حتى لا تموت الروح

"حتى لا تموت الروح"

بشرى جيل قادم و قيم تعود

رواية أحداثها تدور بين مدينتي دمنهور ومكة المكرمة

علاء سعد حسن

سهيلة عزوني

أديبة جزائرية

"حتى لا تموت الروح"قصة تسلبك، منذ البداية،كل انشغال بالخارج و تجذبك بقوة إلى أعماق بعيدة فإذا انتهيت من القراءة و عدت للسطح لم يكن في مقدورك الحديث عن كل ما رأيته و لكن الغريب حقا أنه حتى بعد تعرضك لتلك الصعقة الشديدة القوة من الفاجعة تجد نفسك مطمئنا على مصائر كل الأشخاص الذين عايشتهم في رحلة غوصك.

"حتى لا تموت الروح"هي قصة امرأة مصرية مسلمة من مدينة دمنهور في شمال مصر ، منال نور الدين فتاة جامعية ملتزمة دينيا و عاملة في حقل الدعوة يتزوجها عماد سعيد، شاب مصري مسلم جامعي مثقف و عامل في حقل الدعوة هو أيضا ،يعيشان حياة ملؤها الحب و التفاهم و الرضا.

ثم تنقلب الأوضاع حينما تصاب منال بمرض خطير.

"حتى لا تموت الروح"هي قصة حب، إذن، و لكنها قصة حب غير عادية إذ هي تأتي على أفكارنا المسبقة المرتبة المستقرة في أذهاننا عن قصص الحب و تدعونا بقوة لإعادة ترتيب هذه الأفكار...قصة حب تشعل نار الثورة و تعلن الحرب على نظام اجتماعي قائم.

منال نور الدين هي الثائرة التي تأخذ على عاتقها مسؤولية الدعوة للتغيير.

منال الدافئة الحنونة في قوة و ثبات تنبعث عبر سطور الكاتب علاء سعد و تعلن حربا ضارية على الصور الفاتنة المصنعة المفبركة المطلة من الفضائيات...

صور تقفز على أحكام الغسل ليس جهلا و إنما خوفا و جزعا من ذوبان أدوات الفتنة و السحر المقتناة في قارورات بلاستيك تحت وطأة حثيات الماء الطهور...صور تخترع كل يوم أنواعا جديدة من الحساسية و تتبناها حساسية من الماء البارد و من حبوب الطلع ومن نور الشمس و بشرتها ترزح تحت أطنان من الأصباغ و المثبتات كمية كافية لإحداث كارثة في حجم تشيرنوبيل...

حرب منال نور الدين كانت تشنها ضد كل هؤلاء المدعيات بأن الحب هو صنعتهن المحتكرة،

لصالح كل العفيفات الطاهرات الطيبات القلب جميلات الوفاء.

لصالح فتيات المساجد و ربيبات" الحلقة"

و منال كانت كما كان واجبا أن تكون .

مقاتلة شرسة سلاحها الحب .

" أن الطيف الذي يسكنني هو من النوع المقاتل ( طيف عفاريتي ) الذي يقاتل من أجل قضيته ، وهو ولاشك سيكسب معركته..."

"حدثت أزمة ، وتفاقمت الأزمة ، لأن الخلاف هذه المرة لم يكن خلافا معتادا بين أهل خطيبين على أثاث أو مهر أو نفقة ، وإنما كان خلافا بين مذهبين في الحياة .. كان الأمر جديدا على الواقع الاجتماعي ، وزاده تعقيدا علاقة القرابة والنسب التي تربط الجميع ، وأصبح في فض هذه الخطبة ، نوع من زعزعة الاستقرار في أسر أخرى داخل العائلة " "....والحقيقة يا صديقي أن عائلتنا حملت ظلما بينا لفتيات المساجد من جراء هذه العلاقة لكبيرة .."

"... منذ هذا التاريخ وأنا أحمل على عاتقي إعادة تقديم نموذج المسلم الملتزم لمحيطنا الاجتماعي من جديد .. على أن يكون نموذجا ناجحا هذه المرة .. وكانت شريكة حياتي المنتظرة هي فرس الرهان لتقديم هذا النموذج..."و فرس رهان رابح يكسب كل السباقات.

"وقد كانت والحق يقال أهل للمراهنة عليها بالروح و النفس..."

