شمسٌ.. تركل الكُرات في وجه الزمن!
عَلَى الجِبالِ،
إِذْ تُعيدُ في غَياهِبِ البِدايةِ الرَّحِمْ
صِياغةَ الحِكايةِ الحَزينةِ،
التي مَضَتْ لِلعِتْرَةِ الوِديانِ مُذْ مَجاهِلِ العَدَمْ!
وخادِماتُ الرِّيْحِ،
يَفترِسْنَ أَوراقَ السَّحابِ..
يَمتَشِقنَ سارِياتِ البَرْقِ،
في مَخاضةٍ مِنَ النَّشيجِ والمَطَرْ
أَلُجُّ في جِدارِ صَوْتِ الغائِبينَ الحاضِرينَ والصُّوَرْ!
مُنَقِّبًا عَنْ مَرْأَةٍ،
حَصينةٍ بِشَمسِها،
عَنْ شَمْسِ وَقْتِها اليَفَنْ
لَـمْ يَأْكُلِ الزَّمانُ وَجْهَ طِفْلَةٍ
ظَلَّتْ بِها تُلاعِبُ السَّماءَ في جُنونِها،
وتَرْكُلُ الكُراتِ في وَجْهِ الزَّمَنْ!
لَطالَما- عَنْ عَيْنِها- الحَرِيْرَ داعَبَتْ؛
لِكَيْ تَرَى أَطْيافَ مَهجُورِ المُدُنْ!
واستَقْرَأَتْ كِتابَهُ الخَفِيَّ في كَفِّ الوَطَنْ!
وشَعرُها،
الذي تَمادَى في الهَواءِ تارةً مُعَطِّرًا،
وتارةً عَلَى انْتِفاضِ بَدْرِها:
لَونانِ لم يَخْطُرْ بِبالِ خَيْطٍ قَبْلَها نداهُما..
لم يَلْتَفِتْ إلى صَدَى شَذاهُما مِن شاعِرِ
لَوْ أنَّهُ...،
لَسالَ دَمْعَ خَدِّها؛
فلَمْ يَذُقْ، كَيَوْمِهِ، هَزِيْمَةً كالظَّافِرِ!
لم تَحْتَفِلْ بِأَلْفِ لَوْنٍ لِلكِرِسْتالِ
يَطُوْفُ عَبْرَ جِيدِها
ولا بِكُلِّ طِيْبِ (حَضْرَمَوْتَ)،
أو عُطُوْرِ جَنَّـتَيْ (سَبا)
تُلْقِيْهِ، كَوْكَبًا بِرَأْسِ كَوْكَبٍ، في نَهْرِها؛
ماءً بِماءٍ في عَبِيْرِ زَهْرِها:
نَبْعِ الجَمالِ والكَمالِ والصِّبا!
هِيَ الغَزِيرُ،
لا سِواها كَثْرَةٌ!
هِيَ العَمِيْقُ،
لا سِواها لُـجَّةٌ!
كَمْ أَهْرَقَتْ/
كَمْ أَرْهَقَتْ/
كَمْ أَلْقَمَتْ طُوفانَها مِنْ خاتَمٍ،
وكَسَّرَتْ أَساوِرًا مِنَ الذَّهَبْ!
مِنْ طِيْنِ آدَمٍ ثَنَتْ حَرِيْرَها،
وأَرْسَلَتْ مَنْقُوْشَةَ الدِّماءِ مِلْءَ صَوْتِها نَيازِكًا،
ووابِلًا من الشُّهُبْ!
لِتَسْتَحِمَّ عَيْنُها بِعَيْنِها!
وفي لَماها قَبِّلِـيْ، شِفاهَها المُعَتَّقَةْ!
فما جَدِيْرٌ غَيْرُها بِعُرْسِها،
لا والِدًا من الوَرَى ولا وَلَدْ
يا حِبْرُ،
سَجِّلْ، مِنْ سَوادِ لَعْنَةِ الجَمالِ،
شاهِدًا لَها مِنْ أَهلِها،
ما قُدَّ قَبْلُ مِنْ قَمِيْصٍ كاذِبٍ لَـهُ بتارِيْخِ الأَبَدْ!
لِـمِثْلِها يَنْزَلِقُ الجَلالُ عَنْ كُرْسِيِّهِ العَلِـيِّ،
جالِسًا إلى إِيْوانِها؛
وإنْ خَيالًا أُنْثَوِيًّا وارِفا
ويَنْتَشِيْ، بِوَعْدِ عُمْرٍ؛
كَأْسُهُ يَدُوْرُ لَثْغَ بُرْعُمٍ،
عَلَى سُلافِ الأُقْحُوانِ مِنْ ضِياها نازِفا!
