صبـاح الخيـر يـا غـزة!
(الإهداء: إلى غزةِ العزة، معجزةِ الصمود والشهادة)
مدخـل
كمْ جرَّفَ الطُّوفانُ من نَخلٍ ظنَنَّا أنهُ لِجُذورِهِ يأبَى على الجَبَـروتِ!
كم مرَّغَ الطوفانُ في الطمْيِ المُطيَّنِ أَوجُهًا كُنَّا نراها قبلُ مِن ياقـوتِ!
كم أسقط الطوفانُ من أوراق تُـوتِ
عن شِلَّةِ الأصنامِ في الشِّعر والإعلامِ والكَهَنـوتِ!
للأرض حُلْمٌ حين تتسخُ الزوايـا
أنْ يُطهِّرَ ثوبَها الطوفانُ من دنَسِ البرايـا
الطُّهرُ شرْطٌ للدخولِ إلى زمانِ القُدس في الملكـوتِ.
القصيـدة
صباحُ الخيرِ يا غَـزَّهْ
صباحُ المُعجـزاتِ
تُجرِّعُ المُحتلَّ كُلَّ دقيقةٍ عَجْـزَهْ!
** ** **
تَخِرُّ مَقالعُ الصُّـوَّانِ
في الأوْحالِ جَبهتُهـا
إذا ما رِطلُ بـارودٍ أباحَ لنفسِه فَرْحَـهْ.
تَذوبُ مَصانعُ الفُـولاذِ
إنْ أوْقدتَ تَحتَ لِحافِها نارًا لِغَيْـظٍ
بِضعَ ساعـاتٍ
تَسيلُ كما يُسيلُ الغَيظُ مِن غُلَوائهِ قَيْحَـهْ.
تَصيرُ مَدائنُ الإسمنـتِ
بينَ يديْ صَغيرِ الرِّيـحِ
مِثلَ عَروسِ قَـشٍّ
قَبَّلَ الإعصارُ وَجنتَهـا
فطارتْ في الهَواءِ
تَشتَّتتْ كالقُطنِ مِنْ غَيْمَـهْ.
وتَعْظُمُ صَولةُ الأمواجِ كالأهـوالِ
يَطْغَى المـاءُ
يَطغَـى
يَلْطِمُ الدنيا بِصَولتِهـا
على خَدَّيْ كَرامتِهـا
بلا رَحمَـهْ.
فكيفَ تَظَلُّ غَزَّةُ كالأساطيـرِ
التي لولا بِأَعيُننا رأيْناهَـا
لقُلنا صاغتِ الشُّعَراءُ نَسجَ خيالِ ذِكراهَـا
غُلامًا أَعْجَزَ المَلِكَ المُؤلَّـهَ[*]
لَم تَنلْ منهُ العَناصـرُ
ماؤُهـا
وهواؤُهـا
وتُرابُهـا
والنارُ صارتْ للصِّغارِ أليفَـةً
إلَّمْ يُبعثِرْ حِقدُها بِنُيُوبهِ أشلاءَهُـمْ
جَعلُوا قَنابلَها تَأَرْجَحُ بينهُمْ مُزحَـهْ
وقاموا يَلعبُون ويَمرحونَ بهـا:
"ألا طِيـري.. ألا طِيـري * بِنارٍ يا عصافيـري"!؟
فكيفَ تَظلُّ غزَّةُ كالأساطيـرِ
وكُلُّ عناصرِ الموتِ المُعلّـَبِ
في صواريخِ الجُنونِ مع الضغينـةِ
مُنذُ دَهـرٍ
- فاقَ ظَنَّ الدَّهـرِ -
تفترسُ المدينةَ دونَ أن تتنفَّسَ الصُّعَـداءْ
فترتدُّ الأظافـرُ
في مَخالبِها لُحومٌ غَضَّةٌ ودِمـاءْ
تُغَصِّصُها بِحَلْقِ الوَحشِ سَيِّـدَةٌ
لها وَجهٌ كوجهِ العالَمِ الحُـرِّ
تقولُ لـه:
"هنيئًـا
قَد شَرِبتَ دمَ الصِّغـارِ
فَرَسْتَ عَظمَهُـمُ
ولمْ تُحْسِسْ بطَعمِ غِذائكَ المُـرِّ
وفاتَكَ أنَّ سِرَّ الكبرياءِ إِبـاءْ"!؟
** ** **
سِنونٌ كالعُقودِ من الحِصار لكلِّ حُلْمِ هَـواءْ
شُهورٌ شاهراتٌ من سُعارِ القتلِ دونَ حَيـاءْ
وجُدرانٌ... وأسلاكٌ... وأنقاضٌ... وأطرافٌ مُشتتـةٌ...
ولاتَ فَنـاءْ!!!
ولمْ تَزَلِ اللقالـقُ
حينَ تَرجعُ كلَّ عـامٍ
مِن مَهاجِرهـا
إلى صَلواتِها الخضراءِ في أعلى صَوامِعِهـا
تَقولُ وتُفغِرُ الأفواهَ دَهشتُهـا:
"صباحُ العزِّ يا غـزَّهْ
صباحُ المعجـزاتِ
تُذلُّ وَحشَ المـوتِ
تُثْخِن في جوانبِـهِ
لكلِّ حُشاشةٍ وَخـزَهْ!"
** ** **
لأنَّكِ فارَ مِن تَنُّورِكِ الطوفـانُ
كُنتِ مُقَدَّمَ السَّيْلِ المُبـارَكِ
تَجْرِفينَ وتُجرَفيـنَ.
ركبتُ لمَّا صِحتِ بِـي:
"اركبْ يا بُنـيِّ
اركبْ إلى الأقصـى"
ركبـتُ
وكانَ خَلْفِي الطمْـيُ
طِينًا مُثخنًا بالعـارِ
غاصتْ فيهِ للأذقانِ أشكالٌ بدائيَّـهْ:
خليطٌ من قُماماتِ المَباغِـي
في عَراهـا
خائنو الثَّـوراتِ
لا أوراقَ تُوتٍ تستُر العَـوراتِ
أهلُ الكهفِ، كهفِ الصمتِ والخِـذلانِ
والأذيـالُ
أذيالُ الخَنانيصِ السُّداسيَّـهْ
وأقلامٌ تَعرَّتْ أبجديَّتُها فلم تَخجَـلْ
ولم تَشعُرْ بِعـارٍ
يومَ أن خَسِرَتْ بَكارتها الهِجائيَّـهْ!
حمِدتُ اللهَ لمَّا أنْ رأيتُ خليطَهـمْ
أني ركبتُ صَهيلَ خيلِ المَجدِ مُسرجَةً إلى الأقصـى
- حمِدتُ اللهْ -
وما مَسَّتْ حَوافرُها ثَخينَ الطَّمْـيِ
إذْ غاصتْ رؤوسُ القومِ في أطْيانهِ غَوْصَـا!
[*] إشارة إلى الغلام والملك والراهب والساحر في قصة أصحاب الأخدود.
وسوم: العدد 1075