أشعِلْ بيانَكَ واستنهِضْ به الهِمما=قد آنَ أنْ لا نرى شِركًا، ولا صَنَما
كفاكَ هَدهَدَةً فالجُرحُ مستَعرٌ=واهًا لجُرحٍ على ذُلٍّ إذا التأما!
صُبَّ اللهيبَ بجرحٍ لا شفاءَ لهُ=هيهاتَ تلقى ذليلاً يشتكي الألما
آمنتُ بالألم العِملاقِ يُبدِعُنا=وأبعَدَ اللهُ من أبدى له سَأما
أخا البيانِ وما أحراكَ من رجُلٍ=يروي على ظمأٍ من يشتكون ظما!
وهل كآلامِ من قد أبدعوا ألمٌ=ما كان أقساهُ لو لم يملكوا القَلَما!
وغربةُ الشَّاعرِ الإنسانِ موجِعةٌ=فاقتْ بما أورثَتهُ الفقرَ والصَّمما
كم عاشَ أهلُ الغِنى دنياهمو قلَقًا=وعاشَها مُطمئنَّ النَّفسِ مُبتَسِما!
والجهلُ أوجعُ ما عاناهُ من وجعٍٍ=وأوجعُ الجهلِ أن يأتي من العُلَما
أخا البيانِ المُصفَّى، والبيانُ هدىً=من ضلَّ عنهُ فهَلْ إلاهُ أهلُ عمى!
دهرٌ رمانا فأردى كُلَّ جارِحةٍ=إلا الإباءُ تأبَّى عنهُ حينَ رمى!
تجمَّعَ الحِقدُ مُرخاةٌ أعِنَّتُهُ=وضجَّ بالبابِ محمومًا، ومُحتَدِما
عِشْنا لجولاتهِ رُصَّادَها أبدًا=ولم يَجِدْ بيننا من ملَّ، أو نَدِما
من عهدِ آدمَ نحنُ الصَّامِدونَ لهُ=بمثلِ إيماننا بالحقِّ ما صُدِما
يختارُ ربُّكَ للأجيالِ قادَتَها=وخصَّنا من لَدُنْهُ اللهُ وحيَ سما
لنا تعاليمُ كلِّ الأنبياءِ، لنا=وعدُ الإلهِ... لنا أنْ نُنقِذَ الأمما
إنْ كانَ أعطى سِوانا فَضْلَ صنعَتِهِ=فنحنُ من عَلَّمَ التَّشريعَ، والنُّظُما
عِشْنا لآلامِ أهلِ الأرضِ نُبرِئُها=فنحنُ من أمرُنا في بُرْئِها عَظُما
آمنتُ بالحقِّ يُحيي الأرضَ قائمُهُ=وكمْ يفوقُ بما يُحيي بها الدِّيما!
لنْ يُصلِحَ الكونَ صاروخٌ، ومِطرقَةٌ=لو دامَ أمرُهُما في ساعةٍ هُدِما
أخا البيانِ عجيبٌ أمرُ عالَمِنا=عادى هُداهُ جِهارًا، وازدرى القِيَما
لمْ يبقَ للحقِّ من كفٍّ تُسانِدُهُ=همُّ القويِّ غدا أنْ يُكثِرَ الغَنَما
تفنى شعوبٌ، ولا تهتزُّ إصبِعُهُ=وكانَ أنقَذَها لو حرَّكَ القَلَما
أينَ الحقوقُ التي نادى بِحُرمَتِها=فما تراها تعدَّتْ قولَ: لا جَرَما!
أحلافُ شرِّ على الطَّاغوتِ قائمةٌ=ما ساءَها لو غرِقنا في بحورِ دِما
لو أنصَفَتْ ساعةً لارتاحَ عالَـمُنـا=وما رأيتَ به من يشتكي العَدَما
أليسَ في القُدْسِ أطفالٌ تُبادُ ضحىً=ولا يُلامُ الذي يُصلِيهِمو حُمَمَا!
أدنى الحقوقِ بأدنى العيشِ قد حُرِموا=وقاتِلُ الحقِّ يلقى فوقَ ما حَلُما
أليسَ يقضي بنو الصُّومالِ من سغبٍ=وإنْ يُغاثوا رأينا غوثَهُمْ نِقَما!
أليسَ في الهِرْسِكِ الإفناءُ مستَعِرًا؟=ومجلسُ الأمنِ فيه بَعْدُ ما عَلِما!