تَقُوْلُ:
-«يا هٰذا الفَتَى المَجْنُوْنَ بِـيْ،
لَرُبَّما رَأَيْتَ داخِلِـيْ الرَّصاصَ ما يَزالُ ماطِرا
فلا تَدَعْهُ يَدَّعِيْ بِأَنَّها بِعُمْرِ نُوْحٍ عُذْرَتِـيْ!
- «العُمْرُ حُزْنٌ، يا خُناسُ!»
- «صَاكَ مِنْهُ في القُطُوْفِ مَوْسِمِيْ الخَصِيْبُ..
نَوَّرَتْ بِالحُبِّ أَشجارِي،
الْتَـثَمْنَ عِشْقَهُنَّ كالعَداءِ سافِرا!
«لكِنَّنِـيْ،
واويْلَتاهُ، يا أَنا!
في عُمْرِيَ الصَّبِيِّ جِدًّا مِنْ دِهاقِ خَمْرَتِـيْ،
ارتَدَيْتُ ثَوْبَ غِرَّتِـيْ الفَوَّاحةِ الشَّبابِ؛
كَيْ أَضْحَى بتُفَّاحِ الغَرامِ كالشُّموسِ العاشِقَةْ!
ثَوْبِـيْ كتِلكَ الناشِراتُها الطَّبِيْعَةُ،
التي بِحُسنِها غَنَّتْ شِفاهُ كُلِّ طَيْرٍ خاطِبَةْ
عَينا الفَتاةِ ظَلَّتا سَبَّاحَتَينِ في مُحيطِ ناظِرَيْهِ،
كالبَغِيِّ الرَّاهِبَةْ!
والحُبُّ كانَ في العَراءِ؛
لا سَرِيْرَ ضَمَّ هَمْسَ بَوْحِهِ..
لا سَقْفَ بَيْتٍ ثَمَّ..
لا...
كَبَيْتِها باتَ الفَتَى...
وعِندَما استَقَرَّتِ الأشجانُ
في أَركانِهِ الرَّيَّانَةِ الأَحضانِ،
والدِّفْءُ ارْتَوَى..
بَيناهُما في رَشْفَةٍ...
تَكَشَّفَ النَّهارُ عَنْ مُستأجَرٍ،
أو عَنْ مَشِيْدٍ مِنْ صَفيحٍ:
لا تُراثَ،
لا جَدِيْدَ ذا مَرايا شائِقَةْ!»
هنا الحِصانُ طارَ عَنْ فارِسِهِ:
نَبِيْلَةٌ خُصْلاتُ عُرْفٍ مُوْقَدَةْ
فأَيُّ جَوْلاتٍ رَمَى؟
وما الحُدُوْدُ؟
ما المَسارُ؟
ما النِّهاياتُ التي لا تَعْتَرِيْهِ مُوْصَدَةْ؟
ما أَكْثَرَ الَّذينَ صَوَّرُوْهُ غازِيًا!
وفي عُيونِهِمْ، كطارِقٍ، تَأَرْشَفا!
والأَحْمَقُ الجَوْعانُ،
في خَيالِهِ الجَوْفِـيِّ،
كُلُّ دائرِيٍّ قُرْصُ شَمْسٍ أُزْلِفا!
يا شَهْوَةَ الحَكِيْمِ،
وَقْفَةً تَـمُـرُّ فَيْصَلا!
ما كُلُّ حُلْوٍ سُكَّرٌ،
إِنْ كُنْتَ مُرًّا حَنْظَلًا!
عَرَفْتَ، فالْزَمْ!
أو سَمِعْتَ واشِيًا:
«كَمْ في بَساتِينِ الشِّفاهِ الباسِماتِ
لاثِـمًا من أُفْعُوانٍ أَحْوَلا!»
مُنَقِّـبًا،
أَدُوْرُ، مِنْ مَجَرَّةٍ لأُختِها:
«مَنْ ذا رَأَى مَلِيْكَةً كانتْ هُنا،
تَسْقِيْ رَضِيْعَ حَرْفِها؟
مُنْذُ افْتَضَضْتُ وَرْدَها،
يَنْثالُ بَيْنَنا شَهِيْقُ عَرْفِها!
حَصِيْنَةً بِشَمسِها،
عَنْ شَمْسِ وَقْتِها اليَفَنْ
لَـمْ يَأْكُلِ الزَّمانُ وَجْهَ طِفْلَةٍ
ظَلَّتْ بِها تُلاعِبُ السَّماءَ في جُنونِها،
وتَرْكُلُ الكُراتِ في وَجْهِ الزَّمَنْ!»
وسوم: العدد 1062