كانَ استيقاظاً مفاجِئاً على حلمٍ جميل، وعندما عدتُ إلى النومِ نامت تحت رأسي هذه القصيدة وجاء بعدها مؤتمر "القمّة" في بيروت ليجيء مقطعها قبل الأخير، (وإن من الأحلام ما يتوقَّعُ)، وقد نُشرت في جريدة الوحدوي الدمشقيّة العدد (31).
ماتَ فينا احترامُهـم فهمُ الموتى وإن لمْ يوارِهم قَبَّارُ
واضِعوهـم على الكراسيِّ أبقوْهم عليها لأنهم أصفارُ
حكمةُ اللهِ أن نراهم - كما نهوى - أذلاّءَ ما لهم أنصارُ
آن أنْ تدركوا إذا شئتمُ العزّ - بغيرِ الشعوبِ - لا لن تُجاروا
ما أخذتُمْ، وما وُعِدْتُمْ به - إلا من الشعبِ - كُلُّه مستعارُ
صدئتْ في العراءِ أسلحـةٌ فيها ذُللْنا.. وعاثَ فيها الفارُ
كم سلاحٍ طوى الترابُ وما زالَ سَخيًّا بما تجودُ البذارُ!
شاءكِ اللهُ أن تكوني لهُ أمَّاً رؤومـاً حليـبُهـا درَّارُ
كبّرِ الله ماتَ فينا الكبارُ=فاشرأبتْ تحمي حمانا الصغارُ
لم يَعُدْ للكبارِ يُنظمُ شعرٌ=لا، ولا يُرهبُ الصِّغارَ احتقارُ
واستراحتْ من النّفاقِ القوافي=واطمأنَّتْ من خوفِها الأعذارُ
لم تعُدْ تُقنِعُ الشعوبَ وعودٌ=لا، ولا يَخدَعُ الشعوبَ شعـارُ
أوَما أصبحَ الصغارُ كباراً=حينما أرهبَ الكبارَ نِفارُ؟
ما افتقدنا غيرَ المذلَّةِ لـمّـا=راحَ عنَّا إلى الجحيمِ الكبارُ
ذابَ ثلجٌ غطّى عليهم فها هم=نتَنٌ كلُّ كبرِهـم، وصَغَارُ
كبرهُم لم يكُن سوى كومِ تبنٍ=في فلاةٍ وأشعِلتْ فيه نارُ
من بصاقِ الأحلافِ يهمي عليهم=قرفًا أنتنوا، وملَّ العارُ
هكذا الحلمُ قد أتاني بشيراً=ومن الحُلمِ يعذُبُ استبشارُ
هم على الأهلِ بأسُهمْ جبّارُ=ولدى البأس كلُّهم خوّارُ
قد أراحوا الأعداءَ من قتْلِ قومي=فعلى قومِنا الحروبُ تُدارُ
جُسِّدتْ فيهمُ المذلّةُ حتى=نتشفّى.. وطالتِ الأعمارُ
انظروهم خلفَ المعاقلِ تأبى=أن ترى شؤمَ وجهِهم أنظارُ
أنتنوا... ضجّتْ الكراسيُّ منهم=وانتقاماً منهمُ فلا تنهارُ
ملؤوا الأرضَ بالسلاحِ وذلّوا=بسلاحٍ علا عليه الغبارُ
من دمانا أتى السلاحُ وفيه=حاربونا كي يستريحَ "التتارُ"
لو شَرَوْهُ بمالِهـم لصَمَتْنـا=وصمتنـا لولا علينا أغاروا
عُشْرُ معشارِ ما شَرَوْهُ سلاحاً=كانَ يكفي لينتهي الإفقارُ
عشرُ معشارِ ما أراقوا دماءً=كانَ يكفي لكي تعزَّ الدارُ
لم يُرقْ من دماءِ قومي الأعادي=بعضَ ما قد أراقَ منها "الكبارُ"
* * *=* * *
أيها الحاكمونَ يا من ظلمتُم=ليسَ بالظلمِ تَخلُدُ الآثارُ
أيها الحاكمونَ يشهدُ ربّي=ما لكمْ غيرُ شعبِكُم أسوارُ
كلُّ حصنٍ سوى الشعوبِ خِداعٌ=وسوى الشعبِ كاذبٌ غدَّارُ
خدعَتْكُـم عن الشعوبِ وعودٌ=وسباكُـم بريقُها الغرَّارُ
وحدَهُ الشَّعبُ بعد ربِّي نصيرٌ=ليسَ إلا لكُمْ به استمرارُ
فاتّقـوا غضبةَ الشُّعوبِ عليكُم=فهي سيفٌ أنّى رمى بتّارُ
وبكمْ أوْ بغيركمْ سوفَ يمضي=وعليكـم فيما سيأتي الخيارُ
واللباسُ المعارُ ليس بباقٍ=بعدَه البردُ، والأذى، والسُّعارُ
فالبسوا حبَّ شعبِكم تطمئنوا=فلكمْ فيه عزّةٌ، وفخارُ
واعدلوا تسلموا، وتبقوْا طويلاً=عُمْرُكُـمْ إن عدلتمو أدهارُ
سوفَ يمضي الزَّمانُ فينا سريعًا=وسيبقى من بعدِنـا التذكـارُ
والجهادُ الجهادُ ليسَ سواه=ما به شاءَ نصرَنا القهّارُ
أينَ من ودَّعَ الحياةَ شهيداً=من عميلٍ به تباهى العارُ!
