القراءات وكبار القرَّاء في دمشق
القراءات وكبار القرَّاء في دمشق
من القرن الأول الهجري حتى العصر الحاضر
أيمن بن أحمد ذو الغنى
عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمي
بيانات الكتاب
العنوان: (القراءات وكبار القرَّاء في دمشق من القرن الأول الهجري حتى العصر الحاضر) المؤلِّف: د. محمد مطيع الحافظ.
الناشر: دار الفكر بدمشق.
تاريخ النشر: ط1/ 2003م.
عدد الصفَحات: 384 صفحة.
شهادة في المؤلِّف
في مقدِّمته للكتاب تحدَّث شيخ قرَّاء الشام محمد كريِّم راجح عن حفظ الله تعالى لكتابه من التغيير والتحريف، وهو ليس حفظًا لحروفه فحسبُ ولكن لأحرفه السبعة أيضًا بلهجاتها المختلفة، مبيِّنًا عنايةَ علماء الأمَّة سلفًا وخلفًا بالقرآن العظيم حفظًا وعملاً وتعليمًا.
وأكَّد الشيخ ضرورةَ تلقِّي القرآن من أفواه المقرئين المتقنين الثقات؛ قال: (لا يجوز أن يؤخذَ القرآنُ من الكتب مهما كان آخذُه ذكيًّا وعالمًا، ولا يؤخذ إلا بالتلقِّي ومن أفواه القرَّاء).
وقرَّظ حفظه الله الكتابَ قائلاً: (هذا الكتاب فيه أمانةُ النقل، وفيه صدقُ القول، وفيه تقديرُ العلماء واحترامُ القرَّاء).
وأشاد بمؤلِّفه ذاكرًا أنه لا يُستغرَب منه العنايةُ بالقرآن (فقد نشأ في بيت علميٍّ، بل في بيت عريق بالقرآن وتلاوته، فهو ابنُ أخي الشيخ عبد الوهَّاب الحافظ ابن الشيخ عبد الرحيم الشهير بدبس وزيت، وكلاهما أخذا القرآنَ وتجويدَه عن آل الحلواني، الذين آلَ إليهم هذا العلم).
وشهد الشيخ للمؤلِّف بالعلم والتحقيق والتحرِّي فيما يكتب؛ قال: (أما مؤلِّف هذا الكتاب فهو من الأفذاذ الذين يعرفون للعلم حقَّه، ولا يتهاونون فيه ولا يتساهلون في أخذه من مَواثقه، وأهمُّ مَواثقه الأخذُ عن أفواه المشايخ والعلماء).
وكان نعى من قبلُ على فريقَين من الناس يتاجرون بالعلم ويتشبَّعون بما لم يُعطَوا؛ قال: (فكم من كتاب يُكتب عليه حقَّقه فلانٌ ولم يحقِّق، وكم ملقَّب بدكتور بالشريعة أو غيرها هذه الأيام ولم يحمل هذا اللقبَ عن جَدارة)!
ثم أبرزَ البَونَ البعيد بين هؤلاء المتسرِّعين المتعالمين طلاب الشُّهرة والتصدُّر وبين العلماء العاملين الصادقين الذين يبذلون للعلم حقَّه من جِدٍّ ودأب وإخلاص ثم لا يرَون لأنفسهم مكانةً ولا مزيَّة؛ قال: (كان الرجل يجلس على ركبتيه خمسين سنةً بين يدَي العلماء ثم يستحيي أن يقولَ أنا عالم... ولقد أدركنا مشايخَنا يقولون عن أنفسهم: العبدُ الفقير، ويقول أحدهم: أنا طالب علم صغير، وهو العالم الفذ).
لماذا هذا الكتاب؟
أما المؤلِّف فكشف في مقدِّمته للكتاب عن سبب وضعه له والبحث في موضوعاته، وذلك أنه أراد الإجابةَ عن قضيَّتين كانتا تشغلان باله زمنًا، واشتدَّت لديه الرغبةُ في الوقوف على الأسباب التي أدَّت إليهما، والفحص عن الحقائق العلميَّة الكامنة وراءهما.
