أوراق شامية
من تاريخ سوريه المعاصر
1946- 1966
د. غسان محمد رشاد حداد
الطبعة الثالثة 2009
الإهداء
إلى روح والدي وأستاذي الأول
محمد رشاد حداد
تقديرا. .
واعتزازا. . .
وإكبارا. . . .
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
الجمهورية العربية السورية أحد الأقطار الأربعة التي كانت تشكل بلاد الشام قبل تقسيمها من قبل الاستعمار الأجنبي بموجب معاهدة سايكس بيكو عام 1916 وهي سورية ولبنان وفلسطين والأردن.
سورية جزء من الوطن العربي وشعبها جزء من الأمة العربية، مساحتها (عدا لواء كليكيا) (185) ألف كيلومتر مربع بضمنها لواء الإسكندرون، وعدد سكانها (18) مليون نسمة.
لقد عانت سورية من الحكم العثماني. زهاء أربعة قرون حتى قيام الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف الحسين بن علي ضد الأتراك في حزيران عام 1916، فقد شارك العديد من رجالها في الثورة وانتهت بتحرير بلاد الشام ودخول الأمير فيصل الأول إلى دمشق على رأس القوات العربية المحررة.
وقد أعلن استقلال سورية لأول مرة في 8 آذار 1920 من خلال مؤتمر ضم مندوبين عن أقطار بلاد الشام الأربعة، ونصب المرحوم الأمير فيصل الأول ملكاً عليها. وأعلن المؤتمر كذلك تطلعه إلى تحرير العراق وإقامة اتحاد معه.
وجاء في مقدمة إعلان الاستقلال: (إن الأمة العربية ذات المجد القديم لم تقم جمعياتها وأحزابها ولم ترق دماء شهدائها وتَثُرْ ضد الأتراك إلاَّ طلباً للاستقلال التام) ونص الإعلان على عدم الاعتراف بوعد بلفور ورفض الوطن القومي الصهيوني في فلسطين مع المحافظة على حقوق الأقلية اليهودية فيها.
وفي 24 تموز من العام نفسه هاجم الجيش الفرنسي بقيادة الجنرال غورو سورية تنفيذاً لاتفاقية سايكس - بيكـو التي عبَّرت عن التواطؤ الفرنسي- الإنكليزي ضد الأمة العربية التي قسمت مناطق النفوذ في المشرق العربي بين هاتين الدولتين الاستعماريتين[1].
وقد قام الجيش العربي السوري الفتي بقيادة وزير الدفاع وقائد الجيش في حكومة الملك فيصل الأول الشهيد يوسف العظمة بشجاعة وبسالة رغم قلة عدده وعدته بالتصدي ومقاومة الجيش الفرنسي المهاجم واشتبك معه في موقعة ميسلون واستشهد العديد من أفراده على رأسهم القائد يوسف العظمة (رحمه الله) قبل أن يتمكن غورو من احتلال دمشق.
استمر الشعب العربي السوري في نضاله ضد الاحتلال، وقام بالعديد من الثورات والانتفاضات الشعبية كثورة الشيخ صالح العلي في مطلع العشرينيات والثورة الوطنية عام 1925 التي شملت سورية بأجمعها، وكتب عنها الكثير وأخص بالذكر ما ورد عنها في مذكرات السيد حسن الحكيم رئيس وزراء سورية السابق [ الجزء الأول من ص 234 إلى ص416، الطبعة الأولى الصادرة من دار الكتاب الجديد في بيروت حزيران 1965]. وثورة الزعيم الخالد إبراهيم هنانو.
وشملت الإضرابات والمظاهرات العاصمة والمحافظات في الثلاثينيات والنصف الأول من الأربعينيات. كما تصدت الجماهير للعدوان العسكري الفرنسي في 29 أيار 1945 الذي استهدف العاصمة بدءاً من المجلس النيابي، ودار الحكومة وامتد إلى العديد من المدن السورية كحلب وحمص وحماة و اللاذقية وغيرها.
ونتيجة للنضال الشعبي أولاً والدعم العربي والظروف الدولية ثانياً، حقق الشعب استقلاله السياسي بجلاء آخر جندي أجنبي عن أرضه في 17 نيسان 1946 (وكان قد حقق أول انتخابات حرة لمجلس نيابي يعبر عن إرادته في صيف 1943 وانتخب السيد شكري القوتلي، رئيساً للجمهورية وانبثقت عنه حكومة وطنية).
سنتناول السنوات العشرين الأولى من الاستقلال، أي الفترة من 17 نيسان 1946 حتى 23 شباط 1966، مقسمة على أربعة فصول:
× الفصل الأول: فترة الحكم الوطني والانقلابات العسكرية (17/4/1946-25/2/1954).
× الفصل الثاني: ربيع الديمقراطية في سورية (25/2/1954-22/2/1958).
× الفصل الثالث: عهد الوحدة وردة الانفصال (22/2/1958-8/3/1963).
× الفصل الرابع: حركة 8 آذار (8/3/1963-23/2/1966).