أليسَ في كلِّ أرضٍ ألفُ مظلمةٍ؟=وليسَ إلا أخو الإيمانِ من ظُلِما!
مساعداتٌ على التَّقتيلِ وافرةٌ=لِمنْ يشاءُ، وإلاَّها فقد لُجِما
في كلِّ يومٍ ألوفُ الصَّارِخاتِ سُدىً=ألمْ يَحِنْ أنْ نرى في الكونِ مُعتَصِما؟
أينَ العدالةُ يقضي عالمٌ سغَبًا=ومُدَّعوها غَدوْا من سلْبِهِ تُخَما!
أينَ التُّقاةُ، وأين الأهلُ، أينَ أخو=دِينٍ، ومالٍ يُرينا دِينَهُ كَرَما؟
إلى متى يا بني قومي تَفَرُّقُنا=أما شبِعنا من الإذلالِ... ألفُ أما؟
ألمْ نَكُنْ خيرَ من عزُّوا، ومن نصروا=ومنْ رَعوْا للأعادي الحقَّ والذِّمما!
عِشْنا وعاشَ بنو الدُّنيا سواسيةً=بِنهجِنا الحقِّ قد صاروا لنا رَحِما
لو نحنُ عُدْنا لما شاهَدْتَ مَظْلَمَةً=ولا رأيتَ سوى من فازَ، أو غَنِما
غدًا نعودُ، وما أشقاهُ عالَـمُنـا=إنْ لمْ نَعُدْ ونُزيلُ الظُّلمَ والوَخَما
فالدِّينُ في النَّاسِ إيثارٌ، ومرحمةٌ=ما كانَ في النَّاسِ إلا أهلُهُ رُحَما
دينُ الإلهِ براءٌ من تَسَلُّطِنا=والخُلْفُ فيه ببيداءِ الضَّلالِ نما
ومارِقٌ من أحالَ الدِّينَ مصلَحَةً=وأكفرُ النَّاسِ من قد حرَّفوا الكَلِما
أيُّ الدِّياناتِ جاءت للدَّمارِ، ومنْ=يرضى بربٍّ ودِينٍ جاءَ مُنتَقِما؟
قُمْ ساعةً وتأمَلْ... هل ترى أملاً=إلا بنورِ الهُدى أن نكشِفَ الظُّلَما!
طالَ الشَّقاءُ بهذا الكونِ خالِقَهُ=وضجَّ لـمَّـا غدا أحرارُهُ خَدَما
والنَّاسُ ساهونَ أعمَتْهُمْ لذائذُهمْ=وشرُّ ما حصدَ الإنسانُ ما وصَمَا
ومن تربَّى وذُلُّ الحِقدِ في دَمِهِ=هيهاتَ يُكبِرُ فينا الكِبرَ، والكَرَما
أخا البيانِ المُصفَّى دعْكَ من جَدَلٍ=ودَعْكَ مِمَّنْ غَدَوْا للتُّرَّهاتِ حِمى
أما جعلنا جحيمَ الحُبِّ جنَّتَنا=ليَقطِفَ النَّاسُ من أفنانِنا النِّعَما؟
لمْ تُوْهِ عَزْمَتُنا آلامَ أمَّتِنا=أكْرِمْ بآلامِها كمْ فجَّرَتْ هِمَما!
نبقى الهُداةَ... ونبقى الأوفياءَ لها=وخابَ فَدْمٌ رأى تاريخَنا خُتِما
إنَّا على عَهدِنا نحيا رسالَتَنا=لا باركَ اللهُ من قد ضلَّ... لا سَلِما
محبَّةُ اللهُ نورٌ في جوانِحِنا=وليتَ ليتَ عليها شَملَنا التأما
وطاعَةُ الرُّسلِ تبقى زادَ رحلَتِنا=عيسى وأحمدُ... هل زادٌ كحُبِّهِما؟!
عيسى هو الحبُّ تجلُو النَّفسَ سيرَتُهُ=وأحمدٌ لمْ يدَعْ شِركًا، ولا صَنَما
ما أهنَأَ القلبَ مشغولاً بِحُبِّهِما=وأسعدَ الكونَ مهدِيًّا بهَدْيِهِما!