هاتان القضيَّتان هما:
1- ما كان يسمعُه صغيرًا من العلماء وبخاصَّة من عمِّه الشيخ عبد الوهَّاب الحافظ (دبس وزيت): أن الشيخ أحمد الحلواني الدمشقي (ت 1307هـ) هو مجدِّدُ علم القراءات في الشام، وناشرُه في أرجائه، بعد أن خلَت دمشق من القرَّاء المشتغلين بالقراءات دهرًا طويلاً.
2- ما كان يسمعه أيضًا: أن الدمشقيين قرؤوا أولَ ما قرؤوا بقراءة عبد الله بن عامر، ثم انتقلوا في القرن السادس إلى قراءة أبي عمرو بن العلاء، ثم نشر الأتراكُ بعد دخولهم دمشقَ في القرن العاشر قراءة حفص عن عاصم.
وبعد أن أبان المؤلِّف عن السبيل التي سلكها في الوصول إلى جواب علميٍّ شافٍ باعتماد أمَّات المصادر الموثوقة، ختم مقدِّمته ببيان ما امتاز به كتابُه فقال: (الجديد في بحث القراءات بدمشق أنه يعطي صورةً واضحة للمكانة العلميَّة في دمشقَ التي كانت تولي القراءات أهميَّةً غير عادية، الأمر الذي يدلُّ على تميُّز هذه المدينة بالروح العلميَّة المبدعة التي تأخذ وتعطي، هذا فضلاً عن تحسُّس نِقاط القوَّة والضعف على مدى أربعةَ عشرَ قرنًا، ومتابعة ذلك على شكل يكاد يكون خطًّا بيانيًّا معبِّرًا، ويدلُّ على الأسلوب المتَّبع في التلقِّي والعطاء لهذا العلم).
فصول الكتاب
كسر المؤلِّف كتابه على أربعة فصول:
الفصل الأول: عن القرآن الكريم، نزوله، وتدوينه، وترتيب سوره وآياته، وجمعه، والمصاحف حتى عهد سيِّدنا عثمان بن عفَّان، والمصحف الشامي (في 24 صفحة).
الفصل الثاني: عن انتشار القراءات، ومعنى القراءات، والأسس التي قامت عليها، وتواترها، والقرَّاء الأربعةَ عشرَ ورواتهم (في 54 صفحة).
الفصل الثالث: مشاهير القرَّاء بدمشق، وقراءاتُهم، من القرن الأول حتى القرن الثالثَ عشرَ الهجريِّ، مع بيان أساليبهم ومميِّزات الإقراء في كلِّ قرن (في 124 صفحة).
الفصل الرابع: مشاهير القرَّاء بدمشق وقراءاتُهم في القرن الرابعَ عشرَ الهجريِّ (في 40 صفحة).
وألحق بالكتاب ثلاثة أبحُث:
1- دُور القرآن الكريم في دمشق.
ذكر فيه 23 دارًا لتعليم القرآن، منها ما كان موقوفًا على القرَّاء فحسب، مبيِّنًا ما انتهى إليه علمُه من تاريخ إنشاء الدار واسم بانيها أو واقفها والقراءة المعتمَدة فيها.
2- مصطلحاتٌ متصلة بالقراءات والإقراء والقرَّاء.
وهي مصطلحاتٌ لا مَندوحةَ عنها لطالب العلم؛ من مثل: الإفراد والجمع، والأصول والفَرْش، والرواية والطريق.
- النتائج العامَّة.
وهي تُجمِل أهمَّ ما انتهى إليه الكتاب من نتائجَ علميَّة مبنيَّة على معلومات مُستقاة من مصادرَ موثوقة.
3- دراسة في مؤلَّفات ابن الجزَري ومصادر ترجمته.
(هذه الأبحُث في 104 صفحة).
وخُتم الكتاب بمَسرَد للمصادر والمراجع المعتمَدَة
وبفِهرس بأسماء القرَّاء كافَّةً المذكورين في الكتاب
(في 22 صفحة).
ودونكم فوائدَ يسيرة تخيَّرتها من الكتاب؛ هي كالقطرة تدلُّ على اليَنبوع ولا تُغني غَناءه:
• أهل دمشقَ أول ما قرؤوا بقراءة ابن عامر الدمشقي... إلى القرن السادس الهجريِّ.
ثم في القرن السادس انتقلوا إلى قراءة أبي عمرو بن العلاء... إلى القرن العاشر الهجريِّ.
ثم في القرن العاشر انتقلوا إلى قراءة حَفص عن عاصم... إلى الآن.
