حكاية وطن؛ تآمر عليه نظامه، و عدد كبير من أبنائه، فضلا عمن يزعمون أنهم أشقاؤه أو بعض من أصدقائه. فكتب عليه أن يخوض معركة مستمرة ضد ذلك النظام، و أن يصبر على تبعات تلك المعركة، لغاية الخلاص المنشود الذي يعمل من أجله أحرار الوطن.
وطنٌ عليهِ تكالَبَ الأغيارُ= وتحالفَ الخمارُ والسّمارُ
وتعاقبت غيرُ الزمان فَكُلَّما= دار الزمان تبدّلتْ أدوارُ
كالمسرحيةِ فالفصولُ تعاقُبٌ= ولِكُلِّ فَصْلٍ في الحياةِ مَسَارُ
فيها الشخوصُ مواثِلٌ مقصورةٌ= صُمٌّ وبُكْمٌ أعجمَ "الأَمَّارُ"
ما فُوِّهتْ إلَّا بلحنِ قصيدةٍ= سجدتْ لِرَبٍّ يعبُدُ الكُفَّارُ
زافت من اللحمِ المُنَمَّقُ رشيُها= فيهِ السداةُ واغرب التذكارُ
واخلو لَقَتْ دِمَنٌ تَجَرَّمَ عهْدُها= واجْتْثَّ منها المرخُ والفخَّارُ
فغدتْ زيوفاً لا تروقُ لِعَبْقَرٍ= ممجوجةً أعشت بها الأبصارُ
ضاقتْ وقد كانتْ فساحَ ملاعِبٍ= يزهو بصهوةِ عِزِّها الإيثارُ
ويقومُ فيها النُبْلُ وهو مكارِمٌ= ويرجّعُ اللحنَ الطروبَ كنارُ
فإذا بها من بعدِ عزٍّ باسِقٍ= ومكارِمٍ تزهو بها الأمصارُ
قد صابها لغبُ الحياةِ فأعجمتْ= وتوازعتْها للردى أخطارُ
وغدتْ لغيلانِ الحياةِ مسارِحاً= فالجارُ يشكو من أذاهُ الجارُ
فُرُطاً وما أدراكَ ما مِعنى الهوى= إن جُنَّ أو قُلْ :جُنَّتِ الأفكارُ
إن لم يَعُدْ في الدارِ شَيْخٌ عاقِلٌ= أو أنَّ شيخَ الدارِ لَطَّخ عارُ
أو أن عدواناً تمكَّنَ من حمى= أعماهُ حِقْدٌ صارِخٌ موَّارُ
فأصارها دِمناً على أطلالِها= يُبكى وفي عرصاتِها يُحتارُ
رُبَعاً لغَّوارٍ بِمُنْفَرَطِ اللوى= ما انفكَّ يفخَرُ أَنّهُ الغوَّرُ
كَذِباً وزيفاً يدعي رُبانها= ولعمر صحبي إنَّهُ العيارُ
يَفْتَنُّ في شحذِ الحِمامِ وصوغِهِ= فعلى الرقابِ تصارعٌ وشجّارُ
وتزاحمٌ وتدافعٌ وتعارُكٌ= وكأنَّ هامَ المبتلينَ قِطارُ
للصاعدينَ إلى القصورِ عصابةً= زَلَّتْ بِهِمْ قَدَمٌ وحَطَّ صَغَارُ
رِيَبُ الأسى عَزَفُوا على أوتارها= نغماً وغنَّاها لَهُمْ شُعَّارُ
وتبدَّلت شيمٌ فكان بديلَها= خَرَقٌ وكانَ حصادَها الإعصارُ
يا للرحالِ إذا تشدُّ ويغتدى= في دربِ تيهٍ مُنْهِلٍ ويصارُ
حَدَثاً على شفةِ الزمانِ ضياعُها= يحكي النوى وتُرَجِّعُ الأوتارُ
وتُبَحُّ حَنْجَرَةٌ وتدمى مُقْلَةٌ= ويبيدُ قفلٌ زاحِمٌ جَرَّارُ
ويصيرُ أهْلُ الدارِ أغراباً وفي=حَقْلاتِها غَرْسٌ لهم وبذارُ
ويصيرُ خالِصُ برَّها نهباً على اسـ=ــتحْوازِهِ قَدْ زاحمَ الفجارُ
ويَضُمُّهُمْ عِوَزٌ إلى أحضانِهِ= ضمَّ الصقيعِ فيَجْمُدُ الإيثارُ
وتُكمُّ حتى الآه في أعماقِهِمْ= قهراً وتخرَسُ فيهمُ الأشعارُ
بعضٌ يقولُ : الأجنبيُّ . وبعضُهُمْ= قال:الغريبُ.فأنكَرَتْهُمْ دارُ
حتى تآشير الدخولِ نَكِرنَها= وعجبنَ كيفَ أجازها"الأمَارُ"
تُشرى بأثمانٍ ليأمَنَ ثائِرٌ= أنِفٌ أبى أن تستباحَ ديارُ
تُشرى بأثمانٍ ليأمَنَ ثائِرٌ= أنِفٌ أبيٌّ فارسٌ مِغوارُ
