أين المخرج ؟!
كتب أحد الأفاضل وما زالت الأخطار محدقة ، والرزايا تنهال على أمتنا من كل مكان ، والخيانات أصبحت علنية ، وتطبيع المتصهينين مع الصهاينة على قدم وساق ، وقد جرت دماء أهل السُّنة والجماعة سخينة فياضة في كل بلاد المسلمين ، وقد استنسر بغاث القوم وعاثوا فسادا ، وامتدت يد الترفيه القذرة فمزقت كتاب الله ثم أحرقته ... وماذا أقول ؟ ولمَن أقول ! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ... ولقد كتب أحد الفضلاء في رسالة تضرع إلى الله ، إلى الذي يسمع ويرى وهو على كل شيء قدير فقال :
أين المخرج من كل هذا؟
القصة التالية سمعتها بنفسي مباشرة من أحد أبطالها، وفيها الجواب:
حدثنا أبو الحسن فقال ما معناه:
في تسعينات القرن الماضي، وبعد محاولاتنا للضغط على العدو ليطلق سراح الشيخ أحمد ياسين من سجنه، تمكن العدو من القبض علينا، وحكم علي بثلاثة مؤبدات و40 سنة سجنا !في الأسر ضاق بنا الحال، ولم نكن نرى أي أمل للخروج، فقررنا (عدد من المساجين الإسلاميين) أن نطلق فيما بيننا ما أسميناه (استمطار الفرج) وهو -باختصار- أن نبذل غاية الوسع في العبادة والتضرع إلى الله تعالى أن يفرج عنا ما نحن فيه، فهو تعالى على كل شيء قدير، ولا حد لقدرته جل شانه، وكان رمضان على الأبواب، فاتفق أن جعلنا الحملة تبدأ من أول أيام رمضان، وأخذنا نحفظ القرآن (هكذا قال وشدد عليها) ونقوم الليل ونجتهد في الدعاء.
وكانت المفاجأة أننا علمنا أن الله تعالى فرج عن مسلمين غيرنا في أراض أخرى، فسمعنا عمن أطلق سراحهم في ليبيا، وآخرون في أقصى المشرق، ونحن على حالنا، قال ففرحنا لفرح إخواننا، ولكنا بالتأكيد تمنينا العافية لأنفسنا.استطرد محدثنا ليحيطنا بالتفاصيل، فقال : وفي الخارج كانت سلطة أوسلو قد قامت، وهدّأت الشارع للأسف، فلم يعد من ضغط على العدو، وكان جلعاد شاليط قد جاوز السنوات الخمس في أسر حماس، والمفاوضات أشبه بالمجمدة، ولا يوجد أي أفق..
دخلت العشر الأواخر من رمضان ولا أمل يبدو في الأفق، ولكننا مازلنا على اجتهادنا وفق وسعنا، ثم كانت الجمعة الأخيرة، فصعد أخ ممن كان يجتهد معنا ليخطب الجمعة، ثم طلب منا أن نقسم على الله تعالى جميعاً أن يُفرّج عنا هذا العام..!!
قال ففعلنا، ونحن آنئذ لا نعرف كيف..؟ولكن نتمناه.قال : ثم فوجئنا بالخطيب يلح علينا أيضاً أن نُقسم على الله تعالى أن نحج هذا العام!!!
فتعجبنا كل العجب منه، وكل منا يقول في نفسه (نخرج.. مشّيناها، لكن نحج)!!! حتى من هم بالخارج يعتبرون الوقت قد فات ، لذلك فنحن في آخر رمضان، وكم بقي على الحج..؟!لكن تحت إلحاح الخطيب فعلنا، وكل هذا ولا يوجد بارقة أمل، ولكنه فضل الله الواسع !قال وفوجئنا بمفاوضات شاليط تتسارع وتحمى، حتى تمت الصفقة قبيل يوم عرفة ب20 يوماً فقط لا غير، وخرجنا من السجن ، قال: وتعنت الاحتلال فأصر أن يخرج 40 من المفرج عنهم من فلسطين نهائياً..!
