طفولة الغايات
خلف دلف الحديثي
ابن الفرات العراقي
[email protected]رسمْتُ قلبي على كفيْكِ فانْهمرا
حدّثتُ عنّي وعنّي أسفرَتْ خططٌ
ورحْتُ نحو سمائي أرتقي قلقي
لممْتُ نفسي شآبيباُ إلى عطشي
وشلتُ كل فوانيسي إلى عُتمي
رسمْتُ نفسي وألواني تبعثرُني
موْتي هواكِ يغادي كلّ آونةٍ
في كل لفظٍ أتى نبضي سأحشره
يجيء نهرا وبيتي فوق راحته
وكي أفزز رجف الماء في مدني
فأي عمر تجوب الريح موطئه
وأي بشرى يزفّ الحلم موعدها
تغزو الرمال رياض العمر من جَدَبٍ
لكنه الطين مسّ القحطُ ذرّتَه
قد أوسعته شظايا النار فرقعَةً
نحن انفجرنا ولذنا في محارقنا
تعْرى جراحي ويبكي الموتُ مولدَها
أذوّبُ العمر أحلاما مغادرة
قد أستقيل ولكن طفل غايتنا
قد أستريح فدرب العمر ضيّقة
أبدعت صمتي وصمتي سرُّ معجزتي
غنّى لساني بما باحت خواطرُنا
وقفت أشدو فأصغى السمع منتظِراً
أين الوعود وخِصبي صار مجمرةً
تجلّدت حرقي فاستنزفت شرري
تحتي صراع تجلّى في تلاحمِه
إني انفردتُ بموتِ جاءَ منتَظَماً
فاستأصلت شُعلي من يتمها نفساً
قاومْتُ جوعاً وآفاقي خبت وشلاً
واحات قلبيَ قد بانت مصوّحةً
وحلمُ ناري خباياهُ مموّهة
قد آنستني بدربي شمسُ همهمتي
عمري ضَلال وظلّي في محتجزٌ
وسنديانُ دمي ما رقَّ خنجرُهُ
أهداهمُ البرقُ أنفاساً بلا سحبٍ
وصفوةُ الزغبُ اللاهون قد سُحِقوا
يا ملعبَ النارِ في بغدادَ يا بلدي
نمنا جياعاً ولسعُ الفقرِ يسلبُنا
فارحلْ ستورقُ في الصحراء صرختنا
واخلع نعالك لو رمْت الدخول إلى
واجمع شظاياك غيثا في مواسمها
نهر بدأناه أمسكنا بموجته
فاختط كبرا بنا استهدى لموعده
جئنا مسارا زرعنا وعدنا مهجا
فاهتز بعثا رماد الموت في وطني
فسارعوا زمرا في صنع معجزة
ويذبحوا لغد أسفار من خلطوا
مسافرون وألوانا بنا انشتلت
تلكأ العبء لم ابلغه وارتبكت
ماذا سنخسر لو بيتا ونسكنه
وكي نحشد منَّ الله من تعب
وكي يفيق رصيف في قصائدنا
نحن ابتكرنا مدار الأرض مذ نضجت
جئنا لنجمع بلدانا على ورقي
جئنا من الأمس والأرماس تتبعنا
أنا مليك وهذا الشعر يخدمني
راموا الدخول إلى قصري ومملكتي
توسلوا فأبت للشعر دولته
بلى ظمئنا وذبنا من جوى الم
كنا اعتنقنا نبوءات مزيفة
نحن اختلفنا فصاح الرمل في مطري
أطفالنا انكسروا في صيف قهرهم
عدنا لنرسم أمّا ترتدي وطنا
جئنا لتفرعَ طولاً أيّ موهبةٍ
ومن صليب الفدا نبني الذي هدموا
لتستطيل إلى عمق السماوات عُلاً
يا يابن وقتي زماني باع قلقلتي
حسب احتراقك تيها أن تموت على
لا أن تضيف انفرادا في نوازلها
فالشمس أهدت شروخ الظل وانفردت
أهدت إلينا فما لكنها جثث
هم يذبحون الندى لكن برغمهم
فالشعر باق ولا يعلوه مزدرعُ
والفن للفن تسمو فيه موهبة
أما الرسالة سر في رسالتها
رفت على طبق أرواحهم نزلا
إنا أتينا زرافى في شكائمنا
جئنا وقرع طبول الموت لعبتنا
فصرخة الموت في بغداد صرختنا
منها انطلقنا ومنها صيحتي هتفت
من الطفوف ومن رأس يشعُّ سنا
بيروت تعجن في الخضراء نهضتها
من احتراق دم في النيل ريشتنا
من كل قطرٍ حملنا ألفَ مظلمة
من جسر بغداد قلنا للخطى انطلقي
من غصّة الحب في الأقصى قد انفجرت
فدى الترابِ عقولاً أينما انعقدت
دعوا خطانا تجدْ في الأرض متّسعا
هذا جناحي وإنْ قُصّتْ قوادمه
نسابقُ الريحَ دفقاً ليس يسبقنا
هنا لغزة طير صاح حاسرة
هنا رمينا بأيد للعلا علما
جدّوا وجدّوا فلا تضحي مآربكم
لن يصمت النبض زفّوا ألف تهنئة
إنّا وهبنا الدنا أحلى نضارتنافاسّاقطَ القلبُ في صحْنِ الهوى دُررا
وعدْتُ نحوي فصارَتْ شهقتي مَطرا
علّي أطاولُ في ترنيمتي السّحرا
فمرّ غيمي بصحرائي وما انهمَرا
حتّى يراني الذي في الدربِ ما بصُرا
فخطّ قلبي على فرشاتِها صُورا
وظلّ همسي يصوغ اللحن مبتكرا
ليصبح النبض صوتا يصنعُ العُصُرا
بيت العبير ويغري بالندى الزهرا
وبين سطر وسطر أصنع الخَبرَا
وأي معنى لنا قد يبدع الغِيَرا
حتى يسابقَ سمعُ الأمة النظرا
ويمنحُ الروض شطآن المسا نُذُرا
ومات وقتٌ نديٌّ فارقَ الشجرا
وخمرُ عُمري بكأس الدهشة اعتُصِرا
وبعضنا بعضنا من أجلنا انفجرا
لكنّه اللونُ في أحداقنا كَبُرا
وبي يكذّبُ وهمي أينما عبرا
لن يستقيل لتجني كفّه الثمرا
فيه المسافاتُ لكنْ لن أجيء ورا
فأمطر البوح حتى فاض فازدهرا
فسال وقعاً تسامى مورقاً نضِرا
وقع اللحون فجاء اللحن منتَظَرا
وفيّ صار رمادا يحرقُ الأُطُرا
أفعى الجنون وخطت في دمي حُفَرا
جرمُ السنينِ به صوتُ الأذى نَفرا
وضاق ليلي وألغت صرختي الفِكرا
وصُلبُ قلبي غدا في البدءِ محتَضرا
وبرقُ وعدي بكى لمّا المدى انكسرا
لمّا سمائي جفتْ في اللحظةِ القمرا
في قبضةِ النعشِ عنه الموعدُ انحَسرا
ووحشتي رقصت فيها الدمى زُمَرا
وضوءُ جرحي كضوءِ الشمعة اختُصِرا
ولا رصاصُ الرّدى عن نثرِنا انحسرا
والشمس تبني لهم من نوْلها سُرُرا
فقطبوا فمَهم حتى لهم نَكرا
الناسُ للناسِ باعتْ بينها البشَرا
حقَّ الصراخ فيلقي في فمي الكِسَرا
وسوفَ تكتبُ عن ميلادِنا الشُّعَرا
أسوار شعري وطف في كعبتي حذرا
كي يزهر الوقت انهارا علت وقرى
بنا استراح وفي أرواحنا كَبُرا
وما استلبنا وما شدنا العلا بطرا
فراح يشتل في أحداقنا جزرا
وعاد يفتق دربُ الوحشة الخطرا
كي يحملوا برضاهم دمعة الفقرا
دم العروبة سيلا جريه عثرا
ريح الحكايا فأجلى دفؤها السهرا
لوحات نزفي فنزت جهدها ضجرا
حتى يلم هوى جدرانه الأُسَرا
إلى الجياع فيرمي التمر محتكِرا
جوعا ويخلقنا من حزننا أثرا
بنا الثقافة حتى أنضجت حَضَرا
قد لوحتها بصحراء الأذى الأُمَرا
وصاحب العرش فينا أطلق الخُبَرا
ويرفض الشعر أن يأوي له البَطِرا
لكنه قد أبى أن يعرف الغجرا
من أن يقيموا لهم في القصر مؤتمرا
مذ قولبتنا وصاغت عبئنا السُّفَرا
وألف أفعى قضت في هدمنا وطرا
أقداح وقتك فيها وقتنا صحِرا
لكنهم ظفروا للموعد العُطُرا
ويرتدي وطني أمّي بها ائتزرا
وللرسالة صوتا يسبقُ القدرا
حتى نشدّ لعزم المستحيل عُرا
وتجدل الأفق تلوي كفُّها الخوَرا
وغيّر النهر مجرى النضج واندثرا
صوت الزلازل حتى تسبق المطَرا
وكي تظل مجالا يعقد الظفرا
ولملمت عن خبايا موتنا العُمُرا
قامت فقام هدير الموت واعتذرا
لن يذبحوه ويأتي الفجر منتصرا
وفيه يعلو جميل الوحي مبتكرا
بريشة الله يأتي اللون منتثرا
النور فيها علا فوق الملا نذرا
فجاء وحيا حبيكا أعلن السَّفَرا
صوت الطفولة فيها صوتنا انصهرا
كما يشاء وجزنا في الخطى الكدرا
صخابة ظفرت في نزفها الظفرا
إنشر جناحيك وانزع عن دمي الضررا
على الرماح إليه المجد قد نفرا
وفي دمشق الهوى عصف الردى جأرا
كانت وجئنا وما جئنا لنتجرا
على ذراها جدَلنا خبزَها سُوَرا
وما أعَرْنا لعيّ عمرَنا هَدَرا
ربابةُ الشعر تبني للجهاد ذرا
غدائرُ المجد فيها حلمنا انشطرا
حتى لنقحَمَ غيظاً وحدَنا الغُمُرا
حتماً يظل بركب الفدْي مشتجِرا
إلا بدايات وجه قدّدَ الحجرا
فيه الدماء زكيات بها اعتمرا
ليبلغ الصرحُ درب الله إن أمرا
مثل الرماد ففينا جمرنا طهُرا
لمن تغيّبَ عنا أو هنا حضرا
من دوننا الأرضُ جرداء لمَنْ بذرا