أُلقيت في مكتب عنبر في مهرجان دمشق الثالث للثقافة والتراث، وكان لها أصداء واسعة جدًّا في أكثر من مجال...
فتاةَ أميةٍ يا أمُّ عفواً
را
* إشارة إلى المجدد ابن تيمية رحمه الله.
عروسُ الشِّعرِ زحزحتِ النِّقابا =فشبَّ الشيبُ تحسبهُ شبابا
وجُنَّتْ من محاسنِها القوافي =كأن جريرَها للشَّام آبا
حماها اللهُ يهرمُ ألفُ دهرٍ=وتبقى الشَّامُ للأمجادِ غابا
ذَرى الرَّحمنُ ملءَ الكونِ آياً =وقد جعلَ الشآمَ لها كتابا
فما من آيةٍ في الشامِ إلاّ=وتلهمكَ الهدايةَ والصَّوابا
إليها حجُّ أنظارِ البرايا=وينسى من رأى الشَّامَ الإيابا
فليسَ كحسنِ غوطتِها ثوابٌ=لمن قد جاءها يرجو الثوابا
غصونُ الغوطتينِ إذا تثنَّت =حسبتَ الغصنَ ناعمةً كَعابا
وما غُصنٌ إذا الهيجاءُ نادت =بها إلاّ وتلقاه حِرابا
بها راياتُ نصرِ الله شالت =على اسمِ الله تحسبُها السَحابا
تكفّلها الإلهُ كما براها =وما كشفَ الزَّمانُ لها حجابا
تزيدُ على نوائبها ثباتاً =ولا تُبقي لوحشِ الظُّلْم نابا
فتاةَ أميةٍ عفوَ ادكاري =وعفوَ الشِّعرِ ناداني، وغابا
طلعْتِ على الزَّمانِ كما تمنَّى =وحُسنكِ لم يَشبْ، والدَّهرُ شابا
فتوحاتٌ تمرُّ أمامَ عيني =فتوسعني لروعتها انجذابا
عشقتُ الشامَ سلها لا تسلني =لماذا؟ فهي تمتلكُ الجوابا
عشقتُ الشامَ تُكبرها الأعادي =فوجهُ الشَّامِ ما عرفَ الخضابا
عشقتُ الشَّامَ إبداعاً وعلماً =وفتحاً لم يدعْ صنماً مُهابا
عشقتُ الشامَ عدلاً واعتدالاً =وأمراً في بني الدُّنيا مُجابا
فأشمخُ والزمانُ معي شَموخٌ =بما أزجتهُ للدُّنيا احتسابا
=إذا ما سُقتُ من ألمي العتابا
أرى الأجيالَ قد ضلَّت هُداها =وزادتْ عن عقيدتِها اغترابا
فما حفظتْ لمجدِ الأمسِ عهداً =فأمستْ كلُّ بارقةٍ خلابا
وها أُفرِدتِ في زمنِ التَّردي =وعنكِ أطالَ من ضلُّوا الغيابا
وكنتِ، وكان بأسُكِ كلَّ آنٍ=شديداً يأخذُ الدُّنيا غِلابا
فكيفَ غفلتِ يا أمَّ الأماني=وكيفَ رضِيتِ أن يرِدوا السرابا!
وكيفَ القومُ عافوا الودَّ وِرداً =ورادوا في فمِ الأفعى رُضابا!
وكيفَ بقشرةٍ رُميتْ إليهم =رضَوا طوعاً، وعدّوها لُبابا!
وصافوا من بغى وطغى عليهم =وصيَّرَ كلَّ ما ملكوا تبابا
على الأهلينَ كمْ كانوا شِداداً =وعندَ عدوّهم كانوا ذُبابا!
فأدخَلَهم حظائرهُ نعاجاً=وما كانوا بنا إلاّ ذئابا
ولولاهُمْ لما انشعَبَتْ قُوانا =ولا أمسى توحُّدُنا شِعابا
ولولاهُمْ لما استعصى منالٌ=على قومي، ولم نَشْكُ اضطرابا
تبدَّلَ كلُّ ما قد كان منّا =وصارَ خيالُ غاصِبنا مُهابا
يسوقُ لنا الفناءَ بكلِّ آن=ونحذرُ أن نسوقَ له العتابا
وكمْ كنَّا نجيدُ له سِباباً=فصِرنا لا نقِرُّ له سِبابا
ونحنُ الأكثرونَ غنىً وعدًّا=ولكنَّا الأذلَّ له جَنابا
فعفواً يا فتاةَ المجدِ عفواً=إذا اقتضبَ الكلامُ هنا اقتضابا
شآمُ شآمُ عفواً عن سؤالي =متى ألقى لما كُنّا إيابا!
مسيلمةٌ يفرِّخُ كلَّ يوم=فراخاً تملأ الدُّنيا ارتيابا
فأينَ لها أبو بكرٍ بسيفٍ =يحزُّ لكفرِ ردَّتِها الرقابا!
