مَن رمى بسهم في سبيل الله
الذي استُشهد صائمًا رضي الله عنه
وإلى أرواح الشهداء الأبرار في هذه الحقبة الموجعة من عصرنا هذا
أَبوعَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّ : أبو عثمان عمرو بن معاذ بن النعمان الأشهلي الأوسي الأنصاري . صحابي جليل من بني عبد الأشهل من قبيلة الأوس من الأنصار وهو أخو الصحابي سعد بن معاذ وقد آخى النبيُّ مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين عمير بن أبي وقاص وشهد مع النَّبِيِّ غزوةَ بدرٍ وغزوةَ أُحُدٍ وقُتِل فيها شهيداً . وَكَانَ بَدْرِيًّا عَقَبِيًّا، وَهُوَ صَائِمٌ يَلْتَوِي مِنَ الْعَطَشِ، وَهُوَ يَقُولُ لِغُلَامٍ لَهُ: وَيْحَكَ تَرِّسْنِي، فَتَرَّسَهُ الْغُلَامُ حَتَّى نَزَعَ بِسَهْمٍ نَزْعًا ضَعِيفًا حَتَّى رَمَى بِثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ فَقَصَّرَ أَوْ بَلَغَ كَانَ ذَلِكَ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) .
طوبى لنا إذ هلَّ مقدمُه على = دنيا مآسينا فأغنى مجزلا
وهبَ المغاني من خُزامى طيبِه = فتثنَّتِ الأعنانُ لمَّا أقبلا
شهر النَّدى يامرحبًا بهبوبه = فالنُّورُ في غدواته قد أرفلا
وأظلنا وهو المحمَّلُ بالهدى = كالغيمة الوطفاءِ تسقي الموئلا
وأظلَّنا فاستبشرتْ أقطارُنا = فسوى البشارةِ نفحُه لن يحملا
وسرى شذاهُ على القلوبِ فأخبتتْ = للهِ تنشدُ عفوَه متهللا
مَن صامَ صومَ الأوفياءِ لربِّهم = ألفى به فضلَ المهيمنِ مُرسَلا
كُتبَ الصيامُ على الكرامِ ليتَّقوا = ربَّ الأنامِ تبتُّلا وتقبُّلا
أيامُه المعدودةُ استغنتْ بما = للشوقِ عند الصَّائمين تفضُّلا
أثنى عليها المصطفى فالخيرُ . = أغدقَ آخرًا فيها وأجزلَ أوَّلا
شهرُ الهدى والبيناتِ فقم به = تدركْ وربِّك للمفازةِ منزلا
فالصَّوم للرحمن كان ولم يزل = وبه يُثيبُ الصَّائمَ المتَبَتِّلا
ما أعذبَ الطيبَ الذي بفمِ الفتى = وخُلُوفُه عند العشِّيةِ قد حلا
فاغنمْ أخا القرآنِ من آلائه = واجعلْ صيامَك بالتُّقَى مُتَقَبَّلا
غفرانُ ذنبِك في الصيامِ حقيقةٌ = إنْ صينَ من لغوٍ وكان الأمثلا
ياربِّ فاجعلْ بالصيامِ حياتَنا = تزدانُ عفوًا مشرقًا مُتَهَللا
* * *=* * *
طوبى لأُمَّتِنا بمنهجِ عزِّها = فخميسُها ما كان يومًا أعزلا
فالصومُ سيفٌ سُلَّ من غمدِ التُّقى = فغدا لباسُ الكافرين مرعبلا(1)
ولديك في ظلِّ الصلاةِ كتائبٌ = هزمتْ جيوشًا واستحثَّتْ جحفلا
والحجُ عهدٌ ليس يبلى سِفرُه = وسواه من عضِّ الخطوبِ تآكلا
أما الزكاةُ ففي محيَّاها الإخا =وبهاؤُه في أهلِها لن يذبلا