على عتبات النص.

العنوان هو أول العتبات التي من على مشارفها نستشف محتوى النص و لو إيحاء.

منذ الوهلة الأولى يتبادر للذهن أن الروح مهددة بالزوال.

و منذ الوهلة الأولى نحس أننا في صدد المغامرة في دوائر خطرة ـ مشاعريا على الأقل ـ و ندخل القصة بنفسية متوجسة و نسبة أدرينالين عالية.

مغامرة صوب برمودا

إن الروح التي كانت في الأصل واحدة ثم انقسمت و تاهت قليلا ثم عادت فالتأمت..لا بد لجزأيها من التلامس الذي يظل جميلا و لطيفا وراقيا و ساميا منه من كل فجاجة و فحش.

و التلامس هنا حاجة الروح للاطمئنان إلى سكنها و بحث عن اللقاء بروحها التوأم حقيقة في تلك الغفوات الجميلة التي قد تدوم لحظة في حساباتنا و لكنها في عالم الروح كافية للقاء و السياحة في عوالم تجهلها مداركنا القاصرة.

هو، إذن، تلامس ترضى عنه الأرض و تباركه السماء.

هذا هو الجنس الذي وظفه علاء سعد في جرأة حانية رحيمة بقارئ متزمت ما

ديننا سياسة و سياستنا دين لذلك لن اعرف كثيرا كيف افصل بين الاثنين...

ينقلنا التوأم منال و عماد من صورة نمطية تكون قد استقرت في أذهان الناس عن حياة المسلم الملتزم تتكرر كثيرا في ا الأحاديث العامة و في الإعلام ـ و هذا عند من يحسنون الظن ـ صورة الحياة الجادة الصارمة و القسمات المشدودة أبدا..تلك الشخصية المضطهدة ذات الإحساس الدائم بالظلم من الآخرين.

من المجتمع و من الدولة...أو تلك التي توقت نفسها قنبلة قابلة للانفجار في أية لحظة و في وجه أي كان..

في عالم منال و عماد ابتسم فأنت في عالم سعيد ، هادئ، راضي،محب و ودود.

عالم يكاد أن يكون طوباويا لكن واقعيته مبررة و مقنعة...فهو عالم ممكن.

من الدين و السياسة معا أن ـ تأمر بالمعروف محتجا و متظاهرا و معتصما قائلا لا في وجه سلطان جائر حتى و إن كنت طالبا يتهددك ضياع مستقبلك الدراسي و الخلود قليلا إلى غيابات السجن.

" كنا بنفس القدر الذي نرفض فيه الاحتلال .. كنا نرفض أيضا السماح لقوات التحالف بقيادة الأمريكان النزول بالخليج العربي وتولي مهمة إخراج العراق من الكويت ، كنا نراها خطة مدبرة لاستنزاف أموال الخليج وإمكانياته المادية الهائلة ، وكذا استنزاف قوة العراق العسكرية .."

ومن الدين و السياسة أن تكون صاحب رأي ورؤية قادر على الحكم على ما يحدث حولك قادرا على مقارعة الحجة بحجة أقوى في الحق .

"لقد دخل ذات مرة في حوار حاد جدا مع عصام ، في إثر الإعلان عن عملية إرهابية قامت بها جماعة الجهاد في مصر .. وكانت له حدة في آرائه ، وكان يصف أصحاب منهج العنف بخوارج العصر"

النبع و السارية : رموز و أسماء

كما يقول نبينا صلى الله عليه و سلم:" لكل امرئ من اسمه نصيب"

منال:

جاء هذا الاسم على وزن اسم المفعول نال ينال نوالا و منالا...للدلالة على أن هذه الشخصية تضع نفسها في متناول الآخرين و في خدمتهم يغرفون من مناهلها ما شاؤا أن يغرفوا.

فعلى المستوى الخاص:

ـ زوجها الذي يغرق في مياه بحيراتها الدافئ...و يغوص و تأخذه الدهشة مما تحتويه أعماقها من لآليء و أصداف نادرة...و يسبر أكثر فتأخذها المشوار بعيدا في اكتشاف كنوز مغاراتها العجيبة الفاخرة الثراء.

و ينال منها رحلات غوص في عوالم السماوات حتى وهي على فراش الموت.

