هذه القصيدة محاولةٌ لرسم بعض التفاصيل عن الحياة اليومية التي كنا نعيشها داخل المهاجع .. مابين ترقبٍ للمجهول, وانتظارٍ لما هو آت, فكلُّ واحد فينا لا يدري هل يعيش لغدِهِ .. فتراه قد ارتدى كفنه, واعتصم بآيات الله, وأعدَّ عدَّته لساعة الرحيل, وتوضأ صباحا حتى يستطيع أن يدرك بسرعة ركعتي صلاة الشهادة إذا قرئ اسمه للإعدام, ووصَّى أصحابه بنقل وصية بسيطة لأهله لاتتجاوز بضعَ كلمات ليشدُّوا عزيمتهم ويصبروا, ويحتسبوا ابنهم شهيداً يرجو القبول عند الله تعالى ... ولم يكن لنا ملاذٌ في بطن هذا الحوت إلا أن نقول كما قال يونس عليه السلام ... "لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين".
ساعاتُ رعبٍ قاتلةْ=والموتُ يغزو القافلةْ
الجمرُ في عيونهِ=والنارُ تغلي داخلهْ
يختار منها راكباً=فمن تراه نائلهْ
رعودُ ليل ٍقاصفةْ= وريحُ سوء ٍعاصفةْ
وموجة ٌشريرةٌ=جامحة ٌوجارفةْ
وهامةٌ مرعبةٌ=على الخراب حالفةْ
كلُّ يوصِّي صاحبَهْ=وقد أعدَّ قاربَهْ
هذا صباحٌ ربما =غداً يكون غائبهْ
كلُّ يظنُّ نفسَهُ=عما قريبٍ ذاهِبَهْ
في كهفه ماأخشَعَهْ=وقد أحسَّ مصرعَهْ
مرتدياً كَفنهُ=ثوباً قديماً رقعهْ
حيٌّ بشَطر جسمِهِ=وشطرَهُ قد ودَّعَهْ
قربُ اللقاء حَننهْ=والبرُّ تاجٌ زينهْ
قرآنهُ في صدرِهِ=درعٌ منيعٌ حصنَهْ
وبرجُهُ دعاؤهُ=فوقَ الغمام وطنَهْ
رباه قلَّ زادِيَهْ=وقد دنتْ وفاتيهْ
ها قد أعدُّوا مصرعي=وأمتي في ساهيَهْ
رباه إني قادمٌ =فاجعل مقامي عالِيَهْ
الحكمَ ذئبٌ أطلقهْ=وثعلبٌ قد صدَّقهْ
وحاكمٌ مخاصمٌ=والوغدُ منهم أوثقهْ
وآخرٌ منفذٌ=فأيهمْ قد قتلهْ!
والحبلُ بئس الرافعة ْ =شَرْهَبةٌ وجائعةْ
كحيةٍ... ملتفة ٌ= على الرِقاب قابعةْ
من الألوف التهمَتْ=ولا تزالُ جائعةْ
والجندُ جندٌ غادرةْ=هتافةٌ وهادرةْ
أُسْدٌ على شعوبها=وفي الحروب خائِرةْ
دعني أراهم عندما =غداً تدورُ الدائرةْ
بالله جُني هالكةْ=على الجناة فاتِكةْ
وانتقِمي لدمِنا=آخذةً وتاركةْ
وأَلهبي سماءَهم =حتى تضيءَ الحالِكةْ