عزَّ الذين استعصموا بعقيدةٍ = أركانُها فيها المنى للمُبْتَلَى
وطوتْ يداها بالعزيمةِ ضعفَ مَن = أرخى يديه إلى الهوى والأرجلا
ورعتْهُ كفُّ الفتحِ تُمْلي منهجًا = للناسِ مفتتحًا سُمُوًّا مقفلا
للصَّائمين مكانةٌ قدسيَّةٌ = ( ريَّانُها ) يروي التَّقيَّ محجَّلا
والصَّومُ يفسحُ توبةً لِمَن اهتدى = فالنَّهجُ بالإيمانُ أقبلَ وانجَلَى
خيرُ الشهورِ وسيِّدُها الذي = سبقَ الشهورَ مُكلَّلا ومُبجَّلا
ياربِّ هبْ نصرا مبينًا عاجلا = للمسلمين فإنَّهم عانوا البِلى(2)
* * *=* * *
أبشرْ أبا عمرو بجنَّةِ راحم = فالفوزُ بين دماك فاحَ قرنفلا(3)
ياصائمًا في يوم حربٍ قد رمى = بالسَّهمِ نحرَ الكافرين وعجَّلا
قد فزتَ(بدريًّا) ونلتَ شهادةً= جاءتْكَ ترفلُ قبل أن تترجَّلا
آثرْتَها ثمَّ اغْتَرفتَ بفخرِها = عزًّا بفردوسِ الخلودِ مؤمَّلا
وضربْتَ أمثلةً لكلِّ مجاهدٍ = بالروحِ والدَّمِ والغِنى : لن يبخلا
هاهم هنا قد آثروا نهجًا لهم = منك استشفوا مارأوهُ قد انجلى
ولغيرِهم ممَّا له لم يبصروا = هيهاتَ يابن تراثنا أن يُبذلا
تأبى فلسطين الجريحةُ أن ترى = حشدا من السفهاءِ حيثُ تعلَّلا
لن ينقذَ الأقصى سوى أهلُ التُّقى = جمعًا على نهجِ الخليفةِ أقبلا
فحكايةُ الفاروقِ درسٌ لم يزل = لأولي اليقين بربهم لن يُخذلا
عمرُ التَّقي والمُبَشَّرُ بالرضا = وبجنة الفردوسِ عاشَ مُؤهَّلا
قاد الفتوحَ بهمَّة عُمَرِيَّةٍ = ماحادَ عن نهجِ النَّبيِّ ولا قَلَى
أين الزعاماتُ التي نامت على = وجعِ الشعوبِ ذليلةً بينَ الملا
ياليلةَ الفرقانِ إنَّ عدوَّنا = هذا المراوغُ قد أصابَ المقتلا
والآهُ ، والتكبيرُ ، والشَّكوى وما = خلف الكواليس اللعينةِ قد علا !
صبَّتْ على الأوباشِ لعنةَ قادرٍ = تطوي زنيمَ المفترين مجندلا
فارموا أولي الإجرامِ من غضب الذي = يفني الطغاةَ ببطشِه والأحيلا (4)
هذي الحروبُ على سواعد حقدِه = ألقى علينا نارَها والمرجلا
ورأى بها فأسًا ليقتلعَ الفدا = ويشيدَ أبناءُ القرودِ الهيكلا
وهي الحروبُ المستميتةُ أجمعتْ = ألاَّ تقومَ يدُ العقيدةِ والعلا (5)
فانظرْ تَرَ الإسلامَ حوصرَ في الورى = وسقاهُ أربابُ الضَّلالِ الحنظلا
بالطائراتِ وبالمدافعِ إن رمتْ = وبما لدى طغيانِهم أن يحملا
بالسِّجنِ والإرهابِ والحقدِ الذي = أكلَ الأمانَ وبالضغائنِ عجَّلا
وعدونا في الشرقِ سدَّدَ سهمَه = وعدوُّنا في غربِها ما بدَّلا
وهما قدِ التقيا على كيدٍ وما = زالا عليه وبالعداوةِ أقبلا
وتفاهما أن لا تُحرَّرَ أُمَّةٌ = تدعو إلى الإسلام مابين الملا