× الفصل الأول - المبحث الأول
من الجلاء حتى الانقلاب العسكري الأول
فترة الحكم الوطني
القوى السياسية في مطلع الحكم الوطني:
يمكن تقسيم القوى والأحزاب السياسية التي كانت قائمة في سورية في أعقاب الحرب العالمية الثانية إلى خمسة تيارات وهي:
1. التيار التقليدي الوطني.
2. التيار القومي.
3. التيار الإسلامي.
4. التيار الماركسي.
5. التيار الإقليمي (القطري).
1- التيار التقليدي الوطني:
ويتمثل بـ (الكتلة الوطنية) التجمع الذي قاد النضال الوطني ضد الاستعمار وحقق الجلاء والاستقلال السياسي بقيادة الرئيس شكري القوتلي أول رئيس للجمهورية في العهد الوطني، ولأسباب مختلفة انقسمت الكتلة الوطنية بعد ذلك إلى حزبين:
أ) الحزب الوطني: وأبرز قادته السادة سعد الله الجابري وجميل مردم وصبري العسلي ولطفي الحفار وعبد الرحمن الكيالي، ومعقل هذا الحزب مدينة دمشق والأب الروحي له هو الرئيس شكري القوتلي.
ب) حزب الشعب: وأبرز قادته السادة ناظم القدسي ورشدي الكيخيا ومعروف الدواليبي وعبد الوهاب حومد و هاني السباعي وفيضي الأتاسي وعلي بوظو، ومعقل الحزب مدينة حلب وإلى حدِّ ما مدينة حمص والأب الروحي له الرئيس هاشم الأتاسي.
2- التيار القومي العربي الوحدوي المتمثل بـ:
أ) البعث العربي: ظهر مع مطلع الأربعينيات تحت اسم حركة الإحياء العربي ثم استبدل اسمه عام 1943 إلى حركة البعث العربي ثم إلى حزب البعث العربي الاشتراكي.
وعقد مؤتمره التأسيسي في أوائل نيسان 1947، حيث أعلن دستوره وأفكاره وانتخب أول قيادة له. (ضمت القيادة: الأساتذة ميشيل عفلـق عميداً للحزب وصلاح الدين البيطار أميناً عاماً وجلال السيد والدكتور وهيب الغانم).
أما أهم منطلقاته الفكرية فهي:
1- الإيمان بالقومية العربية و اعتبارها حقيقة خالدة.
2- الإيمان بالوحدة العربية وأن التجزئة في الوطن العربي حالة طارئة مصطنعة باعتبار أن الوطن العربي يشكل وحدة سياسية اقتصادية ثقافية.
3- الإيمان بالحرية بمعنى تحرير الإنسان العربي من أي قيود أو تسلط داخلي وتحرير الأمة العربية من كل سيطرة سياسية واقتصادية أو ثقافية أجنبية.
4- الإيمان بأن الاشتراكية ضرورة منبعثة من صميم القومية العربية وأن الثروة الاقتصادية في الوطن العربي ملكٌ للأمة.
ويؤمن الحزب أن الأمة العربية تختص بمزايا متجلية في نهضاتها المتعاقبة وتتسم بخصب الحيوية والإبداع وقابلية التجدد والانبعاث ويتناسب انبعاثها دوماً مع نمو حرية الفرد، ومدى الانسجام بين تطوره وبين المصلحة القومية.
والأمة العربية ذات رسالة خالدة تظهر بأشكال متجددة متكاملة في مراحل التاريخ وترمي إلى تجديد القيم الإنسانية وحفز التقدم البشري وتنمية الانسجام والتعاون بين الأمم. وهي تعتبر الاستعمار وكل ما يمت إليه عملاً إجرامياً يكافحه العرب بجميع الوسائل الممكنة، وهم يسعون حسب إمكانياتهم المادية والمعنوية إلى مساعدة جميع الشعوب المناضلة في سبيل حريتها. وتنظر إلى الإنسانية كمجموع متضامن في مصلحته مشترك في قيمه وحضارته. فالعرب يتغذون من الحضارة العالمية ويغذونها ويمدون يد الإخاء إلى الأمم الأخرى. ويتعاونون معها على إيجاد نظم عادلة تضمن لجميع الشعوب الرفاهية والسلام والسمو في الخلق والروح.
وترنو الأمة العربية إلى نضال واعٍ منظم من أجل التغلب على واقعها الضعيف المجزأ المتخلف وللتحرر من كل أشكال الظلم والاستغلال والتسلط التي تمارسها الإمبريالية والصهيونية لإطلاق المواهب والطاقات الحبيسة باتجاه البناء والعطاء والإبداع في سبيل الإسهام الفعال في صرح الحضارة البشرية وتعزيز القيم الإنسانية الإيجابية وتعميقها وتجاوز الأخطاء والنواقص القائمة في الأنظمة العالمية[2]. كما يؤمن الحزب بأن السيادة هي ملك للشعب وأنه وحده مصدر كل سلطة وأن قدره أن يناضل لتحرير الوطن العربي تحريراً كاملاً وتوحيد الأمة العربية تحت راية واحدة.
