التَّقَفِّي العارض لتائية ابنِ الفارض !

التَّقَفِّي العارض لتائية ابنِ الفارض !

سامي العامري*

[email protected]

اذا هندُ قد غابتْ فلستُ بصامتِ

سأُرجِعُها عند الربيعِ المُفَوَّتِ !

تنأتْ عيونٌ عن وجودي فخلْتُها

تعيشُ غراماً في منامي وغفوتي

فحدَّثتُها في الحلمِ أني مُتَيَّماً

سأبقى وأمّا المَسُّ – هندُ – فعادتي

فَمَسٌّ أصابَ القلبَ يوماً فأشرقتْ

اليهِ الحنايا دون أدنى ملامةِ

كذا ابنُ عليٍّ عَمْرُ باحَ لصَحْبِهِ

ففي حَانِ سُكري حانَ شُكري لِفِتْيَةِ (*)

وحلَّقَ في الريحِ المُقَطَّمُ لاهِفاً

وطارَ كما طارتْ نسورٌ وحَطَّتِ ! (**)

وثابَ ببغدادَ الجوى وهي تلتظي

مِن الشوقِ حتى طالَ فيها فَرَقَّتِ

تحنُّ لريحِ صَباً تَمرُّ بهندِها

وتفدي العيونَ , ولم تُمَتَّعْ بنظرةِ

ولكنَّها لو شاهَدَتْها كما انا

مشاهدةً طُولى يقيناً لَجُنَّتِ

مرؤتُكَ المُثلى البلادُ وإنْ تكُنْ

لِحُريةٍ أهلاً فَفِضْ بمُرؤةِ

ونادِ معي : شَرُّ البلادِ مدينةٌ

تُطالِبُ فيها بالرغيفِ المُفَتَّتِ

ويا رُبَّ عصرٍ ذُدْتُ عنهُ لجوعهِ

وجُعتُ ولكنْ ما رمى لي بِكِسْرةِ !

على أنني أسلو وأُجري كؤوسَها

رحيلاً الى القلبِ اللَّصيقِ بسُكرةِ !

فأزدادُ سُكْراً حيثُ كُلّي مُنادِمٌ

وأُخرِجُ من شِعري نجوماً توارتِ

وأُصغي وشلاّلُ الشعورِ وقد جرى

على كتِفَيها في أتَمِّ بَليَّةِ

وخَدٌّ , أما والحُسْنِ عند تمامهِ ,

كأنْ صاحَ بالحُسْنِ : استَعِنْ بنضارتي

وأفتَنُ مِن هذا وذاك حديثُها

فيا فِتنةً كُبرى تطلُّ بكلْمةِ !

وأفتنُ مِن هذا وذاك وثالثٍ

مواعيدُها اللائي تزيدُ بِبَلَّةِ

لديها معادُ اليومِ بَعْدَ أهِلَّةٍ

وإنْ هلَّ يعني في سنينَ كبيسةِ

ورغم جميعِ الدَّلِّ ذُبْتُ بدَلِّها

ومَن قد رأى هذا الجمالَ لِيَشْمتِ !

انا ما تناهى قَطُّ يوماً لمَسمعي

بأنَّ لِهندٍ ما يُرى مِن عداوةِ

ولا جالَ في بالي , فتاةٌ حَبِبْتُها

يطيبُ لها حُبّي وتَبغي فضيحتي !

تُراعي فؤاداً لا فؤادَين في الهوى

وتمنَحُني أسْرَينِ وهي طليقتي

فإنْ كنتِ تعنينَ اعتذاريَ عن فِدىً

وأني قد قَصَّرتُ فأْتِ بِحُجةِ ! 

              

(*) شاعر وكاتب عراقي .

 كولونيا – مايس

(*) عمر بن علي : ابن الفارض , وعجز البيتِ لهُ .

(**) المُقطَّم : جبل في القاهرة انقطعُ عنده ابن الفارض للتعبُّد , ومن جانب آخر يقول بعض النصارى انّ الجبل انتقل من مكانهِ بمعجزة جاء بها سمعان وهو أحد القِدّيسين .