لوحة الأشلاء
لوحة الأشلاء
صالح أحمد
لمَلِم جراحَكَ... أعطِني جرحًا لأبقى واقفا
هو حيِّزٌ للآهِ... أو منفى لروح تردُّدي
ورسالةٌ للصّمتِ: أنْ سافِر، ولا ترجِع إلى وطنِ الرّمال .
هَب أنني غادَرتُ أشلائي إلى زمنِ المسافاتِ الظَّليلة
وتعثَّرت قدمي بظِلِّ ظِلالهم: "جُبِتارَ، أو سيزيفَ، حتى السامري"
أَأُقيمُ رغمَ سُطوعِ شمسِ محارمي في ظلِّهم !
يا وَيحَ أصداف الشّواطئِ... لم تَكن إلا طُفَيلِيّاتِ موجِ الصّارخين بلا صَدى ..
مُج في خيالي أيّها البحرُ المحيط ..
رملٌ على رملٍ فما حملتْ رِياحُ النازِحينَ سوى المخاض
واللَّيل يعصرني ليختَبرَ اصطِباري في انتظارِ الهدهُدِ القادمِ من أرضِ الرُّؤى
هذا سلامٌ... والبقيّة...
إتبعوني طائعين !
واللّيل قَرٌّ... لا يلين !
لملم جراحك... أعطني نزفا لأبقى آملا
أو ظامئًا لبقيّةٍ مما سَكبتُ على مَدارِ تَودُّدي...
جوعانُ قد عَرِيَت رُؤوسُ أصابِعي، أنفي، رموشُ العينِ والشَّفتين...
صمتي يقيِّدُني إلى جذعِ انتظاري
لم تلد جملا صخورُ الغورِ... لم ينشقَّ بدرُ اللّيلِ...لم يَهبِط بساطُ الرّيحِ... لم تفزَع أقاصي البيدِ... لم ترتدَّ عن صدري الرِّمال...
لا تُبقِني وحدي مُقيما في هواك !
والبُعدُ يعصرني ليختَبرَ اقتداري في انتظارِ الرّيحِ تحملُ كلَّ أخبارِ العَدم..
هذا سلامٌ... والبقيّة...
إتبعوني خاضعين!
والموج عاتٍ... لا يلين !
لملم جراحك... أعطني لونًا لأبقى ساكنا...
هو صورةُ المرساةِ ... أو شبرٌ لأقدامي يَبَس !
تعبانُ...
لا الموجُ ارتَضى نَزفي، ولا الصَّخرُ ارتَضى رَجفي، ولا الْمُزنُ اللَّواقِحُ أمطَرَتني !
لن يَنبُتَ الصُّبّارُ في أرضِ ارتحالي
سَيَّجتُ أمنيتي بلونٍ من بقاياهُ الجميلة
بأصابعي لوَّنتُ خارطةَ المسافاتِ العميقةِ... واعتنقتُ خطوطَها
بأصابعي... وسكبتُ أشلائي على ألوانها لونًا لأبقى ساكنا...
بأصابعي... وتمازجَت كل الخطوطِ...
إلامَ يدعوني العَدم ؟
هذا سلامٌ... والبقية...
إتبعوني صاغرين !
والمدُّ طاغٍ لا يلين !
لملم جراحك... أعطني شَفَةً لأبقى صامتا...
تَلِدُ الرياحُ تفَوُّهي ورَقًا تناثرَ في اصفرارِ الحلمِ...
واجتُثَّ الصدى .
لن يَشدُوَ الشَّحرورُ فوق تَجرُّدي حُزنا...
ولن يَهوي النّدى !
ظمِئٌ... وعن ظَمَأي يُراوِدُني...
وينتَصِبُ الحنين
خُذني إلى زَمَنٍ بلا ذِكرى لأَزرَعَ فيه صَمتي...
أو فَجَرِّدني من الذِّكرى لعلّي أستَكين !
أو فاجمَعَنْ أشلاءَ أشلائي التي صَبَغَت رمالَ الشاطئِ المحزونِ... أَحياهُ انتظاري !
أنا لن أكونَ سوى تعاريجِ اللقاءِ على اللِّقاء !
فالشَّوقُ أنقَذَني حُروفًا من أساطيرِ العدم !
هذا سلامٌ... والبقية...
إتبعوني قانعين
والشوق نار لا تلين !
لملم جراحك ... أعطني لغةً أُتَرجمها فرح
أوّاهُ كم أشقى لتَرتَسِمَ الرُّؤى وَشمًا على كَفّي...
وتلتَحِمَ الخيوط
أوّاهُ كم أشقى لتَنبَعِثَ الرّياحُ لَواقِحًا من قَلبِ صحرائي لِتَنثُر في فَضا جِلدي حُبَيباتِ النَّماء
أوّاهُ كم أشقى لِتَعزِفَني رِياحُ البيدِ لحنَ الإنتِشاء
هي صحوةُ الميلادِ... أو قُل إنشِقاقُ الأرضِ عن روحِ النَّماء
فارحَل على شَرَفِ الحكاياتِ القديمة
أو مُت على شَرَفِ الخيالاتِ العَقيمة
لن يَنبُتَ الريحانُ فوقَ صُخور "سيزيفَ " العقيمِ وإن رَعتها كُلُّ آلهةِ العَدَم
هذا سلامٌ... والبقية
إتبعوني مُوقِنين
للحقِّ صوتٌ لا يَلين