سيّدة باكية في مفترق الطرق
كتب .. كتب .. كتب :
إثنان وثلاثون – عبد الكريم عيسى :
د. حسين سرمك حسن
عن دار تموز للطباعة والنشر في دمشق صدر كتاب "سيدة باكية في مفترق الطرق وترجمات أخرى من النقد الأدبي الحديث" للمترجم "عبد الكريم عيسى" (151 صفحة) .
قدّم للكتاب الأستاذ "عدنان عزيز دفّار" حيث أشار إلى أن مترجمه عبد الكريم عيسى استطاع – في قراءة منفردة لمجموعة من النصوص الأدبية الرشيقة – أن يضع الزيت في القنديل تاركا لنا لحظة التمتع بالضوء :
(وعبر زمن قراءتنا للنصوص، تعظم متعة الإستمتاع بأضواء الكشف والإرتقاء إلى قمة التواصل معها . ومن خلال ولوجنا إلى ما وراء عتباتها ، نجد أنها أضحت إضاءة وإضافة جديدة إلى المكتبة العربية ، وإغناء جاداً للمشهد الثقافي في مدينة الإبداع الناصرية) (ص 5) .
ومن خلال المقدّمة نفهم أن المترجم عبد الكريم عيسى هو مترجم جيّد وقد حافظ على روح النصوص المترجمة ونضارتها برشاقة وأناقة (ص 5) ، لكننا لم نعرف ما هي النصوص وما هي أهميتها وما هي طبيعة الإضافات الجديدة التي حقّقتها إلى المكتبة العربية !
وقد ضم الكتاب مجموعة من المقالات المترجمة منها :
ما هو الشعر ؟ ، الشعر إزاء النثر ، كيف تقرأ قصيدة ؟ ، ما الذي يصنع القصيدة ، سيدة باكية في مفترق الطرق ، ترنيمة لشباب محكوم عليهم بالموت ... وغيرها .
وقد كانت للناقدة "سارة ثورن – sara thorne" ثماني مقالات ، وللناقد "آلان رودوي – alan rodway" خمس مقالات ، من مجموع المقالات الخمس عشرة التي ترجمها المترجم.
وقد توقّفت طويلاً عند مقالة "شاعر من جورجيا نيكولوز باراتاشفيلي – الشاعر الذي لم ير في حياته بيتا مقردا مطبوعا من قصائده" للناقد لافروز كالانديز . لقد ترجمها عبد الكريم عيسى بصورة مؤثرة بخلاف المقالات الباقية التي كانت متابعة ترجمتها بالنسبة لي متعبة وقد يكون السبب مني . في مقالة باراتاشفيلي تستقبل في قلبك طعنات الحياة والقدر والبشر والإحباط التي أصابت هذا الشاعر في كل ناحية من وجوده . في قصيدته الرائعة "ميراني – Merani" نبوءة بنهايته المؤلمة :
(بعيدا عن وطني سيأتي الموت لاستدعائي
بعيدا عن حبيبتي وبعيدا عن سماء وطني الدافئة
لا أحد من أبناء جلدتي سيكون هناك لرثائي
وحيدا سأرقد
ملعونا ومنسياً
الغربان السود المعمرة ستحفر قبري
كالخفراء ستقف على جثتي
...
عند الشروق على شاهدة قبري
يستلقي الصقيع الأشيب المزرق والهش
والغيم فوق اسمي
لهب مندفع أزرق)
وفي سيرة ومصير هذا الشاعر العظيم درس للاهثين وراء الشهرة من الشعر ، وخلف المجد والنشر من الإبداع . لم ينشر هذا الشاعر بيتا واحدا في حياته ، وعثر على ما أبدعه مخطوطا عند أصدقائه ، وكان ميراثه قليلا بحق : سبعة وثلاثون نصا شعريا ، قصيدة واحدة ، وما يقارب العشرين رسالة شخصية . لكنها كانت كافية لتنشيء عالما شعريا جميلا وعظيما يعبر عن روح جورجيا في أخطر الظروف العصيبة من تاريخها .
كما أن في سيرته دروساً تجلل رؤوس الحكومات العربية الحقيرة بالعار والشنار وهي تهمل الإبداع وتستخف بالمبدعين ، وهم يموتون جياعا مرضى في الوقت الذي ينهبون المليارات من ثروات الشعوب العربية المظلومة :
(لم يكن رجال قرية باراتاشفيلي يعرفون شاعرهم العظيم . توفي دون أن يرى بيتا مفردا مطبوعا من اشعاره التي عرفت في مخطوطة عند أصدقائه المقربين . قبل عقود ظهرت المجموعة الأولى لباراتاشفيلي إذ كشف النقاب عن شعر عظيم إلى الناس . في عام 1893 بعد ثمان وأربعين سنة من موته (توفي في عام 1845 عن 27 سنة) نقل رفاته إلى "تيفيليس" حاليا "تبيليس" ، حيث دُفن في "ديدوبي" بانتون ، مقبرة العاملين في الثقافة الجورجيين.
