محمد المبارك الجزائري وجهوده في الفكر الإسلامي والدعوة

تأليف

الهاشمي قروف (الجزائر)

هذه رسالة ماجستير تقدم بها الباحث الهاشمي قروف في كلية العلوم الاجتماعية في قسم أصول الدين في جامعة الحاج لخضر في باتنة في الجزائر، ويقع الكتاب في 256 ص من القطع الكبير.

التعريف بالمفكر:

هو محمد بن عبد القادر بن محمد المبارك الحسني الدلسي المالكي الجزائري ويتصل نسب اسرته الى نسب الحسن بن علي رضي الله عنهما وهي اسرة ذات علم وأدب ودين وصلت الى الشام مع المهاجرين الجزائريين ابان الاحتلال الفرنسي للجزائر والتضييق على أهل العلم

ولد محمد المبارك في 1330للهجرة /1912م في دمشق فكناه أبوه بأبي هاشم، وله من الأخوة ستة ذكور وثلاث أخوات، وكان جده عالماً أديباً زاهداً، وكذلك عم أبيه محمد الطيب كان مقرئاً وشيخاً في الأدب والتصوف

كل هذا جعل دار أهله مرتاداً للعلماء الوافدين من البلاد العربية والشام وكان دائم الحضور لتلك اللقاءات والندوات بالإضافة الى دوام التواجد في المسجد الأموي الكبير وقلعة دمشق لتحصيل العلم في العطل الصيفية مما صقل شخصية محمد المبارك وأنضجه مبكراً.

درس المبارك في المدارس النظامية في دمشق ما بين 1920—1932م وأنهى الثانوية العامة بفرعها العلمي فيها وتفوق في الرياضيات الى جانب اللغة العربية كما تعلم اللغة الفرنسية بحكم سياسية الفرنسيين واطباق الاحتلال الفرنسي للشام

ثم درس الحقوق والآداب في جامعة دمشق وتخرج 1965م ودرس على شيخ علماء الشام في الاجازة الصيفية (محمد بدر الدين الحسني) وعلى يد والده عبد القادر المبارك الذي كان يعتبر من الأعلام في الشام عموماً

وقد تحدث عن شيخنا محمد بن المبارك الكثير من علماء الأمة مثل: الشيخ العالم محمد كرد علي، والشيخ علي الطنطاوي، وما فتئ شيخنا بذكر فصل شيخه الحسني، ووالده عبد القادر، والأمير شكيب أرسلان من خلال مواقفه المناهضة للاستعمار، والذي التقاه في باريس حيث كان المبارك في بعثة علمية، وكان أرسلان منفياً هناك مناضلاً عن قضايا الأمة لتحريرها.

وبعد انهاء دراسته في باريس عاد الى الشام وعمل في التعليم الثانوي في مدينة حلب كأستاذ للأدب العربي، وفيها تزوج زوجته التي تنحدر من آل البيانوني، ثم انتقل الى دمشق، ودرّس في ثانوياتها الأدب والأخلاق والمنطق والفلسفة حتى عام 1945م حيث ظهر الفكر القومي اليساري فواجه معارضة كبيرة من الحداثيين والقوميين، ولاسيما ساطع الحصري آنذاك (منظر الفكر القومي).

أما نشاطه في التعليم الجامعي فبدأ في 1947م حيث درّس في جامعة دمشق فقه اللغة لمدة عشر سنوات، وبعد تأسيس كلية الشريعة 1954/1955م تم تعيينه أستاذاً فيها، فدرّس فقه اللغة -ونظام الإسلام -والعقيدة- وعلم الاجتماع.

وتولى تكوين أقسام رئاسة العقائد ومقارنة الأديان ليعين عميداً للكلية خلفا للدكتور مصطفى السباعي – رحمه الله- من 1958 -1964م في عهد الوحدة بين سوريا ومصر حيث قدّم تقريراً لوزارة التربية عن التعليم في الأزهر لجميع أقسامه ضمن نظرات جديدة.

وأصبح الأزهر بمقتضاها متعدد الاختصاصات، فعمل بالتخطيط في كلية الشريعة جامعة دمشق ثم لجامعة الأزهر.

وفي الوقت ذاته بدأ نشاطه السياسي 1947م لمدة أحد عشر عاماً، وعمل بالدعوة، كما نالت الدراسات الاجتماعية جزءاً بارزاً من إنجازات المبارك وتشمل:

العقيدة في القرآن – نحو إنسانية سعيدة- الفكر الحديث في مواجهة الأفكار الغربية -الإسلام والفكر العلمي- الإسلام والتيارات الفكرية العالمية--بين الثقافتين الغربية والإسلامية – نظام الإسلام والحكم والدولة وغيرها الكثير من الدراسات

مؤلفاته:

خاض شيخنا غمار البحث والتأليف منذ سن مبكرة وتتوزع آثاره في ثلاثة مجالات:

الأبحاث والدراسات اللغوية والأدبية:

وتشمل: ( فن القصص في كتاب البخلاء 1940م- من منهل الأدب الخالد دراسة تحليلية لنصوص القرآن 1960- عبقرية اللغة العربية 1949م- فقه اللغة وخصائص العربية 1980م القرآن عربي الخطاب، إنسانيّ الرسالة: مقال في مجلة حضارة الإسلام 1960م.

الدراسات الاجتماعية:

وتشمل: الأمة العربية في معركة تحقيق الذات 1959م- المجتمع الاسلامي المعاصر 1971م- الأمة والعوامل المكونة لها 1975- نحو صياغة إسلامية لعلم الاجتماع – جذور الأزمة في المجتمع الإسلامي 1977م- تركيب المجتمع السوري ورؤية إسلامية مبكرة لحل الاشكال العرقي والطائفي الحزبي في سوريا ( دراسة أنجزها 1958م) وتم طباعته 2003م في الأردن.

الدراسات والبحوث الإسلامية:

وتشمل: نحو إنسانية سعيدة 1961م -العقيدة في القرآن الكريم 1968م – الفكر الإسلامي الحديث في مواجهة الأفكار الغربية 1968م --أفكار ابن تيمية ومدى تدخلها في المجال الاقتصادي 1973م—الإسلام والفكر العلمي 1978م—بين الثقافتين الغربية والعربية 1980م—الاسام والتيارات الفكرية العالمية العالمية 1997م—مذاكرات في الثقافة الإسلامية – نظام الإسلام العقائدي في العصر الحديث 1978م –نظام الإسلام العقيدة والعبادة 1968م – نظام الاقتصاد والمبادئ العامة 1972م – نظام الإسلام الحكم والدولة 1974م—نظرة الإسلام العامة الى الوجود وأثرها في الحضارة

منهجه في البحث والكتابة:  

يعتمد في تأليفه أسلوباً حديثاً وموضوعياً في تناول الفكرة والتدليل لها، ولا يهمل ملامسة العاطفة، وتتميز مؤلفاته بالاعتدال والتوسط أما عن علاقاته بالعلماء داخل الشام فهي (علاقته وثيقة مع الدكتور مصطفى السباعي الذي لازمه بعلاقة مميزة – أيضاً معروف دواليبي – محمد بهجة البيطار—مصطفى أحمد الزرقا—والعلامة عبد الفتاح أبو غدة –والشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني—والداعية عصام العطار—ود. محمد أديب الصالح، ود. صبحي الصالح (لبنان)– والمؤرخ محمد راغب الطباخ )

أما خارج الشام:

فقد تميزت علاقات الوطيدة بالشيوخ الكرام: (الداعية محمد غزالي –والعلامة د. يوسف القرضاوي—والمفكر محمد قطب—والمجاهد محمود محمد الصواف—والإمام أبو الأعلى المودودي--- والداعية المفكر أبي الحسن الندوي ...وغيرهم كثير).

وفاته:  

توفي الأديب الداعية محمد عبد القادر المبارك في 3 كانون الثاني 1980م أثر أزمة قلبية في المدينة المنورة، وصلّي عليه في مسجد قباء يوم الجمعة، ووري الثرى في البقيع برفقة صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أثر رحيله المفاجئ في أوساط لمفكرين والدعاة والمفكرين والعلماء، واعتبر رحيله خسارة لا تعوض للفكر الإسلامي والدعوة الإسلامية، ومن ثم نظمت قصائد في رثائه أشهرها قصيدة الشيخ محمد المبارك الجزائري السوري المسلم ضحية الاغتراب والمطارد ة في سبيل الحق والايمان للشاعر محمد ضياء الدين الصابوني.

الفصل الثاني: جهود محمد المبارك في الفكر الإسلامي:

استعمل محمد المبارك التصور الإسلامي في نفس المراد عند سيد قطب فقد عرض واستعرض حقائق الإسلام الثابتة والقطعية في العقيدة والشريعة والأخلاق الواردة في النص من غير زيادة أو نقصان.

كما استعمل مصطلح الفكر الإسلامي، وهو عند المعاني التي يحملها الوحي الكريم والمعاني القطعية بلا ريب.

اما الإطار المرجعي لفكره:

فكان نصوص الإسلام، وتراث المسلمين المعرفي، والتراث الإنساني المشترك بين الحضارات والثقافات.

الرؤية التجديدية في فكره:

يرى محمد المبارك أن نهضة الأمة، وتطورها لن يتحقق إلا بحركة شاملة تقوم على تطبيق مفهوم التجديد والإصلاح في الجماعات المجددة دون تجاوز القواعد العامة التي رسمتها الرسالة الإسلامية، وأشار في أكثر من موضع في مؤلفاته الى ضرورة القيام بعمل إصلاحي وتجديدي من أجل هذا الدين.

ويرى أن ذلك عمل حيوي ومستمر في الأمة ويرى أن التجديد يرافق التأصيل الذي ورد في القرآن والسنة النبوية وكانت مجالات التجديد عنده في (0 اللغة والأدب—مناهج التعليم—أسلمة المعرفة العلوم الاجتماعية—صياغة الرؤية الإسلامية أو بناؤها بما يناسب العصر

حيث ارتأى في مؤلفاته أن تطوير التعليم وأن تكون هناك دراسات إسلامية مشتركة بين جميع الأقسام بين جميع الكليات في الجامعات وتكون دراسات إسلامية مناسبة لتخصصات جامعية محددة ودعا الى صياغة العلوم الاجتماعية صياغة إسلامية أو أسلمة المعرفة الاجتماعية

أما عن موقفه من الفكر الغربي والحضارة الغربية، فقد نظر للغرب من الوجهة الجغرافية السياسية ومن الوجهة المفهومية بإطاره الحضاري الذي يتمثل في نموذج الغرب في الحياة والرموز الثقافية الفكرية ومظاهر وجود،ه وانتشار سلعه وانماط حياته في العالم.

وقد أتقن محمد المبارك اللغة الفرنسية، فكانت المفتاح إلى عمق الفكر الغربي وتخصص في أحد فروعه، وهو علم الاجتماع، واستثمرها في الفكر الإسلامي.

كما رصد صدى وأثر الفكر الغربي والحضارة الغربية في البلاد الإسلامية زما أحدثه من ارتجاجات ضخمة هزت كيان الأمة من1 الاحتكاك المباشر بين الأمة والحملات الاستعمارية الغربية وأثرها السلبي العميق في مسيرة الأمة

ودعا لرصد التيارات الفكرية الكبرى المؤثرة في الفكر الإسلامي كالعلمانية والقومية، واجتهد في إبراز الاختلافات بين الأمة الإسلامية وأمم الغرب وأسباب نشوء ومآلات هذه التيارات.

وتميزت أبحاثه بقدرة نقدية فائقة في تناول هذه القضايا بموضوعية من حيث التحليل والبيان والنقد المستند الى الحجج العلمية والمنطقية.

وكان من خصائص ومميزات فكره الاعتدال والوسطية -الوعي والعمق والرشد في الطرح—التحليل والشمولية

حيث كانت معركته مع خصوم الإسلام تشمل كل جوانبه لسانا وعقيدة وشريعة ومنهج حياة ونظام اخلاق واقتصاد واجتماع

الفصل الثالث: جهوده في الدعوة:

سخر محمد المبارك حياته كلها في خدمة الدعوة، فقد قضاها في خدمة الإسلام، وكان يدعو بسلوكه وأحلامه، ويبين الإسلام في كتبه ومحاضراته ومقالاته في حله وترحاله فكان شخصية دعوية في المقام الأول.

ويستند محمد المبارك في تكوين نطرته إلى الدعوة انطلاقاً من إيمانه بالإسلام كرسالة يلتزم بها في نفسه وبيته وأسرته القريبة والبعيدة وحياته الفكرية والعملية فكانت الدعوة الإسلامية بالنسبة له تمثل مهمة ورسالة خاصة تتمثل في انقاذ الامة مما آلت اليه وإنقاذ الإنسانية كلها نت المآزق التي أوجدت نفسها فيها وتمثلت أسس الدعوة عنده:

بتوضيح الفهم الصحيح للإسلام والعناية بفهم الواقع والعناية بفهم القواسم المشتركة بين مكونات الأمة

كما لم ير نجاح الدعوة فورة او وثبة كوثبة نار القش بل كان يدرك أن المطلوب هو تحويل العواطف الى عزائم وهمة وطموح ومثابرة للتغلب على الانكسارات النفسية التي يصدمنا بها الواقع فاجتهد في المجال التعليمي التربوي لمعرفة الذات ووعي الهوية ووصف الواقع توصيفا دقيقا لأن ذلك شرط في قيام النهضة ونجاح العمل الدعوي فاختار التدريس واعتبر ان تحقيق أهداف الدعوة يتحقق بثلاثة أهداف هي:

1- تحقيق المعرفة الكاملة بالإسلام المبنية على القران والسنة الشريفة

2- تقوية الشعور بالانتماء الى الأمة الإسلامية او الجماعة المسلمة أو المجتمع المسلم

3- معرفة العلوم التي تقوم بها دنيا المسلمين.

المجال السياسي: عايش محمد المبارك نشأة حركة الإخوان المسلمين في شكلها التنظيمي في مصر وامتدادها الى الشام على يد الدكتور مصطفى السباعي وغيره.

وكان يرى أن العمل الدعوي منسجم ومتناغم مع منهج الإخوان، ولاسيما في التدرج والمرحلية.

فدخل المعترك السياسي لما فرضه عليه الواقع من وجود مناخ الحرية وإقرار الأحزاب الغربية الفكرة والتصور والبعيدة عن الإسلام في تلك الفترة.

وكان يرى أن ترك الساحة فارغة قد يدفع بالضرورة الخصوم إلى ملئها.

واعتبر ان العمل السياسي منبر يدافع من أعلاه عن الإسلام كشريعة وعبادة ونظم وقيم وحضارة.

ويظهر ذلك جلياً في وضع دستور 1951م حيث شبت سجالات كبيرة بين النواب حول أسس الدستور، ومكانة التشريع الإسلامي فيه، فكان لوجود المناصرين للفكرة الإسلامية من الإخوان المسلمين، وعلى رأسهم الدكتور السباعي الأثر البالغ في إقرار نصوص الدستور على أسس الشريعة الإسلامية.

وأما عن تواصله الجماهيري: فقد طرق جميع أبواب الدعوة، واستعمل الوسيلة الإعلامية، والتبليغ المباشر لتبليغ الإسلام إلى أكبر مساحة من الناس بشكلين تقليدي وتقني.

تحديات الدعوة عند محمد المبارك:

تواجه الدعوة الإسلامية مشاكل كبيرة ومعقدة ومتنوعة وتاريخية ومنهجية فكرية وواقعية مرتبطة بالسياسة والثقافة والاجتماع والاقتصاد

وعليه فهي تواجه تحديات ذات أبعاد شتى زاد من حدها المحيط العالمي من خلال عالمية اقتصاده القائم على الاستغلال والظلم من خلال وسائل إعلامه المهيمنة والصانعة للرأي العام، والذي يميل بكل معطياته لتحقيق مصالح العالم الغربي المتفوق المتنفذ، ومن بين التحديات:

1-تحديات داخلية مرتبطة بواقع الأمة على جميع المستويات في الحياة بدءاً من المفاهيم المشوهة الموروثة عن الإسلام كمفهوم عبادة وصولاً الى الارباك الذي لحق بعقول كثير من أبناء الأمة تجاه افرازات الحضارة – الغربية التي سيطرت على واقع الامة الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وصولا الى أخطرها وهو تشويه هوية الأجيال

2-تحديات مرتبطة بالواقع الدعوي: وهي تحديات خارجية تتعلق بمكر الأعداء وكيدهم وداخلية تتمثل بأمراض التعصب والهوى والجهل والتي تشكل الخطر الحقيقي على الدعوة

فقد شخص المبارك اختلافات الأمة التي جعلت الامة تعيش على العصبيات الفقهية والكلامية والتصوفية ما أرهق عقل الأمة الجمعي وإعاقه عن قيامه بدوره الدعوي الرشيد.

ويرى أن العصبيات أثرت سلباً على واقع المسلمين، واختصرت الدعوة إلى الله تعالى بالدعوة لمذهب متعصب له الداعية.

3-تحديات مرتبطة بالتأثير الخارجي: لما للقوى الاستكبارية على العالم الإسلامي من قوى تسلط وزاد من هذا التسلط التطور التقني الذي قرّب المسافات والأزمنة معاً وجعلت الهيمنة الخارجية تظلل مختلف أصقاع العالم.

وأخيراً:

هنا رست سفينة البحث في ترجمة المفكر محمد المبارك وصاحبنا شيخنا وترحلنا مع حياته، وجهوده الفكرية والدعوية حيناً؛ وليكون ذلك تبياناً لشخصية محمد المبارك وإسهاماته في الفكر والدعوة.

وسوم: العدد 1062