هوامش :
(1) السدير : والخَورنق : هي من قصور لبني المنذر وملوك المناذرة .
(2) الوثير : الَّلينُ ، المُوَطَّأ .
محافظة المآثرِ والحضورِ = إذا ما أومأتْ أختُ العشيرِ
ونادتْ في مغانيها وألقتْ = مرارةَ حالِها بيدِ النَّصيرِ
ومَن لم يُدبروا عن صوتِ جارٍ = وعن ويلاتِ صولاتِ المغيرِ
وعن أيامِ شدَّاتٍ توالتْ = يفورُ بصدرِها وهجُ السَّعيرِ
وقد شهدت فرنسا في بنيها = مشاهدَ للبطولةِ والنَّفيرِ
فما وهنوا لخطبٍ قد عراهم = ولا ذلُّوا لطاغٍ في العصورِ
محافظةٌ ويكفيها إباء = طوتْ كفَّاهُ عاديةَ الدهورِ
بديرالزور رايتُها تعالتْ = ترفرفُ بالفخارِ وبالحبورِ
وتبصرُ في قُراها كلَّ شهمٍ = يجدِّدُ مجدَ فرسانِ الكرورِ
فما تركوا لعادٍ يومَ أمنٍ = ففي غاراتهم صدقُ المسيرِ
مغانيها جنانٌ مزهراتٌ = ودفْقُ النَّهرِ بالماء النَّميرِ
حباها ربُّها الأعلى بنهرٍ = على شطَّيهِ شقشقةُ الطيورِ
وأنسامُ تمرُّ على نفوسٍ = وتغشاها بأنفاسِ البكورِ
تغنَّتْ بالمروءةِ والمزايا = وحفظِ العهدِ في الزمنِ العسيرِ
وما ركنتْ لمَن عاثوا فسادا = وما رضيتْ بعارٍ أو نكيرِ
هي الدَّيرُ الحبيبةُ والأهالي = وفيضُ الجودِ من ربٍّ قديرِ
ولم تعبدْ سواه ولن تحابي = أخا سوءٍ ويطعنُ في الظُّهورِ
لعلَّ اللهَ يمنحها انتصارا = على الزمنِ المحمَّلِ بالشُّرورِ
وباستعمارِ أحقادٍ لظاها = تلهُبُ وَهْجِهِ عبر الصدورِ
وباستمراءِ طمسٍ للسَّجايا = وللقيمِ الأثيرةِ والجديرِ
لقد لجأتْ إلى الديَّانِ ديري = وباتتْ في الدعاءِ إلى السحورِ
يخيِّبُ ربُّنا الأعلى طغاةً = له الشكوى وباللهِ استجيري
أيا ديري فلا تخشَيْ وحوشا = أتوا بالنَّابِ والحقدِ الحقيرِ
فربُّ العرشِ لم يهملْ كراما = ولكنْ يمهلُ الطاغي فسيري :
إلى أيامِ فتحٍ وانتصارٍ = مع الأخوات في باقي الثُّغورِ
فبالبشرى لأُمَّتِنَا نفيرٌ = يُجَدَّدُ في الصُّدورِ وفي الضميرِ
فقد نامت عن الجُلَّى عصورًا = وحانَ زمانُ تنويرِ العصورِ
وفي أرجاءِ ديرالزورِ أهلٌ = لتمكينِ الحنيفِ من الظهورِ
فما خابَ الرجاءُ لدى رجالٍ = وقد ضحُّوا بغاليها الوثيرِ
وما ناموا على قهرٍ وضيمٍ = وتلك فضائلُ الجيلِ الصَّبورِ
وكان الصَّبرُ في خيماتِ نجوى = لربِّ الخَلْقِ في الشأنِ الخطيرِ
تجلَّتْ رحمةُ الباري عليهم = وهُم فازوا بتأييدِ الغفورِ
ولن يركنْ لطاغيةٍ أبيٌّ = تسلَّحَ بالعقيدةِ في المسيرِ
يجاهدُ بغيَهم ويرى لزامًا = صيانةَ عهدِ دعوتِنا الأثيرِ
ويفدي سُنَّةَ الهادي بروحٍ = ولن يرضى بظاهرةِ الفجورِ
ولا يسعى مع السَّاعين عميًا = إذا نادي شقيٌّ للسُّفورِ
فللترفيهِ أبوابٌ حبَتْها = عقولٌ مستنيراتُ الشعورِ
وليس كما حباها مَن تخلَّى = عن الدِّينِ الحنيفِ المستنيرِ
بناتُ المسلمين أَبَيْنَ عارًا = إذا ماسِرْنَ بالثَّوبِ القصيرِ
وبالزيناتِ لم يحفَلْنَ لمَّا = رأيْنَ بها مخالفةَ البشيرِ
فإنَّ رسولَنا أوحى إليه = إلهُ العرشِ بالفعلِ الطهورِ
