الجاهلية لم تزلْ

الجاهليةُ لـم تزل تتسعَّرُ = وتريدُ أن يرثَ المكانةَ مِلْنَــرُ (1)

والجاهلية لم تزل حبلَى بمَن = جاروا على أهلِ الهدى وتنمَّروا

فهنا أبو جهلٍ يولولُ ساخطا = وكأنـــَّه ممَّـــا جـرى لايبصرُ

وهناك في سوق الهوانِ أتى أبـو = لهبٍ يُهيِّجُ مَن يرى ويحذِّرُ

والشارع المفتون في لهو وفي = حلباتِ ترفيهٍ النفوسِ يثرثرُ

ماكان عنترُ بينهم ليعينَهم = تبًّـا وهل يرضى الميوعةَ عنترُ !

وهناك في الوادي المقدسِ فتيةٌ = عافوا الضلالة والفسوقَ وعسكروا

فلهم ليالٍ مقمراتٌ بالهدى = وهُـمُ الأفاضلُ والكرامُ السُّمَّرُ

ذاقوا من الكفارِ شرَّ أذِيَّــةٍ = وهـم الذين بما أتاهم جاهروا

مالانَ ساعدُهم لبطشِ عدوِّهم = أو ردَّهم عن دينِهم مَن يكفرُ

وتفنَّن الطغيانُ في إغرائهم = حينا وحينًـا بالمكارهِ أُنذِرُوا

لكنَّهم صمدوا وجارَ عدوُّهم = واستلَّ سيفًا علَّهم أن يُقهرُوا

ثم استعانوا كي ينالوا حظوةً = ببني قريظة يا لبئس العنصُـرُ

وبنو قنيقاع ارتأوا ومنافقون . = . تلوَّنوا وعلى المراءِ قـد اجترُوا (3)

هي حربُ أهلِ الكفرِ في أسلافهم = كانت على الدين الحنيفِ فبُعْثِرُوا

وانهدَّ صرحُ عُتُوِّهم وفسادِهم = فتقهقروا وعلى الهدى لن يُنصَرُوا

قـمْ يابلالُ مؤذِّنًا كي يسمعوا = وليعلموا أن العقيدةَ تُنْصَرُ

واصدحْ بهـا رغم الذين تكالبوا = وحشوا نفوسَ المرجفين وسطَّرُوا

دنياك عادت يابلالُ بكونِنا = مزهوَّةً وبهـا الشبابُ القسورُ

فاليوم تحترقُ المذاهبُ كلُّها = ويعودُ للدنيا الربيعُ الخيِّــرُ

أولم تــَرَ الطوفانَ ما أبقى لهم = إلا الذي عند البريَّة يُحقرُ

عُــدْ يابلالُ بوجهك السَّمحِ الذي = يُومِي بدعوتك التي لاتُقهرُ

واصدعْ بهذا العصرِ فالبغيُ ابتغى = طمسَ الشَّريعةِ حشدُه المتعثِّرُ

والناسُ في أرجائه قد هالَهم = في غــزَّة القيمُ الرفيعةُ تُبهـرُ

نزلتْ بها الأهوالُ من قومٍ لهم = مهجٌ إلى شرب الدما تتضوَّرُ

ومئات أطنانِ الرزايا أُسقطتْ = فوق الرؤوسِ وعزُّها لايُكسرُ

تأبى الهوانَ ولم تجد إلا الفدا = إنَّ الفداءَ لذا العدوِّ سَيُقْبِرُ

فهنا البطولات التي لم ترتحل = وشبابُها نحـو الشَّهادةِ أبحروا

فأتاهُـمُ النصرُ المؤزَّرُ وانجلى = فجرٌ جديدٌ بالكتائبِ يـزخرُ

يعتدُّ بالباري وليس بغيرِه = فاللهُ أكبرُ والعدوُّ معفَّـرُ

والخانعون قد اختفتْ أصواتُهم = وبثوبِ عارِ المرجفين تدثَّرُوا

ولربَّمـا تصحو عقولٌ سامها = زيفُ الهوى ولعلهـا تتبصَّرُ

إنا لنبصرُهم حيارى مارأوا = نورَ الحقيقةِ للمُغيَّبِ يظهرُ

يا أمَّـةَ المليارِ ويحك إنه = دينُ الذي يحبو الأباةَ ويُـؤثرُ

يا أُمَّــةً سادتْ بأيامٍ خلتْ = دنيا الأنامِ وفضلُهـا لايُنكرُ

حكمتْ فعاشَ الناسُ في أفيائها = وبها إذا حصل المراءُ المَفخَـرُ

وركنتِ في ذا العصرِ ويحك لم تَرَيْ = إلا الضياعَ وضاع فيه المحورُ

واليوم أيقظكِ النداءُ بغزَّة = وكتائبُ التوحيدِ فيها استنفروا

وأتوا بها بقلوبهم ويقينِهم = وعن اللقا بعدوِّهـم لم يُدبرُوا

هاهم أسودُ الثأر مانامت لهم = مقلٌ وفي الأقصى يصولُ مثرثرُ

جبناءُ هذا العصرِ لم تثبتْ لهم = قدمُ ولم يُعرف لديهم قسورُ

هي جاهليتُهُم وهل يجدي بها = هذا الفجورُ المستفزُ المنكــرُ !؟

عادَ الحنيف بعدله وإخائه = وبعصرِه يحلو الصباحُ النَّيِّــرُ

فلقد كفى بالذلِّ أمتنا شكتْ = مــرَّ الحياةِ وخيرُها لايُؤثرُ !

وهي التي اختارَ الكريمُ رجالَها = وبدينِه صِيدُ الرجالِ ستُنصرُ

 

هوامش :

  • ملنر : اللورد ملنر وزير إنكليزي جاء ليقنع إحدى البلاد العربية بأمور ، ولكن شعب تلك البلاد قاطعوه ولم يسمعوا لــه .
  • بنو قريظة صنف من اليهود كغيرهم ممن نقضوا العهود، وخانوا المسلمين في أصعب الظروف،وتآمروا مع الأحزاب ، غير مكترثين بأي عهد وليس لهم ذمة .بهذا العصرِ
  • اجتـروا : اجترَّ الكلام كرَّره وأعاده مرات من غير الإتيان بجديد .

وسوم: العدد 1062