رمضانُ هذا حوضُه المورودُ = فاستَقربوا البشرى ففيه الجـودُ
ياأُمَّةَ المختارِ هذا شهرُكم = والخيرُ فيه الدَّهرَ ليس يبيدُ
لم تجهلوا مافي يديه من الجَنَى = فنديُّ جنَّتِـه لكم ممدودُ
فيه أجالَ الطَّرفَ مشتاقٌ إلى = هَدْيِ النَّبيِّ ، وللحِجَى تسديدُ
طوبى لنفسٍ آمنتْ بكتابِه = وإليه بوركَ سعيُها المحمودُ
كم أبعَدَتْها لذَّةٌ ممقوتةٌ = إذْ غـرَّهـا بالموبقاتِ شرودُ
لحظاتُها معدودةٌ ، وإن اشترى = مافي يديها الغافلُ المكدودُ
قد غيَّبَتْهُ النَّزوةُ انطمستْ بها = صفحاتُ فطرتِهـا فطالَ رقودُ
السيئاتُ مصفَّدٌ إبليسُها = وعليه من فضلِ الصيامِ قيودُ
وجهنَّـمُ المأوى لكلِّ مكابرٍ = لو آبَ بالعقلِ الرشيدِ رشيدُ
قد غُلِّقَتْ أبوابُها ، وبه لهم = وجهُ الإنابةِ والرضا المنشودُ
رمضانُ أقبلَ في الورى متلألئًـا = والبِـرُّ فيه سحابُه معهودُ
وجنائنُ الرحمنِ فاحَ عبيرُهـا = فالشَّذوُ في دنيا التُّقاةِ فريدُ
نادتْ بأهلِ الصَّومِ أنْ هبُّوا إلى = كَرَمِ الإلهِ ، فعفوُهُ مشهودُ
هذي جِنانُ الخلدِ فاركضْ نحوَهَا = يرضَ الكريمُ ، ويغفرِ المعبودُ
ما الزَّادُ إلا زادُ تقواكَ التي = تُدنيكَ منها فالطريقُ بعيدُ
هو شهرُكَ الوضَّاءُ في ظُلَمِ الأسى = فالقيدُ يُكسرُ ، والأمانُ يعودُ
والظلمُ والطاغوتُ والقهرُ الذي = منه يعاني شعبُنا المعمودُ
سيزولُ هذا العسرُ إنْ أُبْنَـا إلى = شرعٍ زهتْ ـ ممَّـا حباها ـ البيدُ
فلقد رَبَتْ لمَّـا سقاهـا ودقُـه = وعلا بصبحٍ ربيعِه التَّغريدُ
واعشوشبتْ دنياهُ بعدَ تصحُّرٍ = فالعيشُ في ظـلِّ الحنيفِ رغيدُ
باءتْ مذاهبُهم بسوءِ نفوسِهم = فالشَّرُّ فيهـا تالدٌ وجديدُ
ومعيشةٌ ضنكى ، وبؤسٌ محدقٌ = بالنَّاسِ بئسَ الوِردُ والمرودُ
وهي الشُّهورُ عقيمةٌ مازانهـا = خيرٌ يفيضُ وطارفٌ منشودُ
عاثتْ بهـا النَّزواتُ ، واشتعلَ الهوى = فبناءُ شامخِ زيفِهم مهدودُ
ماتتْ ضمائرُهُم ، وقد عميتْ بها = أبصارُهم ، فطريقُهم مسدودُ
لمَّـا نسوا رمضانَ أنساهم بما = في وجهه النَّضِرِ البهيِّ جحودُ
فَتَرَاهُـمُ مثلَ البهائمِ رُتَّعًـا = لاالدِّينُ هذَّبَهُم ولا المجدودُ
حُرِمُوا نعيمَ العيشِ في ظلِّ الهدى = وبمثلِهـا حُرِمتْ هناك ثمودُ
لم يشهدوا القرآنَ ينزلُ رحمةً = للعالمين بساطُهـا ممدودُ
وهي المثوبةُ نالهـا أهلُ الرِّضـا = هم رُكَّـعٌ ـ بشرى لهم ـ وسجودُ
تتضاعفُ الحسناتُ في شهرِ النَّدى = والعِتقُ من نارِ الجحيمِ أكيدُ
قد فازَ فيه صائمٌ متبتِّلٌ = لافاسقٌ ـ فظٌّ أبى ـ وعنيدُ
ودموعُه فاضتْ على خدَّيهِ إذْ = وجلَ الفؤادُ ، وهزَّه الترديدُ
ودعتْهُ (فاطرُ) للعروجِ بروحِه = (والملكُ) في القرآنِ والأخدودُ