تُشرى بأثمانٍ ليأمَنَ ثائِرٌ= أنِفٌ أبى أن يُعْبَدَ الدولارُ
تُشرى بأثمانٍ ليأمَنَ ثائِرٌ= أنِفٌ أبى أنْ يَحْكُمَ الدعّارُ
تُشرى بأثمانٍ لتأمَنَ أسرةٌ= ضاقتْ بها وبأهلِها الأقطارُ
طفلان؛أمهما تنوء بعُريها= دَفَعَتْ بها وبِطفلِها الأقدارُ
ما بينَ مأمورينَ كيفَ يعاملا=ــــنِ مخالفاً في "الرسم" كيفَ يصارُ؟
ما بين حَدَّينِ استطاعَ الأجنبي= فصمَ العُرى , واسطاعَها العَيّاَرُ
لم تجدِ "واقوماهُ" بُحَّ صِراخُها= نُكِرَ السماعُ وأزرتِ الأبصارُ
فثوَتْ على حصباءَ يمقُتُها الردى= ويَضِلُّ في ألوائها الخبّارُ
والدمعُ ـ ويْ للدمعِ ـ لم يُفْقهْ هُنا= معنى لدمعٍ لا. ولا الأعذارُ
* * *=* * *
يا سائلي من أنتَ كيف نَكِرْتَني= وأنا المعالم إن عَفَتْ آثارُ
غررُ تلوحُ من الثنايا مثلما= لاحتْ بشائِرُ أو زَهَتْ أنوارُ
أنا من هنا مِنْ كُلِّ أرضٍ أنتجتْ= فصحى وقامَ بحيِّها أحرارُ
أنا مِنْ دِمشقَ الشامِ مِنْ مِصْرٍ أنا= أهلي فجدّي الفاتِحُ الكرارُ
أنا من هنا بغدادُ عاصمتي وإنْ= شطَّتْ نِيا أو باعَدَتْ أسفارُ
أنا من ذرى صنعاءَ ليستْ دارُنا= إلا الحُصون وسَيْفها البتَّارُ
أنا من مراكِشَ فالمغاربُ بلدَتي= وأنا بيثرِبَ معشَري الأنصارُ
مَنْ قال:إنّي الأجنبيُّ فقد هذى= واستبلسَتْ في رأسِهِ الأفكارُ
واشتطَّ لم يَفْقَهْ حقيقة مَنْ أنا= فأنا الذي كرُمتْ بهِ الأمصارُ
أنا خالِدٌ وأنا المُثَنَّى إنْ وَعَى=وأنا بلالٌ والفتى عَمَّارُ
شيخٌ وعى غِيَرَ الزمانِ وعاشَها= لم يَثْنِهِ خَطْبٌ ولا إعصارُ
أنّى أُنَقّلُ لا أُحِسُّ غضاضةً= فَنَسيمُها نَفْحُ الهدى معطارُ
وأذانُها القُدسيُّ مِنْ روحي فمنْ= أبعادِهِ يتَحَدَّدُ المضمارُ
أنا كالمآذنِ شامخاً في أرضنا=وأنا بها العبّادُ والعمّارُ
أنا لن أرومَ مِنَ المصانِعَ صنعةً= فأنا السِلاحُ وصنعتي الأوزارُ
وأنا إذا اشتجرتْ وطار شعاعُها= ضاقتْ ببأسي السهلُ والأوعارُ
سوريّةٌ رَضَعَتْ لُبانَةَ أُمِّها= مَعْدٌ تَوَزّعَ حَيَّها ونِزارُ
عربيةُ الأنسابِ تأنفُ شيمةً= يسمو بها شرفٌ لها وفخارُ
تاريخُها كانَ انتصارُ ملاحمٍ=ذلّتْ فرنج بسيفها وتتارُ
صفراء أو نكباءُ لم تصرفْ لها= هِمماً ولا قعدتْ بها الأخطارُ
قعقاعُ فارِسُها وسعدُ أميرها= وكذاك خالد إن مضى وضرارُ
وعلى الطريقِ إذا تجدّدُ محنةٌ= هُرِعَتْ إليها الصيدُ والأبرارُ
اللهُ أبدعَها وأحكمَ هَدْيَها= يا للهداةِ الصيدِ كيفَ تُضَارُ
سنخوضُها حمراء مرسلةً لظى= يُصلى بها السّمارُ والخمّارُ
لن يشرِق الصبحُ المنيرُ وفي الحمى= وحشٌ يعيثُ وظالِمٌ غدّارُ
سندكُّ عَرْشَ الظالمينَ فَهَلْ ترى= أثراً لهم إن قيلَ يوماً ثاروا؟
فتصبري أختاه إن صباحنا= شعبٌ يثورُ وأمّةٌ تختارُ
أبداً سَتُرفَضُ كُلُّ أشكالِ الخنا= حتى الهوانَ. سَيُرْفَضُ الخوّارُ
ونعودُ لا حدٌ يُفَرِّقُ بيننا= ما طال طَوْلٌ أو نَأتْ أخطارُ
حُشْدٌ على كيدِ الزمانِ وبَطشِهِ= وإذا صفا يُمْنٌ بها ويَسَارُ