براءة ... وانتماء

قد قلتُها منذُ الصِّبا لا بالفمِ = بل قلتُها بالنبضَ يهدرُ في دمي

أنا مسلمٌ مذ عشتُ أنهلُ صفوَه = وإلى هُدى نورِ النُّبُوَّةِ أنتمي

ماقلتُها كِبرا وليس تَرفُّعا = أبدا فليس بغيرها من مَغْنَمِ

وأنا البريءُ من المذاهبِ كلِّها = وبغيرِ دين اللهِ لم أترنَّمِ

وبحبِّ قلبي للحبيبِ مُحَمَّدٍ = هيهاتَ أصغي مَرَّةً لِلوَّمِ

وَلْتشهدِ الأيامُ ماطالَ المدى = أو ضَمَّ قبري بعدَ موتي أعْظُمي

إنِّي لغيرِ اللهِ لستُ بعابدٍ = ولغيرِ قرآنِ الهدى لا أرتمي

ماغرَّ نفسي من سرابِ حضارةٍ = زيفٌ ولم تكنِ البهارجُ سُلَّمي

مذ خالفتْ هذي الحضارةُ إرثَنا = في بُعدِها ارتكستْ لحالٍ مُؤلِمِ

طوبى لِمَن وجدتْ يداهُ وثيقةً = فيها عهودُ اللهِ للمتوسمِ

وقفوا على تلك الشرائعِ حُرِّفتْ = وعلى الفسادِ من الهوى لم تُعصَمِ

وأُولو الحنيفِ استعصموا بكتابهم = فنجوا ومنه أخو الحجى لم يُحرَمِ

بشرى لأُمتنا ومَن قد أسلموا = في عصرِنا هذا ولم يستسلمِ :

لمكائدِ الشيطان أغراهم كما = أغرى بها الأغبى ومَن لم يُسْلمِ

والفضلُ في الإسلامِ جاءَ لمَن وعى = كُنْهَ الحياةِ وغيرُه لم يَفْهمِ

لم يُخلَقوا عبثا فإنَّ حسابَهم = آتٍ وليس سيتركون لأَدْوَمِ

هو يومُهم في الحشرِ فيه استيقظوا = من غفلةٍ عمياء بعدَ تَوَهُّمِ

غرَّتْهُمُ الدنيا فساروا خلفَ مَن = أغراهُمُ رأيٌ لطاغٍ مجرمِ

ومّن ارعوى فازت خطاهُ لنبله = وأتى الحقيقةَ وجهُهَا لم يُبهمِ

وأتى هدى الإسلامِ يصدحُ معلنا = سأظلُّ ذيَّاك الذي لم يحجمِ (1)

ولنحنُ نرجو للأنامِ هدايةً = والصَّرحُ صرحُ وفائنا لم يهدمِ

نسعى لخير الخلقِ في دنيا لهم = باتتْ نذيرَ عقوبةٍ وتغمغمِ (2)

في الحشرِ لم ينفعْ زعيمٌ لم يعش = في ظلِّ دينِ اللهِ أغلى الأسهمِ

أو تنفع الأموالُ أهلَ مجونها = وسيعلم الكفارُ سوءَ المَقْدَمِ

والعلمُ يومئذٍ عذابُ مذَمَّمٍ = أما السعادة خيرُها لِمُنَعَّمِ

والله أنزل للعبادِ بيانَها = لفصيحِ أقوالٍ بها ولأبكمِ

فاسترشدَ القلبُ السَّليمُ من الهوى = ونأى عن الأوزارِ بنتِ المأثمِ

وأتى الهدى بعد الضَّلالةِ مؤمنا = بالله لم يسمعْ هُراءَ مُعَمَّمِ

وبه استظلَ فليس يجرفُه الهوى = وكأنَّما المأوى بدارِ الأرقمِ

فكرامُ أهليها أتاحوا للورى = سفنَ النجاةِ من العدوِّ المتخمِ

وأتوا به سِفرِ الحنيفِ إنارةً = دحضتْ عُتُوَّ دجَى الزمان المعتمِ

فاستبشرتْ دنياهُمُ بعقيدةٍ = قدسيَّةٍ دينٍ لنهجٍ أقومِ

فلها الثناءُ من الأفاضلِ آمنوا = واستبشروا بصباحها المتبسِّمِ

هي للكرامِ عقيدةٌ مانالها = هذا الشقيُّ لنفسِه لم يرحمِ

لو أنَّه علمَ المآلَ وما به = من حسرةٍ وفجيعةٍ وتألُّمِ

لكنَّها الأهواءُ تفتك بالحِجَى = وتسوقُ شانئَ دينِنا للمأتمِ

إبليسُ والسُّفهاءُ من أخدانِه = وبهم تراه مع العماء كضيغمِ!

