ديوان حقد الغرب على الشرق
محمد هيثم عياش
يعتبر الشاعر الالماني يوهان / يحيى / فولفجانغ فون جوتيه / 1749 – 1832 / فخر المانيا واوروبا بل هو بالنسبة لكثير من أدباء اوروبا امير الشعراء مثل الشاعر احمد شوقي رحمه الله الذي جمع في شعره مجالات السياسة والدين والغزل وغير ذلك . وبالرغم من أن جوته كان يعتبر مع معاصره ورفيق دريه فريدريش شيللر / 1759 – 1805/ أب الماسونية في اوروبا ، فقد وضع من بين دواوين شعره ديوان الشرق والغرب الذي امتدح فيه الاسلام ورسول الله محمد صلى الله عليه وسلم حتى انه وصفه بذلك الرجل الحكيم والسياسي والاجتماعي والاسلام دين ودولة جمع جميع نواحي الحياة وفروعها حتى قال كلمته التي لا تزال مسطورة في كتب الادب والسياسة الالمانية والاوربية بأنه اول مسلم . وتعليقا على ديوان جوته / الشرق والغرب والاسلام / رأى المستشار الالماني السابق جيرهارد شرودر ومن بعده الرئيس الالماني السابق كريستيان فولف باحدى محاضراتهما انه من يعتقد بان الشرق لا يلتقيان يخطئ تماما فالشرق والغرب تؤأمان ولولا الشرق لما كان للغرب حضارة .
وتعتقد عالمة الادب والسياسة الالمانية كاترينا مومسن التي درست في الولايات المتحدة الامريكية وتعيش بالعاصمة برلين ان ديوان الشرق لـ / جوتيه / يجب اعادته الى السياسة والاجتماع في اوروبا ليكون مناوئا لديوان الغرب والشرق المملوء حقدا على الاسلام فالديون المذكور غير موجود كتابة ولكنه موجود بالسياسة والمجتمع الاوروبي وذلك جراء ارتفاع ظاهرة المعاداة للاسلام في اوروبا وبالتالي خطط الغرب الشيطانية التي استطاعت اقناع بعض حكومات الدول العربية التفريق بين الاسلام كدين جامع لنواحي الحياة وبين الاسلام الكنسي أي الاسلام الذي يخلو من الروحانية والحركة والاسلام المنحصر بين جدران المسجد .
جاء ذلك بندوة حول ارتفاع ظاهرة العنصرية والمعاداة للاسلام واليهود ايضا في اوروبا ولا سيما في المانيا وفرنسا ، فاستاذ مادة التاريخ الوسيط في جامعة هومبولدت البرلينية هاينريش اوجوست فينكلر يؤكد ان العنصرية موجودة ضد الاقليات الدينية في اوروبا منذ العصور الوسطى ، فاليهود الذين كانوا يعيشون مع المسلمين في اسبانيا تركوا تلك البلاد اثر بطش الكاثوليك في اسبانيا بالمسلمين واليهود على حد سواء عندما استولى الملك فرديناند وزوجته ايزابيلا على آخر معاقل بني الاحمر في اسبانيا الى المغرب وفرنسا ، حتى انهم قبيل فتح المسلمين لشبه جزيرة ايبريا من الروم القوط يعانون من اضطهاد ديني ولم يتمتعوا بالحريات العامة وممارسة عقيدتهم الا في ظل المسلمين ولما هربوا من الكاثوليك الى فرنسا لم ينعموا بأي حرية دينية فقد كان عددهم في فرنسا الى وقت الثورة الفرنسية عام 1789 لا يتجاوز الاربعين الفا ولما أعلنت الفرنسيون ثورتهم على الكنيسة والقيصرية الفرنسية تحت شعار/ حرية وأخاء ومساواة / تدفق اليهود من اوروبا ولا سيما من المانيا الى فرنسا ليصل عددهم الى اكثر من مائة الف شخص ولما وجدوا ان تلك الشعارات كانت جوفاء تقلص عددهم ، وحادثة 7 كانون ثان / يناير 2015 الباريسية ضد صحيفة / شارلي اويند / لم يكن ضحاياها من اليهود فقط بل كان ضحاياها مسلمون ايضا الذين يعانون من اضطهاد وتمييز ديني وعنصري اكثر مما يعاني اليهود منه فاوروبا بعنصريتها وتمييزها الديني مسئولة عن وضع الزيت على النار ليزداد اشتعالا ضد المسلمين .
