* نُشرت بمجلة الخيرية ( العالمية ) العدد 50 في 1/6/1415ه
*ألقيت في المعسكر الذي أقامتْه جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في نجران 2/12/1414ه .
مَنْ لها أزجى على الدربِ ارتقاءْ=وإليها حنَّ شوقًا و وفاءْ
وصحا والليلُ في هدأتِه=يرقبُ الفجرَ بأهدابِ الرجاءْ
وسقى القلبَ من الكأس التي=ليس للشجوِ بها أدنى هناءْ
يا أماني لم تزلْ نشوتُه=تغسلُ الروحَ بشطآنِ الضياءْ
وعلى نورِ المصابيح التي=بعدُ ماأطفأها عصفُ العفاءْ
سارَ والخطوةُ نبض مثقلٌ=يغزلُ السعيَ على نولِ الشقاءْ
أَلَهُ من قدمٍ في أفقِها=بعدَ جهدٍ ماتوانى واتكاءْ !
يافؤادًا عاش يهفو للسنا=علَّه يدركُ بالنورِ اهتداءْ
بعدما تاهتْ بديجورِ الأسى=وتهاوتْ بين أيدي السفهاءْ !
أتساقيتِ مع الذلِّ الطلا=فتقدمتِ عليه للوراءْ ؟
أم تواريتِ وفيك افتخرتْ=طلعةُ الخيرِ عطاءً و رخاءْ !
وتلقيتِ من العصرِ الذي=سامه البغيُ ... دموعا و دماءْ
آهِ كم أبكيتِ يا أُمتَنا=من رجالٍ ما دروا ذلَّ البكاءْ !
أيُّ قلبٍ باتَ من غيرِ أسى=وتولَّى ليلُه دونَ شجاءْ !
حاملاً مُرَّ الرزايا أوجعتْ=صدرَه المثخنَ من طولِ ابتلاءْ
وعلى ثكلِ الأماني عشعشتْ=نكباتٌ وقدُها هذا العناءْ
ويلجُّ الخطبُ في آفاقِها=يُلبِسُ العانين من رثِّ الرداءْ
ويدا أعدائها في عينِها=غبشٌ طرَّزَ أوهامَ العَماءْ
ألها يومٌ وقد عزَّ اللقا=آهِ ما أبعدَ أيام اللقاءْ !
فيه يحظى القلبُ من دعوته=عزَّةً تنجيه من ذلِّ ازدراءْ!
هو قلبٌ عربيٌّ مسلمٌ=ندبتْ أُمتُه فيه الإباءْ
وأنا في منحنى أضلعِها=أدمعي جمرٌ وآهاتي حُداءْ
ونشيدي من صدى آلامِها=أطبقَ الشَّجوُ به جفنَ المساءْ
أينَ أحلامي التي أرقبُها=أتولِّي ؟! حيثُ لم أملكْ عزاءْ
ولقد أوقدتُ في طورِ الهدى=جذوةً كانتْ أهازيجَ وفاءْ
وتخيَّرْتُ لها من مهجتي=طاهرَ الشوقِ وموفورَ الولاءْ
مذ نشأنا بين أحضانِ الصبا=وهواها يملأُ الحيَّ غناءْ
ويحها طابتْ أماسيها التي=تجمعُ السُّمَّارَ في مغنى الفداءْ
كم تراكضنا إلى جنَّاتِها=مرتعًا خصبا وَرَبْعًا لايساءْ
وحملنا سِفرَها في صدرِها=نخوةً تُندبُ ما اهتزَّ اللواءْ
واشرأبتْ فوقَ أجفانِ الردى=فتملتها عيونُ الجبناءْ
ونشرناها ربيعا باسمًا=واجتنينا من علاها ما نشاءْ
ربُّها اللهُ الذي أكرمَها=في الورى واختارها للأنبياءْ
واصطفاها تزرعُ البِرَّ فما=جلبتْ للعالَمِ المعمورِ داءْ !
فالمثاني سحبٌ دفَّاقةٌ=ليس تزجيها سوى الريحِ الرُّخاءْ
وبها الأرضُ تثنَّتْ و ربتْ=في يديْها من نعيم و رَخاءْ
وصحونا آهِ ما أشقى الذي=عاشَ يشكو القيدَ في سجنِ الشقاءْ
ورأى الطوفانَ يغزو قِممًا=لم يزل يحمي علاها الأوفياءْ
ورأى الأمنَ لشعبي جرفتْ=حقلَه المعطاءَ شهقاتُ البلاءْ
و رأى المصحفَ في وادٍ وفي=ألفِ وادٍ زاحموا زيفَ افتراءْ
ورأى المجرمَ يعلو شأنُه=فوقَ ما للحقِّ من أُفْقِ العلاءْ
ورأى ياليته لمَّا رأى=عميتْ عيناه في التيه العراءْ
أيرى ذلَّتَه في نفسه=والتَّباهي بثيابِ الأغبياءْ !