ـ أهل الزوج ينالون منها ودا صافيا و طيبة منقطعة النظير و كرما و بذلا و عطاء و استضافة و إيواء و دفعا لزوجها ببرهم.

ـ أبناؤها ينالون منها الرعاية الفائقة فها هي مريم ابنتها البكر مثار إعجاب الأمهات في المجتمع المحيط.

"سأستطيع أن ألعب عدة أدوار في وقت واحد .. دور الزوجة المحبة ، والابنة الطائعة ، والأم الحانية ، وزوجة الابن البارة بأم زوجها وأخوته وأخواته .. كانت هذه هي نظرتي الدائمة للحياة"

على المستوى العام:

عملها الدعوي حتى قبل ارتباطها بعماد و القارئ تابع أن هذا العمل و هذه السمعة الطيبة فيه هي التي كانت السبب في تعلق عماد بها حتى قبل أن يراها في عالم الملامح و القسمات .

تسخيرها لجهودها للخدمة ضمن الجمعية الخيرية في مكة.

تحفيظها القرآن الكريم في المجتمع المكي.

قرارها التبرع بأعضائها لصالح مرضى آخرين.

منال هي الصورة الرمزية لنبع دافق يرو كل العطاش و هو ريان بطبيعته.

هل رأيتم نبعا يشرب؟

عماد:

المرأة المسلمة عندها يقين قوي أن الله خالق الأكوان و منشئ العباد هو أعلم بما خلق و هو اعلم بما شرع ومن المسائل التي أصبحت تثير الكثير من الجدل مسألة القوامة.

و حينما يكثر الجدل يضيع بعضها الحقيقة أو نصفها أو جلها.

المسلمات وحدهن لديهن هذا اليقين الجميل...أن تلك الاستكانة المطمئنة لكائن آخر هو مثيل لها في التكاليف و لكن له عليها درجة هو شيء لا ينقص شيئا من كرامة المرأة و لا يحد في شيء لا من حريتها و لا إبداعيتها.

"عماد" هو الركيزة الرئيسة لأسرة منال.

أدوات البوح

تقنية الاسترجاع أو الفلاش باك سمحت بغوص سلس مع الذكريات ضمن تسلسل كرونولوجي منطقي.

تميز نمط القص بهيمنة الكاتب، الراوي، و الشخصية الحاملة لوجهة النظر، عماد حيث لم يترك لمنال الشخصية المحورية مساحة كافية للإفصاح عن نفسها.

كانت منال دائما مقيدة بالسياق الذي يوظفها فيه علاء سعد الكاتب و عماد سعيد الراوي ضمن رؤيتهما الخاصة .

صوت الرجل كان طاغيا مهيمنا على البرنامج السردي أغلب الوقت رغم انه في بعض الفصول جاء مرويا على لسان منال و لكن عبر صوت عماد أي بتعبير آخر صوت منال هنا لم يكن أصيلا بل جاء و كأنه رجع صدى

يروي عماد

"وأخيرا فتح الباب ، وجاءت أميرتي ومليكة قلبي .. جاءت تعانق كفها كف شقيقها عصام ، ولا أكذبك إن ذكرت لك أنها كانت اللحظة الأولى التي أشعر فيها بالغيرة من عصام ، بت أشعر منذ هذه اللحظة بأنني الأولى بأن أكون بجوارها أمسك كفها على هذا النحو"

و تروي منال مصدقة لرواية عماد.

"سيطرت على نفسي بصعوبة بالغة وأنا أتقدم مع أخي كفي ترتجف بين كفه إلى الصالون، وفتح الباب أخيرا، ولم أرَ غرفة صالوننا، ولم أرَ ذاك الجالس أخاله منتظرا على أحر من الجمر.. لم أر سوى نورا باهرا كأن الشمس قد عاودت الشروق بعد العشاء..."

في أحيان كثيرة من زمن القص كانت تنتابنا الرغبة في الصراخ في وجه الكاتب أن ابتعد قليلا خذ بعضا من المسافة و لا تحجب عنا رؤية بطلتنا كما هي فعلا.

تدفق الكلمات

جاءت اللغة بسيطة سلسة متدفقة كما اقتضاه سياق الحكي فالراوي هنا في مقام بوح قسري لا يترك كثير مجال للصنعة اللغوية و لا حتى الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة.

