتْها الشَّريعةُ الغــرَّاءُ

فبفضلِ الطوفانِ ولَّتْ ليالٍ = في دجاها الأوهامُ والأهــواءُ

قـد نفى اليأسَ بأسُه فتهاوتْ = من شديدِ امتدادِه الأعــداءُ

عــزَّ مَن أجـرى في البلادِ شعورًا = قــد توارى ، وللشعورِ انتماءُ

إذْ أفاقتْ من نومها فإذا الأفقُ . = . تثنَّتْ بوجهه البُشراءُ

وحماسُ التي أعـدَّتْ وأوفتْ = وتحدَّتْ مَـنْ دَأْبُه الكبرياءُ

فتهاوتْ مدرعاتٌ حبتْها = أَمَرِيْكَا والدَّولةُ البلهــاءُ

وتلوَّى جنودُهـا إذْ أتَتْهُــم = بالمنايا الكتيبةُ الخرساءُ (1)

شعبُنا اليومَ لـم يزل يتغنَّى = بالبطولاتِ أهلُهــا الأوفياءُ

فعلى الأرضِ فرحــةٌ لانتصارٍ = ولـــدى اللهِ يفــرحُ الشُّهداءُِ

فهمـا رمزُ عــزَّةٍ ويقينٍ = وببرديهــمــا يطيبُ اللقــاءُ

وكأنَّ الطوفانَ غزوةُ بــدرٍ = طابَ فيه الفدا وطابَ الرُّوَاءُ (2)

فاليهودُ الشُّذَّاذُ قـومٌ بغاةٌ = ولهم في أرضِ الرباطِ اعتداءُ

أذهلَتْهم حماسُ يومَ غزتْهم = فجذاذٌ قُـوَّاتُهم وهبـاءُ
فئةٌ آمنتْ بربِّ قــويّ = وشبابٌ أعزَّةٌ نجبـاءُ

قد تصدَّوا وهم قليلٌ وهـاهم = لعدوّ لم يغادرْهُ العفاءُ

وحدهم والقريبُ باتَ حفيًّا = بالأعادي فهل هُمُ الجبناءُ !

كرهَ اللهُ أن يراهـم بيومٍ = خلَّدتْهُ العزيمةُ القعساءُ

فانبعاثٌ للمرجفين محالٌ = وبيوم الحسابِ يأتي القضاءُ

فأهالي الأقصى الكرامُ : شهيدٌ = أو أسيرٌ أو في المنافي الثواءُ !

لو أطاعونا ما أصابَتْ رباهم = ذي الرزايا ولا جرتْ ذي الـدماءُ !

يالهــا من جهالةٍ وافتـراءٍ = دبَّجتْهُ الضَّلالةُ العمياءُ

إنَّ قانونهم هُـراءُ نفوسٍ = قبَّحتْه بهديهـا الأنبياءُ

والنواميس عند ربِّك تمضي = شرعــةُ اللهِ قالهـا الفقهـاءُ (3)

ولذا يُمحقُ الذين اشترتهم = للمخـازي الضَّغينةُ العرجـاءُ

أذهلَتْهم حماسُ في صفعةِ الحـقِّ . = . وأدلَتْ بيانَهـا الهيجاءُ

ومـع الرِّيحِ صفقةُ القـرن ولَّتْ = وتهاوت أركانُهـا والبناءُ

ليس للباطلِ البغيضِ قيامٌ = في مغاني شعوبِنا وارتقاءُ

آمنتْ بالوليِّ ربًّــا تعالى = وأصابَ الذي تمادى العَيــاءُ

سُنَّةُ اللهِ رغـمَ كلِّ عُتٌـلّ = ألحقَ العــارَ بالعُتُـلِّ ازدراءُ (4)

فليعيشوا أمواتَ وَهْـمٍ ماعناهـم = ماعَنَتْهم بفضلِهـا الغــرَّاءُ

ساوموا أهلَها ولكنْ جفتْهم = وتغنَّى بالأوفياءِ العــلاءُ

فهمُ الأمواتُ الذين شكتْهم = للإلــهِ الحسيبِ تلك الدِّمــاءُ

فالبياناتُ ماتعدَّتْ رؤاهـم = ورؤاهــم عقيمةٌ جرداءُ

فنفوسٌ قد أشغلتْها المعاصي = وقلوبٌ بئسَ القلوبُ خـَـواءُ

مات إحساسُها بغيهبِ جُبّ = كفَّنتْهُ بقاعها الظلمـاءُ

وعيون التاريخِ تبصرُ ما قــد = دوَّنَتْهُ ليقــرأَ الأبنــاءُ !