ويحاربُ الإسلامُ في فرسانه = علمَ الشَّقيُّ الكفرَ أم لم يعلمِ !

إنْ كان فردا في مراتع فسقِه = أو كان طاغيةً بثوبِ المجرمِ

أو عاش بين الناسِ عيشة مهمَلٍ = أمضى الحياةَ سبهللا لم يغنمِ(3)

للناس دعوتُنا وثيقةُ فوزهم = بالخلدِ في يوم الحسابِ الأقومِ

ونجاتُهم أيضا بدنيا لم تزل = تغري النفوسَ لفتنةٍ لم تُعدَمِ

فيها الزخارفُ هيَّجتْ مَن لم يجد = مأوى من العنفِ العنيدِ الأضخمِ

ومن الحضارةِ شقُّها الثاني أتى = بالمنكراتِ وإنَّها لم تُهزمُ !

فوراءها أعتى الحشودِ مهارةً = وبكلِّ فعلٍ للفسادِ مُذمَّمِ

قانونها أمسى يبيح محرَّما = ويقولُ بالقول الصريحِ تقدَّمي!

ويحرِّمُ القيمَ الرفيعةَ والهدى = والنُّبلَ والشَّرفَ الذي لم يُكرمِ!

لكنَّه الديَّانُ يمهلُ مَن بغوا = والأخذُ آتٍ أخذُ ربٍّ مُبرِمِ

هم أبرموا أمرا كذلك إنَّما = ماشاءه الباري يكون بعلقمِ

والفتحُ آتٍ لامحالة إنَّه = قدرُ ينالُ سفاهةَ المتجهمِ

أبشرْ أخا الإسلامِ إنك فائزٌ = بالحسنيين ودعْ ضلالَ النُّوَّمِ

فلك البشائرُ ماانثنتْ آثارُها = نبويَّةً تشفي مواجعَ مَنْ رُمي

فاهنأ بها من صفحةٍ قدسيَّةٍ = تأبى على المتجانفِ المتأزِّمِ(4)

تثري بها إيمانَك المبني على = مافي المثاني من يقينٍ مُلهِمِ

 

هوامش :

(1) ما قاله الشاعر العراقي اليهودي أنور شاؤول في حب العراق ، وفي الإيمان بالدين الإسلامي الحنيف بعد ولوجه باب أضغان اليهود وحقدهم على البشر ، وقتلهم للأنبياء وإيمانه بالإسلام ومحبته للأمة المسلمة التي رفعت لواء هذا الدين المنقذ للبشرية مما هي فيه من حروب وعداوات ، واستعلاء القوى المادية على القيم الإنسانية السامية ، ولعل حال الكثير من اليهود اليوم تعبر عن هذا التوجه ، بل وتستنكر قيام الكيان الصهيوني كدولة . ولم يعترفوا بقيام كيان صهيوني يجمعهم ولهم مواقف مشهودة .

‏إن كنتُ من موسى قبستُ عقيدتي = فأنا المقيمُ بظل دينِ محمَّدِ

‏وسماحة الإسلام كانت موئلي = وبلاغة القرآن كانت موردي

‏ما نال من حبِّي لأمةِ أحمد = ‏ كوني على دينِ الكليم تَعَبُّدي

‏سأظل ذَيَّاك السَمَوْأل في الوفا =‏ أسَعِدْتُ في بغداد أم لم أَسْعدِ

ويقول أحد العراقيين :

(هذه الأبيات الجميلة مكتوبة في عاصمتي الحبيبة بغداد في شارع المتنبي ).

(2)الغمغمة : صوت الأبطال عند القتال ، صوت الثور عند الفزع والهياج ، صوت الرَّضيع على الثَّدي ، صوت الغريق تحت الماء .

(3) سبهللا : كلمة سَبَهْلَلَة هي كلمةٌ عربيةٌ فصيحة تعني العبث وعدم وجود الهدف، وقد روي عن عمر رضي الله عنه ، وقيل عن ابن مسعود رضي الله عنه أَنه قال: إِني لأَكرَهُ أَن أَرى أَحَدَكُم سَبَهْلَلاً لا في عَمَل دُنْيا ولا في عَمَل آخرة .

(4)المتأزم : يُقال تأزَّم الموقفُ السِّياسيُّ اشتدَّ وضاق ، واحتدم من غير وصول إلى حلّ ، وتأزَّمتِ الحالةُ الأمنيّة في البلاد وتأزّمتِ المسألةُ. تأزَّم القومُ: أصابتهم أزمة وضِيق.

وسوم: العدد 1103