هذا هو القائد الشهيد الشيخ عز الدين القسام 1
إمام مجاهدي فلسطين
ومقاوم أربعة محتلين
ورجل أحيا الله به الأمة
العَالِمُ الرَّبَّانِيُّ القَائِدُ المُجَاهِدُ الأزهَرِيُّ العَظِيمُ
مُجَاهِدُ الإيطاليين والفِرَنسِيِّينَ والإنجِلِيزِ واليَهُودِ
الثَّائِرُ الصُّوفِيُّ شَهِيدُ فِلِسْطِينَ مُوقِدُ ثَوْرَةِ 1936م
المُصْلِحُ المُجَدِّدُ الشَّيخُ عِزُّ الدِّينِ القَسَّامُ
والرَّجُلُ فِي أمَّة
فِي ذِكرَى استِشْهَادِهِ الثامِنَةِ والثَّمَانِينَ - رحِمَهُ اللهُ تَعَالَى
سيد أحمد بن محمد السيد
-1هَيَّا نُحَلِّقْ في سَمَا الإلهَامِ ونَزُرْ بـ "حَيفَا" مَرْقَدَ الضِّرْغَامِ
-2نَأتِي الضَّرِيحَ بِعَبْرَةٍ وسَكِينةٍ نقْرَا السَّلَامَ عَلَى الفَتَى القَسَّامِ
-3لِمُحَمَّدِ البَطَلِ العَظِيمِ ونَجْلِ عَبْـ
ـدِ القادِرِ ؛ المَنْسُوبِ لِلقَسَّامِ
*********
-4الثائِرِ المِغْوَارِ في سَاحِ الوَغَى و القائِدِ ، المُتَمَرِّسِ ، المِقْدَامِ
-5العالِمِ الرِّبِّيِّ ؛ أوقَدَ ثَورَةً هَيهَاتَ تَمحُوهَا يَدُ الأيَّامِ!
-6 و مُجَاهِدٌ لِلإحتِلالِ ، و جُندِه بِثَرَى فِلِسطِينٍ، وأرضِ الشَّامِ
-7ومُنَاضِلُ المُستَعمِرِينَ انجِلتِرَا و فِرَنسَةٍ ، و صَهَايِنِ الأقوَامِ
-8والعالِمُ الحَرَكِيُّ ؛ أحيَا أمَّةً بِجِهادِهِ ، و شَهَادَةٍ ، و مَقَامِ
-9 الشَّاذِلِي الصُّوفِيُّ صاحِبُ سُنَّةٍ مَعَ رَدِّ بِدْعاتٍ ، ورَفْضِ أثَام
*********
-10 هُوَ عَالِمٌ ، و مُفَكِّرٌ، و مُخَطِّطٌ هُو مُبْغِضٌ لِلظُّلمِ ، و الظُّلَّامِ
-11 هو عالم ، و مُعلمٌ ، و مُدرِّسٌ رَبَّى لِآلافٍ على الإسلامِ
-12وهو الخَطِيبُ مُفوَّهًا، ومُؤثِّرًا بِفِرَاسَةٍ ، و تَوَسُّمٍ لأنَامِ
-13الأزهَرِيُّ بِعِلمِهِ ، و دِرَاسَةٍ و سُلوكِه ؛ كالسادَةِ الأعلَامِ
-14 هُو قادِحٌ لِشَرَارِ ثَورَةِ أهلِنا بِحِمَى فِلسطِينٍ ، بِوَجهِ لِئَامِ
-15 حَيُّوا مَعِي اَلْألمَعِيَّ المُنتَقَى حيُّوا لِعِزِّ الدِّينِ ؛ ذا القَسَّامِ
*********
-16وُلِدَ الفَتَى في"جَبْلَةٍ" مِن سُورِيَا مِن لاذقيَّةِ سَاحِلٍ ، لِلشام
-17في أسرَةٍ مَعرُوفةٍ ، و كَرِيمَةٍ مِن خِيرَةٍ ، و مُبَجَّلِينَ كِرَامِ
-18 وعَلَى الهُدى فيهِم نَشَا مُتَرَعْرِعًا
و مُوَحِّدًا لِلبَارِئ ، العَلَّامِ
-19في بِيئَةٍ عَرَبِيَّة ، و تَقِيَّةٍ مَعْنِيَّة بِثَقَافَةِ الإسلام
-20 و بِها تَلقَّى في العُلومِ مَبادِئًا في الدِّينِ، مَعْ لُغَةٍ لِصَقْلِ كَلامِ
*********
-21وعَقِيبَ ما بلغ الفُتُوَّةَ والصِّبَا فأبُوهُ أرسَلَهُ ؛ لِنَيلِ مَرَامِ
-22لِلأزهَرِ المَعْمُورِ في مِصرِ العُلى
بِكِنَانةِ الأمْجَادِ ، و الأقرَامِ
-23لِلعَلِّ مِن جَمِّ العُلومِ بِرَحبِهِ عَن جِلَّةِ الأشيَاخِ ، و الأعلام
-24لِعُلوم شَرعٍ، مَعْ عُلومِ لِسَانِنَا الـ ـعَرَبِيِّ ، حَازَ بِهِمَّةٍ ، و دَوَامِ
-25وبُعَيدَ تَحصِيلِ العُلومِ مِنَ ازْهَرٍ و تَخَرُّجٍ فِيهِ ، أتَى لِلشَّامِ
-26 في سِلكِ تَعلِيمِ، ووَعْظٍ قد عَمِلْ
في رَبْعِه ، بِعِنَايَةٍ ، و تَسَامِ
*********
-27حتَّى أتَى الكابُوسُ مِن إفرَنسَةٍ فأناخَ كَلكَلهُ ، بأرضِ الشامِ
-28فإذا بِعِزِّ الدِّينِ يَنهَضُ ثائِرًا في وَجهِهِ كالصارمِ الصَّمْصَامِ
-29 في ثُلَّةِ الأخيارِ؛ مِن طُلَّابِه و كَذَا مُرِيدُوهُ ؛ أولُو الإقدَامِ
-30أمْسَى يُطارَدُ مِن جُنُودِ فِرَنسَةٍ فأتَى دِمَشقَ، وفَيصَلٌ في الشامِ
-31ثُمَّ انتَأَى عَنهَا ؛ لِمُحتَلٍّ عَثَا واحتَلَّهَا ، بِالبَطْشِ ، و الإجرَام
-32وبَدَا يُنَكِّلُ بِالأُبَاةِ ، ومُصْدِرًا حُكمًا بِإعْدامٍ ، على القَسَّام
*********
-33فَلِذَا مَضَى لِرُبُوعِ حَيفَا قاصِدًا و بِها استَقَرَّ ؛ بِعِزَّةٍ ، و مَقَامِ
-34وغَدَا الإمامَ بـ"جامِعِ استِقلالِها" وخَطِيبَهُ المَرمُوقَ في الأقوامِ
-35"جَمعِيَّةُ الشُّبَّانِ" مِن أهلِ الهُدَى
صَارَ الرَّئِيسَ لَها بِحُسْنِ نِظامِ
-36 أضحَى بِدَعوَتِه يُرَبِّي أنفُسًا - ويَصُوغُها- بِمَبَادِئ الإسلامِ
-37 رَبَّى بَنِي حَيفَا على المُثُل العُلَى و الصِّدقِ ، و التَّوحِيدِ لِلعَلَّامِ
-38وعلى التقى وكرامة مَعَ عِزَّةٍ و شَجَاعَةٍ ، و مَحَبَّة ، و وِئَامِ
-39وخُضُوعِهِمْ لِلَّهِ ، دُونَ عَبِيدِه لا سِيَّما فُجَّارِهِمْ ، و لِئَامِ
-40وعلى جِهَادِ الظالِمِينَ وظُلمِهِم بِالفِعل ، أو بِالقَولِ ، و الأقلامِ
*********
-41 واختَارَ مِن خَيرِ الرِّجَالِ أشَاوِسًا كانوا النَّوَاةَ لِثَورةِ القسَّامِ
-42 كانوا الأسَاسَ لِثَورَةٍ قُدسِيَّةٍ ضِدَّ احتِلَالٍ ؛ غَاشِمٍ هَضَّامِ
-43 ضِدَّ احتِلالِ الإنجِليزِ الأشقِيَا ضِدَّ الصَّهَايِنِ ؛ قادَةِ الإجرامِ
-44 و كذلِكَ العُمَلَاءُ ؛ مِن أذنابِهم مِن خائِنِي الأوطانِ ، والإسلامِ
-45 كانُوا النَّوَاةَ لِثَورَةٍ وَهَّاجَةٍ يَصلَى الغُزاةُ بِنارِهَا و ضِرامِ
-46 لِقُرَى فِلسطِينٍ - تَعُمُّ - بِأسرِهَا حَتَّى تَحَرَّرَ مِن عَنَا الظُّلَّامِ
-47ربَّى الرِّجَالَ أعَدَّهُمْ ؛ بِعِنَايةٍ و رِعَايَةٍ ، و بِخُطَّةٍ ، و نِظَامِ
-48 حَلَقَاتِ عِلمٍ - أسَّها - مُتعهِّدًا حُضَّارَها بِالعِلمِ ، و الإفهامِ
-49و مُدَرِّبًا لَهُمو - كَذاكَ- مُقَسِّمًا وَحَدَاتِهم ، لِعَسَاكرٍ ، بِمَهَام
-50و دِعَايَةٍ بِمَسَاجِدٍ ، و لِثَورَةٍ قد خَصَّها العُلَماءَ ؛ للإعْلامِ
-51بِخَطابَة ، ودُرُوسِهِم ، ومَحَافِلٍ جَعَلُوا القَضِيَّة ضِمْنَ رَأيٍ عَامِ
-52فَوَعَى الفِلِسطِنْيُونَ أمْرَ مَكَايِدٍ لِصَهايِنٍ ، و لِإنجِلِيزَ ؛ لِئَامِ
-53 و عَقِيبَ هذا كافَحُوا مُحتَلَّهُم و صَهايِنًا ؛ بِقِتَالِهم لِأمَام
-54بِمَعَارِكٍ قد خاضَهَا القَسَّامُ مَعْ إخوانِهِ ، في السِّرِّ، و الإظلامِ
*********
-55وقُبَيلَ أسبُوعٍ مِنِ استِشهادِ عِزْ زِ الدِّينِ أمَّ جِنِينَ ، ضِمْنَ فِئَامِ
-56ذَهَبُوا لِيَدعُوا أهلَها لِيُشَارِكُوا في ثَورَةٍ ، قد آذنَتْ بِضِرَامِ
-57لِيُبَاغِتُوا لِعَدُوِّهِمْ ؛ بِقِتالِهم يُصلُونَهُم - مِن نَارِهِم- بِسِهَام
-58وعَقِيبَهَا يَأوُونَ بَعضَ مَغَاوِرٍ أو فِي الكُهُوفِ ، وسابِغِ الآجَامِ
-59فَمَضَوا إلى بَعضِ القُرَى فِيها كَـ "كَفْـ
ـرِ الدَّانِ" و "البَارِدْ"؛ لِعَينِ مَرَامِ
-60و بِقَريَةِ "البَارِدْ" هُنَاكَ تَقاتَلُوا و استُشهِدَ الحَلْحُولِ ؛ ذُو الإقدامِ
-61ونِهَايَةَ الأسبُوعِ كانَتْ مَعْرَكَةْ لِلعِزِّ مَعْ أصحَابِهِ الأقرَامِ
-62بـ "حِرَاجِ يَعبَدَ" مِن جِنِينٍ خاضَها
بِبَسَالَةٍ ، و جَسَارَةٍ ، و كِلَامِ
-63في تِسْعَةٍ مِن صَحْبِهِ قَدْ واجَهُوا
لِمِئَاتِ أشخَاصٍ مِنَ الأخصامِ
-64قد طَوَّقُوا لِلشَّيخِ مَعْ إخوانِه وجَرَى قِتَالٌ - بَينَهُم - بِضِرَامِ
-65دامَ القِتالُ مِنَ الصَّبَاحِ لِعَصْرِهِ و استُشهِدَ القَسَّامُ ذُو الإقدامِ
-66 وصِحَابُه فاستُشهِدوا أو جُرِّحُوا والبَعضُ قد أسِرُوا لَدَى الأعْجَامِ
*********
-67يَا سَيِّدِي القَسَّامَ ! أبْشِرْ بِالَّذِي قدَّمْتَ ؛ مِن زَرْعٍ نَضِيرٍ نَامِ
-68فَثِمَارُ أغرَاسٍ لَكُمْ قد أينَعَتْ بِرُبَى فِلسطِينٍ ، و رَبْعِ الشامِ
-69في صَحْوَةٍ عُلْوِيَّةٍ قُدسِيَّةٍ بَينَ الشُّعُوبِ ؛ تَفِيءُ للإسلام
-70 في فِتيَةٍ نَشَؤُوا على حُبِّ الهُدَى و على الجِهَادِ، و طاعَةِ العَلَّامِ
-71 "يَاسِينُ" نَشَّأهُمْ على مِنهَاجِكُم جَعَلُوا الصَّهَايِنَ عِبْرَةَ الأقوامِ؟!
-72فَجَنَى"حَمَاسٍ" جاءَ مِن بَرَكَاتِكُم مِن خَيرِ ثَورَتِكُم، وصِدقِ مَرَامِ
*********
-73رَحَمَاتِكَ اللهُمَّ ! أغدِقْهَا عَلَى جَدَثٍ بِرَبْعِ "الشَّيخِ"؛ لِلقَسَّامِ
-74و بِجَنَّةِ الفِردَوسِ أكرِمْهُ غَدًا مَعَ الَانبِيَاءِ ، و أولِيَا الإسلامِ
-75و رِفَاقُهُ ، و تَلامِذٌ ، و أحِبَّةٌ بِجِنَانِ عَدنٍ ؛ فاحْبُهُمْ بِسَلَامِ
*********
مِن ديوانَيَّ: "في رِحَاب العُظماء"، و "بَنَات تُركِيَّة".
الفصل الأول
شرح قصيدتي في الشيخ القسام المُسَمَّى:
"فَتح المَلِك العَلَّام بِشَرح قصيدة الشيخ القسَّام"
(1) هَيَّا: اسم فِعل أمر بمعنى أسرِعْ. *"المنهاج في القواعد والإعراب" لمحمد الأنطاكي 241، و"معجم النفائس الكبير" 2160.
*نُحَلِّق: نَطيرُ، وهو مجزوم بالطلب. *سما: سماء. *الإلهام: إيقاع شيء في القلب يطمئن له الصدر، يخص الله به بعض أصفيائه، و: ما يُلقَى في القلب مِن معانٍ وأفكار. وهذا الثاني هو المقصود. *المعجم الوسيط 842.
*نزر: مجزوم بالطلب؛ لأنه معطوف على نحلق المجزوم بالطلب، وأصلها: نزور، مضارع زار؛ أي: نحن نزور. *حيفا: مدينة فلسطينية معروفة، استوطنها الشيخ عز الدين القسام بعد هجرته إليها من سورية، بعدما لا حقته السلطات الفرنسية بعدما جاهدهم وثار عليهم؛ فطاردوه ثم حكموا عليه بالإعدام غيابيا، فهاجر من جبل صهيون باللاذقية إلى دمشق، ومنها إلى حيفا. *مرقد: ضريح، قبر. *الضرغام: من أسماء الأسد.
(2) الضريح: القبر. *العَبْرة: بفتح العين الدمعة. *سكينة: طُمَأنِينَة. *نقرا: نقرأ، نُسَلِّم. *الفتى: السيد الكريم. *القسام: الشيخ محمد عز الدين القسام؛ العالم المُرَبِّي المجاهد سوري الأصل، المعروف، وستأتي ترجمته والتعريف به مُطَوَّلًا، بُعيد شرح القصيدة بعون الله تعالى.
(3) لمحمد: اسمه محمد عز الدين. *البطل: الشجاع في الحرب. *العظيم: الكبير. *نجل: ابن. عبد القادر: اسم والده، وسيأتي التعريف به إن شاء الله. *المنسوب للقسام: المتصل نسبه بأسرة القسام.
(4) الثائر: من قام بثورة على المحتلين الفرنسيين بسورية، وعلى المحتلين الإنجليز واليهود في فلسطين. *المغوار: الشجاع الذي لا يخاف. *ساح: ج ساحة، ميدان. الوغى: الحَرب. *القائد: قائد الجيش، رئيسه.
المُتَمَرِّس: الماهر، المُحَنَّك، المُجَرِّب. *المقدام: الذي يكُرُّ على أعدائه، أي: يهجم عليهم، ولا يخافهم.
(5) العالم الربي: المنسوب للرب؛ الرباني. *أوقد ثورة: أشعلها، وهي ثورة الجهاد ضد الغزاة من الإنجليز والصهاينة المُغتصبين لفلسطين. *هيهات: اسم فعل ماض بمعنى: بَعُدَ. *تمحوها: تُزيلها. *يد الأيام: السنين والدهور؛ أي: أن ثورته التي أشعلها ضد الاحتلال دائمة، لن تَنطفِئ.
(6) مُجاهد: مُكافِح ومُنَاضِل. *للاحتلال: الفرنسي في الشام، والإنجليزي واليهودي في فلسطين الحبيبة السليبة. *جند: ج جُندِي.
(7) مناضل: مُجاهد. *المستعمرين: المحتلين المغتصبين. *صهاين الأقوام: الصهاينة من الناس.
(8) العالم الحركي: العالم المُنَظَّم الذي يعمل مع إخوانه في جماعة.
*أحيا أمة: بعثها بالجهاد والعمل، فقامت من الخمول والكسل، وبدعوة الناس إلى الله تعالى، وباستشهاده فكانت ثورة 1936م.
(9) الشاذلي الصوفي: فقد كان ذا طريقة شاذلية. *صاحب سنة: أي صوفي سني، على منهج السلف الصالح؛ بالأخذ بالسُّنَن، وترك البِدَع. *رد بدعات: رفضها وعدم قبولها، والبدعات ج بدعة كل ما أحدِث في الإسلام، وكان مُخالفًا لِسنة نبوية صحيحة. *الأثام: الإثم، وهو الذنب الذي يستحق العقوبة، وعقوبته. *الوسيط: ص 6.
(10) مفكر: صاحب فكر نَيِّر. *مخطط: أي يُخطط ويُرتب للأمور قبل القيام بها، ولا يرتجلها ارتِجالا. *مبغض: كاره. *للظلم والظلام: للظلم وأهله. وظلام: ج ظالم.
(11) هو معلم ومدرس: إذ كان يدرس في بعض المدارس بحيفا، كما كان يدرس الناس في مسجده "جامع الاستقلال"، ويعلم بعض العمال وغيرهم ممن لم يتعلموا؛ فكانوا يعلمهم القراءة والكتابة ليمحُوَ أمِّيَّتَهُم. *ربى لآلاف ...: أدَّب وهذب الآلاف من الناس على آداب الإسلام خلال 15 عاما.
(12) الخطيب المفوه: البليغ الفصيح المؤثر في الناس. *الفراسة: النظر والتثبُّت، والمهارة في تَعَرُّف بواطن الأمور، وفي الحديث الشريف: "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله". *الوسيط 681. *التوسم: التَّفَرُّس، يقال: تَوَسَّمَ فيه الخير. الوسيط 1032. *الأنام: الناس.
(13) الأزهري: الذي درس في الجامع الأزهر بمصر، وقد درس الشيخ عز الدين القسام في الأزهر 10 سنوات؛ ما بين: 1896- 1906م. *سلوكه: عمله. الأزهري بسلوكه: أي العالم الصادق بقوله وفعله. *كالسادة الأعلام: كعلماء الأزهر الكبار الصادقين الربانيين، لا كعلماء الدنيا الذين يُهينون علمهم ودينهم، ويبيعون دينهم بدنياهم.
(14) قادح: وارٍ مُشعِل. *الشرار: ما يتطاير من النار أثناء اشتعالها. *ثورة أهلنا: ثورة إخواننا بفلسطين على محتليهم الإنجليز واليهود. *حمى فلسطين: أرضها. *لئام: ج لئيم، البخيل، الخسيس، الحقير.
(15) حيوا معي: سلموا معي. *الألمعي: الذكي الفَطِن. *المنتقى: الطيب الطاهر. ذا القسام: هذا القسام.
(16) جَبَلة: منطقة ومدينة معروفة في محافظة "اللاذقية" بسورية، وأهلها من أهل السنة، وفيها قبر الرجل الصالح الزاهد إبراهيم بن أدهم. *الساحل: شاطئ البحر. *للشام: لأرض الشام المباركة.
(17) في أسرة معروفة: شهيرة. *كريمة: أصيلة. *من خيرة: أفاضل. *مبجلين: ج مبجل، كرام.
(18) على الهدى نشا: نشأ وترَبَّى على الإسلام. *مُتَرَعْرِعًا: نامِيًا وناشِئًا.
*موحدا للبارئ: ناشئا على توحيد الخالق. العلام: من أسماء الله تعالى، وتعني: كثير العلم وواسعه.
(19) في بيئة عربية: في محيط. *تقية: صالحة تخاف الله تعالى. *معنية: مُهتَمَّة. *بثقافة الإسلام: بمبادئه وتعاليمه وهَدْيِه.
(20) تلقى: أخذ واستفاد. *مبادئ العلوم: أساسياتها من القراءة والكتابة وتعلم القرآن الكريم، والحساب والخط والإملاء. *في الدين: في أسس الدين كأركان الإسلام والإيمان، وأمور الصلاة والعبادات ... . *مع لغة: مع تعلم أساسيات اللغة العربية. *لصقل كلام: ليتحسن كلامه وتعبيره.
(21) عقيب: بعدما. *الفتوة والصبا: أول الشباب. *أرسله: بعثه. *لنيل مرام: ليحصل على مقصوده وهو تعلم العلوم الإسلامية والعربية ليكون عالما عاملا مفيدا لبلده وأمته.
(22) للأزهر المعمور: للجامع الأزهر المعمور بطلاب العلم والعلماء. *مصر العلى: مصر الأمجاد. *كنانة الأمجاد: مصر الحبيبة، والكنانة: جعبة السهام، وسميت مصر أرض الكنانة؛ لقوة المسلمين بأهلها الصالحين، وعلمائها العاملين.
*الأقرام: ج قَرْم، السيد المُعَظَّم. *معجم متن اللغة" للشيخ أحمد رضا 4/547. قال الشاعر أبو فراس الحمداني:
ما غَضَّ مِنِّي حادِثٌ و القَرْمُ قَرْمٌ حَيثُ حَلَّا
(23) لِلعَلِّ: أي لِلشُّرب -من العلوم- مرَّة بعد أخرى. *جم العلوم: كثيرها. *برحبه: في ساحة الأزهر وكنفه. *جلة الأشياخ والأعلام: كبارهم.