• الإمام ابن الجزَري الدمشقيُّ: مجدِّد علم القراءات في القرن التاسع الهجريِّ في العالم الإسلاميِّ قاطبة.
• القراءة من (طيِّبة النشر) لم تكن معروفةً بدمشقَ زمنًا طويلاً.
• مجدِّد علم القراءات بدمشقَ في القرن الرابعَ عشرَ الهجريِّ: الشيخ أحمد بن محمد علي بن محمد الحلواني الرفاعي المشهور بـ(أحمد الحلواني الكبير)، وانتهت إليه وإلى ذرِّيته مشيخةُ القرَّاء في الشام زمنًا.
• شيوخ القرَّاء في الشام:
1- أحمد الحلواني الكبير (1228- 1307هـ).
2- ابنه محمد سليم بن أحمد الحلواني (1285- 1363).
3- ابنه أحمد بن محمد سليم الحلواني (1321- 1384هـ).
4- أخوه محمد سعيد بن محمد سليم الحلواني (1330- 1389هـ).
5- الشيخ حسين بن رضا خطَّاب (1337- 1408هـ).
6- الشيخ محمد كريِّم بن سعيد راجح (ولد 1346هـ) وما يزال شيخًا للقرَّاء يحفظه الله.
• الشيخ عبد الله المنجِّد (1288- 1359هـ): شيخ قرَّاء العشر الكبرى بمضمَّن الطيِّبة والنشر بدمشق. وهو والد الدكتور البحَّاثة المحقِّق صلاح الدِّين المنجِّد مدير معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية قديمًا رحمه الله.
- لم تشهد دمشق في العصر الحديث جِنازةً أعظم من جِنازة شيخ القرَّاء حسين خطَّاب إلا جِنازة الشيخ بدر الدِّين الحسَني رحمهما الله.
[وذكر الأخ الشيخ د. أحمد بن فؤاد شُمَيس أن التاريخ يشهد أن دمشق لم تعرف جِنازةً أعظم من جِنازة الشيخ عبد الكريم الرفاعي رحمه الله]
- مُقرئ حيِّ المَيدان الشيخ المعمَّر سليم اللبَني (1300- 1400هـ).
ملاحظتان:
• اقتصر المؤلِّف في الكتاب على الترجمة للأموات، فلم يترجم لمشاهير القرَّاء المعاصرين الأحياء وقت إخراج الكتاب مثل: بكري الطرابيشي، محمد سكَّر، عبد الرزَّاق الحلبي، أبو الحسن محيي الدِّين الكُردي، سليم الحمَّامي...
• يتميَّز القرَّاء الدمشقيُّون بالورَع والزهد، والاحتساب في الإقراء؛ على قلَّة ذات يد أكثرهم، خلافًا لقرَّاء بعض الدول الذين يبالغون في اشتراط مبالغَ كبيرة للإقراء، جاعلين لكلِّ قراءة مفردة سعرًا، وللقراءة بالجمع سعرًا !
هفَوات يَسيرة
ليس من غرضي تتبُّع ما ندَّ عن قلم شيخنا المؤلِّف - حفظه الله - من أخطاء الطبع مما يسهُل على القارئ تبيُّن وجه الصواب فيه، ولا يكاد يخلو منه كتابٌ أو عمل بشري!
ولكنِّي أرى من الحسن التنبيه على أمور هيِّنة لا تقلِّل من قيمة الجهد المبذول في الكتاب:
- استفرغ المؤلِّف جُهدَه في تتبُّع تراجم القرَّاء الدمشقيين عبر العصور، فليته لم يقتصر على الترجمة للأموات من قرَّاء القرن الرابعَ عشرَ، إذن لكان كتابه مرجعًا موسوعيًّا لمعرفة قرَّاء دمشق كافَّة إلى عصرنا الحاضر.
- فات المؤلِّفَ ذكرُ بعض القرَّاء كشيخ القرَّاء في دومة فارس سُرَيول رحمه الله (ت 1413هـ) وقد قرأ ختمةً على شيخ القرَّاء محمد سليم الحلواني وأجازه بقراءة حفص عن عاصم. وكالشيخ عبد الرحمن الحسني الجزائري (ت 1424هـ) وقد قرأ ختمةً على شيخ القرَّاء أحمد الحلواني وعلى الشيخ محمود فايز الديرعطاني.