ديوان حقد الغرب على الاسلام يكمن بسعي الغرب فصل الدين عن الدولة أي أن تلغي الدول الاسلامية التي تؤكد بان الشريعة الاسلامية دستورها وأن يصبح الاسلام في بلادها مثل المسيحية فالاسلام دين حركي يشمل علاقة الدولة بالمجتمع وعلاقة الفرد بالمجتمع وعلاقة المجتمع بالفرد وعلاقة الدولة المسلمة مع الدولة الغير مسلمة اضافة الى تشريع اقتصادي من مفهوم الاسلام ذلك التشريع الذي أخذته اوروبا وقامت بتطبيقه في حكمها وضحكت على الدول الاسلامية وساعدتها بانتهاج قوانين اقتصادية كانت وراء انتشار الفقر وفقدان الحريات العامة ، فبريطانيا مثلا كانت قد استدانت من مصر قبيل الحرب العالمية الثانية خمسين مليون جنيه واصبحت مصر الان مديون بمبالغ مالية توازي قمم الجبال ، بل ذهب الغرب الى اكثر من ذلك فأوغر صدر زعماء بعض دول منطقة الخليج العربي على جماعة الاخوان المسلمين الامر الذي جعل من بعض حكوماتها وضع تلك الجماعة بقائمة الارهاب ، علما ان الجماعة هذه ليست افرادا بل تمثل شعوبا على حد رأي استاذ العلوم السياسية في جامعة مدينة ترير / جنوب غرب / هانس فالتر ماول ، الذي أكد الى ضرورة العودة الى ديوان جوته / الشرق والاسلام / من اجل مصالحة حقيقية بين الاسلام والغرب يذهب نفعها الى سلام دولي مستقر ، ولسان حاله مثل قول الشافعي رضي الله عنه :
عداي لهم فضل علي ومنة فلا أبعد الله عني الاعادي
هموا بحثوا عن زلتي فاجتنبتها وهم نافسوني فاكتسبت المعالي
بينما رأت خبيرة منطقة الشرق الاوسط والجماعات الاسلامية بالجمعية الالمانية للسياسة الخارجية زيلكيه تيمبيل ان اي محاولة لفصل الاسلام عن السياسة والقضاء على الاخوان المسلمين سياسيا ومعنويا مصيره الفشل وحوار حقيقي مع الجماعة المذكورة كفيل بعدم انتشار ديوان الحقد الغربي على الاسلام بأكثر مما عليه الان أي انحساره .
وكان الرئيس الالماني يوئاخيم جاوك الذي زار هذا اليوم الجمعة 13 شباط / فبراير مدينة درسدن بمناسبة مرور سبعون عاما على قصف وهدم الحلفاء لمعالمعها زمن الحرب العالمية الثانية حتى كادت ان تصبح أثرا بعد عين ، قد اشار بكلمته التي ألقاها بأنه على سكان هذه المدينة ان يتعلموا من أخطاء العنصرية الالمانية فالجبهة القومية الاوروبية المعادية للوجود الاسلامي / بيجيدا / وتزعم انها تريد حماية اوروبا من الاسلام وتدعو الى المظاهرات المناوئة لهذا الدين في درسدن جعلت من هذه المدينة سيئة الصيت وسمعتها اصبحت ردئية لدى الالمان وغيرهم والضرورة ملحة لتمزيق ديوان الحقد على الشرق.