والعدوُّ البُغاثُ بات شجاعًا = إذ خلا السَّاحُ فاستُبيحَ الفضاءُ

طيرانُ اليهود حلَّقَ يرمي = مارماهُ الأشرارُ والجبناءُ

ليس في الدور مَن يقاتلُ جيشًا = فأمامَ العدوِّ الزنيمِ نساءُ

أين أين الجيوشُ في كلِّ قطرٍ = والعتادُ المخزونُ والزعماءُ !

قد أذلَّتهمُ الملذَّاتُ طوعًا = وسقتْهم من كأسها الصَّهباءُ

وأنامتْهم الأماني فهـاموا = حيثُ أغـراهُمُ الهوى والغناءُ

لاتغرنَّك المظاهرُ تـزهو = فالنياشينُ شارةٌ جـوفـاءُ

كيف عاشوا وأهلُهم في دمارٍ = وعلى أرضهم يضجُّ الشَّقاءُ

ما أمــرَّ الأيامَ تمضي بقدسٍ = والبلايا صباحُهـا والمساءُ !

أهـو الفتحُ أقبلَ اليومَ يُومي = بعهودٍ أيامُهـا حسناءُ !

وأطلَّتْ من السماءِ بشاراتٌ . = . وتثنَّت بالفرحــةِ الأرجـاءُ

إنَّ صوتَ الجهاد أحيا قلوبًا = أشغلتهـا في الغربةِ الأهـواءُ

فتصدَّتْ لمعتدٍ ماتواني = فهـو الأقصى غارةٌ قعساءُ

وفلسطينُنا الأسيرةُ تغلي = إذْ تخطَّى أكنافَهـا الجبناءُ

أين في القومِ نخوةٌ رفَّ فيهـا = قبلَ ذا العصرِ للجهادِ لــواءُ !

أينامُ الأفذاذُ والقتلُ ماضٍ = وسجون العدوِّ فيهـا النساءُ !