ويرى الأبرارَ أشلاءً على=خنجرِ البغيِ بأيدي السُّفهاءْ
وإليها رغم هذا ساقني=مالَها في القلبِ من حُلوِ الرجاءْ
*= *
كيفَ يسَّاقطُ حلمي عبثا=و تولِّي كلُّ آمالي هباءْ !
أين يا إخوةَ دربي حقلَنا=والخميلاتُ التي فاحتْ هناءْ !
و الجُنيناتُ التي ما عبقتْ=بالمنى إلا وفي النفحِ شفاءْ !
أين منَّا ما أضعناه سدى=فالكآباتُ تُساقينا العياءْ !
أين نحن اليومَ في عالمِنا=وأعادينا غزاةٌ في دهاءْ !
ياأخي ما انهارَ قلبي أبدًا=رغمَ ما في الظُّلمِ عسفٍ وداءْ
لم أزلْ حولك حُرًّا مؤمنا=صامدا لا كصمودِ الجبناءْ
لم أزلْ أعبدُ مَنْ واعدَنا=بانبلاجِ الفتحِ من غيرِ التواءْ
ليس في ذرات نفسي ذرَّةٌ=أطفأ اليأسُ سناها أو أساءْ
رغم بغيِ الدولِ العظمى على=حقنا المسلوبِ في كلِّ اعتداءْ
هاهو الحقلُ رمادٌ باردٌ=هاهو البيدرُ يُسفى في الفضاءْ
رغم طعمِ الوهْنِ في أنفسهم=لونُه الزخرف : مالٌ و نساءْ
رغم زيف الومضِ في أجفانهم=والإضاءاتُ افتتانٌ و رياءْ
رغم ما يصرخُ في آذاننا=كلَّ حينٍ من تحدٍّ و اكتواءْ
سيولي عن ربانا ليلُهم=حيثما جنَّ فللنورِ البقاءْ
ويعودُ الفجرُ من أسحارِنا=يملأُ الكونَ ابتهالا و دعاءْ
ينفضُ العارَ وما باتَ على=منكبَيْ أُمتِنا بعدَ تَنَاءْ
نفحةٌ تسكبُ من طيبِ الهدى=فإذا الأنفسُ يحييها الرجاءْ
واشرأبَّتْ للعلى توَّاقةً=فإذا النُّورُ على غارِ حِراءْ
ترفعُ الإسلامَ فيها رايةً=يتنادى حولها أهلُ الولاءْ
فإذِ الجدبُ ربيعٌ مغدقٌ=وإذِ الصحراءُ أحياها النَّماءْ
وإذِ العيدُ الذي يبكي به=حسرةً أطفالُنا يأتي هناءْ
واللقاءاتُ التي حرَّمها=قيصرُ الرومِ علينا لانقضاءْ
وعواء الصِّربِ في ذاك المدى=سوفَ يطويه وإن أرغى العفاءْ
كنْ مع اللهِ ولا تخشَ العِدا=وتبوَّأْ لك في الدنيا ارتقاءْ
آيةٌ للهِ تأتي بغتةً=فإذا الظالم أمسى للفناءْ
فأفقْ من هجعةِ الريبِ الذي=فيه طعمُ الموتِ والشكوى سواءْ
فبنا تحيا المروءاتُ التي=شاءَها اللهُ لركبِ الأتقياءْ
قد تمرَّدْنا على واقعِنا=فالرضا بالعارِ ياقومي شقاءْ
حيثُ أصفادِ الأعادي اهترأتْ=نلمحُ النصرَ بإذنِ اللهِ جاءْ
في دمِ المُستشهدِ الغالي الذي=ملَّ بئس الجُبنُ ميراثَ الثواءْ!
فمضى كالأجدل المنقضِّ ما=ردَّه الطاغوتُ عمَّا قد يشاءْ
إذ رأى الجنَّةَ في محجرِه=فتناسى نفسَه عندَ المضاءْ
ورأى ما لم يرَ الأعمى الذي=ما رأى كالمبصرين الأولياءْ
غرَّه الفرعونُ في أُرجوحةٍ=مستفزا بنحوسٍ و زُقاءْ
وغدا نصغي إلى مئذنةٍ=صوتُها العذبُ ادِّكارٌ و جلاءْ
كبَّرتْ فانهضْ إلى مسجدِها=واهجرِ الزيفَ ونومَ السفهاءْ
هذه أُمتُنا لم تُحتَرَمْ=طالما ضلَّتْ طريقَ الأنبياءْ