أينَ من نالَ في الجنانِ خلودًا=من ذليلٍ لذكـره استهتـارُ!
* * *=* * *
أيها الحاكمونَ هلاّ عَلِمْتُـمْ=أن أعمارَ ظالمِينا قصارُ!
أيها الحاكمونَ هلاّ عَلِمْتُـمْ=ليس من فجأةِ المماتِ فرارُ!
حينما يصدأُ السلاحُ المغطّى=بدمِ الأهلِ تُحجبُ الأمطارُ
حينما يصدأُ السلاحُ المنحّى=عن لقاءِ الأعداءِ تُسبى الدِّيـارُ
حينما يُصبحُ العدوُّ وليّاً=سوفَ يمحو حقوقَنا الإنكارُ
حينما ينهكُ الطبيبَ احتضارٌ=سوف ينسابُ جرحُنا النغّارُ
حينما تُنبِتُ الحقولُ جراداً=ليس يُرجى من الحقولِ ثمارُ
حينما تُصبحُ الشّعوبُ رماداً=ما عليه إن ذرَّه الإعصارُ!
حينما يبطِشُ الطُّغاةُ بشعبٍ=قيَّدوه... ستعملُ الأظفارُ
حين تُلغي الجهادَ فتوى شيوخٍ=سوفَ يُفتي لأمَّتي الكفّارُ
* * *=* * *
أيها الناعمونَ والقدسُ تُسبى=وعلى الشعبِ جيشُكم كرّارُ
اُخرُجوا بالسِّلاحِ أوْ فاتركـوه=لصغارٍ قد طالَ منها انتظارُ
ما علينا إذا الطغاةُ تعامَوْا=وأُضِلَّوا عن فهمنا، واحتاروا؟
نحن باقونَ والغزاةُ خيالٌ=لم يكنْ قطُّ للخيالِ قرارُ
يتعبُ الزّندُ والسلاحُ ويبقى=للبساتينِ زهرُها المعطارُ
إنه الحقُّ بذرةٌ ليس تفنى=وسيفنى الصاروخُ والرَّادارُ
بذرةٌ تملأُ الحقولَ اخضـراراً=ليسَ يقوى على شذاهـا الدَّمـارُ
نحنُ ما غيرنا اخضرارُ الروابي=ولنا وحدَنا ستبقى الثمارُ
حينما يصدأُ السلاحُ المغطى=بدمِ الأهلِ تنهضُ الأحجارُ
فإذا بالحصى تصيرُ قضاءً=ومحالٌ أن تهزمَ الأقدارُ
* * *=* * *
شامُ يا شامُ يا امتدادَ جهادٍ=حبُّهُ في قلوبنا موَّارُ
كلَّما زادتْ الخطوبُ اشتداداً=زادَ منَّا لدحرِهـا الإصرارُ
لم تعودي من الفتوحاتِ إلاَّ=وعلا رأسَكِ الشَّموخَ الغارُ
حسبُكِ الدَّهرَ عزَّةً وفخارًا=أنّما أنتِ للجهادِ منارُ
شهدَ الكونُ والزّمانُ شهودٌ=أنّما بعضُ حقِّكِ الإكبارُ
* * *=* * *
حلمٌ زارني بليلٍ بهيجٍ=زاعمًا راحَ للجحيمِ الكبارُ
واستعادتْ شعوبُنا ما أضاعتـْ=ـهُ، وسادتْ في أمتي الأحرارُ
فتعجَّبتُ واستدرتُ أُداريـ=ـهِ، وأُهذي كم زائري ثرثارُ!
وتحوْقلتُ موقنًا أنَّ أمرًا=شاءَهُ اللهُ كلُّهُ أسرارُ
وانتهى الحلمُ بعد أخذٍ وردٍّ=وتفاءَلتُ علَّهُ إخبارُ
وتقلَّبْتُ ثمَّ زِدتُ شخيرًا=آيسًا منه، إنَّه غرَّارُ
وتكلَّمتُ في منامي، وصوتي=رهبةً خِلتُ أنَّّهُ مستعارُ
هاتفًا دونَ أن أبوحَ بحرفٍ=ولَكَمْ ضجَّ هاتِفًا إضمارُ!
أيها الحلمُ زرتني فلكَ الشكــــ=ـرُ، فدعني فما لليلي نهارُ
لا تعدْ أيُّها الحبيبُ لرأسي=فإذا زرتَهُ فسوفَ يُزارُ