فدعا إلهَ العرشِ يسألُه الهنا = أمَّـا الشَّقيُّ فخاسرٌ مردودُ
مَن باعَ دينَ اللهِ بالدنيا هوتْ = خُطُوَاتُه في الخُسرِ وَهْوَ كنودُ
لو يعلمُ الكفَّارُ مافي شهرِنا = لأتوا إليه وللصدورِ رعودُ
هي شرعةُ الإسلامِ عاداهـا الذي = هو مرجفٌ ، أو جاهلٌ ملدودُ
أَوَلَم تَـرَ البشريَّةَ اليومَ التَوى = عن مجتناها الساعدُ المصفودُ
تاهتْ فما وجدتْ لديهم راحةً = فَهُمُ عدوٌّ حاقدٌ وجهيدُ
ولقد رأوا آياتِ ربِّ العرشِ ... = ... باهرةً ولم ينفعْهُمُ التسديدُ
كم نوصحوا لكنَّهم صُـمٌّ، وكم = نُودوا ، وداءُ المجرمين صُدودُ
خسرتْ تجارتُهم ، وبان عوارُهم = ومذاهبُ الإفسادِ ليس تفيدُ
كم غرَّبوا أو شرَّقوا وكم اشتروا = من مرجفين لواؤُهـم معقودُ
أعداءُ شرعتِنا التي مادُنِّستْ = أو رابَها زيفٌ هناك نضيدُ
أعداءُ أمَّتِنا التي شاؤوا لهـا = ألا تقومَ فسيفُهـا مغمودُ
يخشونَ هبَّتَهـا فإن هي كشَّرتْ =فلمكرِ حشدِ الظالمين خمودُ
كم خائنٍ متسلطٍ ما إن رأى = في الأفقِ رفَّ لواؤُها المعقودُ
حتَّى أُصيبَ برعدةٍ أو رعشةٍ = ففؤادُه الأعمى الخبيثُ كميدُ
كم أخبروه بغضبةِ الشعبِ الذي = ذاقَ المرارَ ، وحقلُه مجرودُ
قد غـرَّه الكرسي ـ فباعَ ضميرَه = من أجلِه ـ والمنصبُ الأُملودُ
أين الأشاوسُ والتفاتتُهُم إلى = نهجِ النَّبِيِّ فلن يفيدَ صدودُ
الدِّينُ لا المللُ التي جاءتْ على = أسسِ الفسادِ فبابُها موصودُ
أبدًا ولا الأحزابُ فرَّقَ شرُّها = صفَّ الشعوبِ فصرحُهـا مهدودُ
والفنُّ ! ويح مصائب الفنِّ الذي = غـرَّ الشَّبابَ سرابُه الممدودُ
إنَّ الضياعَ تفاقمتْ أزماتُه = وجناهُ هذا الهـمُّ والتسهيدُ
ماذا أُعدِّدُ والجراحُ عديدةٌ = هيهاتَ يُدركُ نزفَها التَّضميدُ
والشَّرُّ أجَّجَ نارَه برحابِنا = والخيرُ رغمَ ثمارِه موؤودُ
عصفتْ بأُمَّتِنا المآسي والأسى = واستأسدَ الخوَّارُ والرعديدُ
بل كادَ وجهُ الوعيِ يطمسُه الهباءُ ... = ... وينطفي قنديلُه المنشودُ
لكنْ أتتْ قيمُ الصيامِ فأشرقتْ = آفاقُ مجدٍ شأنُه محمودُ
هـزَّ القلوبَ وقد أفادَ نداؤُه = فَنَضَـا متاعبَه الجوى والجيدُ
وتضاءلتْ فرصُ الطغاةِ فما دروا = إذْ ســلَّ سيفَ مضائِه التوحيدُ
والمسلمون اليوم تبصرُ زحفَهم = فمجاهدٌ مستبسلٌ وشهيدُ
أو قائمٌ أو صائمٌ أو ذاكرٌ = والشَّوقُ في أحنائهم مشهودُ
رمضانُ والقرآنُ والهممُ التي = حقبٌ طوتْ آثارَها وعقودُ
والروحُ عادت توقظ النبضاتِ إذْ = نفضَ الونى التكبيرُ والتمجيدُ
فاشمخْ بدينِك إنَّه الإسلامُ لا = تركنْ لطاغيةٍ أذاهُ شديدُ
واعلم بأنَّ اللهَ ينصرُ جندَه = ويزيلُ عهدًا بالفسادِ يميدُ