يعربياتُنا بأيدي يهودٍ = وشبابٌ وصبيةٌ أُسراءُ

ويشاءُ الرحمنُ للأُمَّــةِ الفتحَ . = . فجاءَ الطوفانُ فيه الـرجاءُ

ياجنودَ النَّبيِّ ماماتَ وعــدٌ = قطعَتْهُ النُّبُــوَّةُ الزهراءُ

أنتمُ اليومَ قد هدمتم كيانا = أهلُه من شتاتِهم قــد جاؤوا

ولعلَّ الميعادَ حـانَ ليفنى = في ربانا يهودُه السفهـاءُ

والميامينُ أنتمُ وسِواكم = عندَ ربِّي حسابُهـم والجـزاءُ

في حناياكمُ العقيدةُ فيضٌ = فيه للمرضى في البلادِ شِفاءُ

ولديكم من قادةٍ ماتوانوا = عن أداءٍ ونعـمَ هــذا الأداءُ

وتقدمتُم حيثُ باتَ أعاديكم . = . بغيظٍ وإنَّهـم تعساءُ

عاشَ ركبٌ التوحيدِ لله يُعلي = رايةَ النصرِ والأعادي استاؤوا

فَلْيموتوا بغيظم أو يثوبوا = وبهذا فَلْيَفْرحِ الأبرياءُ

ما أجلَّ الرجال في عنفوانٍ = الرزايا أندادُهـم والعناءُ

في جهادٍ يُمضيه سهمًا تراءى = في عــدوّ أحقادُه شعواءُ

أرخصوها أرواحَ رفَّتْ تناغي = جنَّـةَ الخلدِ فالحياةُ عفاءُ

فاستبانوا سبيلَها فتجلَّت = للمآقي الحقيقةُ الـزَّهـراءُ

فأذلٌّوا ركابَهـا وامتطوها = حيثُ طابَ السُّرى وطابَ الحُــداءُ

وتغنَّتْ كتائبُ الفتحِ نشوى = أطربـَتْها في سيرِها الوجناءُ

وَدَعََتْهـا للــهِ غزوةُ بــدرٍ = فاشرأبَّتْ للموكبِ البُشَراءُ

عانقتْهُ الملائكُ اشتاقَ لقيا = مَنْ لِقَاهُـمْ محبَّةٌ وهنـاءُ

فتخطَّى حشودَهم مطمئنًّا = ومزاياهُ عـــذْبــةٌ لاتُساءُ

وظلامُ الأرزاءِ ولَّى فهلَّتْ = لِمُحَيَّـاهُ ليلةٌ قمــراءُ

فأثارتْ في نفسِه أمنياتٍ = أحرزتْهـا في الغزوةِ الأصــداءُ

فانظرِ الأُفْقَ في معارجِ أرواحٍ . = . تسامتْ أصحابُهـا شهداءُ

غــزَّةُ : الصَّالحاتُ سيرتُها المُثلى . = . امتثالٌ لربِّهــا و دعــاءُ

والمثاني : على المثاني تربَّى = جيلُهــا الفذُّ والمثاني ارتقــاءُ

والمثاني عمادُهـا ، واعتدادٌ = أنطقتْ فاهُ السُّنَّةُ الغــرَّاءُ

فتنادى والباقياتُ سلاحٌ = تتـوارى بفضلِـه البأساءُ

إنَّـه الركبُ من سلالةِ مجدٍ = فالبطولاتُ شأنُـه والفـداءُ

قم تأمَّلْ أفـواجَه كيف ضجَّتْ = بهمُ الأرضُ أهلُهـا والسَّماءُ

واشرأبَّتْ أعناقُ قومٍ تخلَّوا = عن سجايا أتى بهـا الأوفياءُ

غـزوةٌ علَّمتْ أُهَيْلَ انكسارٍ = كيف يحيا بالعزَّةِ النُّجباءُ

كم شهيدٍ وكم أسيرٍ بسجنٍ = وغريبٍ لــه الفخارُ رداءُ

إنَّـه عصرُ ركبِنا رغمَ ظلمٍ = وفسادٍ فرسانُ الكُبَـراءُ !

لارعى اللهُ عهدَهـم لارعاهم = فهُـمُ الشَّرُّ كلُّـه والبــلاءُ      

إنـه عصرُ عودةِ النورِ جلَّى = ماطـوتْهُ الضَّلالةُ الظلماءُ

هبَّ فيه الشَّبابُ جندًا لدينٍ = فالمنايا تطيبُ والأرزاءُ

عاشَ من قادَ للجهادِ كرامًـا = عن يقينٍ روَّادُه القدماءُ

صَحْبُ خيرِ الورى الحبيبُ المفدَّى = ولـه الفضلُ كلُّـه والثَّناءُ

أرشدَ الخَلْقَ للمآثـرِ تبقى = وتضمُّ استعلاءَها الأحنــاءُ

ليس ترضى من الدنايا نقيرًا = فمقامُ استرسالِهـا العلياءُ

يحكمُ الجبتُ والغًا في فسادٍ = في تحــدّ يمجُّـهُ الحكماءُ

ولهـذا استنارَ وعيٌ تصدَّى = لانهـزامٍ أسبابُه الأهــواءُ

فَتَلَقَّتْهُ غــزَّةٌ فاستعادتْ = روحَ معنى جهادِهـا النُّصــراءُ

فخطاها شقَّتْ طريقًا مجيدًا = ضيَّعَتْهُ الألقابُ والأسماءُ !

والربيعُ الفـوًّاحُ مازالَ حيًّا = في الحنايا يرفُّ والأشذاءُ

ياأخـا الدعوةِ الكريمةِ حـدِّثْ = من وراء الغيوبِ يأتي الرجاءُ

ستعودُ الأيام يحلو ضُحاها = ثمَّ يحلو رغـمَ الخطوبِ المساءُ

لاتغرنَّك الحشودُ وتخشى = ما تباهتْ بذكرِه الأنباءُ

أهلكَ اللهُ قبلها مَن تعالوا = وتمادوا فللبغاةِ الفنــاءُ

لـكَ طوفانَ المُنْشِآتِ ابتهاجًا = لقلوبٍ قد سامَها الإيـذاءُ :

فجــرُ يومٍ أطلَّ بالفتحِ يروي = ما أتمَّتْ تبليغَه الأنبياءُ

إنَّـه الفجرُ والمــؤذِّنُ نادى = فاستجابتْ للدَّعــوةِ الأصفياءُ

وتعالتْ اللهُ أكبرُ تذكي = ما تولَّتْ إخمادَه الظلماءُ

هـوامش :

  • الكتيبة الخرساء .
  • الــرُّواء : حُسْنُ المنظر في البهاء والجمال .
  • الناموس : الشرع الذي شرعه الله تعالى ، أو القانون ، أو الشَّريعة .
  • العتلالغليظ الشديد الخصومة، الفظ ، أو الفاحش اللئيم ، والعتل: الجافي الغليظ .

وسوم: العدد 1060