قد يكون هناك الكثيرون ممن لا يشاطرونني الرأي لكنني أظن أن "تفصيح" بعض فقرات الحوار يفقدها الكثير من دفئها بنقلها من واقعها الحي إلى برودة الصورة الخطية.

و القول بمصلحة القارئ العربي هو حجة مردودة على اعتبار أن اللهجة المصرية هي أكثر اللهجات انتشارا عبر الوطن العربي.

غرفة من عبق الماضي

في "حتى لا تموت الروح" هناك توظيف مكثف لدرجة ما لمكتبة التراث.

ولا أدري إن كان يصح شرعا إلحاق القرآن و أحاديث النبي بالتراث لكن الذي أدريه أن النص زخر بالكثير منها كدلالة على أن القرآن و السنة كانا هما منهج حياة منال و عماد.

"لقد كنت كثيرا ما أتوقف مع منال أمام تعبير الله تعالى في القرآن عن الزوجة ( بالصاحبة ) ، مثل قوله تعالى ( وصاحبته وبنيه ) "

"لكنني ومنال كنا قد استشرفنا من حديث رقيق من أحاديث حبيبنا الرسول صلى الله عليه و سلم:

إذا أحب أحدكم أخاه فليخبره....".

كما أن التصدير لبعض الفصول بمقاطع جميلة من تراثنا الإنشادي الإسلامي أضفى الكثير من الحيوية على عملية القص و أبعدها عن المنحى التسجيلي البحت.

"يا رايح أرض الأفراح هات لي معاك هدية

هات لي عريس زين وملاح وعروسة متربية

قلنا يا عريس احكيلنا ازاي اخترتها

لمالها ولا لجمالها ولا لأصلها

ده اختار عروسته بمهارة أدب عفة و طهارة

حتعيش وياه على شرع الله ، وحتبقى للعهد وفية

هذه مقطوعة تصدرت الفصل الحادي عشر الذي حمل عنوان أيام في جنة الأرض.

في منظومة كاتب ـ عمل ـ قارئ

دائما نجد أن الكاتب يكتب انطلاقا من منظومة فكرية و قيمية معينة و بنفس الدرجة يتلقى القارئ ذلك العمل و يحلله وفقا لمقابلات رموز موجود في منظومته الفكرية و القيمية الخاصة به.

نكتشف ،إذن استعمالا ـ عفويا ربما ـ للتراث الاخواني و أدبياته ابتداء من رومانسية تلاوة دعاء الرابطة عند الغروب"اللهم انك تعلم ان هذه القلوب قد......."

و انتهاء بسجن ابو زعبل المغروس غصة شديدة المرارة في حلوق اخوان العالم.

"....غير أنه قد يدهشك إن أنا أخبرتك أن ( أبي زعبل ) [2] كان من أهم الأماكن التي زرتها في حياتي ، وأن لياليه الطويلة الكالحة ، كانت بالنسبة لي....."

المكان

كل ما نستشفه من القصة أن الأحداث تقع بين مدينة دمنهور شمال القاهرة قريب من مدينة الإسكندرية الساحلية .. وبين مكة المكرمة وهي مكان ذو طابع كوني .

والمكان يخرج الحكاية من سطحية الحروف المنبطحة على مساحة بيضاء و يعطيها حجما و لونا.

أبواب الحكاية

20 فصلا متفاوتة الطول تسمح للقارئ بأخذ بعض النفس خاصة و أن فيها جرعة تراجيدية قوية جدا قد تكون مؤذية لمن يأخذها على نفس واحد.

النهاية 

فعلا بعد رحلة الزفاف إلى السماء يجب أن نسكت عن الكلام...لأن هناك ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر.

و لأنه حينما تحتجب البطلة خلف الستر القصة تنتهي حتما.

نهاية القصة مغلقة إذن.

و مع ذلك ففي الأفق بعض الانفتاح يمكن القارئ و بإمكانه أن يستخلص الكثير من النتائج منها مثلا:

امرأة محبة محبوبة راضية مرضية هي الحارسة لقيم هذه الأمة.

و هي الشجرة التي ستثمر مجد هذه الأمة.

و من رحمها وعلى يديها سيكون خلاص هذه الأمة ..