أبو مصطفى أستاذ في مدرسة الصناعة _استشهدت ابنته مع زوجها في مواجهة بطولية مع أذناب المخابرات كما ذكر أبي في مذكراته_ كان جاري في السكن قبل السجن, ويشاء القدر أن يكون جاري في المهجع, إذ كان نصيبنا أن نكون سوية في المهجع رقم 30....
أخي صلاح الدين - طالب الطب في السنة الأخيرة - كان معي أيضاً في نفس المهجع, وكان أبو مصطفى من المُحبين له, لما غَلَبَ على صلاح من حسن الخلق وطيب المعشر وكرم الإيثار, والشجاعة.. ولقبه أبو مصطفى ب "النمر"..
شهد أبو مصطفى المواقف العصيبة والشدائد التي نزلت بصلاح الدين (فقده لإحدى عينيه بسوط مجرم.. ألا لعنة الله على الظالمين), وكان حاضراً ساعة استشهاده... فنظم هذه الأبيات البسيطة العفوية الصادقة المعبرة عن عمق المحبة وشديد التأثر.. ونلاحظ أنه كرر اسم صلاح الدين كثيراً, ومن المعروف أن تكرار الاسم يدل على فرط المحبة... وهذا الأمر معروف في الشعر القديم مثل:
نلاحظ هنا أن الشاعر يتحبب بمنطقة "الغضا" حيث حبيبتُهُ فأكثر من ذكرها..
ألا لَيتَ شعري هل أبِيتَنَّ ليلةً=بجَنبِ " الغضا" أُزجي القِلاصَ النواجِيا
فليتَ " الغضا" لم يقطعِ الركبُ عرضَهُ=وليتَ " الغضا" ماشَى الركابَ لياليا
أوَّاه ......... لقَلبي أوَّاهُ=فصلاح لبَّى مولاهُ
أبكي لفراقِ صلاح الدينْ=خوفاً من أن لا ألقَاهُ
ضحَّى بالنفسِ صلاح الدينْ=وشهيداً قد ودَّعنَاهُ
إنا نستبشرُ بَحديثٍ=لنبيٍ قد أحببنَاهُ
أن بشِّرْ من كان مُحِبَّاً=مع حِبِّهِ يحشُرُهُ الله
يا من أحببتَ صلاح الدينْ=وترومُ بصدقٍ لُقيَاهُ
إلحقْ بسبيلِ صلاح الدينْ=إن كنتَ مُحبَّاً رؤيَاهُ
فتراهُ هناك بعِلِّييِّنْ=أو في فردوسٍ مَأواهُ
وبصحبةِ كُلِّ الصِدِّيقينْ=نبيُّ اللهِ تَلَقَّاهُ
ولقد أوصاني صلاح الدينْ=بحديثٍ هاكُمْ فَحواهُ
أنْ كلُّ شهيدٍ بالسبعينْ=من أهلِهِ شفَّعَهُ اللهُ
بشرى أبتاهُ وأماهُ=و"مهندُ" وكذا أختاهُ
يا أمي أصبحتُ شهيداً=ووصلتُ لما أتمنَّاهُ
برضاءٍ منكِ ومن أبتي=قد فزتُ ووفَّقني اللهُ
إن كنتِ تُعدِّينَ لعرسي=فالعُرسُ تَولاهُ الله
عرسٌ في الجنةِ لا في الأرضْ=كلُّ الإخوانِ تَمنَّاه
أحياءٌ نحنُ وفي الجنَّاتْ=فرحينَ كما قَال الله
فسألقاكم وبوعد الله=آمنتُ وثبَّتَني اللهُ
عهداً منا لصلاح الدينْ=حيٌّ في القَلب وذكراهُ
ولكلِ شهيدٍ في الإسلامْ=قد جُبِلتْ بالأرضِ دماه
بدماكمْ ودمَاءِ الإخوان=شرعاً لله نصرناهُ
فامنُنْ ياربِّ بنُصرتِنا=ورضاكَ فلا نبغي سواهُ
وبيَومِ مَزيدٍ أكرِمْنا=برؤاك تفضَّلْ رباهُ