قال وكنت منهم، وخيرونا بين سوريا وتركيا وقطر، قال فاخترت تركيا، وكان أردوغان آنئذ رئيسا للوزراء، قال فخرجنا إلى مصر بجوازات سفر فلسطينية، ومنها إلى تركيا فوراً..وسبحان الله اللطيف الخبير، إذ ألهم الله ملك السعودية آنئذ أن يعطي تأشيرة حج كمكرمة ملكية للمفرج عنهم في هذه الصفقة..ولكن الوقت كان قد تأخر للغاية، فقد طلعت شمس صباح يوم التروية (السابق لعرفة) وهو بأنقرة، وكذلك غربت عليه شمس ذلك اليوم، فنوى وإخوانه صيام يوم عرفة (لا يسن للحاج) وقد حمدوا الله أن نجاهم من الأسر، وكفى بها نعمة..لكن الله سبحانه لا تحده الحدود، ولا تمنعه الموانع، وهو على كل شيء قدير، وإذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون، فلما أصبحوا يوم عرفة صائمين في أنقرة، فوجئوا بالسلطات التركية ترتب لهم طائرة خاصة..!قال فوالله شككنا في الأمر، وأبينا أن نفطر، خشية أن يضيع الحج، وصيام عرفة، حتى إذا كنا على الطائرة أفطرنا من صومنا وأحرمنا بالحج..قال ثم هبطت بنا في مطار جده السعودي، وقد كان مغلقاً ولكنه افتتح فقط لهم، وجيء بموظفي الجوازات خصيصا لنا، قال ووصلنا عرفة قبيل غروب الشمس بساعة!!!وبرَّ الله جل جلاله أيْمانهم، وأشهدهم الحج كما أقسموا عليه سبحانه.
فيا أيها المطاردون
يا أيها المسجونون
يا أيها المطرودون
يا أيها المظلومون
خذوا بالأسباب، ولا تتعلقوا بالأسباب، بل تعلقوا بمن بيده ملكوت كل شيء، والذي هو على كل شيء قدير، والذي إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون.
الجيلُ أبدعَ والسِّنوارُ برهـانُ = والـدِّينُ للجيلِ في ذا العصرِ شريانُ
يُحيي البطولةَ لاحتْ في تألُّقها = فكبَّرَ اليومَ في الآناءِ ميدانُ
همُ الشبابُ شبابُ الثأرِ حفَّزهم = إلى الجهـادِ بهدْيِ اللهِ فرقانُ
هاهم يخوضونهـا واللهُ ينصرُهم = وليس يلحقُ بالأبطالِ خــذلانُ
ودانياتُ الرؤى قد أبهجتْ مهجًا = كادت يفتِّتُها هــمٌّ وحـرمانُ
وفي معامعها تحلو مناجزةٌ = مع العدوِّ انحنى والوجهُ خزيانُ
هم اليهودُ ومقتُ الله يمحقهم = فللصهاينة الأشرارِ خسرانُ
عاثوا فسادًا بأرض ليس تعرفهم = فهم لفيفٌ وهم في الدار جرذانُ
أخزاهمُ اللهُ حيث الأرضُ تلفظُهم = وإنْ أقاموا فَفُسَّاقٌ وغلمانُ
أذلَّهم ربُّنا الأعلى وشتَّتهم = فليس ينفعُ أهلَ البغيِ إحسانُ
زوالُهم من هنا آتٍ لمدَّتِهم = وليس يُجدي العدوَّ الوغــدَ أخـدانُ
قضاءُ ربِّك مـاضٍ في نهايتهم = فسُنَّةٌ أفصحتْ حقًّا وقرآنُ
وغــزَّةُ اليوم لاتلوي على أحد = سوى الإلــهِ فلا يُفزعْكَ عـدوانُ
