القط
جاءني يتمطى ويستقريني؛ فعقدت معه اتفاقية سلم وأمان؛ معارضا الشاعر همام بن غالب:
وَأطْلَسَ عَسّالٍ، وكم كانَ صَاحباً
دَعَوْتُ لزادي مَرةً فَأتَاني
فَلَمّا دَنَا قُلتُ ادْنُ دونَكَ إنّني
وَإيّاكَ في زَادِي لمُقتسمانِ
فَبِتُّ أقدُّ الزّادَ بَيْني وبَيْنَهُ،
على ضَوْءِ حُبٍ مَرّةً، وحنانِ
وقُلْتُ لَهُ لمّا تَكَشّرَ ضَاحِكاً
وَوافر حبِّي والهوى بمَكَانِ
تَغَدَّ فَإنْ وَاثَقْتَني لا تَخُونُني،
نَكُنْ مثلَ مَنْ يا قطُّ يَصْطَحبانِ
وَأنتَ امرُؤٌ يا هِرُّ، و الودُّ كُنتُما
أُخَيّيْنِ، كَانَا أُرْضِعَا بِلِبَانِ
وَلَوْ غَيْرَنا نَبّهَت تَلتَمِسُ القِرَى
أتَاكَ بِسَهْمٍ أوْ شَبَاةِ سِنَانِ
وَكُلُّ رَفيقَيْ كلِّ رَحْلٍ، وَإن هُما
تَعاطَى القَنَا قَوْماهُما، أخَوَانِ
فَهَلْ يَرْجِعَنّ الله نَفْساً تَشَعّبَتْ
على أثَرِ الغادِينَ كُلَّ مَكَانِ
فأصْبَحْتُ لا أدْرِي أأتْبَعُ ظَاعِناً،
أمِ الشّوْقُ مِني للحبيبِ دَعَاني
وَمَا مِنْهُمَا إلاّ تَوَلّى بِشِقّةٍ،
مِنَ القَلْبِ، فالعَيْنَانِ تَبتَدِرَانِ
ولَوْ سُئِلوا عَني الحبيبُ وَقَوْمُهَا،
إذاً لمْ تُوَارِ النّاجِذَ الشّفَتَانِ
لَعَمْرِي لَقَدْ رَقّقْتِني قَبلَ رِقّتي،
وَأشَعَلْتِ فيَّ الشّيبَ قَبلَ زَمَاني
وَأمْضَحتِ وجدي في الحياةِ وَشِنتِهِ،
وأوْقَدْتِ لي نَاراً بِكُلّ مَكَانِ
فَلوْلا عَقَابِيلُ الفُؤادِ الّذِي بِهِ،
لَقَدْ خَرَجَتْ ثِنْتَانِ تَزْدَحِمَانِ
وَلَكِنْ نَسِيباً لا يَزالُ يَشُلُّني
إلَيْكَ، كَأني مُغْلَقٌ بِرِهَانِ
سَوَاءٌ قَرِينُ السَّوْءِ في سَرَعِ البِلى
عَلى المَرْءِ، وَالعَصْرَانِ يَختَلِفَانِ
فيا أمُّ كم أُشربْتُ مراً بمِيتةٍ
وكم ذا أذاقوني سمومَ طِعانِ؟!
لأن بهُلْك الأمِّ جرح مرزَّءٌ
وليس كموتِ الأمِّ رزءٌ دهاني
وإنا أيا أمَّاه نمضي جميعُنا
إلى اللهِ بعد الحَيْنِ رُجعى ... مثاني
** عن همام بن غالب (الفرزدق)؛ بتصرف
وسوم: العدد 1104