(24) علوم الشرع: العلوم الإسلامية؛ من قرآن وتجويد، وتفسير، وعلوم قرآن، وفقه وأصول، وسيرة نبوية ... . *علوم اللسان: هي علوم اللغة العربية؛ من: نحو وصرف، وبلاغة وعروض، وأدب عربي ... . *حاز: نال وحصل. *بهمة مع نشاط وجِدٍّ واجتِهَاد. *دوام: استمرار وثَبَات.
(25) بُعيد: بعد قليل من تخرجه في الأزهر. *أتى للشام: رجع إليها.
(26) سلك التعليم: مهنته وحِرفته. *الوَعظ: الإرشاد. *في ربعه: في بلدته جبلة. *بعناية: باهتِمام. *تَسَامٍ: تَرَقٍّ في المعالي والعمل الصالح.
(27) الكابوس: هو الجاثوم، وهو ما يأتي للنائم ويجلس على صدره ويُضيق عليه حتى يكاد يختنق. وقصدت به هنا الاحتلال الفرنسي البغيض لسورية الحبيبة. *أناخ بالمكان: حَلَّ به ولَزِمَهُ، وأناخَ الجَمَلَ أبرَكَهُ. "الوسيط: 961. *الكلكل والكلكال: الصَّدر.
(28) فإذا بعز الدين ينهض ثائرًا: يقوم مُنتَفِضًا. *في وجهه: في وجه الاحتلال الفرنسي القَمِيءِ البَغِيض. *كالصارم: كالسيف. أي: قام في وجه الفرنسيين المُحتلين كالسيف في شدته ومضائه. *الصمصام: القاطع.
(29) ثلة الأخيار: جماعة الصالحين. *مريدوه: مُتَّبِعو طريقته الصوفية الشاذليَّة. *أولو الإقدام: أصحاب الشجاعة.
(30) أمسى يُطَارَد: صار يُلاحقه الفرنسيون لِيُمسِكُوا به. *فيصل: الأمير فيصل بن الحسين: الذي حكم سورية بضعة أشهر قبيل الاحتلال الفرنسي.
(31) انتأى: ابتَعَد. *المُحتلُّ: من يحتل بيتك وأرضَك رغمًا عنكَ. *عثا: طغا وظلم وأفسد. *بالبطش: مع العُنف والضرب بِقُوَّة. *الإجرام: الإفساد والتخريب والقتل ... .
(32) بدا: بدأ، سُهِّلت همزتها لضرورة الشِّعر. *يُنَكِّل: يُعَذِّب ويَقْمَع. *الأباة: ج أبِيٍّ، هو العزيز الذي لا يقبل الظُّلمَ والضَّيمَ. *مُصْدِرًا: مُخرِجًا. *حكما بإعدام ... : أصدر الاحتلال الفرنسي حكما غيابيا بالإعدام على الشيخ القسام، بعدما جاهدهم وقاتلهم وفرَّ منهم لكثرة أسلحتهم وقوَّاتهم.
(33) فلذا: فلِأجل هذا. مضى لربوع حيفا: ذهب لديار مدينة حيفا في فلسطين. *قاصدا: آمًّا. *استقَرَّ: أقامَ. *بعزة بمقام: مع أنفة واحترام في مكان إقامته بين إخوانه الفلسطينيين أهل حيفا.
(34) غدا الإمام ...: صار الشيخ عز الدين القسام يعمل في حيفا إماما وخطيبا في "جامع الاستقلال" منها. *المرموق: المنظور المشهور.
(35) "جمعية الشبان المسلمين": في حيفا صار الشيخ عز الدين رئيسها. *بحسن نظام: مع حسن ترتيب وتنظيم.
(36) أضحى بدعوته يربي: صار بدعوة الإسلام والجهاد يُهذب ويؤدب نفوس الناس في حيفا. *يصوغها: يُحولها ويجعلها تسير على وَفْق الإسلام.
(37) بنو حيفا: أهل المدينة. *المُثُل العلى: مبادئ دين الإسلام.
(38) التقى: تقوى الله تعالى وخَشيَتُه. *الكرامة: العِزَّة. *الوِئام: المَحَبَّة.
(39) خضوعهم لله: عُبُودِيَّتُهم له وذُلُّهم لِعَظَمَته. دون عبيده: أي الخضوع لله تعالى لا للناس عبيد الله؛ فالعبودية لله تعالى لا لغيره فيها قِمَّة الحُرِّيَّة. *لا سيما: خاصَّة. *فُجار: ج فاجِر: الكافر، الزاني، مُرتكب الكبائر.
(40) وعلى جهاد الظالمين ...: أي: وربَّى الشيخُ عِزُّ الدين الناس في حيفا على مُقاومة الظالمين ومُكافحتهم وظلمِهم وبَغيِهم بقوله وفعله وكتابته.
(41) أشاوس: ج أشوَس، هو البطل الشجاع. ونُوِّن لضرورة الشِّعر. *النواة: البِذرة والأساس. *لثورة القسام: سنة 1935م قُبيل استشهاده.
(42) الأساس لثورة قدسية: كانوا الأصل لثورة طاهرة مبنية على الإيمان والعمل الصالح والإخلاص. *احتلال غاشم: جائر طاغٍ باغٍ بَطَّاش لا يرحم. *هضام: ظالم، آكل للحقوق.
(43) الأشقيا: الأشقياء، ج شقي، تَعيس. *الصهاين: ج صِهْيَونِيّ؛ اليهود المحتلون الغاصبون لفلسطين العربية الإسلامية. *قادة: ج قائد.
(44) وكذلك: ومثل ذلك كانت ثورة القسام ضد الخَوَنَة عُملاء الإنجليز واليهود وأذنابهم من العرب والمسلمين؛ فقد جاهدهم القسام وجنوده؛ لأنهم يضرون المسلمين كالإنجليز واليهود، ورُبَّما أشد أحيانا؛ إذ يكونون عُيونًا للمحتلين وعونا لهم، وهم بيننا قد لا نعرفهم، ولا نشعُر بهم. *أذناب: ج ذَنَب، ذيل الحيوان الكائن عِندَ دُبُره، وهو مجاز عن تبعية هؤلاء الخَوَنة للمحتل، وحقارتهم وهَوَانهم. *خائنون: ج خائن، هو الغَدَّار الذي لا يفي بالعهود والوعود، ويكون مع أعداء المسلمين، وضِدَّ قومه وبلده ودينه.
(45) وهَّاجة: مُشتعِلة مُضيئة، منيرة. *يصلى: يحترِق. الغُزاة: ج غازٍ، المحتلون. *ضرام: اشتِعال.
(46) قرى فلسطين: ج قرية، مُدنها وضِياعها. *تعم: تشمل. *بأسرها: جميعها. *تَحَرَّر: تَتَحَرَّر، حُذفت التاء الأولى تخفيفا. *عنا: عناء، وهو التَّعَب. *الظلام: جمع تكسير لظالِم.
(47) أعَدَّهُم: جَهَّزَهُم. *بعناية: باهتمام شديد. *رعاية: حفظ ومُراقبة. *خطة ونظام: منهج وترتيب.
(48) حلقات علم: أقام دروسا علمية للطلاب والناس في مجالات شتى، في تعليم القرآن وتجويده، وفي علوم أخرى، وفي محو الأمية لبعض العُمَّال والفَلَّاحين والمُزارِعِين. *أسَّها: أسَّسَها وأنشأها. متعهدا: راعيا ومُشرفا ومُعلِّمًا. *حُضَّارها: الحاضرون من الطلاب المُشاركون فيها. *الإفهام: الإيضاح والتفهيم.
(49) مُدربا لهم: مُمَرِّنًا لهؤلاء الطلاب. *مُقَسِّمًا وَحَداتهم: مقسما مجموعاتهم إلى فِرَق. *لعساكر بمهام: أي لجنود متخصصين. *المهام: ج مُهِمّ، ما يدعو إلى اليقظة والتدبير. الوسيط 995.
(50) ودعاية بمساجد: جعل القسام بعض طلابه من العلماء لدعاية الناس وإعلامهم وتعريفهم بأهمية الجهاد والثورة ضد الإنجليز واليهود، من خلال عملهم في المساجد في خُطَبهم ودروسهم فيها.
(51) محافل: ج مَحفِل، مكان اجتماع الناس واحتشادهم. *القضية: قضية تحرير فلسطين، والثورة والجهاد من أجلها. ضمن رأي عام: أي: قضية عامة تهم كل عربي ومسلم في فلسطين وخارجها.
(52) وعى: أدركَ وأبصَرَ وعرَفَ. الفلسطنيون: الفلسطينيون: ج فلسطيني، حذفت اليوم الأولى لضرورة الشعر. *مكايد الصهاين: ج مكيدة، الخطة والمؤامرة التي يُعدها اليهود والإنجليز ضد العرب والمسلمين.
(53) كافحوا: قاوَمُوا وناضلوا وجاهَدُوا. محتلهم: مُغتصب أرضهم وسارقها، وهم الإنجليز واليهود الصهاينة. *بقتالهم لأمام: أي مُواجهة، ومن مسافة قريبة؛ لشجاعتهم وعدم خوفهم من عدوهم.
(54) المعارك: ج معركة، مقاتلة العدو في مكان وزمان ما. *خاضها: قام بها، وشارك فيها الشيخ عز الدين القسام مع طلابه وإخوانه. *في السر: خُفْيَةً. *الإظلام: في الليل البهيم. (55) استشهاد: وفاته شهيدًا. *أمَّ: قصد.
*ملاحظة مهمة: إنما قصد الشيخ القسام قضاءَ جنين لا غيرَه لأهميته الجغرافية، ومناسبته للثورة، ولكون أكثر أصحاب الشيخ منه؛ كما يقول الأستاذ محمد حسن شراب في كتابه "عز الدين القسام شيخ المجاهدين في فلسطين" ص: 280. *جِنِين: مدينة ومنطقة "قضاء"، ومحافظة فلسطينية معروفة، تقع شمال الضفة الغربية، تبعد عن القدس 75 كيلا، وعن حيفا 40 كِيلًا. وهي إحدى مُدن المثلث الفلسطيني، وتطل من الشرق على غور الأردن، ومن الشمال تطل على "سهل مرج ابن عامر"، وهي ثالث أكبر مدن الضفة الغربية بعد الخليل ونابلس.
كان يشتمل قضاء جنين على أكثر من 120 قرية. يحده من الشمال أقضية بيسان، والناصرة، وحيفا. ومن الشرق: قضاءا بيسان، ونابلس. ومن الجنوب: قضاءا نابلس، وطولكرم. ومن الغرب: قضاءا حيفا، وطولكرم.
تبلغ مساحة مدينة (583) كم2، وسكان المحافظة أكثر من 356000 نسمة، وجنين وحدها أكثر من 65 ألفَ نَسَمَة.
و"جنين" الحالية بنيت مكان مدينة "عين جنِّيم" العربية الكنعانية، وتعني: (عين الجنايِن"، وفي العهد الروماني كانت مكانها قرية "جيناي".
وأما اسمها في المصادر العربية القديمة فهو: "جِينين" بياءَين، وهي تُلفظ اليوم بياء واحدة فحسب.
وفي إحصاءات سنة 1931م: كانت نسبة المسلمين في جنين (98 بالمئة)، وكان عدد اليهود فيها أربعة أشخاص فقط.
*ينظر: 1- "عز الدين القسام شيخ المجاهدين في فلسطين". لمحمد حسن شراب 279. 2- موقع "موضوع". 3- "الشيخ عز الدين القسام قائد حركة وشهيد قضية" لحسني جرار 118. 4- "ويكيبيديا".
*ضمن: مِن بين آخَرين. *الفئام: الجماعة من الناس، وتُجمع على "فُؤُم". "المعجم الوسيط 671".
(56) ليدعوا أهلها: ليطلبوهم. *آذنت: اقتربت. *ضِرام: اشتِعال.
(57) يُباغِتُوا: يُفَاجِئوا. *عدُوّهم: أعداؤهم وخُصومهم. *يُصلُونهم: يَحرُقونهم. *سهام: ج سهم، عُود من الخشب يُسَوَّى، في طَرفه نصل يُرمى به عن القوس. *الوسيط 459. والمقصود: بقسم ونصيب منها.
(58) عقيبها: بعدها. *يأوون: يلجؤون. *مغاور: ج مغارة، وهي الحفرة في الكهف أو الجبل. *الكهوف: ج كهف، البيت المنقور في الجبل، هو كالغار إلا أنه واسع. الوسيط 803. *سابغ: تامّ. *الآجام: ج أجَمَة، وهي الشجر الكثير المُلتَفّ. الوسيط 7.
(59) كفر دان: قرية تابعة إداريا لمدينة جنين، تبعد عنها نحو 8 أكيال، وتقع شمال غربيها. ومعناها: "قرية القاضي"، أو: قرية الحاكم؛ لأن (كفر) تعني: القرية، و(دان) تعني: "القضاء والحُكم" "موسوعة القرى الفلسطينية".
كان يسكنها سنة 1945م نحو (850) شخصا، وفي سنة 1961م كانوا 1262 عربيا. *ينظر: 1- "عز الدين القسام شيخ المجاهدين". هامش ص: 285. 2- موقع: "موسوعة القرى الفلسطينية".
*البارد؛ الهاشمية: قرية تقع غرب جنين على بعد 9 أكيال، بلغ سكانها سنة 1961م 377 نسمة. وقد كره مُختار القرية اسمها؛ لأن الناس كانوا يقولون: ذهب وجاء (المُختار البارد) فطلب من الحكومة الأردنية -بعد النكبة- تغيير اسمها، فوافقت على ذلك فصار اسمها: "الهاشمية". *رَ: "عز الدين القسام شيخ المجاهدين" لمحمد شراب، هامش ص 286.
*ملاحظة مهمة: في كتاب "الإسلام وحركات التحرر العربية" ص: (209) لأستاذنا د. شوقي أبو خليل تَصَحَّفت كلمتان فيه فوردتا خَطَأً هكذا: "البارو"، و"الشيخ محمد الحلموني"، وصوابهما: قرية "البارد، و"الشيخ محمد الحلحولي". ينظر كتاب: "عز الدين القسام شيخ المجاهدين" لشراب: ص 286 هامشها، وص: 287، 292. *لعين مرام: لنفس القصد والهدف.
(60) تقاتلوا: أي اشتبك الفريقان مع بعضها: جيش الإنجليز، وجماعة القسَّام في قرية البارد. *استُشهِدَ: قُتِلَ في سبيل الله شَهِيدًا.
*الحَلْحُول: هو: الشيخ محمد الحلحُولي
*هو محمد أبو القاسم خلف الحلحولي، مجاهد من بلدة "حلحول" قضاء "الخليل"، أحد رفاق الشيخ القسام، وقد استُشهد وكان مع القسام.
*عمل في حيفا، وتعرَّف بالشيخ القسام وانتظم في حركته، وخرج معه إلى الجهاد، وقد استشهد وكان مع الشيخ القسام.
*استشهد الحلحولي في اشتباك مع شرطة الاحتلال الإنجليزي؛ التي كانت تتعقب القسام وجماعته في قرية البارد قرب قرية "كفر قود" من قضاء جنين، استشهد يوم الاثتين 18/11/1935م.
هذا، وقد استشهد الشيخ الحلحولي قبل استشهاد شيخه وقائده القسام بيومين، ونُقل جثمانه من أرض المعركة إلى مدينة جنين، وشُيِّع يوم الثلاثاء 19/11/؛ لأن شرطة الإنجليز فحصت جُثمانه في مكان استشهاده، فأخرت التشييع يوما كاملا؟! ودفن في "مقبرة الجبل الشرقي" بالمدينة.
وكان يوم تشييعه مشهودا؛ إذ سار فيه الجم الغفير من وُجَهاء وتُجَّار وشباب مدينة جنين وقضائها، وأظهر المُشَيِّعون تَعاطُفًا مع الشهيد الحلحولي مع أنه لم يكن معروفا حِينَها أن المُطارَدِين هم جماعة مُجاهِدة!
وإنما كان الشائع حسب البلاغات المزعومة للشرطة البريطانية أن القتيل من عصابة لصوص "أشقياء" تُهَدِّد الأمنَ الناس، كما أشاعوا عن الشيخ عز الدين وجماعته؟! فشيَّعه الناس بوصفه خارجا على قانون الانتداب الإنجليزي الجائر؟! وكان الناس ينظرون بعين التقدير لمن يتحدَّى قانون الانتداب بِقُوَّة السلاح، حتى ولو قيل: إنه لِصٌّ يسطو على مزارع اليهود، ومُعسكرات الانتداب، ولو كان ذلك بِدافع السرقة فقط؛ لأنه وَجَّه نفسَه سرقة أمتعة الأعداء فقط، ولم يَسطُ على أحَد من إخوانه العرب.
*يُروى أن من نقلوا جثمانه من أرض المعركة وجدوا البندقية في يد، والسُّبْحة في اليد الأخرى؟!
*ينظر: 1- "الشيخ عز الدين القسام قائد حركة وشهيد قضية" لحسني جرار: 189. 2- "عز الدين شيخ المجاهدين" لشرَّاب ص: 287، 292. *ذو الإقدام: البطل الجريء الجَسُور.
(61) نهاية الأسبوع: آخِرَهُ. *العِزُّ: هو الشيخ عز الدين القسام. *الأقرام: ج قرم، السيد المُعَظَّم. *معجم متن اللغة" للشيخ أحمد رضا 4/547.
(62) حِرَاج: ج حَرَجَة، غَيضة الشجَر المُلتَفَّة لا يَقدِر أحَدٌ أن ينفُذَ فيها. "المعجم الوسيط" 164.
*يَعْبَد: قرية تقع في الجهة الغربية من جنين، وتبعد عنها 18 كِيلًا، وتعني: (عبد) كما في الآرامية، وهي بمعنى تعهَّدَ الأرض بالزراعة، ثم مَجازًا تعني: (العِبادة، العَبْد، الخادم، الفَلَّاح، العامِل).
*وقد بلغ سكانها سنة 1935م زُهاء 4000 نسَمة، كلهم مُسلمون.
وتمتاز أراضي يعبد بكثرة أشجارها، وأحراجها؛ ففيها (7210) دونم زيتون، وأحراجها تبلغ نحوَ 92 ألفَ دُونَم، ولذلك اختارها القسام للجهاد والثورة على المحتلين الإنجليز. *"عز الدين القسام شيخ المجاهدين" لمحمد حسن شراب 279- 280، بتصرف.
*ببسالة وجسارة: بشجاعة. *كِلام: ج كَلْم، الجُرْح.
(63) في تِسعَةٍ مِن صَحْبِهِ: أصحاب الشيخ القسام التِّسعَة الذين كانوا معه يوم استشهاده -وبعضهم استُشهِد معه- هم:
1- حسن الباير. 2- عربي البدوي. 3- أحمد عبد الرحمن جابر.
4- محمد يوسف. 5- نمر السعدي. 6- عطية أحمد المصري.
7- أسعد المفلح. 8- يوسف عبد الله الزيباوي. 9- أحمد سعيد الحسان.
واجهوا: لاقوا مواجهة، قاتلوا. *لمئات أشخاص: كانت قوات الإنجليز الذين حاربهم القسام وجماعته في "معركة بعبد"، ما بين 200- 400 جندي، معهم كثير من العرب! *الأخصام: ج خَصْم، الإنجليز.
(64) طوَّقُوا الشيخ: أحاطُوا به من كل جانب. *جرى قتال: حَدَث. *بضرام: بِشِدَّة وشراسة وضراوة.
(65) دام القتال: استَمَرَّ. *لعصره: إلى قُبيل عصر ذلِكَ اليوم.
(66) أصحاب القسام الذين استشهدوا معه ثلاثة، هم:
أ- يوسف الزيباوي: من "الزيب" قضاء "عكا".
ب- عطية أحمد المصري: وهو مصري، جاء عامِلًا إلى حيفا.
ج- أحمد سعيد الحسان: من "نزلة زيد".
*والذين جُرحوا معه اثنان، هما: أ- نمر السعدي: من غابة شفا عمرو.
ب- أسعد المفلح: من "أم الفحم". *والذين أسروا أربعة، هم:
1- حسن الباير: من "برقين"، وحُكم عليه بالسجن 14 عامًا.
2- أحمد عبد الرحمن جابر: من "عنبتا"، وحكم عليه 14 عاما أيضا.
3- عربي البدوي: من "قيلان"، وحكم كذلك بسجنه 14 عاما.
4- محمد يوسف: مِن "سبسطية".
*الأعجام: ج عجمي، كل من ليس عربيا، وقصدت بهم هنا الإنجليز.
(67) يا سيدي: يا رئيسي، وتاج رأسي. *أبشِر: لك البِشَارة، وهي الخَبَرُ السارُّ، وهو الشهادة في سبيل الله، وهي درجة عالية عند الله، لا يفضل صاحِبَها سِوى الأنبياء والمُرسَلين. *بما قدمتَ: من عمل صالح، ودعوة إلى الله تعالى، وجهاد في سبيله، تَوَّجْتَها بالشهادة في سبيل الله.
*من زرع: من عمل صالح زرعته في الدنيا لتحصُدَ أجرَهُ ثوابًا عظيما عن الله. *نضير: جميل، مُشرق، يانع. *نامٍ: زائد، ومستمر ثوابه، ومُضاعَف.
(68) ثمار: ج ثمَر، وهو ما ينتج من شجر الخضراوات والفواكه. *أغراس: ج غرس، وهو الشجر الصغير الذي يُغرس ليُثْمِر فواكِهَ. *أينعت: نضجت واستوت، وبدت ثمارها. بربى فلسطين: ج رابية، وهي المكان المرتفع. وربع الشام: ديار الشام. وقصدت بالربى والربع من الشام كل الأماكن فيها. وقصدت بالثمار: المجاز والكناية عن حركات المقاومة الإسلامية التي اتخذت الشيخ عز الدين واحتذته نموذجا للجهاد والمقاومة في سبيل الله، ومنهم: "حماس" حركة المقاومة الإسلامية التي أسَّسها العالم الرباني المجاهد الشهيد الشيخ أحمد ياسين رحمه الله، والباقية آثارها العظيمة إلى اليوم نكاية وتأثيرا في العدو الصهيوني، و"الجهاد الإسلامي"، و"سرايا القدس"، و"سرايا الأقصى".
