قطوف دانيات
المقدمة
قطوف دانيات
د. عبد الله الطنطاوي
[email protected]
أجل .. إنها قطوف
دانيات ، وهي من الخزين الكامن في ذاكرة
الكاتب ، استخرجها من مكامنها إلى المطبعة، فأنوار الحياة والمكتبات .. وفيها ما
فيها من ألوان الحبر ، حتى الذي يبدو للناس هزلاً ، هو نوع من الجد الذي يخفف من
لأواء الحياة ومتاعبها .
صاحب هذه القطوف شيخ
أديب، شيخ بحسب الاختصاص الدراسي والمهني ، فهو خريج كلية الشريعة ، وفقيه ، ومحدث
، كان أمين سر رابطة العلماء في مدينة أبي الفداء، يشعل اليوم منصب نائب رئيس رابطة
علماء سوريا وله دراسات ، ومكالعات مستفيضة في العلوم الشرعية ، ويستفتيه الناس في
كثير من قضاياهم.
وهو أديب ، وكاتب وعضو
مؤسس في رابطة أدباء الشام ، ونشر عدداً من الموضوعات في مجلتها الألكترونية ، كان
بعضها اففتاحية للعدد ، وهذا يعني أنه صاحب قلم ، وله عدد من المقالات والدراسات في
بعض المجلات والصحف والمواقع الألكترونية ، ولكنه مقل فيما يكتب ، وهذا راجع إلى
مشاغله الكثيرة ، وتوزعه بين عدد من المهمات ، لعل أثقلها ، سيل الفتاوى التي تأكل
وقته ، فثقة الناس به تدفعهم إلى اللجوء إليه ، يستفتونه فيما يعترضهم من مشكلات
يومية ، كما أن السياسة تشغل حيزاً من وقته.
والعلم – كما قالوا- إن
لن تعطه كلك، لم يعطك بعضه، والأدب ، بأجناسه كلها : شعراً ، وقصة ، وروياة ،
ومسرحية ، ودراسة وخاطرة، ونقداً ، من مشتقات العلم .. إنها علوم تحتاج من يمارسها
إلى شيء من التفرغ لها ، إن لم يكن تفرغاً كاملاً ، فلا أقل من التفرغ الجزئي ..
زأنى هذا ؟.
وأنا لا أقول هذا
مسوغاً تقصيره في هذا الباب ، بل أقوله تحفيزاَ وتنشيطاً لقلمه (الكسول) ولعله
يتفرغ بعض الشيء للأدب ، فيسهم فيه إسهاماً فاعلاً.
ولعل (إقدامه) على
طباعة هذا الكتاب .. باكورة أعماله الأدبية .. يجعلني أتفاءل في إعطاء الأدب حيزاً
مقبولاً من جهده ووقته ، فيبادر إلى جمع ما كتب ونشر ، في كتاب أو أكثر .
الأستاذ الشيخ أحمد
أديب بالفطرة ، يحمل في صدره قلب شاعر ، ويدور الشعر على لسانه في السهرات والمجالس
، على شكل شواهد ، وملح ، وطرائف ، يتحف بها جلساءه ، ويفك تقطيبات صاحب الحاجبين
الذي اعتاد على التقطيب، فتنفرج شفتاه عن لسان
يلوك عسلاً من عذا العسل ، فيبتسم غيري/ وأضحك من أعماقي ، وأنا الذي أقسمت
ألا أضحك إلا بعد أن ...
إن صاحب هذا الكتاب
يفظ من الأوابد الشعرية ، ما يجعله من
الندماء في المجالس ، إلى جانب ما يتمتع به من جد ، وخطيط ، ووعي ، وتحليل لماح ،
إلى خفة في الروح والدم ، فما أذكر أننا التقينا في سهرة أو ما يشابهها ، إلا
أسمعنا في بدايتها ، وفي أثنائها ، وفي ختامها ، بعضاً من ظرفه ,, نكتة ـ أو لغزاً
، أو شعراً يرطب المجلس .. وقد يروي عن علماء كنا نحسبهم من المتزمتين ، وإذا هم
يضحكون ّ؟ّ؟ّ؟ّ؟!! بما أتوا من ظرف ودعابة لاتغادرهم حتى لحظات الاحتضار ، تخفيفاً
عن محبيهم الذين يحفون بهم ، يدعون ويلتقطون دموعهم بمناديلهم ، قبل أن يراها ذلك
الشيخ الجليل المحتضر الذي يأس حالهم ، فيحاول إدخال البهجة والسرور إلى قلوبهم
الحزينة.