إنْ عزَّ للنَّاسِ منجاةٌ ومعتَصَمٌ=أَكْرِمْ بما عَلَّما منجىً، ومُعتَصَما
أخا البيانِ وعفوَ البوحِ عن زُمَرٍ=خانوا الأصيلَ، وكانوا للهجينِ فَما
صِنفانِ من جَحَدوا الفصحى وروعَتَها=لا باركَ اللهُ من يرضونَ غَيَّهُما
صِنفٌ أضلَّ، وصِنفٌ ضلَّ مُنبَهِرًا=وأعجبُ الأمرِ مِمَّنْ روَّجوا لَهُما
الجاحِدانِ بما للشعرِ من قيمٍ=هما الشَّقيَّانِ في عُرسِ الإباءِ هُما
والمُنكِرونَ علينا ما نرى قيمًا=ما ضرَّ قيمَتَها من أنكَرَ القِيَما!
من لمْ يَكُنْ مُخلِصًا للهِ غايَتَهُ=فما ابتغى بعدَهُ إلا ابتغى صَنَما
أخا البيانِ المُصَفَّى والبيانُ لظىً=إذا غَضِبنا تشظَّى وارتمى حُمَما
لا نستكينُ لطاغٍ، لا نُقيمُ لهُ =وزنًا، ونجعَلُ مَهْرَ الأمنياتِ دما
أما كَتَبنا؟! أما سالتْ حناجِرُنا=شِعرًا يُعيدُ أخا الإذلالِ مُقتَحِما!
أما نَهَضْنا بما أملَتْ رسالَتُنا=وتشهدُ الدَّربُ كمْ أدْمَتْ لنا قَدَما
أما خَلُصْنا لآمالٍ لنا عَظُمَتْ=متى تناسى همومَ الأمَّةِ العُظَما!
أخا البيانِ وما في الصَّمتِ مَنفَعَةٌ=وخابَ من ظنَّ قد أخفى بهِ حِكَما
أشعِلْ بيانَكَ بئسَ الصَّمتُ مُلتَجَأً=وبئسَ قولٌ يزيدُ الحالِمينَ عمى
فرُبَّ جذوَةِ نارٍ أشعَلَتْ سَقَرًا=ورُبَّ قولة ِحقٍّ حرَّرَتْ أمَما
أخا البيانِ وكمْ في العودِ من نَغَمٍ=إنْ لمْ تُحرِّكْهُ لن تلقى بهِ نَغَما
لا يُرهِبُ الظَّالِمَ الطَّاغي كرؤيتِهِ=ثغْرَ الضَّحِيَّةِ رغمَ الهولِ مُبتَسِما
فبسمةُ الحقِّ فجرٌ لا يُطاقُ لهُ=ردٌّ... ولو حشدوا في وجهِهِ الظُّلَما
لا يفْرَحَنْ من رأى شعبي وفرقَتَهُ=فكمْ تفرَّقَ قبلَ اليومِ، وانقسما!
وكمْ تمسَّكَ بالوثقى فعادَ بها=كأنَّهُ ما رأى ذُلاً ولا انفصَما!
تُبلى الشُّعوبُ على مقدارِ قيمَتِها=يفنى الخليطُ وتلقى التِّبرَ قد سَلِما
نحنُ الأُلى في عميقِ الدَّهر جذرُهُمو=وكمْ ترى الفرعَ من عُمقِ الجُذورِ نما!
غدًا ستُشرِقُ شمسٌ بعدَ هَجْعَتِها=وأخسرُ النَّاسِ عندَ اللهِ من ظَلَما
أنا هنا في الإماراتِ التي اتّحدتْ=على الإباءِ وسارتْ للعلا قُدُما
حمَلتُ زهوَ شموخِ الشَّامِ قافيةً=على فَمِ الدَّهرِ يبقى وقعُها نَغَما
لم يَنْبُ في الشَّامِ سيفٌ، لا ولا تعِبَتْ=فيها الخيولُ التي لمْ تَعرِفِ اللُّجُما
للضَّادِ.. للحقِّ.. للإسلامِ سيرتُُها=اللهُ للشَّامِ كمْ صانتْ لنا الشَّمما!
طريفُ أمجادِها الزَّاهي بتالِدِهِ=سِلمًا وحربًا كما شاءَ العُلا انسَجَما
قد أقْسَمَتْ ـ وحفاظُ العهدِ قِسمَتُها ـ=وأينَ كالشَّامِ من صانَتْ لنا الذِّمما!
لا، لن تقومَ لسِلمِ الذُّلِّ قائمةٌ=ولن يكونَ عدوُّ الأمَّةِ الحَكَما