(69) في صحوة علوية قدسية: ظهرت حماس وفصائل المقاومة الأخرى في ظل صحوة إسلامية طاهرة عامة في العالم الإسلامي، في القرن الخامس عشر الهجري، والربع الأخير من القرن العشرين الميلادي؛ بعودة الشعوب الإسلامية إلى دينها من جديد، واعتزازها بها، شُبَّانًا وشابَّاتٍ، ورجالا ونساء؛ فأصبحت المساجد تغص بالمصلين في الجمعة والجماعات، وأصبح جل النساء المسلمات يرتدين الزي الإسلامي "الحجاب"، وأصبح الإسلاميون يفوزون في أي انتخابات حُرَّة ونزيهة في مجالس الشعب "البرلمانات"، في مصر والأردن، والجزائر، وأفغانستان، وماليزيا، وأندونيسيا، وتركية، والخليج العربي، وباكستان ... .
وعَمَّ الكتاب الإسلامي، والشريط الإسلامي، والمحاضرات والندوات الإسلامية، وكثرت المعاهد الشرعية والإسلامية، وكليات الشريعة أنحاء العالم الإسلامي، للذكور والإناث، وانتشرت الأناشيد والأغاني الإسلامية.
كما انتشرت الدعوة الإسلامية فشملت أوربا وأمريكا، وغيرهما، ودخل مئات الآلاف من شعوبها في دين الإسلام. *تفيء: ترجِع.
(70) في فتية نشؤوا ...: في شباب وشابات تَرَبَّوا على دين الإسلام، وعلى جهاد أعداء الله المحاربين للإسلام وأهله، وعلى طاعة الله تعالى.
(71) من هؤلاء الرجال والشباب الذين نشؤوا على حب الإسلام وتربوا عليه "جماعة المقاومة الإسلامية؛ حماس" في فلسطين، والتي أنشأها - سنة 1403هـ - 1983م- العالم الرباني الشيخ الشهيد أحمد ياسين ت 2004م رحمه الله؛ الذي نَشَّأ هؤلاء الفِتيَة والفتيات والرجال على منهاج -طريق- الإسلام، ومنهاج الشيخ عز الدين القسام "الجهاد في سبيل الله".
*جعلوا الصهاين عبرة الأقوام: جماعة حماس وأخواتها، جعلوا اليهود من الصهاينة عِبرَةً لكل البشر؛ في جهادهم ومُقاتلتهم، ومكافحتهم ونضالهم بكل السبل والوسائل العسكرية، والسياسية، والعلمية، والتقنية، والحرب الآلية "الإلكترونية"، بالصواريخ والبنادق، والقاذفات، والمُسيَّرات، وبالعمليات الاستشهادية في عمق الكيان الصهيوني.
وآخر أعمال حماس المُذهلة والمُدهشة لِلعالَم عملية "طوفان الأقصى" في "غزة العزة" و"الضفة الغربية" يوم 7/أكتوبر- تشرين1/2023م؛ التي مَرَّغت جيش الاحتلال اليهودي الصهيوني -"الذي لا يُقْهَر"- في الوحل، ومعه أمريكا وأوربا، وقتلت آلافًا، وأسرت مئاتٍ من الصهاينة المحتلين، وما زالت -بفضل الله ونعمته ونصره- تُثخن فيهم الجراح منذ نحو شهرين.
(72) جنى: ثمرة. *من بركاتكم: أي ظهور حركة حماس جاء من بركة جهادكم وتضحياتكم -مع إخوتكم العرب والفلسطينيين- واستشهادكم وثورتكم على الاحتلالين الإنجليزي واليهودي سنة 1935م.
(73) رحماتك اللهم أغدقها: أمْطِر برحماتك يا اللهُ. *جدث: قبر. *ربع الشيخ: "بلد الشيخ؛ بيت حنان"، وهو المكان الذي دفن فيه الشيخ عز الدين، ويقع جنوب شرق حيفا على بعد 5 أكيال. *"عز الدين شيخ المجاهدين في فلسطين" لمحمد حسن شُرَّاب 303.
(74) جنة الفردوس: أعلى درجات الجنة. *أكرمه غدا: اجعله مُكرَمًا يوم القيامة بالفردوس الأعلى مع الأبرار من النبيين والصديقين والشهداء.
(75) ورفاقه: ج رفيق، أصحابه الذين جاهدوا معه الصهاينة والإنجليز. *تلامذ: ج تلميذ، طلاب. *أحِبَّة: ج حبيب، مُحِبُّوه في الله. *بجنان: ج جنة. *عدن: إقامة. *احبُهُم: قَرِّبْهِم، وأعطِهم. *بسلام: مع الطُّمَأنينة والأمَان.
الفصل الأول
من هو الشيخ القسام؟
الشيخ عز الدين القسام؟
*اسمه ونسبه وأصله:
هو أبو محمد، محمد عز الدين بن عبد القادر بن مصطفى بن يوسف القسام: العالم الأزهري الرباني، المجاهد الشهيد، الصوفي الشاذلي، الداعية، المدرس، الإمام والخطيب، الملقب "إمام المجاهدين".
وهو من زعماء الإصلاح في العصر الحديث، ومن أسرة كريمة في "جبلة - اللاذقية" من سورِيَة، وهي التي يسميها بعض العلماء "جبلة الأدهمية"؛ لوجود قبر والصوفي المشهور سيدنا إبراهيم بن أدهم فيها، رحمه الله تعالى.
واسمه مُركَّب "محمد عز الدين"، كما جاء في كتابه "النقد والبيان" المشترك مع الشيخ عبد القادر القصاب، والمطبوع سنة 1344هـ- 1925م، وكما في ترجمة الزركلي له في كتابه "الأعلام".
------------------------------------------------------------------
(*) تفرَّد الأستاذ أدهم آل الجندي فذكر ولادة الشيخ القسام سنة 1880م؟! كما في ترجمته الجيدة له في كتابه الفذ "تاريخ الثورات السورية في عهد الانتداب الفرنسي" ص 24.
لكن الناس اعتادوا في مثل هذا التركيب أن يشهروا الاسم الثاني، دون الاسم الأول؛ كما يقول الأستاذ محمد حسن شُرَّاب؛ فاشتُهر بـ "عز الدين".
*ولد لأسرة مُتَدَيِّنة في بلدة "جبلة" الواقعة في محافظة "اللاذقية" بِسُورية، وفيها نشأ في بيئة عربية إسلامية، وتلقى مبادئ العلم الأولية.
*والده: هو عبد القادر بن مصطفى بن يوسف القسام.
*والدته: هي حليمة القصاب. كانت من أهل جبلة.
وأصل أسرته من العراق؛ حيث جاء جده مصطفى مع شقيقه إلى جبلة من العراق، وكانا من المُقَدَّمِين في "الطريقة القادرية" المنسوبة إلى العالم والعارف الشهير الشيخ عبد القادر الجيلاني ت 561هـ.
*أسرة عبد القادر القسام:
*تزوج عبد القادر القسام -والد الشيخ عز الدين- بزوجتين أولاهما: "آمنة جَلُّول"؛ فأنجب منها: أحمد، ومصطفى، وكامِلًا، وشَريفًا.
وثانيتهما: أم عز الدين "حليمة القصاب"، وأشقاء عز الدين منها: "أمين"، و"فخري"، أو "فخر الدين"، و"فاطمة"، أو "نبيهة".
*كان عز الدين سادِسَ سبعة إخوة وأشقاء، وثاني ثلاثة أشقاء.
وأسرة القسام مثل مئات الأسر كانت تعيش على الكفاف والرضا بما قسم الله، وكانت أسرة متدينة، يحبهم الناس ويجلّونهم لما لديهم من صلاح وعلم.
*نشأته:
نشأ الشيخ عز الدين في أسرة فقيرة ومتدينة ومُتعلِّمَة، وذات مكانة دينية مرموقة؛ إذ كان الناس يحبونها ويحترمونها لمنزلتها الدينية الرفيعة في الطريقة القادرية المعروفة والمُقَدَّرة بين الناس.
وكان آلُ القسام مشهورين بالعلم والصلاح والعفاف؛ يُعطُونَ ولا يأخذون، ويكسبون قُوتَهُم مِن عَمَلهم.
*عبد القادر القسام "والد عز الدين":
كان صاحب طريقة صوفية هي "القادِرَيَّة"، وقد ورثها عن والده مصطفى الذي نقلها معه من العراق، وكان وَرِعًا مُلِمًّا بأصول الدين الإسلامي.
وقد عمل في حياته في مهن عِدَّة؛ فاشتغل حَدَّادًا، كما عمل مُستَنطِقًا وكاتبا لأوراق النفوس في جبلة زمن العثمانيين.
كما عمل عبد القادر في جبلة مُعلِّمًا في كُتَّاب للقرآن الكريم والقراءة والكتابة حِينا من الزمن.
وكان يقدمه الناس للإمامة في الصلاة إذا حضر في "جامع سوق الحدادين" وَسْطَ بلدة جَبلة.
*طفولة عز الدين ونشأته:
لقد قضى عز الدين طفولته في جبلة، وكان بيتهم يتكون من غرفة طويلة من الطين، مقسمة إلى 3 أقسام مفتوحة على بعضها: واحدة للعائلة، وأخرى للمؤونة والعلف، والثالثة لنوم البقرة!
وفي هذا البيت نشأ عز الدين؛ فقرأ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة في "الكُتَّاب" لدى والده.
كما طلب العلم في جبلة وتتلمذ فيها على يدي عالِمَينِ كبيرَين فيها، هما:
1- الشيخ سليم طيارة البيروتي الأصل. 2- الشيخ أحمد الأروادي.
وقد عُرف كلا الشيخين المَذكورَين بسعة العلم والمعرفة في علوم العربية والتفسير، والفقه والحديث.
كان الطفل عز الدين كثير التأمل والتفكر، في الصباح يُعاون والده في العمل، وبعد العصر يذهب إلى الكتّاب يحفظ القرآن ويتعلم مبادئ العلوم.
الفصل الثاني
جَبَلَة: مَوطِنُ القسَّام الأوَّل
*جَبَلَة: هي بفتح الجيم والباء -كما ضَبَطها ياقوت الحموي في معجمه-، وقال عنها: "قلعة مشهورة بساحل الشام، من أعمال حلب، قُربَ اللاذقية".
وهي مدينة ومركز منطقة على شاطئ البحر المتوسط، تتبع محافظة اللاذقية في سورية.
*تسميتها: يُقال: إنها منسوبة إلى "جبلة بن الأيهم" الذي أقام فيها بعدما ترك الجزيرة العربية مُهاجِرًا إلى ملك الروم.
وهناك رأي آخَر لسبب تسميتها يقول: إن اسمها "غابالا" في العهد اليوناني، ثم حُرِّف إلى "جبلة".
جبلة Jable مدينة ساحلية سورية قديمة، وتُلفظ في كتب التراث "جَبَلَة"، دعاها الحثيون "جيبالا"، والأغاريتيون "جبلة" والرومان "جبالا"، وسماها الصليبيون "زيبيل"، وقد جاء ذكرها في أغاريت.
تقع على الساحل الشرقي للبحر المتوسط على ارتفاع لا يزيد على خمسة أمتار، مساحتها 462.25كم2. تتصف بمناخ متوسطي معتدل، أمطارها شتوية، وصيفها جاف، تتميز بسهلٍ عريض تحف به الهضاب والجبال التي تطل على البحر، وتتبع إداريًّا محافظة اللاذقية.
تتميز بتنوع تضاريسها من سهول وهضاب وجبال ووديان، أعلى قمة فيها جبل الشعرة الذي يصل ارتفاعه إلى 1430م. سهولها تمتد ما بين شاطئ البحر غربًا، والمرتفعات والهضاب المجاورة لها شرقًا، تتميز هذه السهول باستواء شديد، يتدرج ببطء في الارتفاع باتجاه الشرق.
تجري فيها عدة أنهار أهمها: نهر السن: ويقع منبعه على بعد ثلاثة كيلومترات من البحر، تصريفه السنوي 451 مليون/م3، تراوح غزارته بين 12ـ22م3/ثا، يسلك طريقًا متعرجًا طوله خمسة كيلومترات، ويصب عند بلدة عرب الملك، شُيد عليه سد صغير، وأقيمت عليه محطة كهرمائية، تضخ المياه في أقنية لتروي 9000 هكتار من الأراضي الزراعية الخصبة، ويوفر مياه الشرب للمدن الساحلية.
نهر الرميلة: يصب شمال جبلة، أُقيم عليه سد بيت ريحان، ويُستخدم لأغراض الري.
نهر البرغل: يصب جنوب جبلة، يتكون من ثلاثة فروع رئيسة، هي: زيرود (سيانو)، المجرى الرئيسي (البرغل)، والسخابة.
تعد جبلة من أقدم المدن على الشاطئ الشرقي للمتوسط، حكمها حمورابي، ولم تكن في تلك الفترة مركزاً هاماً بل مرفأً صغيراً لمدينة سيانو Syannou، ومالبثت أن قامت هنا مملكة ضمت جبلة وتل سوكاس وعرب الملك، ثم خضعت للآشوريين عام 723ق.م، والفرس واليونانيين في القرنين الخامس والرابع ق.م، ثم أصبحت جزءًا من الدولة السلوقية، وبعد ذلك أصبحت رومانيّة على يد القائد الشهير بومبيوس عام 64ق.م، وأولتها روما اهتمامًا كبيرًا، وبنت فيها مدرجها الشهير الذي يعد الثاني في سورية بعد مدرج بصرى، ومنذ القرن الميلادي الأول تبعت جبلة بطريركية أنطاكية، وازدهرت نوعًا ما. دمَّرتها الزلازل عدة مرات في الأعوام 476 و859 و865 و1157م.
بقيت جبلة مدينة مسيحية حتى الفتح العربي الإسلامي، حيث أرسل أبو عبيدة عامر بن الجراح عبادة بن الصامت الأنصاري من اللاذقية؛ ففتحها، -وكانت تُسمَّى "البَلْدَة"- من دون قتال عام 17هـ/687م، وكانت تبعد عن جبلة فَرسَخينِ -"10 كم"- ثم خربت، وجلا عنها أهلُها.
وازدهرت جبلة في العصر الأموي والعباسي؛ إذ أمر معاوية -بعد خرابها- بإنشائها من جديد، وكانت حِصنًا للروم جَلَوا عنه عند فتح حمص، وشحنها بالرجال، وأمر بتجديد مدرجها وترميم ما تعرض منه للخراب، كما بنى خارجه حصنا خارجا عن الحصن الرومي القديم "قلعة منيعة".
كما أمر أبو جعفر المنصور ببناء الجامع الجديد المدفون إلى جانبه السلطان إبراهيم بن أدهم (أحد الأولياء الصوفيين، وأمير بلخ الفارسية).
ويبدو أن جبلة كانت تابعة لإمارة حلب الحمدانية، كمعظم الساحل السوري؛ لأن ياقوتًا الحموي جعل جبلة من أعمال حلب.
احتلها الروم سنة 357هـ - 968م أي بعد وفاة سيف الدولة الحمداني حاكم حلب، وظلت بأيديهم حتى سنة 473هـ.
ثم احتلها الصليبيون سنة 1098، وغيروا اسمها إلى "زيبيل"، وأضحت مركزا لأسقفية تابعة لأنطاكية، كما كانت من قبل، وبقيت تحت نير الصليبيين حتى جاء السلطان صلاح الدين الأيوبي وحررها دون قتال عام 584هـ- 1188م، لكن الصليبيين احتلوها ثانية عام 1219م، وحررها الملك قلاوون عام 1285م.
فتحها العثمانيون عام 1516م، وأصبحت مركزًا تابعًا لولاية طرابلس، دهمها الطاعون عام 1875م وفتك بسكانها، وظلت عثمانية حتى جاء الاستعمار الفرنسي، ثم اندلعت ثورة الشيخ صالح العلي على الفرنسيين، وبعد جلاء القوات الفرنسية أصبحت جبلة تابعة لمحافظة اللاذقية.
ونسب ياقوت الحموي إلى جبلة عددًا من العلماء والمحدثين، مما يدل على أنها كانت عامرة بالعِلم وأهله.
*قال الأستاذ محمد محمد حسن شُرَّاب: "ويُؤخذ من تاريخ النشأة أنها كانت ثغرًا يُرابِطُ فيه المُجاهِدون؛ لأنها كانت مَقصِدًا لِلمُغيرين القادِمينَ من البحر، باعتبارها مدخِلًا إلى ما وراءَها مِن البلاد، فإذا وجدوا في المُسلمين غفلةً، انقَضُّوا على ساحل بلاد الشام وأخذوه. ولِذلك كان ساحل اللاذقية، وطرطوس، وجَبَلَة مَحَلَّ عِناية الخُلفاء والأمَراء مُنذُ الفَتح".
يقدر عدد سكان جبلة وحدها بنحو 52238 نسمة عام 2000، ومع نواحيها: يبلغ سكانها نحو 200 ألفِ نسَمَة. وهي تضم مدينة جبلة وأربَعَ نواحٍ، هي على التوالي: ناحية القطيلبية، وناحية عين الشرقية، وناحية عين شقاق، وناحية المركز.
تمتد المدينة على شكل شريط طولي يحاذي البحر، وتنمو باتجاه الشمال والجنوب، أما امتدادها إلى الشرق فهو بطيء نوعاً ما، تقسم إلى مدينة قديمة تتميز بتلاصق مساكنها وضيق شوارعها وأزقتها. أهم الأحياء القديمة: حي العزة وحي الدريبة، أما المدينة الحديثة التي تتميز باتساع شوارعها وارتفاع أبنيتها فقد امتدت باتجاه الشمال على طريق اللاذقية، وأهم الأحياء فيها حي الجُبيبات، أهم شوارعها طريق الكورنيش.
تبلغ نسبة مساحة الأراضي القابلة للزراعة 29.8% والأراضي المروية 43.2% من مجموع المساحة الكلية لمنطقة جبلة، لذلك فهي تقوم بدور مهم في الزراعة التي تعد الحرفة الأساسية لسكانها، حيث تنمو فيها الخضار المختلفة، والأشجار المثمرة وأهمها الزيتون والحمضيات. عدا عن ذلك تعد مركزاً تجاريًّا مهمًّا لتسويق منتجاتها المتنوعة.
إضافة إلى ذلك، تعد أهم مدن الساحل صناعيًّا، ومن أهم الصناعات فيها صناعة عصر الزيتون، ففيها خمسة معامل لاستخراج زيت الزيتون، وهناك شركة الساحل للكونسروة، ومعمل لصناعة التبغ والتنباك، ومعمل غزل القطن، ومعمل النسيج الذي يعد من أحدث المعامل في بلاد الشام، وقد شُيد بالتعاون مع جمهورية الصين، كما تُوجَد شركة النورس لصناعة العصير الطبيعي والمشروبات، وشركة أوغاريت في ناحية القطيلبية.
تعد جبلة مدينة سياحية مهمة على ساحل البحر المتوسط، لما تتميز به من طبيعة جميلة وآثار قديمة، فتتميز بمدرجها الروماني، الذي يضم المسرح الروماني الذي شيده الإمبراطور جستنيان، وهو أجمل أثر روماني على شاطئ فينيقية، كما وصفه المؤرخ والكاتب الفرنسي رينان Renann، يتسع لنحو 1800 شخص، قطره 90م، ويتميز بقناطر جميلة و27 مدخلًا. عدا ذلك، تحتوي جبلة على العديد من الأضرحة الفينيقية الموجودة شمال مرفأ جبلة، ومدفن السلطان إبراهيم، والجامع الكبير الذي بُني في عهد أبي جعفر المنصور، والمرفأ الفينيقي، وبعض التلول الأثرية المهمة، كتَلِّ سوكاس الذي يتوسط المسافة بين جبلة وعرب الملك، تحيط به دعائم جدران قوية، تؤلف جُزءًا من تحصينات قوية كانت تحيط بالتل وتحمي ساكنيه، وتظهر في الطوابق الدنيا من التل آثار تعود إلى الألف السادس والخامس ق.م. تل الصليب ارتفاعه 17.4م فوق مستوى سطح البحر، يقع شرق عرب الملك، ثم عرب الملك وتدعى بالاطوس أو بلد الملك، تقع على بعد 11كم من جبلة، تعود إلى القرنين الأخيرين من حضارة أوغاريت، وغيرها.
1- صفية عيد "الموسوعة العربية" 7/475، بتصرف يسير.
2- "معجم البلدان" لياقوت الحموي 2/105.
3- "عز الدين القسام شيخ المجاهدين في فلسطين". لمحمد حسن شراب ص: 27- 30. 4- "المعجم الجغرافي للقطر العربي السوري" 2/630- 631.
*للاستزادة: ـ ماجد خير بك، مختصر تاريخ جبلة (جبلة 1980).
ـ عماد الدين الموصلي، ربوع محافظة اللاذقية (بين الحاضر والمستقبل) (منشورات وزارة الثقافة، دمشق 1999).
جامع السلطان إبراهيم بن أدهم في جبلة
الفصل الثالث
دراسته الازهرية
*لما بلغ أشُدَّه أرسله والده إلى "الجامع الأزهر" بمصر سنة 1896م، فغادر جبلة بقارِب صيد إلى "جزيرة أرواد"، ومنها أبحر في سفينة إلى الإسكندرية، أو إحدى المدن الفلسطينية، ومنها رحل برًّا إلى القاهرة فالأزهر؛ لطلب العلم فيه، فدرس العلوم الإسلامية؛ من قرآن وعلومه، وتفسير وفقه، وأصوله، وحديث، وعقيدة إسلامية "توحيد"، كما درس العلوم العربية فيه؛ من نحو وصرف وبلاغة، وعروض، وغيرها.
درس تلك العلوم على علماء عصره، وأبرزهم الشيخ محمد أحمد الطوخي.
وقضى الشيخ القسام في الأزهر زُهاء عشر سنوات نال بعدها شهادة "الإجازة العالمية" من الأزهر، والتي تدل على تضلعه في العلوم والمعارف الإسلامية والعربية لعصره.
الفصل الرابع
حياته العملية في سورية، وجهاده المُحتلين الطليان
*عاد الشيخ القسام إلى وطنه "جبلة" فاشتغل فيها بالتعليم والوعظ والإرشاد، وصار شيخ "الزاوية الشاذلية" في جبلة.
*سافر إلى إسطنبول نحو عام 1907م، ومكث فيها مدة قصيرة، رأى فيها الكثير من الأمِّيَّة والجهل بالدين الإسلامي ورسالته، وفروضه وسننه، ولغته العربية، مما جعل البلاد جُلَّها يُخيِّم عليها التَّخَلُّفُ والجهل والفَساد والظلم، ومن أسباب السكوت على الظلم الأمية المنتشرة بين الناس، والظلم إذا ساد خَرَّب البلاد والعِباد.
*لذا قرَّر تعليم الأطفال في الصباح، والكِبارِ في المساء، وصار يزور بيوت جبلة ويقنع أهلها بوجوب تعليم أبنائهم؛ فهو أولى من العمل في الحقل، وأولى من تعليمهم صَيدَ السَّمَك؛ بل يمكنهم أن يتعلموا ويعملوا.