- اقتصر المؤلِّف في ص234 و235 على إثبات تواريخ وَفَيات آخر من ذكرَ من قرَّاء القرن الرابعَ عشرَ، دون ذكر تواريخ ولادة كلٍّ منهم على أهميَّتها في تراجمهم.
- أورد المؤلِّف في مواضعَ من كتابه أبياتًا من منظومات شعرية مُغفَلَة الضبط؛ وكان الأولى ضبطُها لإقامة الوزن وجَلاء المعنى!
- في تقديم شيخ قرَّاء الشام محمد كريِّم راجح ص12 ضُبط الفعل (خبرنا) في قوله: (ومن أواخر من خبِرنا عنهم ذلك) بكسر الباء، والصواب فتحها (خبَرنا) من باب نَصَر.
- في هامش ص19: ضُبطت كلمة (هُدًى) في قوله تعالى: {هُدًى للناس وبيِّنات من الهدى والفرقان}: (هُدَىً) بإثبات فتحة على الدال وتنوين نصب على الألف، وهو خطأ محض!
- في ص46: (وأنشد تاج الدين السبكي في ذلك من قصيدته: هداية المهرة في تتمة العشرة)، وفي العبارة سقط فيما يبدو أوقع في لبس؛ إذ ظاهر النصِّ أن صاحب القصيدة هو السُّبكي؛ وليس كذلك، والصواب أنها لابن الجَزَري، وقد أنشدها تاجَ الدين السُّبكيَّ يومًا كما ذكر في كتابه (منجد المقرئين). ولم يتقدَّم ذكرٌ لابن الجَزَري في النصِّ فلم يحتمل ظاهرُه سوى أن يكونَ السُّبكيُّ هو صاحبَ القصيدة، وليس بذاك!
- في ص46: ورد البيت الأخير من قصيدة (هداية المَهَرَة في تتمَّة العَشَرَة):
(وذا الحق وهو الحق بلا مرا = فنتلو بها في الفرض مع غيره كلا)
وهو مختلُّ الوزن مضطرب المعنى، والصواب كما في (منجد المقرئين):
(وذا الحقُّ وهو الاعتِقادُ بلا مِرا)
- في ص50: (وكان سنه لما توفي) والصواب: (وكانت سنه لما توفي) لأن السنَّ أنثى.
- في ص227: (من آثاره: نزهة النظر في القراءات الأربع عشرة) والصواب: (من آثاره: نزهة النظَرْ في القراءات الأربعَ عشَرْ) والسَّجْع مقصودٌ في العنوان في لفظتَي (النظر) و(عشر)، وهو صحيح لغة، لتقدُّم المعدود، في مذهب بعض أهل العربيَّة.
- في ص231: (ولما توفي أخوه أحمد سنة 1384هـ، وأسندت مشيخة القراء إليه بإجماع القراء) والصواب: (أسندت مشيخة القراء إليه) بحذف الواو قبل (أسندت) إذ إقحامُها أفسد المعنى!
- في ص232: (وقرأ عليه... ختمةً كاملة من طريق ورش من طريق الأصبهاني من طريق الطيبة) والأولى أن تكون: (وقرأ عليه... ختمةً كاملة برواية ورش من طريق الأصبهاني بمضمَّن الطيِّبة).
- سقط من الفِهرس ص378:
العرقسوسي = عز الدين بن أحمد
عز الدين بن أحمد العرقسوسي (ت 1378هـ) 228 .
وبعد، فهذه لُمَعٌ من الفوائد أحببت أن أُشركَ فيها إخواني القرَّاء بعد فراغي من قراءة هذا الكتاب الممتع، وأرى أن خير ما أختم به مقالتي هذه كلمةُ شيخنا شيخ قرَّاء الشام محمد كريِّم راجح حفظه الله:
(ومهما تكلَّم المرء عن هذا الكتاب فإنه لا غنًى للقارئ عن قراءته ومطالعته؛ فإن فيه من النفائس العلميَّة القدرَ الكبير).
بارك الله في همَّة شيخنا المؤلِّف مؤرِّخ دمشق د. محمد مطيع الحافظ، ونفع بعلمه وعمله، وجزاه عن طلاب العلم خيرًا.
والحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات