الإخوان المسلمون في العراق

د. محسن عبد الحميد

كتاب جديد للدكتور محسن عبد الحميد

صدر عن دار المأمون للنشر والتوزيع في عمان / الأردن كتاب جديد للدكتور محسن عبد الحميد العالم والداعية والسياسي العراقي ، وعنوان الكتاب : الإخوان المسلمون في العراق (1945-2003)، وقد ضمنه خلاصة تجربته الدعوية وسجل الأحداث المرتبطة بتاريخ الجماعة في العراق ، والكتاب ذو أهمية بالغة لأنه صادر عن شاهد على ما يكتب ، في كثير مما ورد في كتابه ، وقد توافق صدور هذا الكتاب مع كتاب آخر للباحثة الأكاديمية الدكتورة إيمان الدباغ سيرد تعريف به من بعد إن شاء الله ، ولكل منهما منهج ومدى زمني مختلف ، وللتعريف  بالكتاب أورد مقدمة المؤلف له فهو أقدر على بيان كتابه :

مقدمة

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد وآله وصحبه أجمعين. وبعد :

فإن تسجيل تاريخ بلد ما بكامله، وعرض تفاصيله بدقة وموضوعية وإنصاف، يساعد الباحثين في فهم ذلك البلد، وتحليل ما جرى فيه من تطور ونمو، أو إعاقة وتأخر؛ في اتجاهات الحياة كلها.

والعراق في العصر الحديث؛ مرّ بظروف معقدة ولّدت تيارات فكرية وسياسية متنوعة كثيرة، بعضها نبع من أعماق المجتمع العراقي ومشاكله، وبعضها الآخر كان وليد العوامل الخارجية الغريبة عنه، تاريخاً وديناً وحضارة.

ومن تلك التيارات التي نبعت من المجتمع العراقي الذي هو جزء لا يتجزأ من المجتمع العربي والإسلامي، التيار الإسلامي الذي تجسد بأوضح ما يكون في حركة الإخوان المسلمين التي دخلت فيه من شقيقته الكبرى، مصر العربية المسلمة، للظروف نفسها التي وجهت المرحلة الحضارية المتشابهة في البلدان الإسلامية وسائر البلاد العربية.

على أن أي تيار اجتماعي أو سياسي لا يظهر في مجتمع ما فجأة ودون مقدمات، لأن الاستجابات الاجتماعية والحضارية تعقب دائماً التحديات التي تواجه مجتمعاً ما أو حضارة ما.

إن التحديات الكبرى التي واجهت المجتمع العراقي بعد الحرب العالمية الأولى، كانت نتيجة التأخر والجهل والجوع والمرض وانعدام التوجيه الإسلامي السديد أيام الدولة العثمانية، والتي أسلمته إلى الاحتلال الإنجليزي الغاشم، الذي بدوره حاول إضعاف العراق وتمزيقه ومحاولة القضاء على مقوماته الإسلامية المرتبطة بتاريخه ودينه وأمجاده وثقافته وحضارته.

تارة بنشر التغريب اللاديني فيه، وتارة بسوقه إلى التغريب الشيوعي الذي أراد أن يسلم المجتمع العراقي في ظل الشعارات البراقة إلى ساحة احتلال، لم تكن بأقل خطورة من الاحتلال الإنجليزي الظالم.

ومن هنا كان لابد للإسلام أن يتحرك لإعادة وجه العراق إلى أصالته وقاعدته الإسلامية، وتخليصه من قيود الغرباء والدخلاء، سواء أكانت تلك القيود متمثلة في احتلال عسكري، أم استلاب فكري حضاري غريب.

وكان للإخوان المسلمين النصيب الوافر من ذلك الجهاد الإسلامي الشامل الذي شمل :

مقاومة الاستعمار الإنجليزي، بفضحه وكشف عملائه وألاعيبه، وبيان حكم الشريعة الإسلامية في تحريم موالاته، والدخول في أحلاف استعمارية عسكرية معه.

الوقوف أمام الشيوعية ورد مفترياتها وزيف مبادئها التي أرادت أن تسلب العراق إسلامه وعروبته وكيانه المستقل.

إحداث وعي إسلامي حقيقي بين أبناء الشعب العراقي، كي يحصنهم من الأفكار المستوردة المخالفة لأصول العقيدة الإسلامية، والمنافية لشريعتها ونظام أخلاقها.

دفع العراق إلى الخط الأمامي للدفاع عن مقدسات الأمة في فلسطين، ودحر مخططات اليهودية العالمية في الأرض العربية المسلمة.

انتشال المجتمع العراقي من وهدة التأخر والسقوط، كي يأخذ مكانته التاريخية السامية في البناء الحضاري الإنساني من أجل تحويل العراق إلى مركز إشعاع عالمي من جديد.

ومن هذا المنطلق فإن كتابة تاريخ ظهور جماعة الإخوان المسلمين في العراق، وما قاموا به في فترة الدراسة، من أشرف الأعمال، على المستوى العراقي والعربي الإسلامي، غدت ضرورة تاريخية، حتى يعلم إخوانهم الآخرون الذين ضمتهم تيارات قومية ووطنية في الفترة نفسها، ومن جاؤوا بعدهم، أن هؤلاء الإخوان من أبناء جلدتهم كانوا مخلصين لدينهم ووطنهم، عاملين في سبيل سعادته وتقدمه، ولم يكونوا رجعيين عملاء كما نشر عنهم الإرهاب الشيوعي والانحراف اللاديني والماسوني، لإبعاد العراق عن كل ما يمت إلى الإسلام والعروبة المؤمنة والوطنية الحقة.

ولذلك فإنني أرجو أن تملأ هذه الدراسة، فراغاً واضحاً في المكتبة العراقية خاصة، والإسلامية عامة، وأن يكمل بها رصد جوانب مسح المجتمع العراقي كله، من أجل أن تزول رواسب الصراعات الحزبية والمذهبية والطائفية الماضية، ويعترف كل طرف من أطراف العمل الجاد في هذا الوطن؛ بما فعله أخوته من أجل الأمة التي ينتمي إليها، ليتحصن الجميع في خندق واحد من أجل بناء عراق مسلم أبي، ينتمي إلى أمته العربية المسلمة ويعتز بإسلامه الذي هو أثمن شيء في تاريخه وحاضره ومستقبله، ليأخذ موقعه الحضاري، كما كان شأنه دائماً في تاريخه المشرق الطويل.

منهجي في هذه الدراسة :

لابد لكل من يتصدى لكتابة تاريخ جماعة أو ظاهرة أو بلد، أن يسير على منهج واضح يستهدي به فيما يكتب ويحلل، ولذلك فإنني رسمت لنفسي منذ البداية منهجاً يقوم على الأسس الآتية :

إن التاريخ يكتبه صانعوه أو القريبون من أحداثه، ولذا فأول ما فكرت أن أتوجه إلى العاملين الأولين في حقل جماعة الأخوان المسلمين لاستطلاع رأيهم في الواقع والأشخاص، والذين اخترتهم، أعرفهم معرفة شخصية، واثق بوعيهم ونزاهتهم وصدقهم في رواية الأحداث والحكم على الأشخاص وتحليل الظروف والأحوال.

ما أجابوا عنه من أمور معظمها ليس غريباً عني وعن معلوماتي واستنتاجاتي، ذلك لأنني أعدّ نفسي أيضاً مصدراً من مصادر ما كتبت، لأنني عاصرت تلك الأحداث العامة والخاصة التي تتصل بفترة الدراسة، لاسيما من نهاية الأربعينيات إلى نهاية فترة الدراسة، فقد عشت طوال هذه الفترة في عمق الصراع الاجتماعي، ألاحظ وأرى وأراقب وأتتبع وأقرأ كل شيء يتصل ببلدي وأمتي، ولم أبتعد عن الأحداث الخطيرة، التي جرت لها، وما مر بها من أحداث إقليمياً وعالمياً.

ومن هنا فإنني أستطيع أن أكتب تاريخ بلدي من حفظي في الأقل من منتصف هذا القرن إلى اليوم (2003) لأنني شاهد عيان وقارئ حاضر لكل ما وقع لبلدي من كبيرة وصغيرة.

ومع ذلك حاولت أن لا أنفرد بكتابة هذا التاريخ وإنما مشيت على المنهج العلمي في الاعتماد على المصادر الموثقة.

ولم أعتمد على رواة الوقائع الصادقين عندي فحسب، وإنما لجأت أيضاً إلى المصادر المساعدة أو الثانوية، كلما تطلبت ضرورة توثيق المعلومات التكميلية منها لتوضيح الحدث وما حوله.

ولا أزعم أنني أستطيع أن أتجرد تجرداً تاماً من ذاتيتي، ولا يستطيع أحد أن يفعل ذلك. وحسبي أن أحاول نشدان الحق، وأن أكون عادلاً في التعبير عما اعتقده وعما أروي عن الآخرين.

فإن أصبت فذلك توفيق من الله سبحانه وتعالى، وإن أخطأت فذلك مني ومن الشيطان، كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه .

والله أسأل أن يثبتنا على الحق، وعلى العهد الذي قطعناه على أنفسنا لنصرة الإسلام والمسلمين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

25 ذو القعدة 1429هـ

23 نوفمـــــبر 2008م