*عمل مدرسا في مدينتي "بانياس"، و"اللاذقية".
*كما عمل مُوظَّفًا في "شعبة التجنيد" في جبلة.
مشاركته في جهاد ومقاومة الاستعمار الإيطالي لليبيا
في 30/9/1911م حاصر أسطول إيطاليا مدينة "طرابلس الغرب" الليبية؛ فدعا السلطان العثماني إلى مناصرة الشعب الليبي المسلم على الغزو الإيطالي، ولما سمع بذلك أهل بلاد الشام، ثارت موجة عارمة من الغضب على الطليان، وكان للشيخ القسام دور بارز فيها؛ إذ نهض الشاب عز الدين بكل ما أوتي من غيرة وحماسة ليؤثر في جمهور الساحل السوري؛ فخرج إلى الشوارع يقود الجماهير في جبلة واللاذقية ومدن وقرى الساحل، وكان يهتف في تلك الجماهير والحُشود مُنادِيًا:
يا عرب ، و يا إسلام! قوموا كلكم على الطغيانْ
اضربوا أسطول الطليان في المواني ، و الخِلْجان
ها لأرض العربية بدها وحدة ، و حُرِّيَّة
مِن طُورُوس لِلأطلَسِي كُلْها ثَورَةْ ، و غَلَيَانْ
يا رحيم ، و يا رحمن! غَرِّقْ أسطولَ الطِّلْيَان
كما كان يهتف ومعه المتظاهرون حينها:
يا رحيم ، و يا رحمن! اُنصُر مَولانَا السُّلطان
واكسِر أعداءنا الطليان
وبعد تمَكُّن الجيش الإيطالي من احتلال ليبية، انتقل القسام من قيادة التظاهرات الشعبية إلى قيادة حملات تجنيد الشباب باسم الجهاد دفاعا عن شرف المسلمين، ومنع نزول المذلة بهم.
وتمكن الشيخ عز الدين من تجنيد مئات الشباب من الساحل السوري، وقادهم بنفسه، ودرَّبَهُم فِكريًّا وعَسكَرِيًّا، وقام بحملة لجمع الأموال للنفقة على المتطوعين وأسَرهم، ومساعدة المجاهدين في ليبية.
واتصل بالحكومة التركية، فوافق البابُ العالي في إستانبول على نقل المتطوعين إلى الإسكندرونة، ثم نقلهم بعدها بالباخرة إلى ليبية.
وانتظر المجاهدون المتطوعون في الإسكندرونة 40 يوما، دون أن يأتيهم خبر؛ فقيل: إن المجاهدين رجعوا إلى مدنهم وقراهم، وبنوا مدرسة بأموال
التبرعات لتعليم الأميين القراءة والكتابة.
وهناك رواية أخرى لعلها الأرجح، وهي: أن الشيخ عز الدين صمم على لقاء الأشقاء المجاهدين في ليبية، ونقل المعونات المادية إليهم؛ فانتقل سِرًّا إلى ليبية، والتقى المجاهد الكبير الليبي عمر المختار.
*في عام 1912م فتح مدرسة في "جبلة" درَّس فيها الأطفالَ واليافِعينَ نَهارًا، والرجالَ الكِبار مَسَاءً.
*كما درَّسَ تفسير القرآن والحديث في "جامع إبراهيم بن أدهم" في جبلة.
*عُيِّن موظفا في "شُعبة التجنيد" بجبلة، وكان يعقد حلقات للدروس في مساجدها بعد فراغه من عمله في الشعبة.
*أصبح اسم الشيخ عز الدين معروفا يتردد على جل الألسنة في: جبلة، وبانياس، وطرطوس، واللاذقية، والحَفَّة، وقرىجبل التركمان، وجبل صِهيَون ...، وعرفه رجال ونساء وأطفال تلك المدن وقُراها؛ لأنه كان كثير الترَدُّد عليهم، يزورهم في بيوتهم، ومضافاتهم، ومجالسهم، ويخطبهم في بعض مساجدهم.
*عمل خطيبا في "جامع المنصوري" وسط بلدة جبلة؛ فكان المصلون يتوافدون إلى ذلك المسجد من أحيائها القريبة والبعيدة، ومن قراها المجاورة، كانوا يتوافدون إليه لسماع هذه النمط الجديد من خُطب الجمعة، التي تهز المشاعر، وتُعالج المشكلات اليومية، وتناول هُموم المسلمين، وتقدم لهم الإسلام حّيًّا وغَضًّا طريا، صافيا رائقا بعيدا عن الخرافات والبِدع، وبأسلوب سهل سلس يفهمونه، وبموضوعات تُلامس واقِعَهُم، وتضع الحُلول المناسبة لِمشاكلهم، والأدوية الناجِعةَ لأدوائهم.
*لدى نُشوب الحرب العالمية الأولى سنة 1914م تطوع الشيخ للخدمة في الجيش العثماني، استجابة لإعلان الجهاد من قبل السلطان العثماني حيئنذ، وأُرسِل إلى مُعسكر جنوبَ دِمشق.
وفي سنة 1916م اعتزل القسام الحربَ ورجع لبلده، عندما أعلن الشريف حسين الثورة على الأتراك العثمانيين، ورأى الشيخ عز الدين العربَ يُهاجمون المواقع التركية؛ لأنه يرفض أن يرفع السلاح في وجه أخيه العربي المسلم، مع اعتقاده أن العرب قد ابتعدوا عن جادَّة الحق عندما أعلنوا الحرب على الأتراك المسلمين.
*الشيخ القسام لم يُشارك في الثورة العربية المُسلَّحة على الأتراك:
من المعروف أنه في 10/6/ 1916م قام من يُدعى بـ "الشريف حسين بن علي" بالاتفاق مع الإنجليز بما عُرف بـ "الثورة العربية الكبرى على الدولة العثمانية" وهو بمكة، وجنَّد لذلك أبناءه، وقام معه بعض قبائل العرب في بلاد الشام، ووافقه -مع الأسف- بعض العلماء المسلمين منهم.
إلا أن الشيخ عز الدين القسام، لم يشارك في هذه الثورة؛ لأنه كان مع أكثر علماء المسلمين ومنهم الشيخ سليم اليعقوبي ت 1946م، والشيخ أسعد الشقيري، والشيخ عبد القادر المظفر في فلسطين، -ومعهم الأمير شكيب أرسلان- الذين كانوا مع الجامعة الإسلامية، ويرون حرمة الخروج على الدولة العثمانية المسلمة، والوقوف مع الإنجليز الكفار الذين لا يوثق بعهودهم ووعودهم، وكانوا واعين بنية بريطانية من الغدر والخيانة، ولعدم جواز مقاتلة الأخ العربي المسلم لأخيه التركي المسلم، ولا سيما أن الإنجليز هم محتلون لقطرين مسلمين هما: "مصر، وعَدَن"؛ فلو كانوا صادقين لحرروا هذين القطرين، قبل أن يُعطوا البلاد العربية للشريف حسين ليحكمها بعد تخلصها من الحكم العثماني.
وقد عرف الأمير شكيب أرسلان منذ عام 1912م حقيقة أن الإنجليز وفرنسة سُيقَسِّمون سورية وفلسطين؟!
هذا، وقد حَذَّر كُلٌّ مِن الفريق عزيز المصري، وخالد الحكيم الشريفَ حُسينًا مِن ألاعيب الإنجليز وخِداعهم، لكنه لم يستمع لهما، بل أعرض عنهما، ونفاهما من الحجاز؛ لأنه كان مَدفُوعًا بالرغبة في المُلك، ومُتَلَهِّفًا على الحكم، فخدع بالإنجليز، وظن أن خطابات ووُعود مكماهون هي مواثيق دولية لن يستطيع إخلافها والنكث بها؟؟!!
فلكل ما سبق، ولِعِلم الشيخ عز الدين بحُرمة الأمر، لم يُشارك في الثورة العربية المُسَلَّحة على الأتراك العثمانيين.
*في عام 1919م ولي القسام إدارة القضاء الشرعي في جبلة.
الفصل الخامس
ثورة الشيخ القسام على الفِرَنسيين ومُجاهدته لهم
*لما احتل الفرنسيون الساحل السوري في ختام الحرب العالمية الأولى؛ أي في 10/10/ 1918م ثار عليهم الشيخ عز الدين في جماعة من تلاميذه ومُريديه، ومعهم المجاهد عمر البيطار وعصابته في "جبل صِهيَون"، بل كان في طليعة المجاهدين -كما يقول مؤرخ الثورات السورية الأستاذ أدهم الجندي- وكان أول من رفع راية مقاومة فرنسة في تلك المنطقة، وأول من حمل السلاح في وجهها.
لكن -مع الأسف- فإن من كتبوا التاريخ السوري الحديث؛ من العلمانيين والقوميين العرب قد غمطوا حق الشيخ عز الدين القسام وعمر البيطار وأهل السنة في الساحل السوري، كما غمطوا حق إخوانه العلماء كالشيخ بدر الدين الحسني، والشيخ علي الدَّقر، وغيرهما، وهم الذين قاموا بدور بارز وكبير في الثورة السورية على الاحتلال الفرنسي البغيض، بل هم الذين أشعلوا الثورة السورية الكبرى سنة 1925م، وسبقوا سلطان الأطرش في ثورته، كما يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى.
ولم يذكر أولئك المؤرخون مع الأسف- في جملة الثوار السوريين على الاستعمار الفرنسي في سوريا عامة، وفي الساحل السوري خاصة، لم يذكروا سوى من درسناهم في كتب المدارس السورية ومناهجها، وهم: الشيخ صالح العلي، وإبراهيم هنانو، وسلطان الأطرش؟!
إذًا ثار الشيخ القسام مع مريديه وتلاميذه، وعمر البيطار، على المحتلين الفرنسيين الجدد لسورية، ونتج عن ذلك اندلاع نيران الثورة في جبل صهيون من محافظة اللاذقية عند قرية "الحَفَّة"؛ فكيف كان ذلك؟
*مراحل الإعداد لجهاد الفرنسيين: أ- التعبئة المعنوية: فقد أعاد القسام للمسجد رسالته القديمة العامة والفعالة، والتي وضعت المساجد لأجلها، وهي كونه بيتا لعبادة الله تعالى، وهو مدرسة لتعليم أمور الدين، وهو مركز الدعوة إلى الجهاد.
فكانت خُطَبُ القسام ودروسه جامعة لتأديب الجماهير المسلمة بآداب الإسلام، ولتلقي الثقافة الوطنية والاجتماعية والسياسية، وللتحريض والتعبئة
وحض المؤمنين على القتال، وكان بحق "داعِيَةَ الجِهاد".
وكان القسام يرى أن القوة المعنوية النابعة من الإيمان بالله تعالى والعمل بكتابه الكريم هي سلاح المعركة الأقوى.
ولما قدمت "لجنة كراين الأمريكية" سنة 1919م إلى اللاذقية تستفتي الناس في مصير بلادهم السياسي، ولاختيار دولة تكون وصية على سورية؛ فسُئل الشيخ القسام عن رأيه فيها فقال: "لا وِصاية، ولا حِمَاية"؟! فقال رئيس اللجنة: نعتقد أنكم لا تستطيعون إدارة أنفسكم وحِماية بلادكم، وأنتم على هذه الحال من الضعف وانعِدام التجربة، فأجابه القسام: "إننا نستطيع أن نُدير أنفسنا، وليس غيرنا أقدَرَ مِنَّا على ذلك؛ إذ لدينا قُوَّةٌ لا يَملِكُها الآخرون"؟!! وأخرج المُصحَفَ مِن جيبه، وقال: "هذهِ قُوَّتُنا"؟؟!!
وعاد القسام وصحبه إلى جبلة، وصُدورهم ملأى بِالحِقد على الحُلَفاء.
وباع الشيخ عز الدين بيته في جَبَلَة ليشتري بثمنه سلاحًا، وانتقل إلى الحَفَّة مع زوجه وأولاده.
ب- بيع بيت القسام وشراء السلاح: فعل ذلك ليكون قُدوةً للناس في الجهاد بالمال والنفس؛ فإمامُ الناس هو أمَامَهم في كل ما يدعوهم إليه.
ج- تدريب المتطوعين على السلاح وفنون القتال: وقد لبَّى نداء الشيخ القسام جمع غفير من أهل جبلة؛ فأخذ يدربهم على حمل السلاح واستعماله وفنون القتال عند شاطئ "البحيص" جنوبي جبلة، وهو الخبير في ذلك من محاربته الإنجليز مع الجيش العثماني من قبل، ومن إعداده المجاهدين المتطوعين لحرب الطليان دفاعا عن ليبيا.
د- انتقاله إلى جبال صِهيَون: بعدما اكتشفته عيون الفرنسيين وجواسيسهم المبثوثة، وتضييقهم عليه وتربصهم به، ولا سيما أن مقاتلتهم في سهول جبلة المكشوفة تجعلهم يقمعون ثورته؛ فاختار جبال صهيون، فهي أحصن وأبقى للكفاح، فانتقل إليها برجاله، وعمل قاعدة عسكرية في قمة منيعة قرب قرية "الزنقوفة"، وطفقوا يُغيرون على المراكز العسكرية الفرنسية في الجبال، وفي مشارف المدن الساحلية.
ومن أشهر المواقع التي خاضها القسام وجماعته "معركة بانيا"؛ وهي التي تمكن فيها القسام مع ثُلَّة من المُجاهدين من القيام بغارة ليلا على الثكنة
الفرنسية، وقتل حاميتها في شهر آذار- مارس/1920م.
وكان لغارات القسام وعصابته الجهادية نكاية وأثر شديد الوقع على الفرنسيين؛ فحاولوا إغراءه واستمالته لوقف ثورته، فأرسلوا إليه رسولا برسالة شفوية خلاصتها: دعوة القسام إلى مسالمة الفرنسيين، والكَفِّ عن مُقاومتهم، والعودة لجبلة آمِنًا، ويعدونه بجعله قاضيا شرعِيًّا في المنطقة، فرفض عرضهم ودعوتهم، وقال لرسول الفرنسيين بعزة المجاهد المؤمن: "عُد مِن حيثُ أتَيتَ، وقُل لهؤلاء الغاصبين:
"إني لن أقعُدَ عن القتال أو ألقى الله شهيدًا"؟! ولما عجز الفرنسيون عن استمالة الشيخ وثنيه عن الجهاد، ثم طاردوه، وحكم عليه "الديوان العُرفي" في "دولة العلويين" بالموت غِيَابِيًّا "الإعدام"، وأصدروا منشورا يضم اسم عز الدين القسام وعددا من المجاهدين الذين كانوا معه.
كما وضعوا مُكَافأة قدرها 10000 ليرة فرنسية لِمَن يَدُل على مكان القسَّام، أو يُمسِك به، ويُقَدِّمُه لِسُلطات الاحتلال الفرنسي.
فغادر الشيخ عز الدين ومعه رفاقه في جبال صهيون وهم:
1- الشيخ أحمد إدريس. 2- محمد عارف محمد "حنوف" الحنفي.
3- الحاج علي عبيد. 4- خالد الصالح. 5- ظافر القسام. 6- عبد المالك القسام، والأخيران هما ابنا أخيه مصطفى.
واتجهت الجماعة نحو "جسر الشغور"، ثم انتقلوا إلى بيروت.
وذهب الشيخ القسام وحده من بيروت فقصد دمشقَ زمن الحكم الفيصلي، وطلب المساعدة من الملك فيصل بن الحسين لدعم ثورته ونضاله للفرنسيين فوعده، ولم يُنجز ما وعَد به، ولم يُثمِر.
وأقام الشيخ القسام في دمشق أياما معدودات في بيت رفيقه السابق الأزهري الأستاذ عز الدين التنوخي.
*وفي 24/7/1920م، حصلت "معركة ميسلون" بين المجاهدين السوريين بقيادة البطل يوسف العظمة، وبين قوات الاحتلال الفرنسي، ونال القسام شرف المشاركة في هذه المعركة الشهيرة، وبعد ذلك هاجر إلى حيفا.
الفصل السادس
حيفا: مَوطِنُ القَسَّام الثاني
Haifa - Haïfa
الموقع والظهير الجغرافي: هي مدينة ساحلية، تقع على خليج عكا في الطرف الشمالي من السهل الساحلي في فلسطين، عند تقاطع درجة عرض 49/35. وخط طول 59/34. وهي ميناء على البحر المتوسط، ذات موقع جغرافي هام؛ حيث تمثل نقطة التقاء البحر بكل من السهل والجبل، كما أنها أكبر الموانئ الفلسطينية، ومن أكبر موانئ المشرق العربي.
وقد جعلها السهل منطقة زراعية مُنتجة لكل محاصيل البحر المتوسط، كما أكسبها "جبل الكرمل" مَنظَرًا بديعًا، ومُنَاخًا مُعتَدِلًا.
وللمدينة ظهير مباشر غني، يتكون من مناطق شمالي فلسطين ولاسيما سهل مرج ابن عامر، وظهير غير مباشر يشمل الأردن وسورية والعراق، وخاصة بعد افتتاح خط أنابيب النفط العراقي الذي يصل كركوك بحيفا في عام 1933م، غير أن هذا الوضع تغير بعد عام 1948م، حينما انعدم فيه الظهير غير المباشر للمدينة.
مناخها: مناخ المدينة من النموذج المتوسطي، فهو حار جاف صيفًا ومعتدل رطب شتاءً. ويراوح متوسط الحرارة السنوية بين 20-21 درجة، ويكون متوسط فصل الشتاء 12درجة، ومتوسط فصل الصيف 28 درجة. ويبلغ معدل الأمطار السنوية 635مم، تهطل في 31 يوماً وسطياً. ويعبر مدينة حيفا نهر المقطع، بتصريف سنوي يبلغ 10 ملايين م3، غير أنه يجف في أثناء الصيف في معظم الأحيان.
النشأة والتطور العُمراني: من المُرجح أن نشأة المدينة كانت في موقع تل السمك الذي يرتفع قليلاً عن سطح البحر، والواقع في حيفا القديمة.
أما أقدم ذكر للمدينة في المصادر العربية فقد أورده الرحالة ناصر خسرو 452هـ/1060م، ثم وردت بعد ذلك عند الشريف الإدريسي وياقوت الحموي باسمها الحالي.
سُكنت منطقة حيفا منذ عصور ما قبل التاريخ، وقد اكتشفت بقايا هياكل بشرية في كهوف جبل الكرمل، غير أن أول من سكنها في العصور التاريخية كان العرب الكنعانيون؛ الذين عمروا المنطقة، وبَنَوا حيفا على بعد 2 كم جنوبي حيفا الحالية.
وفي عام 1191 ق.م في عهد رمسيس نشبت معركة عند شواطئ حيفا بين الفلسطينيين pilisti والمصريين الفراعنة، أدت إلى سيطرة الفلسطينيين على كامل المنطقة الساحلية من غزة إلى الجليل.
وقد تعرضت المدينة عدة مرات للإعمار والخراب تحت سيطرة الشعوب القديمة؛ من آشوريين، وكلدانيين، وفرس، ويونان، وسلاجقة.
ويذكر الإنجيل أن السيد المسيح وطئ أرض حيفا عند مروره بها مع والدته مريم -عليها السلام- في طريقه من مصر إلى الناصرة، واتبع الطريق الساحلية هَرَبًا من أذى الحاكم الروماني يومئذ.
ومرَّ بحيفا أيضا بولس الرسول قادمًا من عكا في عام 58م.
وكانت حيفا زمن الرومان تقوم على موقع تل السمك غربي حيفا الحالية وجنوبي رأس الكرمل. وقد عثر في الموقع على رصيف بحري، وعدة قبور، وحمام من ذلك الزمن.
لم يكن لحيفا أهمية تذكر زمن الفتح العربي، بل كانت عكا تفوقها بالأهمية، كذلك كان الحال زمن الحروب الصليبية.
وأقدم ذكر لحيفا في المصادر الإسلامية جاء في القرن الخامس الهجري (452هـ - 1060م)؛ حين وصفها ناصر خسرو في "سفر نامة"، ثم ذكرها الإدريسي ت 560ه، وياقوت الحموي ت 626هـ.
استولى عليها الصليبيون سنة 1100م، واسترجعها منهم صلاح الدين سنة 582هـ - 1187م، ثم عادت إلى الصليبيين سنة 1191م.
وتناوبت السيطرة على المدينة من قبل المسلمين والفِرنجة مرات عدة حتى تَمَّ استرجاعها وتحريرها نهائيًّا من قبل المماليك في عام1291م على يد الملك الأشرف خليل بن قلاوون.
وكانت حيفا خلال العهد المملوكي جُزءًا مِن عمل "اللجُّون" الذي كان يتبع "صَفَد"، والقاعدة الخامسة من قواعد المملكة الشامية.
وكانت أوائل القرن التاسع الهجري خرابًا كما أخبر القلقشندي ت 821هـ.
وظلت تحت حكم المماليك حتى الفتح العثماني لبلاد الشام؛ فانتقلت إليهم في عهد سليم الأول سنة 922هـ، وأشير إليها بأنها قرية في ناحية عتليت الغربي التابع لسنجق اللجون، أحد ألوية ولاية دمشق الشام.
بقيت حيفا مهملة أيام الحكم العثماني، فلم تكن في أواخره سوى قرية متوسطة الحجم. وفي منتصف القرن 18م خرب ظاهر العمر حيفا القديمة، وبنى عند نهاية الخليج بلدة سماها "العمارة الجديدة"، ثم اشتُهرت باسم "حيفا الجديدة"، وأقام فيها بُرجًا، وبنى حَولها سُورًا، وشيَّد أبناء ظاهر العمر الجامع و"السراي" أي قصر الحكومة.
وظلت حيفا قرية ضعيفة الشأن حتى القرن 19م.
غير أنها بدأت تنمو بسرعة بعد ذلك، وبدأ كثير من الأجانب يقصدونها للاستيطان والعمل فيها، أو للنشاط التنصيري.
وقد سُمح لنحو 100 أسرة ألمانية من "فُرسان الهيكل؛ الداوِيَّة" الصليبية – سُمح لهم بالسكن في حيفا، وأقاموا في حي خاص بهم شمال غربي المدينة، وكانوا أواخر القرن 19 م نحو (800) نسمة.
ابتدأ تاريخ حيفا الحديث من سنة 1905م يوم تحرك قطار الحجاز وافتتح رسميًّا خط حديد دمشق - حيفا - الحجاز، وأجريت تحسينات كبيرة على الميناء، وصارت المدينة تتصل بدمشق وحوران والأردن، وتمثل ميناء تصدير لهذه الأقاليم ونقطة عبور لوارداتها من أوربا وأمريكا، وفي عام 1918م احتلها البريطانيون وأوصلوا إليها خط السكة الحديدية من مصر، كما ربطوها بكل من بيروت وطرابلس.