وأينُ لها الإمامُ وذو فقارٍ =فيوسعُ من بَغَوْا وطَغوْا ضِرابا؟
كفانا يا بني قومي ضياعاً =وشرذمةً... كفى يا قوم عابا
هوى الكُرّسِيِّ أنسانا هُدانا =فلم نحسبْ لأجيالٍ حسابا
تُرى ماذا سيحكي الجيلُ عنّا =وقد ورِثَ المذلةَ والعذابا؟
نَزَلْنا عن خيولِ الفتحِ عمْداً =وأسرجْنا إلى الجُلّى كلابا
ولم نتركْ له إلا طُلولاً =من الإذلالِ تنتحبُ انتحابا
ألا يكفيه ذُلاً أن سكتنا=عن الأقصى وما اغْتُصِبَ اغتصابا!
وكيفَ القومُ صاروا ألفَ قومٍ=وعن ذلٍّ غدا العجبَ العُجابا
فقولي لي أيا أمَّاه قولي =متى بجهادِنا نلقى اعتصابا!
أما آن الأوانُ لكي ترانا =على الأعداءِ نمتشقُ الحرابا!
فلن يلدَ الظلومُ سوى ظلومٍ =ولن تلقى لطاغيةٍ متابا
فتاةَ أميةٍ ماذا تراني =أقولُ وخافقي اصطخبَ اصطخابا
لمجدِ الحقِّ أجرى الله شعري =فما هو غيرُ هذا القلب ذابا
وما أنا غيرُ هذا الشعر يحيا =ليكشفَ عن مذلينا النقابا
همومُ القوم صاغتني بياناً =به أرجو إلى الوثقى انتسابا
فليس الشعر إلا صوتَ حقٍّ=يعود به من اكتهلوا شبابا
كفرتُ به ضياعاً وانهزاماً =وهلوسةً ...كفرتُ به كذابا
إذا ما كلُّ حرفٍ كانَ سيفاً =على الطاغي فقد كان الغرابا
دمشقَ المجدِ هذا عرسُ شعرٍ=كأشهى المُزنِ ينسكبُ انسكابا
تسرَّبَ من دمي في نفسِ قومي =رحيقاً خِلتُهُ الشَّهدَ المذابا
إذا ما رقَّ فهو الوَردُ حسناً =وإن يزْأرْ ترَ الأرماحَ غابا
فللنبغاءِ أهلُ الشامِ أهلٌ=لهم فيها أحبُّ العيشِ طابا
همُ الودُّ المُصفى إن يُصافوا =وإن غضبوا فأكبِرْهم غضابا
شآمَ المجدِ عفوَكِ قد صحونا =لنأخذَ حقَّ أمتِنا غلابا
لألمحُ ألفَ بارقةٍ تنادي =بأنَّ النصرَ يزدادُ اقترابا
دهتْنا الدَّاهياتُ وكمْ رأتْنا =كما أملتْ عقيدتُنا صِلابا!
نزيدُ على تحدِّيها جهاداً =به الطَّاغوتُ يُسلِمُنا الرِّقابا
إذا أبلتْ لنا الجُلَّى حِراباً=جعلنا من أصابعِنا حرابا
فهبْ أمسى «نتنياهو» «هولاكو»=وصيَّر مثلَه الدُّنيا خرابا
أمَّا ولّى هولاكو عن حِمانا =وأسلمَ جيشُ هولاكو وتابا!
وهبْ عادَ الصليبيونَ حقداً =وزادونا فناءً واستلابا
ألم ينهد صلاح الدين يوماً =فيجعلهم وما فعلوا سرابا!
أما قد جدَّدَ الإسلامَ شيخٌ =له سمعُ الزمانِ قد استجابا*!
أما عادتْ بنا الوثقى فعُدْنـا =وأعلينا المآذنَ والقبابا!
ألم نُرجِعْ يبابَ الأرضِ غاباً =يفيضُ الدَّهرَ خِصباً واحتلابا!
فحقَّقَ كلُّ ذي كبدٍ مناهُ=بعدلٍ لم يجدْ فيه مُحابى
إذا لم يبقَ منَّا غيرُ حُرٍّ=أعدنا باطلَ الدُّنيا صوابا
شآمَ المجدِ ظلُّكِ مستطابٌ=به أُلهِمتُ عن قومي الخِطابا
فأسلسَ واستطالَ وطابَ شِعري =ولولا أنتِ لمْ يكُ مستطابا
أرى من سالموا أعداءَ قومي= أرادونا لدى الطَّاغي كِلابا
همُ الأعداءُ ما عَرَفَوا سلاماً=وقُبِّحَ من رأى فيهم صَحابـا
لنا الرَّاياتُ في سلمٍ وحربٍ=وعهداً لن نلينَ لهمْ جَنابا
على اسمِ اللهِ نعلنُهُ جهاداً=ونمضي لن نذلَّ ولن نَهابا
سنفتحُ للشهادةِ ألفَ بابٍ=إذا ما أغلقَ الجبناءُ بابا