أمَّـا القوى فسرابٌ عند قدرته = فإن قضى فكأنَّ القومَ مـاكانـوا
هم الشبابُ وقد جدُّوا وقد وجدوا = وليس يلحقُ بالأبرارِ خُـوَّانُ
هـمُ الأفاضلُ والأيامُ ترقبُهم =مستبشراتٍ بها الأفذاذُ ركبانُ
لايسألون عن الطغيانِ يدركهم = إذ بايعوا ربَّهم والعهدُ عنوانُ
فخلف هذي المغاني جنَّةٌ عبقتْ = بالطيب فيها لهم روح وريحانُ
طعمُ الشهادةِ عذبٌ ليس يحرزُه = إلا المجاهدُ يوم الهـول والفرسانُ
لولا الشهادةُ والرحمن أكرمها = لَمَــا تسابقَ دون الحق إخــوانُ
ميدانُها الرحبُ لايغشاهُ ذو دخلٍ = ولم ينل فضلَهـا المأثورَ حيرانُ
عقيدةٌ علَّمتْ مَن عاشَ رفعتَها = بأنَّـــه ونبيُّ اللهِ جيرانُ
أَضِـئْ فؤادَك بالإيمانِ مبتدرًا = وجهَ الصباحِ فإنَّ النومَ خسرانُ
بصالح العمل المرضي تنالُ غــدًا = أعلى المنازلِ فيها الخيرُ هتَّـانُ
فقيمة المرءِ بالتقوى فعش فطنًا = فللأفاضلِ عند اللهِ ديــوانُ
لم تنتهض أمَّــةٌ إلا بعزَّتها = وللمكانةِ أسبابٌ وأركانُ
فألبِـــــــسْ العزمَ بالتقوى لهـا وَذَرَنْ = حبلَ التَّواني ففي ردنيه خذلانُ
يافارسَ العزِّ ياعنوان رفعتنا = فللعلى يافتى الإسلام أقــرانُ
حياك ربُّك في خطوٍ لـك ابتهجتْ = به المغاني وفضلُ الله مزدانُ
هذا المجاهد في كلتا يديه لهم = نصحٌ ودينٌ وإرشادٌ وعرفانُ
وفي تناولُـــه للإرثِ منزلــة = فيها استظلَّ ليوم الوعدِ فتيانُ
ففتيةٌ آمنوا باللهِ آثرهم = ربُّ العبادِ فروحُ الوصلِ جذلانُ
فليس يخذلُ ربُّ العرشِ أمَّتَهم = وقد دهاها بعصرِ الحقدِ عدوانُ
سيدرك اللهُ بالتوفيق صحوتَها = وَلْيُخْذَلِ اليوم صهيونٌ وصلبانُ
وتنتهي نفرةٌ عاثت بأمتنا = إذْ للمجوسِ بدنيا العربِ أضغانُ
ونهضةٌ لجنودِ اللهِ مابرحوا = يلقِّنون العدا والجنـــدُ مـا هــانوا
وفي رؤى مشرفيهم زادُ رفعتهم = وموئلٌ ظلُّــه للجندِ فينانُ
ولن يضيِّعَ ربِّـــي جندَ دعوته = وَهْوَ الكريمُ وللأبطالِ طوفانُ
مازال طوفانهم تُتْلَى فرائده = بين الشعوبِ فللرحمن شكرانُ
مذ قاد ركبَ للهيجا فيالقَهم = هَنِيَّةُ المجدِ ما خابوا ولا لانــُوا
هـم الضغايمةُ الفرسانُ ماوهنوا = ولا استكانوا ولا من ذا الأذى هانــُوا
وليلُهم في مناجاةٍ لبارئهم = لهم تضرُّعهم فيه الكربُ خزيــانُ
وغارةُ اللهِ عند الفجرِ نرقبُها = جليَّةً ويثيرُ الجندَ تحنانُ
مَن ينصر اللهَ لم تُهزمْ كتائبُه = وفي يَدَيْ سيرةِ الأصحابِ تبيانُ
وقد تمرُّ يدُ الأحداث داميةً = لكنْ سيصدمُها في القومِ إيمانُ
مَن بايعوا اللهَ في الساحاتِ ماوهنوا = ولا استكانوا ولا قد مات سحبانُ !*
*سحبان : خطيب عربي مشهور
وسوم: العدد 1093