وجرى توسيع الميناء وتحديثه في عام 1919م؛ ليصبح من أكبر الموانئ وأحدثها على البحر المتوسط، غير أن الافتتاح الرسمي للميناء المذكور كان يوم31/10/ 1933م، وفي العام نفسه فتح مدير شركة بترول العراق أنبوب الزيت، وصَبَّه في مُستودعاتها أوَّل مرة، وبدأت معامل تكرير النفط عملها لتزويد الشرقين الأدنى والأوسط بالبترول.
صورة جوية لميناء حيفا
مظهر وبنية المدينة:
إن قرب جبل الكرمل من البحر، مُشكلًا رأس الكرمل، فرض على المدينة أن تقوم على أرض سهلية وسفوح جبلية. وهكذا نجد أن ارتفاع سطح الأرض في المدينة يراوح بين 50-546م. وأدى الصدع الذي يحاذي الجبل من الشمال والشرق إلى هبوط الأرض على طوله وتشكيل خليج عكا. وقد نتج من ذلك وجود أحياء في السهل الساحلي وأخرى تتسلق سفوح الجبل، وجرى تخطيط المنطقة الممتدة من جنوب شرقي الخليج حتى مدينة عكا، إذ تشتمل على مناطق فرعية ذات وظائف متخصصة، ففي الجنوب أقيمت منطقة صناعية قريبة من الميناء وأقيمت في الوسط منطقة سكنية، وانتشرت في الشمال الأراضي الزراعية. وأما في جبل الكرمل فقد شيدت الأبنية السكنية الحديثة. وما تزال البلدة القديمة بمسجدها وأسواقها ومحلاتها التجارية تحتفظ بطابعها الشرقي. وتواصل المدينة توسعها على طول الساحل وفوق منحدرات جبل الكرمل، كذلك ظهرت ضواحي عدة من أحجام مختلفة. وبعد أن كانت مساحة المدينة لا تزيد على 54 كم2 قبيل عام 1948، وصلت إلى 181كم2 في عام 1980.
وظائف المدينة:
من أهم الوظائف التي مارستها حيفا منذ أوائل القرن العشرين:
- الوظيفة التجارية:
وقد ارتبطت هذه الوظيفة بأهمية الموقع الجغرافي للمدينة، والذي تعزز بشبكة طرق المواصلات الكثيفة التي ربطتها مع المدن والأقطار المجاورة، وخاصة خط سكة حديد الحجاز، دمشق – حيفا، وبالتحسينات الكبيرة التي طرأت على الميناء، بحيث أصبح المنفذ الرئيس لواردات وصادرات المنطقة. ويحتل ميناء حيفا المرتبة الأولى بين موانئ فلسطين من حيث عدد السفن القادمة والمغادرة، ومقادير السلع المستوردة والمصدرة وعدد المسافرين. وكان تطور الميناء كبيرًا بعد عام 1948من حيث مضاعفة الأرصفة وزيادة المخازن وبناء أحواض السفن وإصلاحها.
- الوظيفة الصناعية:
بدأت حيفا تعيش نهضة صناعية منذ ثلاثينات القرن الماضي، حين افتتحت مدرسة صناعية في عام 1936، وتخرجت فيها كفاءات صناعية خبيرة، أسهمت في إيجاد مشروعات صناعية عدة، وكان أول مشروع هو إنشاء مصفاة تكرير النفط الذي ارتبط بأنبوب نقل النفط من كركوك إلى حيفا. وتم بعد عام 1948م بناء مصنعين لتجميع السيارات وإنتاج المواد الكيمياوية والأسمدة، ومصنع للطائرات، والكثير من المشروعات المتعلقة بقطاع النقل والمواصلات البرية والبحرية.
سكان المدينة:
انتقلت حيفا منذ أوائل القرن العشرين من قرية متواضعة لصيادي الأسماك إلى مرفأ بحري للسفن، ولم يزد سكانها وقتئذ على 4000 نسمة. غير أنها أخذت تنمو بسرعة كبيرة بعد ذلك لعوامل عدة أهمها الافتتاح الرسمي لخط حديد دمشق – حيفا في عام 1905م، والتحسينات التي طرأت على الميناء في عام 1929 وافتتاحه رسميًّا في عام 1933، ووصول نفط كركوك في العام نفسه ووفود المهاجرين إليها. وهكذا ارتفع عدد السكان إلى قرابة 10500 نسمة في 1916م، و24500 نسمة في عام 1922.
ثم قفز العَدَدُ بعد ذلك إلى 50 ألف نسمة تقريبًا في عام 1931 ونحو 100 ألف نسمة في عام 1938 وإلى 138 ألف نسمة تقريباً في عام 1945. وبعد الاحتلال الصهيوني والتهجير القسري للسكان العرب انخفض العدد إلى 97 ألف نسمة تقريبًا في عام 1948، وأصبحت نسبة سكان المدينة من العرب 4% فقط. وفي عام 1950 وبعد تدفق المهاجرين الصهاينة إلى فلسطين ارتفع عدد سكان المدينة إلى 140 ألف نسمة، ووصل إلى 210 ألف نسمة في عام 1967 وإلى 262 ألف نسمة عام 2000.
*ينظر: 1- بسام حميدة "الموسوعة العربية" 8/708.
2- محمد محمد حسن شراب في "عز الدين القسام شيخ المجاهدين في فلسطين" ص: 123- 126، بتصرف.
الفصل السابع
لماذا هاجر الشيخ القسام لفلسطين؟
ولماذا اختار حيفا؟ وكيف هاجر إليها، وأهم أعماله فيها؟
قد يتساءل البعض لماذا هاجر الشيخ القسام إلى "سورية الجنوبية؛ فلسطين"، ولماذا اختار حيفا تحديدا؟!
والجواب عن ذلك سهل وبسيط، ويرجع في الحقيقة إلى سببين؛ أولهما: استحالة حياته وعيشه في سورية بعد حكم سلطة الانتداب الفرنسي عليه بالإعدام غيابيا، بعد جهادهم ومقاتلته لهم في جبال صهيون كما أسلفنا. السبب الثاني: وعيه المُبكر بالخطر الصهيوني ووجوب كفاحه.
فقد كانت رؤية القسام للخطر الصهيوني على فلسطين تنبع من ثقافة عميقة تدرك أبعاد المشروع الصهيوني مبكرًا بفضل قراءاته عن ذلك، ومنها ما كان ينشره الشيخ رشيد رضا في مجلته "المنار" الشهيرة.
لكنه قرر أيضا وقبل محاربته لليهود الصهاينة، أن يُحارب سلطة الاحتلال البريطانية "الإنجليز" أولًا؛ لكونهم رأس الأفعى، وهم الممهدون لليهود والصهاينة، للهجرة إلى فلسطين والاستقرار فيها تنفيذا لوعد بلفور، كما سنوضح رأيه وعمله مع جماعته في سبيل ذلك، فيما بعد.
كما أدرك الشيخ القسام مُبكرا أيضا عبثية الوسائل السلمية في مقاومة الإنجليز بعد تجربته مع الفرنسيين، فكان القسام حازمًا وواضحا أن الجهاد في سبيل الله ومقاتلتهم هو وحده الحل لوقف أطماع اليهود.
*أما الجواب عن سبب اختيار القسام حيفا وطنا له فهو: إنما اختارها وفضلها على غيرها من بلاد فلسطين؛ لأنها كانت ميناء جزيرة العرب، وبلاد الشام والعراق، فهذه العوامل رفعت شأن حيفا، ووسَّعت نِطاق تجارتها وصناعتها، وساعدت على النمو، وجذبت إليها العُمَّالَ العَرَبَ من سائر بلاد الشام ومصر، ولذلك كان "جنيه حيفا" يُداعب خيال كل طَمُوح، وبخاصة التاجِرُ السُّوري الذي نجح نجاحًا باهرا في مُزاحمة اليهود تِجارِيًّا.
كما أن مدينة حيفا كانت مركزَ العمل والعُمَّال في فلسطين، وفيها نهضت حرَكتُهم؛ فأنشؤوا جمعية مُنَظَّمة، وصناديق توفير، وجمعيات تعاونية، ضَمَّت أصحابَ مِهَنٍ في البلاد.
ومِمَّا يلفِتُ النظرَ أنَّ أكثر هؤلاء العمال كانوا -يومئذ- من المُتمسكين بالدين، المُحافظين على حضور درس الوعظ والإرشاد في مساجدها.
وحيفا كانت ملجأ عدد كبير من الفلاحين النازحين من مزارع مرج ابن عامر، بعد الاستيلاء على مزارعهم، وهم الذين كانوا يعملون في شركات لفائف التدخين "السجائر"، وفي سكة الحديد، وفي الميناء، أيضا.
كما أن في حيفا أيضا يوجد عشرات الآلاف من الفقراء المُقيمين في بيوت الصفيح، بعدما سُلبت قراهم، وكان هؤلاء أصدقاء القسام، ومَوضِعَ ثِقَتِه، وكان لهم دور رئيس في مراحل الجهاد التالية.
وكانت حيفا قاعدة من قواعد التهويد، وقاعدة لسلطة الانتداب البريطاني، الذي جعل حيفا قاعدة لأسطوله، ونصب فيها المدافع، وشيَّد القِلاع على جِبالها وضواحيها، وجعل فيها مخازن القنابل والقذائف والأسلحة...؛ فكانت قوة الانتداب مُختَزَنة في حيفا، ومعروضة على جبالها في بحرها؛ كما يقول الأستاذ محمد حسن شُرَّاب رحمه الله. "عز الدين القسام شيخ المجاهدين في فلسطين" 126- 127.
قصة هجرة القسام إلى حيفا
*في شهر آب- أغسطس/ 1920م غادر الشيخ عز الدين -ومعه رفاقه الذين جاهدوا معه في جبال صهيون- إلى فلسطين، بعدما حكم عليهم الاحتلال الفرنسي بالإعدام غيابيا، وهم:
1- الشيخ أحمد إدريس. 2- محمد عارف محمد "حنوف" الحنفي.
3- الحاج علي عبيد. 4- خالد الصالح. 5- ظافر القسام. 6- عبد المالك القسام، والأخيران هما ابنا أخيه مصطفى.
واتجهت الجماعة أولا نحو "جسر الشغور"، ثم انتقلوا إلى بيروت.
وذهب الشيخ القسام وحده من بيروت فقصد دمشقَ زمن الحكم الفيصلي، وطلب المساعدة من الملك فيصل بن الحسين لدعم ثورته ونضاله للفرنسيين فوعده، ولم يُنجز؟!
ثم أقام أيامًا في دمشق، ولما وقعت معركة "ميسلون" يوم 24/7/1920م بقيادة الشهيد البطل يوسف العظمة، نال القسام شَرَفَ المُشاركة فيها.
وبعد ميسلون، هاجر الشيخ القسام إلى مدينة حيفا بفلسطين مُجاهدا، لا خائفا- كما يقول الأستاذ محمد حسن شراب-؛ فعاد إلى بيروت فالتقى برفاقه الذين هاجروا معه من جبل صهيون؛ فانتقلوا إلى صيدا بِعَرَبَة يجرها حِصان، ومنها بِقارب إلى عكا خفية، وأقام فيها أياما أو شهورا، حتى بلغ حيفا في أواخر سنة 1920م.
*وصل الشيخ عز الدين حيفا وقد ناهَزَ الأربعين، وأقام فيها، لكنه نزل في بداية الأمر ضيفا على الحاج أمين نور الله، كما عمل إماما وخطيبا لـ "جامع الاستقلال" فيها، ورأس "جمعية الشبان المسلمين" ثمة.
*اهتمَّ القسام أولا بتعليم الأطفال، وتعليم العُمَّال والفلاحين أصولَ القراءة والكتابة، كما اهتمَّ بالتوجيه الديني، الذي يُخلِّص ويحرر الناس من رِبقة التبعيَّة للإقطاعيين، كما يقول الأستاذ محمد حسن شُرَّاب.
هاجر الشيخ عز الدين القسام إلى فلسطين بِنِيَّة الجهاد، ووصل إلى حيفا، وفي جعبته تجارب جهادية، وخبرة في قيادة الجمهور، ومارس أساليب الدعوة، وحَذّق فَنَّ الخَطابة، واستخلص أنجح الأساليب في مخاطبة الجمهور، واستنبط الطرائق التربوية لتعليم الأطفال والشباب والشيوخ، وعرف أساليب الدعوة السرية والعلنية، ونقل تجربته من بيئة جبلة وجبال صهيون إلى مدينة حيفا وضواحيها.
كما أنه شُهر وعُرف وحقق أهدافه التربوية من خلال ثلاث وظائف، هي: الإمامة والخطابة في "جامع الاستقلال"، وريادة "جمعية الشبان المسلمين"، ووظيفة المأذون الشرعي، كما يقول الأستاذ محمد شُرَّاب.
أهم أعمال القسام ووظائفه في حيفا
وأهم أعماله في حيفا، هي خمسة:
*الأول-
أول اتصال للقسام بأهل حيفا كان في "جامع الجرينة"، وكان وصوله إلى حيفا من عكا عصر يوم جمعة من سنة 1921م، ودخل الشيخ القسام ذلك الجامع مع صحبه وصلوا المغرب فيه، ثم تطوَّع الشيخ فألقى موعظة بعد صلاة المغرب، لفتت أنظار الناس إليه بعدما أسَرَ قُلوبهم ببيانه!
ثم بعد أذان العشاء وإقامتها قُدِّم لِيَؤُمَّ المُصَلِّين؛ فبكى في قراءته، وأبكى مَن خَلفَه، وخشعوا خشوعا عظيمًا.
وظل القسام يتردد على جامع الجرينة كلما حانت فرصة مُواتية، ولا بعد العصر، أو بين العشاءين؛ لأداء الفروض، وإلقاء بعض الدروس.
*الثاني-
عمل معلما للتربية الإسلامية في "مدرسة الإناث الإسلامية" بحيفا أولا، ثم في "مدرسة البرج الإسلامية" ثانيا، نحو عام 1922م، وهما اللتان كانت تشرف عليهما "الجمعية الإسلامية" في حيفا.
*كما أسس مدرسة لتعليم الكبار القراءة والكتابة "مدرسة محو لِلأُمِّيَّة"؛ ليدرس ويتعلم فيها العمال وغيرهم.
*الثالث-
عمل إماما وخطيبا في "جامع الاستقلال" بحيفا، منذ إنشائه سنة 1925م؛ فاستطاع بما وهبه الله أن يجعله جامِعَ المدينة الأولَ؟!
جامع الاستقلال بحيفا
*الرابع-
عين رئيسا لـ "جمعية الشبان المسلمين" سنة 1928م، وهي التي أسست لمحاربة أنشطة التنصير والمنصرين في فلسطين.
وكان الشيخ عز الدين -رحمه الله- مواظبا على إلقاء محاضرة دينية أسبوعية مساء كل جمعة، في تلك الجمعية.
وقد كان يخرج إلى القرى كل أسبوع مع بعض أعضاء الجمعية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
*الخامس-
في سنة 1930م قُبل في عمل ووظيفة "مأذون أنكِحَة؛ مأذون شرعي"، وقد فاز بها على أربعة عشر مُتنافِسًا معه عليها؟!
ولم يكن الشيخ يُريد هذه الوظيفة لذاتها، ولكن ابتغاها وسيلة شرعية للاتصال بالناس في بيوتهم، وفي القرى التابعة لحيفا، ولمعالجة كثير من القضايا الاجتماعية المرتبطة بالزواج والطلاق.
الفصل الثامن
عمل الشيخ القسام وإعداده للثورة على الإنجليز
بداية تفكير الشيخ بالثورة والإعداد لها:
*بدأ الشيخ -وهو بحيفا- منذ 1922م يفكر بالثورة، وصار يخرج إلى القرى منذ 1929م، واستعان على ذلك بالكتمان؛ لذا فإنه ما كان يبوح بسر الثورة المقدسة الكبير الذي كان يحمله، إلا لأشخاص قلائل جدا، وذلك بعد أن يدرس نفسيتهم دراسة كافية لمدة تطول لسنوات؟!
*أهم أسباب نجاح الشيخ في ثورته ومقاومته اثنان:
1- مهارة الشيخ وتخطيطه الدقيق في اختيار جنوده:
لقد تحدث العشرات من إخوانه: أنه عندما كان يخطب في "جامع الاستقلال"، ومن على منبره يُراقب المصلين، ويدعو من يتوسم فيه الخير والاستعداد لزيارته في منزله، وتتكرر الزيارات حتى يُقنعه بالعمل لإنقاذ فلسطين الخطر، ضمن مجموعات سرية لا تزيد على خمسة أشخاص؟!
استمر القسام يعمل بكل الوسائل الشريفة لتأسيس نواة صالحة من إخوانه عرب فلسطين؛ للانطلاق في الوقت المناسب.
لقد قاوم القسام وأنكر بشدة إنفاق أموال الأوقاف في تشييد الأبنية "الفنادق"، وتزيين المساجد حتى المسجد الأقصى المبارك؛ لأن إعداد الشعب وتسليحه للجهاد لخوض المعركة أهم وأفضل وأحق من الشكليات التي يمكن إنجازها في أوقات أخرى مناسبة؛ فمئات الآلاف من الجنيهات كان يمكن بها تسليح خمسة آلاف مقاتل مجاهد يومذاك!!
2- شدة الإخلاص والسرية والتكتم الشديدان لدى الشيخ وإخوانه:
وما يذكر بهذا الصدد أنه حصل خلاف بين الشيخ عز الدين وبعض إخوانه بسبب توقيت الثورة على الإنجليز، لكنه ظل خافيا على السلطات الحومية أكثر من 5 سنوات، وهذا يدل على إيمان المجاهدين الراسخ في قلوبهم، وعلى تقديرهم للرسالة التي يعملون لأجلها بإخلاص وإقدام؛ فقد كان عدد كبير من إخوان القسام غير راضين عن الانتظار، ومع ذلك ظلوا يعملون سرا ضمن مخطط القسام الثوري دون أي انحراف؟!
*لما استفحل الخطر اليهودي الصهيوني، وقامت الثورة في فلسطين على الإنجليز -حكام فلسطين يومئذ- واليهود سنة 1934م، كان من أوائل المشاركين فيها؛ بل من مُؤججيها ومُفجريها، ومُفجري ثورة فلسطين الكبرى التي قامت بعدئذ عام 1936م.
*ظهرت بطولة الشيخ القسام وبسالته واستبسالُه في معارك شهيرة خاضها في ثورة عام 1934م على الإنجليز واليهود المحتلين بعصبة صالحين أبطال من رجاله وتلاميذه، يقاتلون كلما وجدوا سبيلا إلى القتال، ويأوون أحيانا إلى الكهوف والمغاور.
*مراحل إعداد الجنود والثورة لدى القسام:
يمكن القول إن الشيخ القسام أعد جنوده للثورة من خلال أربع مراحل:
*المرحلة الأولى:
أعد فيها النفوس للثورة، مُعتمدا على قلبه الكبير، وعلمه الغزير، وإخلاصه العظيم؛ بل مُعتمدا على ربه أولا وآخِرًا.
*المرحلة الثانية - حلقاتها، ووحداتها العسكرية ومهامها الخاصة:
ابتدأت عام 1925م وفيها أسس حلقات، وقسَّم المجاهدين إلى وحدات عسكرية منظمة مُختلفة المَهَام، لكل منها دور خاص تتولاه، منها:
أ- وحدة خاصة بشراء السلاح: ومن قادتها البارزين: الشيخ حسن الباير من قرية "برقين"، والشيخ نمر السعدي من غابة "شفا عمرو".
ب- وحدة التدريب العسكري: وكان يشرف عليها ضابط ممن خدموا في الجيش العثماني التركي.
ج- وحدة خاصة بالاستخبارات، والتجسس على العدو اليهود والإنجليز: لمعرفة خططهم السرية، ومراقبة تحركاتهم، ومن أفرادها: ناجي أبو زيد.
د- وحدة خاصة بالعلماء للدعاية والثورة في المساجد والتجمعات: وأبرز أعمالها الدعوة إلى الجهاد، وكان الشيخ كامل القصاب موجها ومستشارا لهذه التنظيمات.
هـ- وحدة العمل الجماهيري والاتصالات السياسية: وكان فيها الشيخ سالم المخزومي، وهو الذي اتصل بقنصل إيطاليا في القدس أثناء حرب الجيش، كما اتصل بقنصل تركيا لشراء أسلحة حديثة.
و- وحدة التمويل؛ لجمع المال من الأعضاء والأنصار: ومن مهامها رعاية أسَر المُعتقلين والشهداء.
*المرحلة الثالثة للثورة:
كانت قتل اليهود أينما ثُقفوا؛ كما حصل في "حادثة مستعمرة نهلال" بين حيفا والناصرة قرب قرية "المجيدل"، وقد قتل فيها المجاهدون بعض اليهود، وجرحوا آخرين منهم، ثم حوكموا مُحاكمة جائرة.
*المرحلة الرابعة:
غادر الشيخ القسام ليلة 12/11/ 1935م، ومعه أكثر من 25 من إخوانه مدينة حيفا إلى قرى قضاء "جِنِبن" لدعوة الشعب على نطاق واسع للاشتراك بالثورة؛ فدخل أولا قرية "كفردان"، ومنها أرسل الرسل إلى القرى تشرح أهداف الثورة، والشعب يعرف القسام من على منبر جامع الاستقلال بحيفا، ويعرف القسام من خلال زياراته لحفلات الأفراح في القرى، ويعرف أخلاص القسام؛ لذا فقد استجاب له ولرسله كثير من الرجال المخلصين.
ثورة الشيخ القسام واستِشهاده
وانطلقت الرصاصة الأولى في 18/11/1935م باشتباك قرية "البارد" أسفر عن استشهاد البطل الشيخ محمد الحلحولي، واستمرت الدعوة العلنية للجهاد في القرى حتى 19/11/1935م؛ حيث جرت معركة في "أحراج يعبد- قضاء جنين"، أسفرت عن استشهاد القسام.
لقد طوقت قوات إنجليزية عددها بين 200- 400 رجل، الشيخَ القسامَ ومعه نحو عشرة رجال من إخوانه في قرية "الشيخ زيد" داخل أحراج يعبد، وهم كل من: الشيخ محمد الحنفي أحمد، الشيخ يوسف الزيباوي، الشيخ حسن
الباير، الشيخ أحمد جاير، الشيخ أسعد كلش، الشيخ نمر السعدي، السيد عربي بدوي، توفيق الزيري، الشيخ ناجي أبو زيد، الشيخ محمد يوسف، والشيخ داود خطاب.
ثم حاصر الإنجليز الشيخ ومن معه، وكان قتالا فدائيا شرسا؛ إذ كان كل مجاهد يواجه نحو أربعين عِلْجًا إنجليزيا بكامل أسلحتهم، ومع ذلك استمرت هذه المعركة من الصباح حتى الظهر؛ إذ استشهد فيها الشيخ محمد حنفي أحمد، والشيخ عبد الله الزيباوي، ثم استشهد القائد الشيخ عز الدين القسام، وجُرح قسم، وأُسِر قسم آخر.
استشهاد الشيخ ويوم تشييعه المشهود
*ارتقى شهيدا في سبيل الله في أواخر عهد ثورة 1934م يوم 20/11/ من سنة 1935م، ووجدوا في ثيابه مُصحَفًا، و14 جُنَيهًا.
نُقل الشهداء من ساحة المعركة إلى جنين، ثم أُرسلوا إلى حيفا فتسلمهم ذويهم، وتسلم فخر الدين أخاه الشهيد.. وصدرت الصحافة المحلية تحمل نبأ الشهداء على صفحاتها الأولى.
209- فاهتزت فلسطين للخبر المذهل، وكانت جنازته مشهودة.. واضربت حيفا إضرابا كاملا، واكتسحت نفوس الناس موجة كلها عواصف وزعازع وزفير كزفير النار!
210- وعندما وصل الخبر إلى الناس أقفلوا محالهم، وتدفقوا لبيت القسام، وأخذت المآذن تزف خبر الشهداء في جميع أنحاء البلاد..
ولم ينس الناس امتزاج الدم العربي المسلم في ثورة القسام؛ دَمُ السُّوري والفلسطيني مع دم المصري الشهيد محمد حنفي عطية الذي كان في مقدمة الشهداء يُدافع عن إسلامه وإيمانه، وأرض إخوانه.
وكان لمقتل الشيخ ورفاقه دوي هائل في الشام ومصر، وصُلي عليه صلاة الغائب، وبكاه ورثاه المجاهدون والعلماء والشعراء والأدباء والسياسيون.
وحُملت الجنائز الثلاث إلى الجامع للصلاة عليه رغم محاولة الإنجليز منع ذلك، وبعد الصلاة عليه أَلقى الشيخ يونس الخطيب - قاضي مكة الأسبق - كلمة مؤثرة أبَّنَه فيها.
أُخرجت الجنائز بصعوبة بالغة، وكان المشيعون قد توافدوا من أنحاء فلسطين، فتحول الموكب لمظاهر هائلة.. وارتفع دوي صوتهم كالرعد القاصف ينادي: الانتقام الانتقام.
وهاجم المشيعون مقر الشرطة وحطموا سياراتهم، فأقبلت كتيبة لمنعهم من ذلك؛ فأنزل الناس الجنائز وهاجموهم، وألقوا الضابط جيمس وجنوده أرضا وطردوهم.
ورفض الشباب الثائرون حمل الجنائز على سيارة، وحملوها على أكتافهم إلى المقبرة التي كانت تبعد عن البلد 5 كم، وهناك رأوا لأول مرة شهداء يدفنون بثيابهم المخضبة بالدماء الذكية!
وكانت ساعات تشييع الشيخ الشهيد القائد المسلم البطل محمد عز الدين القسام، إلى مقره الأخير - في قرية "بلد الشيخ؛ بيت حنان" جنوب شرق حيفا بنحو خمسة أكيال- على الأكتاف في مشهد مهيب؛ كانت ساعات مشهودة، وكان مشهدا رائعا لتقدير الشعب للعاملين المخلصين في سبيل الله، والذود عن حياض الوطن وكرامته.
ووُري الشيخ عز الدين الثرى في قرية "الشيخ" جنوب شرقي حيفا، على بعد 5 أكيال عنها، وقبره يُزار.
شاهد قبر عز الدين القسام، وقد نُقشت عليه مجموعة
من الأبيات الشعرية التي قيلت في رثائه، وهي:
هذا الشهيدُ العالِمُ المِفضالُ مَن قد كانَ في الإرشادِ خَيرَ أمِينِ
هو شيخُنا القَسَّامُ أوَّلُ رافِعٍ عَلَمَ الجِهادِ بِنا ؛ لِنَصر الدِّينِ
كانت شهادته بوقعة يعبدٍ في شهر شعبان بحسن يقين
و لِذا حباهُ اللهُ خَيرَ رِضائه فَضلًا ، و مَتَّعَهُ بِحُسن العِينِ
فلئن تصفْ مَثواهُ في التاريخ قُل: في أشرف الفِردَوس عِزُّ الدِّينِ
الفصل التاسع
آثار الشيخ القسام
*مؤلفاته: كان الشيخ عز الدين مشغولا جدا بالدروس، والجهاد، والثورة على الإنجليز واليهود، وإعداد الرجال لهذا الأمر؛ لذا فإنه لم يتفرغ للكتابة والتأليف، ولم يعرف له سوى كتاب واحد، هو:
"النقد والبيان- ط". ألفه بالاشتراك مع الشيخ محمد كامل القصاب ت 1954م، وهو يتحدث عن البِدَع المنهي عنها، والرد على أحد القائلين بها، ويقع في 355 ص، وقد طبع سنة 1925م، في "مطبعة الترقي" - دمشق.
*أسرة الشيخ عز الدين القسام:
*تزوج الشيخ عز الدين بعد عودته إلى جبلة من الدراسة في الأزهر؛ فاقترن بالسيدة "أمينة نعنوع" من جبلة، وأنجب منها أربعة أولاد؛ ابنا واحدا، وثلاث بنات، وهم:
1- محمد: ولد في فلسطين نحو سنة 1928م، وكان عمره سبع سنوات عند استشهاد والده. 2- عائشة. 3- ميمنة. 4- خديجة.
*أطلق اسم الشيخ عز الدين القسام على مدرسة وشارع في مسقط رأسه مدينة "جبلة"، كما "تاريخ الثورات السورية" لأدهم الجندي ص 25.
الفصل العاشر
شخصية الشيخ القسام، وحليته، ومنهجه
أولا- شخصية القسام المُمَيَّزة، وجوانبها القِيَادِيَّة، وسبب نجاحه:
عُرف الشيخ عز الدين -رحمه الله- بإيمانه القوي المتين بالله عزوجل، وتمسكه بالكتاب والسنة، وشخصيته الجذابة، وبحُسن سيرته ومُعاشرته للناس، ولباقته في الحديث، وبراعته في الخطابة، مما جعل منه شخصية عظيمة مميزة، وناجحة، ومؤثرة في مجتمعها.
*هذه أبرز صفات شخصيته إجمالًا، وأما تفصيلا فقد تميزت شخصية القسام بتسع جوانب وسِّمَات قيادية جعلتها عظيمة ومُؤثِّرة وناجحة؛ هي:
1- إخلاص العقيدة لله، واتباع السنة النبوية.
2- مُحاربة البِدَع والخُرافات؛ كتابه: (النقد والبيان).
3- الجرأة في قول الحق، وعدم خوفه لومة لائم.
4- معرفة الواقع ودراسته، ووصف العلاج المُناسب له.
5- القُدوة. 6- العِلم قبل القول والعمل.
7- الإعداد والتخطيط المرحلي، والتَّدَرُّج في الإعداد.
8- التواضع، ومخالطة الفقراء. 9- السِّرِّيَّة، والاستِقلال.
ثانيا- حلية القسام، وبعض مَناقبه وخِلاله:
كان الشيخ القسام -رحمه الله- أميَلَ إلى القِصَر منه إلى الطول، وأقرب إلى النحافة، أسمر اللون، أسود العينين، كَثَّ اللحية، طَلْقَ المُحَيَّا، مَهِيبَ الطلعة، وقورا، سديد الرأي، صادق الفِراسة، ثبت الجَنان، شُجاعًا، حاضر البديهة، سريعَ الخاطر، مُحدِّثً لَبِقًا، واثقا مِن نفسه، مُستبشِرًا دائِمًا، ومُتَفائلًا إيمانًا منه بالله وبقضائه وقدَره.
وكان رحيما بالناس، مُتواضعا، وراضيا باليسير من المأكَل، وكان أبِيَّ النفس، يعيش مِن عمل يده.
وكان -رحمه الله- صادقا، إذا قال فعل، دؤوبا على العمل، شديد التحمل للمشاق، مرت سنوات من حياته في حيفا، وعمله يبدأ من الفجر، ولا ينتهي إلا في الساعات الأخيرة من الليل.
فكان يبدأ بعد صلاة الفجر بتعليم الأميين من العمال والكادحين، وإعدادهم للجهاد في "مدرسة البرج الإسلامية"، أو في "جامع الاستقلال".
ويصرف وقته منذ صلاة الضحى حتى صلاة الظهر في الاتصال الحي بالناس، والعمال في مواقع عملهم، ومواطن جلوسهم.
ويعود ظهرا إلى بيته، ومعه غالبًا بعض المُجندين لِمُحاورتهم، ويمضي مُدَّة ما بعد العصر في تقديم الدروس الجهادية، ويقوم بتدريب الحلقات على استعمال السلاح في جبل الكرمل.
*كان الشيخ عز الدين عالما بالشريعة، ومُصلِحًا اجتماعيا، قوي الإيمان بالله، عظيم الاعتماد والتوكل عليه وعلى قوته وفضله، منذ مطلع حياته العملية، ومنذ حمله لرسالة الدعوة والتوجيه للناس.
وكان رحمه الله ذا غيرة على الدين ونقائه، وسيفًا مُصْلَتًا على أعدائه؛ فحارب فِرقة البهائيين الضالين الذين انحدروا إلى حيفا من إيران، وفرقة القاديانيين القادمين من الهند، وفضح زيف مُعتقداتهم التي ترمي إلى إفساد عقيدة العامَّة من المسلمين، وتوجيههم لخدمة المستعمرين الإنجليز واليهود.
وكان يدعو إلى الإجماع الوطني، والتعاون بين العرب على اختلاف مذاهبهم، ويَعُدُّ الخُروجَ على هذا الإجماع خِيانَةً لِلأمة.
وكان القسام واسع الأفق في فهم جوهر الدين وحقائقه، ومقوماته الإنسانية والحضارية، ومُدرِكًا وظيفة الدين ورجاله على مسرح الحياة العامة.
فالدين عنده عقيدة ونظام، يُؤلِّفان وحدة تهدف إلى تحقيق مصلحة الأمة ومنافعها، وإصلاح حالها، وتقرير الأمن والطمأنينة فيها، وتوفير عِزِّها وسعادتها وكرامتها.
وكان يؤمن أن في أحكام الشريعة من اليُسر والسَّعَة ما يُتيح الاستجابة لحاجات المجتمع ومَطالِبه، في جميع الأمكنة والأزمنة والظروف.
وانطلاقا من هذا الإدراك العام والشامل، فإنه لم يُخصص دُروسه وخُطبه على تفقيه الجمهور بالعبادات فَحَسْبُ، بل تَعَدَّاها إلى شؤون الحياة بِعامَّة، وإلى القضايا الوطنية بِخاصَّة.
وكان يدعو المصلين إلى مُحاربة الفقر والبؤس بالعمل الدؤوب واستنباط خيرات الأرض، ويدعو الناس إلى التعاون والمحبة والإيثار.
ثالثا- منهج الشيخ القسام وتأثره:
لقد سلك الشيخ عز الدين القسام سبيل الإسلام، واعتمد القرآن والسنة، لا يحيد عنهما، وكان رجلا قُرآنيا سُنِّيًّا بامتياز؛ لذا فإنه رفض كل صداقة أو وِصَاية أو معونة تَرِدُ من الأورُبِّيين.
ولم يصح تأثره بجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده؛ فالأفغاني كان ماسونيًّا مُتطرفا، متعصبا لماسونيته؛ بل أسس مَحفِلا للماسونية، وكان رئيسا له؟!
وأما محمد عبده؛ فقد كان صديقا مُخلصا لِلُّورد كرُومر رئيس الإنجليز في مصر، وكان يطلب تأييده وعونه ومُوافقته فيما دعا إليه؛ مما سُمِّي "الإصلاح" في المؤسسات الشرعية!!
وكان محمد عبده يُقلِّل من أمر السُّنَّة، بوصفها مصدَرَ تَشريع، أما القسَّام فإنه يراها مصدرا رئيسًا مع القرآن.
*وكان الشيخ القسام مع الدولة العثمانية؛ فقد عمل "واعِظَ طابور" في الجيش العُثماني" التركي، وكان من مُهمته تحميسُ الجنود، ودعوتهم إلى جهاد الكفار، ومن الكفار الإنجليز.
لذا فإنه لم يصح أن الشيخ القسام شارك في الثورة العربية الكبرى على الأتراك، وتحالف مع بريطانية، ولم يصح أنه رفع السيف على الأتراك.
*ولم يتأثر القسام إلا بسيرة الثائر السوري "سليمان الحلبي" -قاتل كليبر-، وعُصبتِه الغَزِّيَّة الأزهرية التي تعاونت معه لقتل خليفة نابليون في مصر، وربما تأثر بأحمد عُرابي وثورته؟
*ينظر: "عز الدين القسام شيخ المجاهدين" لمحمد محمد حسن شراب، ص: 12- 13، 55.
الفصل الحادي عشر
الثورة بعد القسام، على يد العُصبة القَسَّامِيَّة
ولم يَفُتَّ استِشهادُ القائد في عضد إخوانه وأتباعه؛ فقد زوَّدهم في دروسه الدينية بما جعلهم يواصلون الكفاح مُؤمنين حتى النهاية، لقد رفضوا الاستسلام، وقامت جماعاتهم -"العُصبَة القسامية"، أو "عُصبة القسام"- في 15/نيسان- إبريل/1936م بقيادة خليفة الشيخ من بعده الشيخ الثمانيني المجاهد فرحان السعدي، والسيد محمد ديراوي بعمليات جريئة ...، أعقبها عُموم الثورة في فلسطين، وتشكيل لجنة عربية عُليا برئاسة الحاج أمين الحُسيني في 25/نيسان/1936م.
وكان من بين الثُّوَّار المشاركين حينها علماء قادة اشتركوا في الثورة حتى نهايتها سنة 1940م.
فأعلنت حكومة الانتداب المحتلة قانون الطوارئ، وعمَّ الإضراب منذ 20/نيسان/1936م لمدة ستة أشهر، وأعطيت للمحاكم العسكرية صلاحيات كبيرة فتم إعدام 300 شهيد؛ منهم المجاهد الكبير الشيخ فرحان السعدي ذو الثمانين سنة؟!
لقد شهدت ربوع فلسطين عامة ثورة عارمة ضد الاحتلال على يد علمائها ومُتدينيها؛ في حيفا، وصفد، وطبرية، وبيسان، والناصرة، وعكا، ونابلس، وجنين، والقدس، وطولكرم ...، فلو أردنا تسجيل أسماء الجميع لاحتجنا إلى صفحات عديدة، ودور الإسلام كان فيها واضحا؛ كما يقول أستاذنا المؤرخ الكبير الراحل الأستاذ شوقي أبو خليل رحمه الله تعالى.
*مراحل عُصبة القسام:
*هذا، وقد كَوَّن الشيخ عز الدين القسام رحمه الله تعالى، رجاله وعُصبته، عبر سِتِّ مراحل، مرت بها، هي:
أ- الفكرة المُلِحَّة:
فقد كانت في المرحلة الأولى فكرةً تُلحّ على القسام منذ هاجر إلى حيفا سنة 1920م، ولم تكن هذه الفكرة وليدة حيفا دار الهجرة، وإنما كانت موجودة منذ بدأ القسام حياته العملية بعد عودته من الأزهر، وعندما انتقل القسام إلى فلسطين بدأ يَدرس البيئة الجديدة التي سينشر فيها دعوته، فتعرّف إلى الناس وقضاياهم ومشكلاتهم، ودرس الخطط اليهودية والبريطانية لسلخ فلسطين عن بلاد المسلمين.
ب- الإعداد النفسي للجماعة والشعب:
وبدأت هذه المرحلة بالإعداد النفسي للجماعة والشعب، ونشر روح الجهاد، وبناء القاعدة التي يستطيع أن يرفع تنظيمه عليها، وينتقي منها عناصره المنظمة، وقد ساعده على ذلك ما يملكه من علم وفهم في طبائع الرجال، وقدرة خطابية مؤثرة، وقد بدأت هذه المرحلة منذ تولي شؤون مسجد الاستقلال في حيفا، وفي أثناء عمله في جمعيات الشبان المسلمين، إذ أصبح القسام رئيسًا لجمعية الشبان المسلمين عام 1926م.
ج- د- مرحلتا اختيار العناصر لـ "التنظيم"، ومرحلة التطبيق السِّرِّي:
وهي مرحلة مختلطة بالمرحلة السابقة، وفي هذه المرحلة اعتمد القسام على العمل السري لبناء تنظيمه بعيدًا عن مراقبة السلطات البريطانية والعصابات اليهودية، ولذلك كان لا يبوح بسر التنظيم إلا لأشخاص قلائل جدًّا، بعد أن يدرس شخصياتهم وأحوالهم النفسية دراسة كافية. ولاعتماده على السرية التامة والحذر الشديد في اختيار الأعضاء، سار التنظيم بطيئاً، وكان من أهداف البطء في بناء التنظيم وضع الأعضاء المختارين في مرحلة اختبار، وزيادة شحن للنفوس بمعاني الجهاد، وأن يتجهوا إلى تقويم أنفسهم عن طريق العبادة ومجاهدة النفس. وأما المرحلة الرابعة فقد كانت تتمثل بالإعداد العسكري بالتدريب على أدوات الحرب المتاحة، والمرحلة الخامسة كانت مرحلة التطبيق العملي السري بتنفيذ عمليات جهادية فردية.
هذا، وقد كان القسام يختار أعضاء التنظيم السري مستخدمًا منهجًا جديدًا، يعتمد على السّرّيّة والدقة والحذر الشديد في اختيار الأنصار، فليس كل من أبدى حماسًا للجهاد صالحًا للانضمام إلى عضوية التنظيم، فكان القسام يُصِرُّ على صفات وأخلاق في الرجل تُؤهله أن يكون في هذا التنظيم المُحاط بأعداء ماكرين، وكانت أولى خطوات اختيار الرجل تبدأ من خلال التقاء القسام بالمصلين في مسجد الاستقلال، وبعد صلاة الجمعة، وفي دروس ما بعد العصر؛ إذ كان القسام يتفرَّس في وجوه المصلين، ويدرس شخصيات المتأثرين بدروسه وخطبه، فيزورهم في بيوتهم لمزيد من المعرفة والملاحظة، ويدعوهم لزيارته في منزله وتتكرر الزيارات، ويدور الحديث في كل زيارة حول الجهاد، إلى أن يؤمن الرجل بوجوب العمل لإنقاذ فلسطين، فإذا اطمأن القسام إلى صاحبه، أدخله في حلقة سرية، لا يزيد عدد أفرادها عن خمسة، وكان لكل حلقة نقيب يتولى القيادة والتوجيه.
ولتنظيم أبناء القرى اتبع القسام مبدأ زيارة القرى، وبخاصة القرى التي يسكنها أصدقاؤه في أقضية حيفا والناصرة وجنين، وإذا كان أحد أفراد التنظيم قرويًّا يسكن حيفا؛ فإن القسام يطلب منه العودة إلى قريته، ليُمَهِّد له عند مختار القرية، ويدعوه لزيارته، وعندما يزور القرية يحرص على التقاء أهلها في درس ديني بعد صلاة العصر، أو مجلس ذكر بعد صلاة المغرب، ومن خلال هذه اللقاءات يتعرف على أكثر الناس تدينًا، وكان يجتمع سرًّا مع من يرى فيهم الحَمِيّة وحُب الجهاد، ومع دوام الوعظ والملاحظة والتأهيل والتعليم يتم تشكيل حلقات جديدة.
ولم تكن تتاح العضوية لأحد إلا بعد مدة من التجربة والمراقبة، ولا يشترط أن تكون التجربة في عمل تقوم به جماعة القسام، فقد تكون التجربة من خلال عمل فدائي يقوم به الرجل في مقاومة الإنجليز واليهود.
ففي ثورة البراق سنة 1929م شارك آلاف من مسلمي فلسطين، وبرز منهم قادة مُخلصون، فتوجهت أنظار جماعة القسام إلى هؤلاء لجذبهم إلى التنظيم السري.
وفتح القسام المجال أمام فئات المجتمع كافة: الغني والفقير، والمتعلم والأمي، والشباب والشيوخ، ولكنّ أكثر أنصاره الذين قبلوا دعوته هم أولئك الذين لم تغرّهم المناصب الحكومية، والذين ذاقوا مرارة مؤامرات الإنجليز واليهود بإخراجهم من ديارهم وأرضهم، ولذلك فإن الكثيرين من أفراد تنظيم القسام كانوا من الفقراء ومن العمال ومن غير المثقفين في المدارس والجامعات. وكان القسام قد أبدى اهتماماً بالمحتاجين والفقراء، فعمل على تحسين أحوالهم المعيشية، وأخذ يكافح الأمية في صفوفهم بالدراسة الليلية واهتم أيضًا بإصلاح المُنحرفين، وكان يُؤمن "أن جُرأة السارق أو القاتل، من المُمكن أن تتحول إلى شجاعة وجهاد إذا تاب إلى الله تعالى، وآمن بالجهاد في سبيل الله"، ومثال ذلك قصة حسن الباير الذي اعترف للشرطة البريطانية بعد أسره إثر "معركة يعبد" فقال:
"أنا من قرية "برقين - قضاء جنين"، وكنت من قبل أسرق وأرتكب المُحرّمات، فجاءني المرحوم عز الدين القسام، وأخذ يهديني ويعلمني الصلاة، وينهاني عن مخالفة الشرع الشريف وأوامر الله، وقبل مدة أخذني المرحوم الشيخ عز الدين إلى أحد جبال برقين، وهناك أعطاني بندقية، فسألته: "لم هذه؟"، فأجاب: "لأجل أن تتمرن عليها، وتُجاهد مع إخوانك في سبيل الله".
وبعد جهود ثلاث سنوات استطاع القسام تكوين اثنتي عشرة حلقة جهادية تعمل كل واحدة مُنفصلة عن الأخرى، وتتكون كل خلية من خمسة أفراد، أكثرهم من عمال البناء والسكك الحديدية، وعمال الميناء، والباعة المتجولين. ثم زاد عدد أفراد الخلية في أوائل الثلاثينات، فأصبحت تضم تسعة أفراد.
هـ- مرحلة الإعداد العسكري، وبدء القتال:
لقد استطاع القسام في العشر سنوات التي أمضاها في "جامع الاستقلال" أن يجعل الناس مستعدين لتلبية نداء الجهاد، وصارت الكلمات الجهادية من خطبه على لسان الجمهور، ومن ذلك قوله: "المجاهد رائد قومه، والرائد لا يكذب أهله"، وقوله: "الجهاد رفيقه الحرمان"، ويقصد بالحرمان: الصبر على المشقة.
وكان بدء المرحلة الجادة في التسلح والتدريب في أواخر عام 1928م،عندما خطا اليهود خطوة جريئة حيث تجاوزوا المُباح لهم عند حائط البراق، وتداعوا من كل أنحاء فلسطين، وتدفقوا للزيارة آلافًا مؤلفة بين مظاهر الحماس والزهوّ، فأثار هذا المسلمين، وتداعوا لحراسة المسجد الأقصى والدفاع عنه، مما دفع جماعة القسام اللانتقال من مرحلة الدعوة إلى مرحلة الإعداد العسكري المسلح، ويذكر أبو إبراهيم الكبير أنه عام 1928م إثر ازدياد التهديد اليهودي: "طلبنا من الشيخ أن ينتقل من مرحلة الكلام إلى العمل، وطلبنا أن نتسلح ونتدرب، فاشترينا بندقية، وأحضرنا مدربًا كان اسمه محمد أبو العيون، وكانت تبدأ الجلسة بأن يُلقي الشيخ دروسَه، ثم تحوَّلت دروس الشيخ من دروس دينية إلى تحريض على الجهاد، وكان المدرب يقوم آخر الجلسة بتدريب الموجودين على البندقية واحدًا واحدا".
ثم جاءت ثورة البراق عام 1929م لتعجّل بالتحضير العسكري، والانتقال من المرحلة السرية إلى المرحلة العلنية، فأخذ القسام يتولى تدريب المجاهدين بنفسه، وكان يخرج ليلاً يُدرب الأعضاء على الأسلحة، ويوجههم إلى أساليب الكفاح المسلح. ويصف حسن شبلاق (عضو الهيئة المسؤولة عن الحجّارة في أراضي الكبابير بجبل الكرمل وأحد الذين تدربوا على يد القسام) الخطواتِ كالتالي: "كنا نجتمع قبل الخروج إلى جبل الكرمل في واحد من الجوامع الثلاثة: الاستقلال والجامع الكبير (الجرينة) والجامع الصغير، وكان الخروج عادةً على مستوى الحظيرة، ثلاثة أشخاص يعرف بعضهم بعضاً، والحُجة القانونية التي كنا نتسلح بها في خروجنا وجودُ المحاجر، فلي محجرٌ هناك مثلاً، ومعظم الحجّارة السبعمئة كانوا من القساميين، وكان القسام يخرج مع كل حظيرة، ويُعلّمها فكَّ وتركيبَ البندقية وتنظيفَها وكيفيةَ استخدامها".
وكان القسام حازمًا في تدريب المجاهدين، قال أحد القساميين: "كان يأخذنا لدروس التدريب وإطلاق النار، ويطلب منا أن نمشي حُفاةً، وعندما كنا نتدرب في الجبال كان يجعلنا ننام في العراء في جو بارد، وكان يطلب منا السير دون حمل طعام أو ماء، حتى نستطيع تحمل الجوع والعطش، وكان يطلب منا أن ننام مرة أو مرتين في الأسبوع على الحصير بغطاء خفيف، وكان يصرّ دائماً على سرية أنشطتنا، ولذلك كنا نواجه متاعب في بيوتنا مع زوجاتنا وعائلاتنا، لأننا لا نستطيع شرح وتوضيح لماذا ننام بهذه الطريقة، وكان علينا أن نحتمل هذا، لأننا تعاهدنا على تنفيذ هذه الأوامر".
طلب عز الدين القسام العون ممن حوله وقام بالاتصال بكُل الملوك والأُمراء والزعامات العربية في ذلك الوقت، حيث اتصل بالملك فيصل في سوريا طلبًا لِمُؤازرته في ثورته، فوعده ولم يُثمر وعده عن شيء، واتصل بالحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين الأكبر وطلب منه أن يُهيئ الثورة في منطقته، فأجابه بأنه يرى أن تُحل قضية فلسطين بالطرق السلمية عن طريق المُفاوضات.
فما أجابه ولبَّى نداءه بالدعم والعون إلا الأمير راشد بن خُزاعي الفريحات، وهو أمير وزعيم عربي أردني (1850 - 1957م)، وقد اشتُهر الأمير راشد الخزاعي بِمُناهضته للانتداب البريطاني في بلاد الشام ودعمه للثورتين الفلسطينية والليبية، كما عُرف عنه معارضته وثورته علنًا ضد النظام الملكي الأردني منذ قدوم عائلة الشريف حُسين بن علي الهاشمي، والملك عبد الله الأول بن حسين والملك إلى إمارة شرق الأردن، كما وقف الأمير راشد الخزاعي -بوضوح وبقوة- مع جهود الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود في توحيد الجزيرة العربية.
نهض الأمير راشد الخزاعي ليمد القسام ورجاله بالمال والسلاح والمأمن، ووقف إلى جانبه في ثورته، ويُذكر أن عز الدين القسام لجأ مرة إلى جبال عجلون مع عدد من الثوار، وكانوا في حماية الأمير راشد، وقد تواصل القسام مع الأمير من شرق الأردن للمؤازرة وليهيئ الثورة ضد الانتداب البريطاني وأعوانه في شرق الأردن، وقد قدم الأمير الخزاعي إمدادًا مباشرًا وقويًّا للقسام بالمال والسلاح، فضلًا عن توفير الحماية للثوار الفلسطينيين في جبال عجلون الحصينة من فترة لأخرى، الأمر الذي استدعى من الأمير راشد وقبيلته ومعظم عشائر الشمال الأردني للمواجهة مباشرة مع النظام الأردني، وخاصة مع الملك عبد الله الأول بن الحسين والانتداب البريطاني الذي حاول تصفية الأمير الخزاعي بقصف مواقعه، وقتل كثير من الثوار الأردنيين المُوالين للخزاعي ذلك الوقت، مما اضطره بعدها لمُغادرة الأراضي الأردنية إلى السعودية 1937م، واندلعت على إثر لجوئه ثورة في جبال عجلون امتدت بعدها لنطاق واسع في إمارة شرقي الأردن.
و- مرحلة إعلان الثورة والجهاد: ذكر صبحي ياسين أنه:
في يوم 12/11/1935م كانت الجمعية تملك ألف قطعة سلاح، وقاعدةَ تسليح في منطقة اللاذقية، وفي هذا اليوم اجتمعت القيادة في حيفا، ودرست الموقف العام في فلسطين، وتقرّر بدء الجهاد العلني.
ثم كان بدء الجهاد العلني سنة 1935م:
قال إبراهيم الشيخ، وهو أحد مجاهدي العُصبة القسامية، مُعلّلًا خروج القسام إلى الجهاد العلني: "في أوائل عام 1935م رأى القائد القسام أن المُستعمِر يراقب تحركاتِ القساميين مراقبة دقيقة، وكان القائد يخشى أن يَعتقل الإنجليز النُّخبة الصالحة من إخوانه، فيُفسدَ جميع مُخططات العُصبة قبل أن تظهر، وكان يرى الخروجَ إلى الجبال والطوافَ بالقرى، وحثَّ المواطنين على شراء السلاح والاستعداد للجهاد. وقد أكّد هذا الرأيَ عددٌ من أتباع القسام".
ومن أسباب خروج القسام إلى الجهاد أيضًا: ازدياد الهجرة اليهودية إلى فلسطين، واتساع مساحة الأراضي التي استولوا عليها، فقد دخل فلسطين سنة 1935م 62000 يهودي، وامتلك اليهود في العام نفسه 73000 دونم من الأراضي العربية، حتى كتب المندوب السامي البريطاني قبل نهاية سنة 1935م إلى وزارة المستعمرات يقول: "إن خُمس القرويين قد أصبحوا بالفعل دون أراضٍ يمتلكونها، كما أن عدد العُمال العاطلين في المدن آخذٌ في الازدياد".
وبعد أن حزم القسام أمره وعزم على الخروج، بدأ يتصل بأتباعه وإخوانه ويتحدث معهم في قراره إعلان الجهاد، قال عربي البدوي: "قبل الخروج، كنا لمُدة أسبوع نتباحث، ونجتمع في بيوت مُتفرقة، وأخيرًا قرَّرنا الخُروج. وكان الأمر القيادي الأول: ليتوجه كلٌّ إلى أهله، يستودعهم الله، ويُعاهدهم على اللقاء في الجنة إن شاء الله".
*منهج وثقافة العُصبة، ومَعالِمُه التِّسعة:
1- "هذا جهاد نصر أو استشهاد": هذه العبارة كانت شِعارَ عُصبة القَسَّام، وحولها كان الشيخ يُدَندِن، وينطلق منها لتربية أتباعه؛ لأن "الجهاد" لفظ ومُصطلح إسلامي، يربط المسلم بماضيه العزيز، وفيه ماليس في غيره من المًصطلحات الحديثة المُولَّدة؛ مثل: "الكفاح"، "النضال"، الثورة ... .
كما أن في معنى الجهاد بذل النفس والمال، وبّذل الوُسع والجُهد والطاقة.
2- القرآن دُستُور الجماعة: فالمسلم الحق يتعبَّد بِمفهوماته ومعانيه وتلاوته؛ ولذا فقد وجه القسام تلاميذه إلى أن يحمل كل واحد منهم مُصحَفًا، يقرأ فيه متى كان خاليًا من العمَل، كما فرضَ على كل عُضو أن يحفظ ما يستطيع من الآيات التي تحُض على الجهاد.
3- بريطانية أصل الداء؛ فتجب مُحارَبتُها: وذلك لأنها سبب البلاء، وهي عَدُوُّ العرب والمسلمين الأوَّل، ومسؤولية الجماعة الجِهاد لِطَرد الإنجليز من فلسطين، وأن الحركة الصِّهْيَونِيَّة وليدة الاستعمار البريطاني؛ فبريطانية هي الرأس، والصهيونية هي الذَّنّب؛ فإذا قُطع الرَّأسُ ماتّ الذَّنَبُ.
لقد أعلن القسام في مسجد الاستقلال أن الإنجليز هم رأس البلاء والداء، ويجب توجيه الإمكانات كلها لحربهم وطردهم من فلسطين، قبل أن يتمكنوا من تحقيق وعدهم لليهود (وعد بلفور)، حيث جعلوه من أهداف الانتداب البريطاني في فلسطين؛ بل هو هدفهم الأول.
ودعا القسام المسلمين إلى التمرد، وحرّضهم على ألا يسمعوا للعساكر البريطانية، ففي أواخر سنة 1934م سأل القسام المصلين من على المنبر: "هل أنتم مسلمون؟" وأجاب: "لا أعتقد"، وسكت قليلًا، ثم تابع كلامه قائلًا: "لأنه لو كنتم مؤمنين لكانت لكم عزة المؤمن، فإذا خرجتم من هذا المسجد وناداكم جندي بريطاني فلا تُطيعوا نداءه".
وفي سنة 1929م، عُلم أن اليهود يأتمرون للهجوم على "جامع الاستقلال"، فطلب وجوهُ المسلمين في حيفا من السلطات البريطانية أن ترسل قوة لحراسة المسجد من الهجوم المدبَّر، فثار القسام على هذا الاقتراح، وقال من خطاب ألقاه بهذه المناسبة: "إن جوامعنا يحميها المؤمنون منا، إن دمنا هو الذي يحمي مساجدنا لا دم الآخرين"، ووصف الطلب بالجُبن، وعدّه دليلًا على الخُضوع والذل، فكان يرفض أي حوار أو معاهدة مع الإنجليز ويقول: "من جرّب المجرَّب فهو خائن"، ولما دعته السلطات للتحقيق في كلامه لم ينكره، فعندما أُوقف أعلنت المدينة الإضراب، فاضطرت السلطات البريطانية إلى إخراجه من السجن، وتجنبت حكومة الانتداب اعتقاله فيما بعد.
4- دراسة السيرة النبوية والحديث الشريف، وقادة الفتح الإسلامي: ففي السيرة العَطِرَة وفي الحديث النبوي، وتراجم الصحابة المُجاهدين، وقادة الفتح الإسلامي، وسيرة صلاح الدين وفتوحاته، في ذلك كله حض على الجهاد، ورفع للروح المعنوية للمجاهدين المسلمين.
5- الجهاد تربية كاملة شاملة: وليس قِتالًا فحَسبُ؛ بل هو تربية تشمل الأخلاق الإسلامية، فضلا عن الفرائض والسُّنَن؛ لييبلُغ المُجاهدُ مرتبة الإحسان؛ فهو يُساعِد الفقير، ويُطعِمُ الجائعَ، وبعُود المَريضَ، ويَصِلُ رَحِمَهُ، وقبل ذلك كله، فالمجاهد قوي الإخلاص لله تعالى، لا يُطيع غيرَه.
6- الالتزام بالصلاة فهي عماد الدين: وهي شِعار الإسلام، وعُنوان أداء الواجِبات الإسلامية، ولِذّا فأفرادُ العِصابة القسَّاميَّة مُلتزمون بأداء الصلوات في أوقاتها؛ فمَن تأخر عن أدائها لغير عُذر، فإنه عاجز عن الجهاد، ومَن ضّيَّعها فهو لِما سواها أضيَع.
7- الجهاد ببذل النفس والمال وشراء السلاح واقتناؤه: فكل ما زاد على قُوت العِيال يجب أن يُبذل في سبيل الله.
ومن باب التحريض على الجهاد دعا الشيخ القسام إلى توجيه اقتصاد البلد إلى شراء الأسلحة، وأنكر في هذا السبيل سياسة "المجلس الإسلامي الأعلى" في تزيين المساجد وبناء الفنادق، وكان مما قال: "يجب أن تتحول الجواهر والزينة في المساجد إلى أسلحة، فإذا خسرتم أرضكم فإن الزينة لن تنفعكم وهي على الجدران". ودعا مرة إلى تأجيل فريضة الحج، وتحويل نفقاته إلى شراء الأسلحة.
ويُروى أنه في إحدى خطبه، كان يخبئ سلاحا تحت ثيابه فرفعه وقال: "من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فليقتن مثل هذا"، فأُخِذ مباشرة إلى السجن، وتظاهر الناس لإخراجه وأضربوا إضرابًا عامًّا.
8- دراسة نماذج المثل الأعلى: من قادة المسلمين زمن عِزة المسلمين من السَّلَف الصالح، وبناء عليها وازن تلاميذُ القسام بين الزُّعماء الفلسطينيين المُتصَدِّريِنَ لقيادة الأمَّة، وبين المثل الأعلى في تاريخ المسلمين؛ فثَبَت لديهم أن أولئك الزعماء ليسوا على مُستوى القيادة لِلخَلاص والتَّحْرِير؟ّ!
9- توجيه الدعوة إلى العُمَّال والفَلَّاحين، والاهتمام بهم: ذلك لأن غالب أنصار وأتباع الأنبياء كانت حالهم تُشبِه حالَ العُمَّال والفَلَّاحِين في بلادنا؛ فهم الجُنود الأوفياء لعقيدتهم الإسلامية؛ ذلك لأنهم بعيدون عن الاستِكبار والشِّقَاق والحَسَد، وليس عندهم شيء دُنيوي يخافون خُسرانَه وفِراقَه، وليسوا ذَوِي مَنَاصِب يَحرِصون عليها.
*كيفية اختيار القسام لأعضاء التنظيم السري:
كانت للقسام قبل مجيئه لفلسطين تجرِبتان في تكوين الكتائب الجهادِيَّة، إحداهما في ظل الدولة العثمانية، والثانية في ظل دولة فيصل العربية خلال جهاده ومُقاتلته الاحتلال الفرنسي في سورية.
لكن التجربة الفلسطينية مُختلفة جدا عن التجربتين السابقتين؛ فقد جاء القسام إلى فلسطين، وبريطانية باسطة سُلطانَها على كل فلسطين، ومُخابراتها وشُرطتها في كل مكان؛ فلا بُدَّ مِن منهج جديد لذا يعتمد على السِّرِّيَّة التامَّة، ودقة اختيار المجاهدين، والحَذَر الشديد في اختيار الأنصار ... .
فكان القسام يُصِرُّ على اختيار الرجل ذي الصفات والأخلاق التي تُؤهِّلُه لِيَكُون في تنظيم مُحاط بِأعداء ماكِرين؟ّ!
وأولى تلك الصفا استعداده للطاعة ورغبته في التضحية في سبيل الله.
فكانت أولى خُطوات اختيار الرجل الصالح تبدأ من خلال التقاء القسام المصلين في "مسجد الاستقلال"، وعقب صلاة الجُمعة، ودُروس ما بعد العَصر، أثناء الدروس والخطب يتفرَّس وجوه الحاضرين، فيزور بعضهم، ثم يدعوه لبيته ويُحَدِّثه عن الجهاد، فإن رأى فيه إقبالا ضمَّه إلى حلقة سرية.
*عدة أفرادهم: بعد جهود 3 سنوات استطاع الشيخ تكوين 12 حلقة جهادية، تعمل كل واحدة منفصلة عن الأخرى، غالبهم من عمال البناء والسكة الحديدية والباعة المتجولين!
ثم بلغ عدد الشباب الذين أعدهم القسام للجهاد 200، وعدد من هيأهم نفسيا وعلميا بلغ 800.
وكان عدد قادة التنظيم 9، وقادة الفروع 22. إضافة إلى آلاف المتعاطفين، والتَفَّ حولَه عددٌ كبير من الناس أثناء "ثورة البُراق" سنة 1929م.
*ترتيباتهم الإدارية: لقد وُزِّعت أعمال العُصبة القسامية على جماعات مُتخصصة "إدارات"، كل إدارة تتولى تدبير شأن من شؤونها؛ فكانت:
1- جماعة شراء السلاح: بإدارة حسن الباير ونمر السعدي.
2- الاستخبارات والتجسس على الأعداء: بإدارة ناجي أبو زيد.
3- التدريب العسكري: بإشراف "جلادات"، وهو ضابط سابق عُثماني.
4- الاتصالات السياسية: بإدارة محمود سالم المخزومي.
*تمويلهم: كان أكثر المال يأتي عن طريق الاكتفاء الذاتي لكل عضو في ذلك التنظيم القسامي.
فكان العضو العامل في الجماعة يبدأ بدفع عشرة قُروش شهريًّا لرئيس حلقته، وبعد امتزاجه بالعصبة، وانفعاله بأحداثها، يفرض على نفسه عُشرَ دَخله الشهري، أو أكثر من ذلك؛ فيُقدم للجماعة ما يزيد على حاجة أسرته الضرورية لرعاية أسر المعتقلين والشهداء، وكثير منهم كانوا يبذلون كل ما يملكون، بعد سَدِّ حاجاتهم اليومية؟!
*إعداد المُستَطاع، وتعلم الرماية وحمل السلاح لأهميتهما: والتدرب عليهما امتثالا لقوله تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم)، ولحديث صحيح مُسلِم: "ألا إن القُوَّة الرمي، قالها ثلاثًا".
*الحكم والتقويم: لم يضع القسام وصَحبُه اسمً لِتنظيمهم، ولم يكتبوا ميثاقًا أو دُستُورًا، ولم يُسَجِّلوا أعضاء التنظيم في سِجِلَّات.
*نَصُّ بَيعتهم: كان مُوجَزًا يتألف من جُمَلٍ ثَلاثٍ، هي:
أ- الأخُوَّة: في الله تعالى. ب- الجهاد: لِنَيل إحدى الحُسنَيَين.
ج- السَّمْعُ والطاعَةُ: لله، ولرسوله، وأولي الأمر من المُسلِمين.
وهذه البُنود مأخوذة من آيات كتاب الله؛ التي يَضُمُّها مُصحَفٌ يحمله كُلُّ مُجاهد منهم؛ فلا حاجة إلى قوانين، والأهداف وسُبل العمل معروفة.
*علاقة التنظيم بالجماعات والأحزاب: لقد كان للشيخ القسام علاقات صداقة ومَوَدَّة مع جُلِّ الزعامات الفلسطينية، ولكنه لم يَبُح لواحد منهم بما في نفسه، ولم يُطلِع أحَدًا مِنهم على خُطَّته، والسبب هو التباعُد بين منهج القسام، ومنهج أولئك القوم في تحرير البلاد.
الفصل الثاني عشر
دور العلماء والمُتديِّنين البارز
في الجهاد بفلسطين مع قائدهم القسام
لقد كان للعلماء دور بارز ومهم جدا في الجهاد والثورة على اليهود والاحتلال البريطاني في فلسطين، وقد شاركوا في الثورة والجهاد مع الشيخ القائد الشيخ عز الدين القسام، ومن هؤلاء العلماء ى مع بُلدانهم:
*من سورية: 1- الشيخ عز الدين القسَّام. جبلة - سُورية.
*من مصر: 4- الشيخ محمد حنفي أحمد. القاهرة - مصر.
*من فلسطين: 5- الشيخ محمد العبد موسى. قرية كوكب أبو الهيجا.
17- 18- الشيخ محمد الخالدي وأخوه: خالد. حيفا.
23- الشيخ نمر السعدي. غابة شفا عمرو.
36- الشيخ عبد القادر علي. قرية عرعرة.
37- الشيخ عبد الله عقيل. قرية عبلين.
38- الشيخ رشيد عبيد الشيخ (أبو درويش). قرية طيرة حيفا.
39- السيد أبو علي مزرعاوي. قرية المزرعة - القدس.
40- الشيخ داود خطاب؟
43- السيد محمود الخضري؟
*ملاحظة مهمة:
إن إطلاق لفظ شيخ على بعض أتباع الشيخ القسام، لا يدل على أنهم كانوا كلهم علماء، فقد كان أكثرهم متعلمين عاديين، أو شبه أميين، لكن الشيخ كان يطلق غالبا -في ذلك الزمان، وحتى زماننا هذا- على المُتدين الملتزم بدينه منهم، ومن يُطلق لحيته، وبعضهم كان يسمى شيخا لكبر سنه، كما يقول الأستاذ محمد حسن شراب.
الفصل الثالث عشر
من خطب القسام، وكلماته وأقواله، ومواقفه الرائعة
*لقد كسر الشيخ القسام العُرف عندما اعتلى منبر "جامع المنصوري" بجبلة قائلا: "(إن الله لا يُغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم): كُونُوا أعِزَّةً كُرَمَاء (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين)، ولا إيمانَ لِمَن رَضِيَ بِالخُنوع، واستَكَانَ لِلظلم، واستَعذَبَ العُبُودِيَّة لِلبَشَر".
وفي قوله ذاكَ إشارة إلى رفض التسلط الإقطاعي.
"ليس المهم أن ننتصر، المهم قبل كل شيء أن نُعطي من أنفسنا الدرس للأمة والأجيال القادمة". قالها الشيخ عز الدين عند جهاده الفرنسيين في "جبل صهيون" من اللاذقية.