وقديما ً كان هذا شأن
بعض العلماء فيما يدعونه الإحماض، وقد كتب الأديب الكبير الشيخ علي الطنطاوي فصلاً
ممتعاً في هذا الباب ، وذكر العديد من الطرائف التي تدخل في هذا الباب .. واستطاع
بهل تحريك القلوب قبل أن تيبس وتسأم. فقد جاءها شيء من الري العذب ، فبث فيها حيوية
وحركة وحياة ..
هكذا كان يفعل أطباء
القلوب والنفوس ، يلجؤون إلى الإحماض ، وهم
يتخولون اللحظة المناسبة لإلقاء بذور الخير في النفوس القاحلة ، عبر الموعظة
الحسنة المتماهية بطرفة مناسبة تمهد لها ، وتفتح الأبواب لولوجها .
وكذلك كان يفعل الرسول
العظيم أستاذ الحياة ، عليه صلوات الله ، ليعلمنا الكيفية المناسبة لتوخي اللحظة
المناسبة للحرث والبذر ، وهي الأساليب الناجعة لملامسة العقول والقلوب .. إنها من
بوارق الصحة والسلامة في المداخل والمخارج في الأزمات التي
تعتور معايش الناس في اصطخابهم اليومي،
وما فيه من متاعب ، تأتي لتخفيف من وطأتها ،
فتنضر الوجوه كما تنضر القلوب وما في جنايا الصدور ، وخاصة في هذا العصر
المادي البائس فكراً ، وسلوكاً ، تفعل فعلها الإيجابي فيها ، بما فيها من رقائق ،
ومن ثقافة وفوائد .
ضمتنا سهرات لا أنساها
، وما ينبغي لمثلي أن ينساها ، مع بعض العلماء الكبار بعقولهم ، وقلوبهم ، ونفوسهم
، وبمكانتهم عند الله والناس ، و لا أزكيهم على الله ، فهو العليم بما في الصدور ...
كان هؤلاء العلماء
الأجلاء أنس المجالس والسهرات ، سمعنا منهم ما أدهشنا من محفوظهم الشعري ، والنثري
.. ومن الحكايات التي حكوها لنا في لحظات الصفاء تلك .. من مثل ما سوف تطالعونه في
هذا الكتاب الذي نحتاج إليه وإلى أمثاله .. وهذا ينفي تهم التزمت عن السادة العلماء
، ويؤكد لنا أنهم بشر كسائر البشر ، لهم عواطفهم ، ومشاعرهم ، وأحاسيسهم ، ولهم
لحظات يعطرون فيها المجالس ، بلا إسفاف ولا شطط .. لتستمع إلى أحدهم فيسمو بك بما
يلقيه على مسامعك من ذلك العطر ، وتتمنى لو تستطيع أن تسجل ما تسمع ، فتمنعط الهيبة
منهم ، والإجلال لهم ، أن تخرج قلمك وأوراقك ، أو مسجلك الصغير الذي أعددته لهذه
الحالات .. ولكنني سجلت الكثير على صفحات نفسي ، ولن تقدر الأيام على محوها .
والآن أترككم مع القطوف
التي أقتطفها من بساتين الشعر ، والأدب ، وتعب في إلتقاطها من هنا وهناك ، وفي
استظهاراها ، لتكون الذاكرة الحية مستقرها ,, خذوها طاقات من الأزاهير والورود ،
وطيبوا نفوساً بها ، فالذي اختارها لكم أديب عالم / وكذلك المختارات التي قرأناها ،
كانت لأدباء وعلماء طالت مجالسهم مع كتب الأدب ، ومع الأدباء والشعراء والعلماء ..
وكل مجموعة من المختارات ، تنبئك عن الذي اختارها ..
فأعلموا أي رجل هذا
الشيخ الأديب (أحمد جمال الحموي) الذي اختارها.