إلى الشهيدة السعيدة، الصغيرة الكبيرة، آيات الأخرس ومَنْ قبلها ومَنْ بعدها من أبطال فلسطين، رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً، الذين يصنعون للأمة نصرها القادم بدمائهم الطاهرة.
أنتم الخالدون والأصفياءُ=أنتم الباذلون والأوفياءُ
أنتم المفتدون أرضاً وعرضاً=والذؤابات باركتها السماء
إن أغلى ما في الحياة شهيد=بردتاه هما السنا والسناء
والذي يصنع الحياة ويبني=مجدها باذخاً هم الشهداء
* * *=* * *
إن صنو الحياة موت وشيك=وقرين البقاء فيها الفناء
والذي يملك الخلود شهيد=جلجلت فيه همة قعساء
أخلصته فكان محض نقاء=وكذاك المعادن الزهراء
رام خيراً من الحياة حياة=ليس فيها مساءة أو عناء
باع للَّه نفسه وارتضاها=صفقة مَهْرها - وجَلَّ - الدماء
ربح البيع يا شهيد فسافر=في دروب أفضالها فيحاء
وعليها الآيات تتلى حساناً=وعليها جبريل والأنبياء
* * *=* * *
يصطفي اللَّه للشهادة ناساً=طهرتهم جراءة وفداء
حين يدعو النداء يأتون شُمْساً=يستوي الموت عندهم والبقاء
أصبح الموت عشقهم فأتوه=فارتضاهم أهلَّةً حين جاؤوا
وسقاهم كؤوسه مترعات=وسقوه من الدما ما يشاء
المنايا تحلو فتغدو الأماني=وعليها وسامة ورضاء
حين ماتوا عاشوا وصاروا طيوراً=سارحات أمداؤهن الفضاء
نقلتهم عن الحياة جراح=لفراديس هم بها أحياء
* * *=* * *
إن مجد الشهيد أنــَّـى تولى=سيرة ثرة الشذا حسناء
يتبارى في نسجها كل صقع=والعدو اللدود والأصدقاء
والصباح الذي يطل وضيئاً=والضحى والأصيل والظلماء
إنه باذل الحياة احتساباً=وكذاك الأحرار لا الأدعياء
وطريق الدعي قول كذوب=وانتفاش ومنة وخواء
وطريق الشهيد قول وفعل=وثبات وقوة ومضاء
((ما الذي عنده تدار المنايا=كالذي عنده يدار)) الغثاء
حكمة قالها لنا المتنبي=إذ تلاقى قريضه والذكاء
* * *=* * *
حين يسقي دم الشهيد ثراه=وذويه تخضوضر الأشياء
وتصير الدماء ماء فراتاً=حيث يسري وتورق الأشلاء
تنقل الريح والشموس جذاه=والأماسي الطوال والعلياء
والملايين وهي تهفو إليه=وقلوب مكلومة وظماء
كلهم ناظرٌ إليه مشوقاً=وإليه رغابهم والرجاء
ادْنُ منا، قالوا هلم إلينا=فارساً في يديه يعلو اللواء
فإذا بالشهيد ينهض فيهم=ودماه كتيبة صماء
الجراح التي عليه هتاف=والهتاف الذي لديه دعاء
والدعاء الذي لديه براق=والبراق الذي له إسراء
وله من فم الزمان ثناء=سطرته قصيدة عصماء
ومن الشعر صارم ليس ينبو=ومن الصارم الأبي حداء
* * *=* * *
يصنع الظالمون من كل شلو=لشهيد صرحاً عليه البهاء
ثم يمضون لا بكاء عليهم=بل عليهم لعائن حمراء
وهو يبقى على المدى وهو يرقى=إنهم أحسنوا له إذ أساؤوا
إنه المرء نال أسمى مناه=وهم الخاسرون والأشقياء
ومن القتل قد تكون حياة=ومن الهدم قد يكون بناء
* * *=* * *
يا لنعمى الشهيد تنهل بشرى=تتوالى كأنها الأنواء
طعنة فابتسامة فممات=فحياة فموعد فلقاء
في جنان تهديه طيب جناها=ساكنوها الأبرار والأتقياء
لا نراها لكنه قد رآها=دانيات إذ زال عنه الغطاء
* * *=* * *
حينما تطبق الدياجي وتقسو=في حمانا وتعبث الأعداء
يوقد اللَّه مشعلاً من شهيد=فإذا من دمائه الأضواء
وإذا نحن في الحياة علُوٌّ=وعِدانا فانون أو طلقاء
* * *=* * *
يا دماء الشهيد طال دجانا=أوقدينا مشاعلاً يا دماء