*"لا وِصَايَة، ولا حِمَايَة، إننا نستطيع أن نُدير أنفسنا، وليس غيرنا أقدر منا على ذلك، إذ لدينا قوة لا يملكها الآخرون"، وأخرج المصحف من جيبه وقال: "هذه قوتنا".
قالها القسام سنة 1919م لـ "لجنة كراين" الأمريكية التي طلبت رأي القسام في اختيار دولة أجنبية تكون وصية على سورية، وقال له رئيس تلك اللجنة: "نعتقد أنكم لا تستطيعون إدارة أنفسكم وحماية بلادكم، وأنتم على هذه الحال من الضعف وانعدام التجربة"؛ فأجابه الشيخ عز الدين بماسبق ذكره: "إننا نستطيع أن نُدير أنفُسَنا ...".
*"عد من حيث أتيت، وقل لهؤلاء الغاصبين: إنني لن أقعد عن القتال أو ألقى الله شهيدًا".
قالها القسام سنة 1920م لرسول الفرنسيين الذي عرض عليه الاستسلام؟!
*كان الشيخ عز الدين يردد دائمًا الآية الكريمة في "مسجد الاستقلال" بحيفا: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، ويُسهب في شرح (وأولي الأمر منكم)؛ بأن أولي الأمر هم المسلمون الذين يُقرّون بالتوحيد؛ أما الإنجليز فلا طاعة لهم على المسلمين، وكان الإنجليز يبثون على لسان القاديانية، ومركزها حيفا، أن الدولة البريطانية وليّةُ أمر المسلمين ولها عليهم حق الطاعة.
"مَن جَرَّب المُجَرَّب عَقلُه مُخَرَّب"، "من جرب المُجرَّب فهو خائن".
كان القسام يُردد هاتين العبارتين لِمَن يطلب منه التعاوُن أو الحوار أو المُعاهدة مع الإنجليز؛ فكان يرفض كل ذلك، ويقول تلكما العبارتين، إشارة إلى انخداع الشريف حسين وأبنائه وممن على شاكلته مِن العرب بوعود الإنجليز الخُلَّبِيَّة الكاذبة.
*"يجب أن تتحول الجواهر والزينة في المساجد إلى أسلحة، فإذا خسرتم أرضكم فإن الزينة لن تنفعكم وهي على الجدران". ودعا مرة إلى تأجيل فريضة الحج، وتحويل نفقاته إلى شراء الأسلحة.
"هذا جِهاد؛ نَصرٌ، أو استِشهادٌ". هذه العبارة كانت شِعارًا للشيخ القسام وعُصبته الجهادية التي رَبَّاها.
"من كان مِنكم يُؤمن بالله واليوم الآخِر؛ فليَقتَنِ مِثلَ هذا". وأشار إلى سلاح "مُسَدَّس" كان يُخبِّئه وهو يَخطُب؟!
*"المجاهد رائد قومه، والرائد لا يكذب أهله"، وقوله: "الجهاد رفيقه الحرمان"، ويقصد بالحرمان: الصبر على المشقة.
*"استَغفِرُوا اللهَ أيُّها الناس!". كان يقولها وينصرف عَمَّن يقول لَهوَ الكلام، أو يَغتاب أخاه، أو يُهاتِر أحَدًا.
*أعطى الشيخ عز الدين بُندقية في "جبال برقين" لحسن الباير- الذي تاب على يد القسام من السرقة وارتكاب المُحَرَّمات- فقال له: "لِمَ هذه؟"، فأجاب: "لأجل أن تتمرَّن عليها، وتُجاهد مع إخوانك في سبيل الله".
"إن جوامعنا يحميها المؤمنون منا، إن دمنا هو الذي يحمي مساجدنا لا دم الآخرين". قالها ردا على من طلب حماية "جامع الاستقلال" من اليهود بواسطة قوة حراسة بريطانية؛ فرفضها، ووصف الطلَب بـ "الجُبن"، وقال ما سبق.
*ومما قاله الشيخ عز الدين في إحدى خطبه الرائعة من فوق منبر "جامع الاستقلال" في حيفا نحو سنة 1930م: "يا أهل حيفا، يا مسلمون! ألا تعرفون فؤاد حجازي؟ ألم يكن فؤاد حجازي، وعطا الزِّير، ومحمد الجمجوم إخوانَكُم؟ ألم يجلسوا معكم في دروس جامع الاستقلال؟! إنهم الآن على أعواد المشانق، حكم عليهم الإنجليز بالإعدام من أجل اليهود.
أيها المؤمنون! أين نخوَتُكم؟ أين إيمانكم؟ أين هيَ مُروءتُكم؟".
*لقد كانت كلمات الشيخ الصادقة هذه وقودا روحيا للمجاهدين؛ فكَبَّرُوا، واهتزَّت جَنَبَاتُ المَسجد طَرَبًا لتكبيرهم؛ لقد صاح الجميع: الله أكبر! الله أكبرّ مُستذكرين قول فؤاد حجازي في السجن:
يا ظلامَ السِّجْنِ خَيِّمْ إنَّنا نَهوَى الظَّلَامَا
ليسَ بَعدَ السِّجنِ إلَّا فَجرُ بَدرٍ يَتَسَامَى
"إن الصليبية الغربية الإنجليزية، والصهيونية الفاجرة اليهودية، تُريد ذبحَكُم، كما ذَبَحُوا الهُنودَ الحُمرَ في أمريكا، تريدان إبادَتَكُم -أيها المسلمون- حتى يحتلوا أرضكم من الفرات إلى النيل، ويأخذوا القدسَ، ويستولوا على المدينة المنورة، ويحرقوا قَبرَ الرسول، إنهم يريدون اللَّعِبَ بِأمَّهاتِكم وبَناتِكم وأخَوَاتِكم، وتحويلهنَّ إلى خَدَمٍ لهم وسَبَايَا!!
يا وَيلَكُم ألا تفهمون؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا دِيسَ شِبرٌ مِن أرض المسلمين، فعلى المرأة أن تخرج بغير إذن زوجها، وعلى الرجل أن يخرج بغير إذن أبيه، أيها المسلمون ألا تفهمون؟
أيها المؤمنون! فرض الله علينا الجهادَ لِيحمِيَنا به؛ لِيَحمِيَ أرضَنا وعِرضَنا، قال تعالى: (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غِلظة)، لقد ملأ اليهودُ بِلادَكُم، لقد سرقوا أرضَكم".
وكان يقول رحمه الله تعالى: "إني أرجو خيرًا من الفلاحين والعمال، فهم واثقون بالله مؤمنون بالجنة، وهم أقرب للتضحية وأجرأ، وهم أقوى بنية وأكثر احتمالًا لِلمَشاقِّ".
وكانت القاديانية -ومركزها حيفا - يبثون بين الناس أنه يجب طاعة الإنجليز، وأنهم صاروا ولاة أمر! فأبطل القسام ذلك، وأوضح أنه لا طاعة إلا لولي أمر مسلم، وأوجب عصيانهم.
"ليس المهم أن ننتصر، المهم قبل كل شيء أن نُعطي من أنفسنا الدرس للأمة والأجيال القادمة". قالها الشيخ عز الدين عند جهاده الفرنسيين في "جبل صهيون" من اللاذقية.
كان يصرخ مُستَثِيرًا حماسة الفلسطينيين بقوله:
"أيها الرجال! يا نساء وشباب فلسطين.. البلاد في خطر"!
*وكان يقول: "أيها المسلمون ألا تفهمون؟ الله فرض عليكم الجهاد ليحميكم ويحمي أعراضكم (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة) لقد ملأ اليهود بلادكم، لقد سرقوا أرضكم"!
وكان يستثير غيرتهم: "إنهم يريدون اللعب بأمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وتحويلهن إلى خدم وسبايا". ويردد: "اعلموا أن خلاصنا فقط بأيدينا".
*رأته ابنته "ميمنة" يوما متحمسا يردد أناشيد الجهاد فخشيت عليه ولاطفته قائلة: "إن الطرق السلمية هي خير طريق يمكن أن يسلكه شعب أعزل كشعبنا، لأن القوة يجب إن تجابهها قوة مثلها، ونحن لا قوة لدينا ولا مال، فالحسن أن نسعى إلى حقنا بالطرق السلمية". فصرخ بها قائلا: "اصمتي يا ميمنة"! ثم أطرق بُرهَةً، وأنشد وهو يَنظُرُ إليَّ:
و اعلَمْ بِأنَّ عليكَ العارَ تَلبَسُه
مِن عَضَّة الكَلبِ، لا مِن عضَّة الأسَدِ
*"ليتوجه كلٌّ إلى أهله، يستودعهم الله، ويُعاهدهم على اللقاء في الجنة إن شاء الله". هذا هو الأمر القِيَادِيُّ الأول للشيخ القسام عند إعلانه الجهاد والثورة على الإنجليز واليهود سنة 1935م.
*وكانت آخر كلمات القسام في تلك الخطبة:
"باسمِ الله نُعلِنُ الثَّورَةَ، سأخرُجُ فَورًا إلى الجِهاد، لن أعودَ إلى هذا الجامع إلا بعد طرد الإنجليز واليهود". ثم خرج، وبعد بضعة أيام من تلك الخطبة، وتلك الكلمات استشهد في "معركة يَعبَد" بِجِنين، رحمه الله تعالى.
"أيها الناس، لقد علّمتكم أمور دينكم حتى صار كل واحد منكم عالِمًا بها، وعلّمتكم أمور وطنكم حتى وجب عليكم الجهاد، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهَد، فإلى الجهاد أيها المسلمون، إلى الجهاد أيها المسلمون".
*وكانت آخر كلماته قبيل استشهاده حين ناداه الضابط البريطاني مع أصحابه قائلا: "استسلموا تَنجُوا"؛ فأجابه القسام:
"لن نستسلِم، هذا جهاد في سبيل الله"، ثم هتف بأصحابه قائلا: "مُوتُوا شُهداء"، فرَدّد الجميعُ: "الله أكبر! الله أكبر!".
*"خُذ الأرض، لن تموت شهيدا إذا مِتَّ على هذه الحال، أنت مُنتَحِرٌ إذا لم تأخذ الأرض". قالها الشيخ القسام لعربي البدوي رفيقه لما رآه يُقاتل الإنجليز واقفا مكشوفا لهم، في "معركة يعبد".
الفصل الرابع عشر
الشيخ عز القسام في الكتب والمقالات
أولا: في الكتب المستقلة:
لقد كتب عن حياة الشيخ عز الدين وجهاده ودعوته وثورته الكثير من الكتاب والمؤرخين، كتبوا كتبا مستقلة عنه، وبعضهم كتب عنه بعضا من سيرته وجهاده وثورته ضمن كتاب وموضوع عام.
ومن وأهم أشهر الكتب المستقلة عنه:
1- "الشيخ عز الدين القسام: قائد حركة وشهيد قضية". للأستاذ حسني أدهم جرار، في 312 ص.
2- "الشيخ عز الدين القسام شيخ المجاهدين في فلسطين". للأستاذ محمد محمد حسن شراب، في 400 ص.
3- "الوعي والثورة في حياة وجهاد الشيخ القسام". سميح حمودة، 242 ص.
4- "تجربة الشيخ عز الدين القسام". دراسة: د. علي حسين خلف 76 ص.
5- "الوادي الأحمر: صفحات خالدات من سيرة الإمام عز الدين القسام". رواية عنه للأستاذ عبد الله الطنطاوي، شفاه الله، في 192 ص.
6- "الشيخ المجاهد عز الدين القسام". د. عبد الستار قاسم.
7- "عز الدين القسام". د. عز الدين إسماعيل.
8- "الشهيد عز الدين القسام: حياته وجهاده". ندوة تكريم الشيخ عز الدين القسام 2-3/كانون الأول/1993م، المستشارية الثقافية الإيرانية 136 ص.
9- "عز الدين القسام". لعاصم الجندي، 98 ص.
10- "ثورة الشيخ عز الدين القسام". د. عبد الجبار رجا العودة 107 ص.
ثانيا- تراجمه في الكتب والمجلات:
وهي كثيرة جدا، منها:
1- الأعلام". للزركلي ترجمة له جيدة 6/267- 268.
2- "الأعلام الشرقية في المئة الرابعة عشرة الهجرية". لزكي مجاهد، فيه ترجمة للشيخ في ج: 1/349.
3- "الإسلام وحركات التحرر العربية". لأستاذنا المؤرخ د. شوقي أبي خليل رحمه الله، ترجمة ضافية له، وعن ثورته، ص: 203- 212.
4- "البطل المجاهد الشيخ عز الدين القسام". لمصباح غلاونجي في مجلة "التراث العربي" الدمشقية، العددان (13- 14)، 1984م.
5- "تاريخ الثورات السورية في عهد الانتداب الفرنسي". لأدهم الجندي ص: 24- 25.
5- "جوانب مجهولة من حياة الشيخ عز الدين". لحسين عمر حمادة، ضمن كتاب: "الشهيد عز الدين القسام: حياته وجهاده".
6- "رجال من فلسطين". عجاج نويهض.
7- مجلة "حضارة الإسلام" الدمشقية، شباط وآذار 1969م.
8- "وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية (1918- 1939م). من أوراق الأستاذ أكرم زعيتر.
9- "الموسوعة الفلسطينية". فيها ترجمة الشيخ عز الدين، وثورته، وتراجم بعض أصحابه كـ: فرحان السعدي، نوح إبراهيم، يوسف أبو درة ... .
10- "الموسوعة العربية العالمية". السعودية، ج 18/177.
11- "الموسوعة العربية". السورية، ج15/374.
12- "القضية الفلسطينية". محمد عزة دروزة.
13- "تاريخ فلسطين الحديث". لعبد الوهاب كيالي.
14- "الثورة العربية الكبرى في فلسطين". لصبحي ياسين.
15- "أعلام الإسلام". للشيخ عبد الوهاب سكر.
16- "ثورات العرب في القرن العشرين".
17- "معجم المؤلفين السوريين". لعبد القادر عياش ص 418، 419.
ثالثا- مقالات ومواقع الشابكة: 1- "موسوعة عريق". ترجمة مطولة ورائعة وشاملة وغنية له، مختصرة من كتب ومجلات، ومواقع عدة.
2- "الشيخ عز الدين القسام: القصة كاملة". موقع "صيد الفوائد"، فيه ترجمة ضافية له ورائعة، مختصرة من كتاب شُرَّاب، وغيره.
3- موقع "إسلام أونلاين".
4- "المكتبة الشاملة"- "المعجم الجامع في تراجم المعاصرين".
5- "عز الدين القسام". موقع: "قصة الإسلام" للأستاذ راغب السرجاني.
6- "عز الدين القسام: مصطلح ديني وقائد ثورة، موسوعة الحركات الإسلامية". دراسة تحليلية لـ "المركز العربي للبحوث والدراسات". عبد الرحيم علي، الخميس 30/1/2014م.
7- "الشيخ محمد عز الدين بن عبد القادر القسام". "مجلة صفاء الإسلام"، ع (5) 1430هـ.
8- "75 سنة على استشهاده: هذه حكاية الشيخ عز الدين القسام مع الثقافة". ياسر علي، "مجلة العودة"، 10/3/ 2016م.
9- "عز الدين القسام في الأدب". مؤسسة فلسطين للثقافة، 5/3/2016م.
10- "تعريف عام بكتائب عز الدين القسام". الموقع الإعلامي لكتائب الشهيد عز الدين القسام، 6/4/2020م.
11- "عز الدين القسام". موقع "مقالات إسلام ويب".
12- "من هو عز الدين القسام؟". محاضرة للشيخ د. محمد موسى الشريف، على "اليوتيوب".
13- "شهادات حية في الذكرى الثالثة والسبعين لاستشهاد القسام". على موقع: "الجزيرة - نت".
14- مُسلسل: "عز الدين القسام". 1981م، "السينما كوم" 29/3/2016م.
الفصل الخامس عشر
مكانة القسام، وبعض الشهادات فيه، وأثره الكبير في الأمَّة
*مما قاله الشيخ نمر السعدي رفيق القسام أمام محكمة الانتداب البريطاني:
"إنني أعترف بكوني صديقًا للقسام ومن أنصاره، وأعتقد أن الشيخ عز الدين القسام على الحق في كل ما عمل، وليس على الباطل، ولم تكن له مآربُ شخصية، وإنما هو مجاهد في سبيل الله والوطن".
*وقال الأستاذ أكرم زعيتر عن الشيخ القسام:
"لقد سمعتُك قبلَ اليوم خطيبًا مُفوّهًا تتّكئ على السيف وتَهدُرُ من على المنبر، وسمعتك اليوم خطيبًا تتكئ على الأعناق ولا منبرَ تقف عليه، ولكنّك والله اليومَ أخطبُ منك حيًّا".
*وقال عبد الوهاب الكيالي في كتابه "تاريخ فلسطين الحديث" مُبينا نتائج معركة يعبد: "ولقد كان لاستشهاد القسام البطولي أثر عميق في فلسطين كلها، وسَرعان ما أصبح رمزًاً للتضحية والفداء ...، وهكذا ألقت ثورة القسام ظلًّا كبيرًا على المسرح السياسي الفلسطيني، وأصبحت كل محاولة لإقامة تقارب بين الفلسطينيين والسلطات الحكومية مكتوبًا عليها الفشل، وبعد أقل من شهر من اصطدام الجيش بالقسام أصبحت دائرة التحقيقيات الجنائية تعرب عن قلقها من تطور الأحداث، وعمَّ الحقد على الحكومة قرى فلسطين كلها، وأصبح الرأي العام ينظر إلى القسام وأتباعه نظرة تقدير بالغ، ويعتبرهم أبطالًا وشُهداء".
*وقالت جريدة "الجامعة العربية" بتاريخ 3/1/1936م:
"يحتفل أبناء فلسطين بإحياء ذكرى مُجاهد من سورية الشمالية سقط شهيدًا في سبيل استقلال سورية الجنوبية، وليس ذلك فحسب، بل قاد حملة جهاد لعلها الأولى من نوعها في تاريخ الإسلام الحديث في فلسطين، وسورية، والشرق العربي بأسره".
*قال المؤرخ أمين سعيد "كان القسام بعيدًا عن الشهرة والإعلان عن النفس، فكان في حيفا كما كان في جبلة وفي جبال اللاذقية وفي كل مكان نزله، كان عنوانًا للأخلاق الإسلامية، ومثالًا كاملًا للمسلم الحقيقي، الذي تذوَّق لذة الإسلام، واستنار بنور الإيمان واليقين، فما عُرف عنه ما يُريبه أو يُدنّس سمعته، أو يدل على انشغاله بالسفاسف والزخارف، فأحرز مرتبة رفيعة، ونال مقاماً ممتازًا".
*وقد وصف أحمد الشقيري حال عز الدين القسام قائلًا: "كنت على معرفة وطيدة بالشيخ عز الدين القسام، عرفته تقيًّا ورعًاً، خطيبًا دينيًّا صالحًا، واجتمعت به في مؤتمرات "جمعيات الشبان المسلمين" في حيفا وغيرها، ولم يكن يدور في خلَدي أو في خلد غيري، حتى من أصدقائه المقربين، أن هذا الشيخَ المُعممَ إمامَ الجامع كان يُهيئ نفسه لقيادة ثورة مسلحة ضد السلطات البريطانية مباشرة".
*وكتب الصحفي عبد الغني الكرمي عن مناقب القسام ومآثره فقال: "عرفته بعد أن أثقلت كاهله السِّنُون، وأربى على الستين، ولكن مجالدة الدهر ومقارعة الحوادث وصروف الزمان ما ألانت له قناة، وما أذلت له جناحًا لأحد، وما زادته إلا ورعاً وتقوى ... كان يمشي مطأطئ الرأس من خشية الله، وكان يتكلم في هدوء وتواضع واتزان، سمة العالم الواثق من نفسه، المؤمن برسالته، الحريص على تقوى الله وبث التعاليم الدينية الصحيحة بين الناس، وما سمعتُه على طول صلتي به لا يحبّ الإصغاء إلى لهو الكلام والمُهاترة والاستغابة، فإذا أمعن المُتحدثون في هذا الضرب من القول رفع رأسه وقال: "استغفروا الله أيها الناس"، وانصرف عنهم."
*قال"رودلف بيترز" صاحب كتاب "الجهاد في الإسلام قديما وحديثا":
"لقد تشكلت في أثناء الثورة الكبرى بفلسطين جماعات كثيرة، شنت حرب عصابات، ونجحت في شلّ الحكومة المدنية، وأخضعت مناطق واسعة من البلاد لسيطرتها، وإن كثيرًا منها كان يقودها أتباع الشيخ عز الدين القسام، وكانت تتصور النضال بمفهوم ديني بحت، إذ كانت تطلق على نضالها اسم الجهاد، وقد شابهت في عملها منظمات الجهاد المبكرة مثل السنوسية في ليبيا، والمهدية في السودان، والمحمدية في الهند".
وذكر أن تنظيم القسام أثر تأثيرًا كبيرًا في الثورة الكبرى في فلسطين (1936-1939م).
*من أعظم آثار القسام وبركة ثورته وجهاده ظُهورُ حركة "حماس":
هذا، وقد اختارت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) "عز الدين القسام" القسام؛ ليكون اسمًا لجناحها العسكري، وأعلنت كتائب القسام أن هدفها العام هو "تحرير كل فلسطين من الاحتلال الصهيوني الذي يغتصبها عنوةً منذ عام 1948م، ونيل حقوق الشعب الفلسطيني التي سلبها الاحتلال، فهي جزء من حركة ذات مشروع تحرر وطني، تعمل بكل طاقتها من أجل تعبئة وقيادة الشعب الفلسطيني وحشد موارده وقواه وإمكانياته، وتحريض وحشد واستنهاض الأمتين العربية والإسلامية في مسيرة الجهاد في سبيل الله لتحرير فلسطين".
وكانت هذه الحركة المباركة، وما زالت تجاهد وتقاتل العدو الصهيوني، منذ 40 سنة، هي وأخواتها الأخريات: -"الجهاد الإسلامي، وسريا القدس، والأقصى ..."- وتنكي فيه وتؤثر أكثر من جيوش 55 دولة إسلامية وعربية، وآخر أعمالها البطولية التي أذهلت وأدهشت العالَم -سوى أولياء اليهود والصليبيين من المنافقين والمُتخاذلين والمُنبَطِحين- عملية "طوفان الأقصى" منذ أكثر من 70 يومًا، وهي تقتل من جنود اليهود، وتأسر، وتُدمر آليَّاتهم، وتشفي قلوب المؤمنين، وتُرهب عدو الله من الصهاينة ومن حالفهم ووالاهم مِن حكام أمريكا وأوربا، ويهود العرب المُتصَهيِنين.
وسوم: العدد 1062