وحرَّمَ مايجرُّ إلى المخازي = كهذا الفحشِ أو شربِ الخمورِ
وهذي المنكراتُ وما أتانا = من العصيانِ للهِ الغفورِ
فطوبى للبناتِ بثوبِ طهرٍ = وبالقيمِ استعذْنَ من الثبورِ
فباركهُنَّ ربِّي في حياةٍ = غَزَتْها المنكراتُ بلا قصورِ
وعمَّتْ في نواحيها جزافا = إباحيَّاتُ خِبٍّ أو كفورِ
ولكنْ لم يزلْ فيها شبابٌ = كأنَّهُمُ الملائكُ فيضَ نورِ
وفيها من بناتٍ طاهراتٍ = يعشْنَ العمرَ في الحقلِ النَّضيرِ
وما خفُّوا لأوكارِ الدَّنايا= وما لبُّوا نداءاتِ الفجورِ
وتلميذاتُنا قد جئْنَ دارًا = لحفظِ الذِّكرِ حرصًا في الصُّدورِ
وآثرْنَ العبادةَ في زمانٍ = طغتْ فيه القبائحُ بالظُّهورِ
وهبْنَ لربِّهِنَّ العمرَ طوعًا = وعشْنَ السِّترَ في كنفِ الخدورِ
وإنَّ لعودةِ الناسِ ابتداءً = لدين اللهِ يوحي بالنُّفورِ :
من الإلحادِ والفِسْقِ الموشَّى = بزخرفةِ الحضارةِ والغرورِ
وبالإفصاحِ عن كفرٍ بَوَاحٍ = وكُرْهٍ للفجورِ وللسفورِ
هي الأيامُ ياأرضَ الأماني = يبشرُ زهوَها نفحُ العبيرِ
فما كانت أمانينا سرابًا = وليست من تدابيرِ الفُتورِ
فللأبرارِ عزمٌ لايُجارى = ولم يملك سِواهم من نقيرِ
وما كانوا كَمَن ضعفُوا غثاءً = كأصحاب البوائقِ والشُّرورِ
هنا في ربعك المعمورِ يُلْفَى = منابتُ للأبيِّ وللجسورِ
إذا دارتْ أعاصيرُ المنايا = وهاجَ البغيُ أسرفَ بالغرورِ
تلقَّتْهُ سواعدُنا ببأسٍ = يردُّ المعتدي بمُدى النفيرِ
ألا ياديرُ ويحك أخبرينا = عن العبثِ المهينِ المستطيرِ !
وعن جبناء جاؤوها بحقدٍ = بأمرِ صويحبِ المكرِ الغريرِ
وراموها دمارا ليس يُبْقِي = لأهلِ شريعةِ الهادي البشيرِ :
مكانًا أو مكانةَ ذات فخرٍ = بتاريخِ البطولةِ في الدُّهورِ
وما كانوا الذين لهم عُلُوٌّ = بأسبابِ المآثرِ والبُكورِ
وهم قومٌ أضرُّوا بالمعالي = وما عبدوا المهيمنَ في العصورِ
ومَن لم يعبدِ الرحمنَ أفضى = وإن طالَ الزمانٌ إلى السَّعيرِ
ولم تنفعْهُ تيجانُ المخازي = ولم تسعِفْهُ أثوابُ الحريرِ
وما أجدتْهُمُ نارٌ تلظَّتْ = وعابَ مَن اهتدى وهجَ السَّعيرِ
فتى الإسلامِ في دَيْرِي تثنَّى = أبيًّا بالمزايا والجديرِ
فبوركَ في مساعيه استنارت = بنور اللهِ من هَدْيِ البشيرِ
إذا لم يجعلَنْ ربِّي لقلبٍ = له قبسًا فلن يحظى بنورِ
لعلَّ شبابَنا الأبرارَ شدُّوا = عزائمَهم على النهجِ النضيرِ
فدير الزور أهلوها كرامٌ = وهم أهلٌ لشدَّاتِ الدهورِ
عقيدتُهم تحفِّزُهم دوامًا = على الإيمان باللهِ القديرِ
فلم ينسوا مزاياها حِسانًا = وما ناموا على الضَّيمِ العسيرِ
ويأتي المجدُ من أيدٍ عطاها = وفيرٌ في المآثرِ والحضورِ
يقيمُ وجودَه أبناءُ فخرٍ = بهذا الدِّين والنهجِ الأثيرِ
فليس المجدُ في التهريج يعوي = به الترفيهُ في دورِ الفجورِ
ولم يكُ بالأكاذيبِ استعارتْ = جنوحَ الغربِ للقاعِ الخطيرِ
هنا الإسلامُ أعلى كلَّ فذِّ = إلى قممِ السُّمُوِّ بلا نفورِ
خصائصُه تميزُه بفضلٍ = ولن يلقاهُ أصحابُ القصورِ
فعيشُ المرءِ حُرًّا في فلاةٍ = لأسمى من تجاويفِ السَّديرِ (1)
وأبقى من هوى تيجانِ كسرى = وفاقَ جُمانَ أصحابِ الحريرِ
فما غرَّتْهُمُ الزيناتُ تفنى = ويُطوى التاجُ معْ زهوِ الغرورِ
لوى الزمنُ الأشدُّ على أناسٍ = مكاسبَ ما رأتْ عين القريرِ
تفرَّدَ دينُنا بالمجدِ لمَّا = تمحَّصَ حولَه نهجُ الثبورِ
فدينُ الحقِّ ربَّانيُّ نهجٍ = لفطرةِ مَن أتوا طولَ العصورِ
فضَلَّ الآخرون بسعي ريبٍ = وباؤوا بالخسارةِ والنفورِ
وقد حبطتْ به الأعمالُ كانت = طعامًا للغثاءِ المستطيرِ
فما هم أحسنوا صُنعا فألفوا = مهادَ المُلكِ لم يكُ بالوثيرِ!(2)
مدينتنا حباك اللهُ فضلا = فما من ذلَّةٍ أو من فتورِ
فأنتَ لبهجةِ الأيامِ رمزٌ = بأُفقِ يابنةَ العليا مُنيرِ
وإن أشجاك هذا العهدُ ألقى = عليك مرارةَ الزمن الأسيرِ
فإنَّ اللهَ ذو شأنٍ خفيٍّ = وعلم الغيبِ للهِ البصيرِ
وحاشا للمهيمن أن يحابي = طغاةَ الأرضِ في الأمرِ الخطيرِ
هي الأقدارُ مرماها هناءٌ = لعاقبةِ الملقَّبِ بالصَّبورِ
ففي الصَّبرِ الجميلِ الخيرُ باقٍ = ويُمنحُ للتَّقيِّ المستنيرِ
وخطبُك خطبُ أمَّتِنَا عرتْها = نوائبُ للكبيرِ وللصَّغيرِ
ملاحمُ والدماءُ لها نشيدٌ = يفيضُ أساهُ في عمقِ الضَّميرِ
فلا تشكيْ جراحكَ والمآسي = لغيرِ اللهِ آناءَ السحورِ
بهنَّ يجيبُ بارئُنا المنادي = فناجي اللهَ في الثُّلُثِ الأخيرِ
فربَّ تَضَرُّعٍ في ليلِ عانٍ = يشقُّ ظلامَه للمستجيرِ
فأيقنْ بالإجابة وانتظرها = بشائرَ جئنَ بالنَّبأ الكبيرِ
فكم ضاقتْ بدنيانا ليالٍ = لأهوالٍ دفَنَّ ضُحَى السُّرورِ
وعجَّ بها المُصابُ وقد تمادى = بأمرِ تفاهةِ الخِبِّ الحقيرِ
وقهرٌ للأفاضلِ والسَّجايا = وللقيمِ الرفيعةِ في الصُّدورِ
وجاءَ الصُّبحُ بعدَ الليلِ يروي = رحيلَ فيالقِ الظلمِ الجسورِ
وكان اللهُ بالمرصادِ يحصي = على الطاغين أصنافَ الشُّرورِ
وهاهم قبل يوم البعثِ أسرى = بديجورِ المكاره في القبورِ
فلا تحزنْ أخا الإسلامِ واذكرْ = بِسِفْرٍ من أحاديثَ البشيرِ
فليس الفوزُ في الدنيا لعبدٍ = تناءى عن هدى الهادي النَّذيرِ
ولا للعبدِ أمعنَ في المعاصي = ولا للمستشار أو الأميرِ
ولا للظالمين فسلْ قبورًا = حوتْ أصحابَ تيجانِ الغرورِ
ولكنَّ المفازةَ ماتعدَّت = أولي الإيمانِ باللهِ القديرِ
وعاشوها بأفياءِ المثاني = ثباتًا رغمِ إعصارِ مريرِ
وسيرةِ سيِّدِ الدنيا نبينا = لهم أحلى من الترفِ القصيرِ
فحاذرْ أن تعيشَ بلا اهتداءٍ = فدينُ اللهِ أجدى للأُمورِ
فأيُّ شريعةٍ أخرى طوتها = شريعةُ أحمد الهادي البشيرِ
وفلسفةُ التداني والتَّنائي = هباءٌ ليس ينفعُ للبصيرِ
فللمستهزئ الباغي مآلٌ = يشيبُ لهوله شَعْرُ الصَّغيرِ
ومَنْ جافى المثاني مات غيظا = ونالَ الوغدُ عاقبةَ الغرورِ !
فليس لظالمٍ في الأرضِ إلا = دياجيرِ المهانةِ والقبورِ