وتفنَّنا في حربِنا حينا وفي = شأنِ المكائدِ في الخفاءِ تبادلا
عن كلِّ صرخاتِ الضميرِ تصامما = ولصوتِ حُرَّاسِ الحقوقِ تجاهلا
إجرامُهم ماضٍ أباعمرو عمى = من نورِ ربِّ المشرقينِ تململا
أيسودُ ! كيف ؟ وأمَّتي ضاقت به = ذرعًا وهبَّتْ لن تهونَ و تُخذلا
وشعائرُ الدين الحنيفِ تشدُّها = ونداؤُها لحقوقها ما أغفلا
رمضانُ والقيمُ الوضاءُ بصومه = لمَّا تزل للمسلمين هي الحلى
قد صانها العلماءُ في إرشادهم = وسعى بها جيلُ الشبابِ مُحَجَّلا (6)
(يابدرُ) يا أبهى النشيد إذا هفتْ = (للعدوتين) قلوبُنا ظمأى إلى :
رمضان يحشدُ قضَّنا وقضيضَنا =وتقولُ للجمعين : هيَّا فانزلا
ماعادَ ينفعُنا سوى إسلامِنا = وهو الذي لجهادنا ما أغفلا
والعزُّ فيه وفيه كلُّ فضيلةٍ = للعالمين حُنُوُّها ما أغفلا
وبه مكانتُنا الرفيعةُ في الورى = لن تقبلَ الذلَّ المهينَ تعلُّلا
من عافَ دينَ الله واتَّبعَ الهوى = والموبقاتِ المخزياتِ تبهدلا
وهي المراقص والملاهي والخنا = والعهرُ والترفيهُ زادُ المُبتَلَى
واللهوُ إنَّ اللهوَ قوَّضَ قوةً = كانت تقومُ على البطولةِ لا على :
هذي المخازي أوردَتْنا حقبةً = بالذُّلِّ تغشانا وعارٍ ما انْجَلَى
ياربِّ فَاهْدِ المسلمين لتوبةٍ = تحيي زمانَ الأوَّلين تَفَضُّلا
فسواك لا يُرجى ، وتُرجَى دائمًا = ولئن نفوزُ بها سنهتفُ: ياهلا
برضاك عنَّا والإعانة من لَدُنْك . = . فهل لنا حتَّى نُثابَ ونحفلا
ونرى جموعَ المسلمين استبشرتْ = ونرى الوجودَ مكبِّرًا ومهلِّلا
ونرى ليالي الذلِّ ولَّى شرُّها = والعزَّ فوَّحَ في المدائن والفَلا
هلا استجابوا فالكريمُ يحبُّهم = واختارهم من بين تعداد المَلا
هوامش :
- مرعبلا : الجمع : رَعَابيلُ ، الرُّعْبُولَةُ : القطعةُ من الشيءِ المُرَعْبَل أَو الخرقةُ المتمزقة .
- البِلى : بَلاءٌ بَلِيَ الثَّوبُ: رَثَّ، تَلاَشَى. "ثَوْبٌ لاَ يَبْلَى" عَهْدٌ لاَ يَبْلَى: لاَ يَزُولُ، لاَ يَفْنَى.
- القرنفل : ثمر شجرة كالياسمين، وهو أفضل الأفاويه الحارة وأذكاها ، والقرنفل : زهر بستاني أحمر أو أبيض أو غير ذلك، طيب الرائحة.
- الأحيل : الأكثر حيلةً ودهاءً .
- العلا : شرف الأمة ورفعتُها .
- المحجل : أراد بهذه الصفة نور الإيمان والتقوى الذي يتلألأ في وجوه الشباب الإسلامي . وتتطلق للتعبير عن الفرس الجيّد الأصيل، الذي يعلو جبهته بياض وفي يديه ورجليه بياض.
- قضنا وقضيضنا : أي جاءوا بقضِّهم وقضيضهم: جاءوا جميعًا بكبارهم وصغارهم ، كناية عن النفير العام للأمة .
- التَّبهدل : يُقال بهدله : أي حَطّ من شأنه، أهانه، أساء معاملته .
وسوم: العدد 1074