مهاتفة من امرأة مجهولة

مهاتفة من امرأة مجهولة

يحيى السَّماوي

[email protected]

مَنْ أنتِ  يا مَجْهولة َ المطر ِ

زَخّتْ فأزْهَرَ ماؤها  شجري ؟

أيْقظت ِ قنديلا ً وقافية ً

وأضأت ِكهفَ مشرّدٍ حَصِرِ(1)

أيكون طيفا ً ؟ أيّ زائرة ٍ 

من قبل ِ هذا الليل ِ لم تزُر ِ ؟

أمْ تلك يقظة ُ عاشق ٍ تعِبَتْ

أجفانه ُ من مِرْوَدِ الضجَر ِ؟(2)

قد  كان أيقظ  بين أضلعِهِ

وطناً وداعب َ هودج َ السَفَرِ

يستعطِفُ الماضي لعلّ رؤىً

خضراءَ تُعْشِبُ جثة َ الحَجَر ِ

وأطالَ تحديقا ً بنافِذة ٍ

شلّتْ سِتارَتَها يدُ  القدَرِ

وأنا  وأوراقي : يُحاصِرُنا

ليلٌ عقيمُ النجم ِ والقمَر ِ

مُتلازمان ِِ رؤىً فما افترقا

إلآ  ليلتقيا  على كِبَر ِ

ورثا عن "الضليل ِ" محبرة ً(3)

ومكارمَ الأخلاق ِ عن "مُضَرِ"

واسْتنطقا شفة َالهوى  لغة ً

تشدو بحبّ  البدو ِ والحَضَر ِ

مَنْ أنت ِ؟قد أتعَبْت ِ ذاكرتي

لا تحرميني  نشوة َ الخدَر ِ

طحنتْ رُحى الأيام ِأشرعتي

مدّي حبالَ يد ٍ لمُحتَضر ِ

إنْ تسْتري الأزهارَ عن مُقلي

فعبيرُ زهرِك ِ غيرُ مُستَتر ِ

         ***

أخطأتُ  قالتْ  رقمَ منزِلِنا

عفوا ً.... تقبلْ عُذرَ مُعْتَذِر ِ

فأجَبْتُها : لا.. لستِ مُخطِئة ً

لا تُغلِقي الأبوابَ فانتظري

لكِ منزِلٌ عندي ومنزِلة ٌ

ونديمُ صوت ٍ ساحر ٍعَطِر ِ

فيمَ اعْتذارُك؟ واصلي نَغَماً

ليطيبَ عند ضفافه ِ سَهَري

منْ أنتَ؟قلتُ:صداكِ! فارتبكتْ

قيثارةُ الأشذاءِ والخَفَر ِ

قالتْ: أراكَ  إذا رغبْتَ  غدا ً

في الطيفِ أو ترنيمة ِ الوَتَر ِ

نجمي بعيد ٌ.. فالتَمِسْ لهوى ً

غيري..أخافُ عليكَ من خُسُرِ

فأجَبتُها والكأسُ يومئ ليْ

شغَفَا ً بكوثرِ نهرها الخَصِر ِ(4)

ماذا سأخسرُ؟قد أضعْتُ غدي

ومشتْ بيَ الأحزان من صِغَري

وخسرتُ بدءَ يفاعتي وطنا ً

قدْ كنتُ  فيه ِ مُجَنحَ  الفِكََر ِ

وُشِمتْ بِسَعْفِ نخيله ِ مُقلي

ونقشتُ فوق جذوعِه ِ أثري

إنْ كنتُ في العشاق ِ مُبتَدَأ ً

فهواه ُ يا أختَ الهوى خَبَري

ويُقالُ إنّ مياه َ " ساوتِه ِ "(5)

غسلتْ جبينَ الأرضِ من كدَر ِ

حتى  أتاهُ الغيُّ  فانطفأتْ

شمسُ الحبور ِ وأنجمُ السَمَر ِ

قُدّتْ به ِ الأعيادُ من قِبَل ٍ

كيدا ً وخبزُ القوم ِ من دُبُر ِ

فِنجانه ُ جرح ٌ... وقهوتُه ُ

دمعٌ هتونٌ غيرُ مُنحدِر ِ

أصحرْتُ حتى جفّ في شفتي

صوتي .. فكوني شهقة َ المطر ِ

صَدَقَ"البصيرُ" عسى مُحَدثتي

تأتي ليصدقَ هاجسُ البصَر ِ (2)

الصّمْت ُ كاد يُشِلّ حنجرتي

لولا رنينٌ غيرُ  مُنتَظر ِ

ليكادُ  يرقصُ هاتفي  طرَبا ً

بهديل ِ صوتِك ِ مطلعَ السَحَر ِ

       ***

ضحِكتْ وفاض عبيرُها نغما ً

وتنهّدتْ لكنْ على حذر !

قالتْ : عرفتكَ.. فاستحيتُ وقدْ

فضحَ الهوى سِرّي على كِبَر ِ

            

(1) الحصر : الذي يشكو حبسة في الكلام .

(2)المرود : ما يكحل به الجفن او العين

(3) الضليل : امرؤ القيس

(4) الخصر : البارد

(5) ساوة : بحيرة في صحراء السماوة ورد في كتب الاقدمين انها فاضت قبل الاف السنين فاغرقت الارض   

(6) البصير هو بشار بن برد .. اشارة الى قوله ( والاذن تعشق قبل العين احيانا )