أدلى رئيس شرطة "تيفيليس" إلى دائرة الشرطة :
(لقد رفع الجورجيون ثانية القضية المنسية بشأن نقل رفات باراتاشفيلي ، الفقيد في بداية القرن التاسع عشر من "كانجي" إلى "تيفيليس" ولقصد خاص، استخرجوا بعض العظام وقدموها كرفات لشاعرهم الوطني ، نقلوها إلى "تيفيليس" إذ استقبل بالآلاف المحتشدة . أودع الرفات الأرض ، وبمراسيم مهيبة مرر التابوت من يد إلى أخرى ، وصل غالبية الناس من مختلف الشرائح الاجتماعية لأخذه ، وحتى النساء حاولن أن يشاركن في حمله ولو لبضع خطوات . جلبت النساء أطفالهن وجعلنهم يزحفون إلى التابوت ويمنحون التبريكات إلى جثمانه كأنه رفات مقدّس" (ص 44 و45) .
ملاحظة في عاية الأهمية :
-- ------------------------
لكن هناك ملاحظة في غاية الأهمية ، وهي أن المترجم قدّم لنا قصيدة شهيرة للشاعر باراتاشفيلي هي قصيدة "ميراني – Merani" .. والغريب هو أنني رجعت إلى النص الإنكليزي للقصيدة في أكثر من موقع ، فوجدت شيئا عجيببا وهو أن ما ترجمه المترجم عبد الكريم عيسى ليس دقيقا ولا يقابل النص الأصلي أولا ، وفيه إضافات غير موجودة في النص الأصلي مطلقاً خصوصا المقاطع الثلاثة الأخيرة ثانيا . وأجد من الضروري أن أقدم النص الأصلي تاركا للسادة القراء المهتمين والمترجمين المختصين العودة إلى الكتاب لمعرفة التناقضات والنواقص والإضافات الغريبة :
Merani
It runs; it flies; it bears me on;
it heeds no trail nor spoor;
A raven black behind me croaks with ominous eyes of doom;
Speed thee on and onward fly with a gallop that knoweth no bound,
Fling to the winds my stormy thoughts in raging darkness found.
Go onward! onward! cleaving through roaring wind and rain
Over many a mount and many a plain, short'ning my days of pain;
Seek not shelter, my flying steed, from scorching skies or storm;
Pity not thy rider sad, by self-immolation worn.
I bid farewell to parents, kin, to friends and sweetheart dear
Whose gentle voice did soothe my hopes to a hot and bitter tear.
Where the night falls, there let it dawn, there let my country be;
Only the heavenly stars above my open heart will see.
The sighs that burn, that rend the heart to stormy waves I hurl;
To thy inspired, wild maddened flight, love's waning passions whirl.
Speed thee on, and onward fly, with a gallop that knoweth no bound,
Fling to the winds my stormy thoughts, in raging darkness found.
In foreign lands thou lay me low, not where my fathers sleep;
Nor shed thou tears nor grieve, my love, nor over my body weep;
Ravens grim will dig my grave and whirlwinds wind a shroud
There, on desert plains where winds will howl in wailings loud.
No lover's tears but dew divine will moist my bed of gloom;
No dirge but vultures' shrieks will sound above my lowly tomb;
Bear me far beyond the bounds of fate, my Merani,
Fate whose slave I never was, and henceforth - never shall be!
By fate repulsed, oh bury me in a dark and lonely grave:
My bloody foe, I fear thee not - thy flashing sword I brave.
Speed thee on and onward fly with a gallop that knoweth no bound,
Fling to the winds my stormy thoughts in raging darkness found.
The yearnings of my restless soul will no in vain have glowed,
For, dashing on, my steel has paved a new untrodden road.
He who follows in our wake, a smoother path will find;
Daring all, his fateful steed shall leave dark fate behind
It runs; it flies; it bears me on; it heeds no trail nor spoor;
A raven black behind me croaks with ominous eyes of doom;
Speed thee on, and onward fly, with a gallop that knoweth no bound,
Fling to the winds my stormy thoughts, in raging darkness found.
والمترجم عبد الكريم عيسى حاصل على شهادة البكالوريوس في اللغة الإنكليزية من جامعة البصرة عام 1984 ، وله ترجمات أدبية نشرت في مجلة الثقافة الأجنبية العراقية .