ب) العربي الاشتراكي:
تأسس في البداية في مدينة حماة تحت اسم حزب الشباب ثم استبدل اسمه ليصبح الحزب العربي الاشتراكي بزعامة نائب حماة الأستاذ أكرم الحوراني وانتشر إلى مدن أخرى، ونظراً للتقارب الفكري بينه وبين البعث العربي وبعد مباحثات ودراسات لكل الجوانب تم الاتفاق على أن يندمج مع حزب البعث العربي في حزب واحد (اعتباراً من 13/11/1952) ليصبح اسم الحزب الجديد حزب البعث العربي الاشتراكي.
3- التيار الإسلامي ويتمثل في جماعة الإخوان المسلمين:
جماعة الإخوان المسلمين في سورية جزء من حركة الإخوان المسلمين التي أسسها الإمام حسن البنا في شهر آذار 1928م، وقد ظهرت النواة الأولى للإخوان المسلمين في سورية ولبنان عام 1936، ثم انتشرت مراكزها في المحافظات السورية، بأسماء مختلفة وأهداف متشابهة، ثم توحدت في ظل قيادة واحدة عام 1945 باسم جماعة الإخوان المسلمين في سورية ولبنان. واختير الشيخ مصطفى السباعي أول قائد للجماعة باسم المراقب العام للإخوان المسلمين في سورية ولبنان (وفي مرحلة لاحقة أصبح لكل قطر تنظيمه).
إن غاية الإخوان المسلمين هي عبادة الله تعالى، وابتغاء رضوانه، أما أبرز أهدافها فهي:
أ- تربية الفرد المسلم، وإقامة المجتمع المسلم، وبناء الدولة الإسلامية.
ب- تبليغ دعوة الإسلام إلى الناس كافة، نقية خالصة من الشوائب، حية متصلة بالعصر ومشكلاته، والحاضر ومتطلباته.
ج- إعادة صلة المسلمين بالإسلام إيماناً وفهماً وعملاً.
د- إزكاء روح الجهاد في نفوس المسلمين لتحرير بلادهم، وتوحيد شعوبهم وتطبيق مبادئ الإسلام، وتبليغ رسالته إلى العالمين.
هـ- صون الحريات العامة والخاصة للمواطنين، وتأمين الكرامة والأمن لهم، وتوفير أسباب الحياة الطبيعية في التربية، والغذاء والكساء والدواء والسكن بما يضمن للجميع مستوى لائقاً، وعيشاً كريماً.
و- جمع الذين استجابوا للدعوة إلى الإسلام، وإعدادهم لحمله، وتنظيمهم للعمل من أجله.
ز- التعاون مع الحركات الإسلامية الأصيلة، والعاملين للإسلام، والمخلصين من أبناء الأمة لإقامة الوحدة العربية، وتحرير الوطن الإسلامي، والسير به إلى التعاون المثمر والاتحاد المنشود.
أما وسائل الجماعة لتحقيق هذه الأهداف فهي:
أ- تربية الأعضاء على مبادئ الإسلام الشاملة، عقيدة وعبادة وشريعة ونظام حياة وتكوينهم تكويناً صالحاً: روحياً بالعبادة، وعقلياً بالعلم، وبدنياً بالرياضة.
ب- الدعوة بطريقة الاتصال المباشر بالناس، واستخدام جميع وسائل الإعلام المتاحة حتى يتكون رأي إسلامي عام موحد.
ج- تقويم التقدم الحضاري بكل صوره وأشكاله، والأخذ بما يتفق وأحكام الإسلام.
د- التحرك السياسي، والحوار المفتوح، بما يخدم الإسلام والمسلمين ويعين على تحقيق أهداف الجماعة.
هـ- مقاومة الآفات الاجتماعية، والعادات الضارة، كالمخدرات والمسكرات والقمار والبغاء وإرشاد الشباب إلى طريق الاستقامة وملء أوقاتهم بما يعود عليهم وعلى المجتمع بالخير العميم.
4- التيار الماركسي:
ويتمثل بالدرجة الأولى بالحزب الشيوعي إضافة إلى بعض التنظيمات الماركسية الصغيرة. انعقد المؤتمر الأول للحزب الشيوعي في سورية ولبنان عام 1925. أما المؤتمر الثاني الذي سمي بالمؤتمر الوطني فقد انعقد في أواخر عام 1943 ومطلع عام 1944 وأصبح السيد خالد بكداش رئيساً للحزب الشيوعي السوري والسيد فرج الله الحلو رئيساً للحزب الشيوعي اللبناني، ويعتنق الحزب الشيوعي السوري الفكر الماركسي اللينيني التقليدي.
5- التيار الإقليمي (القطري):
ويتمثل بالحزب السوري القومي، وتتلخص مبادئ الحزب بما يلي:
1. سورية للسوريين والسوريون أمة تامة.
2. القضية السورية هي قضية قومية قائمة بنفسها ومستقلة عن أية قضية أخرى.
3. القضية السورية هي قضية الأمة السورية والوطن السوري.
4. الأمة السورية مجتمع واحد.
وقد اعتبر الحزب حدود سورية هي الحدود الطبيعية لبلاد الشام ثم أضاف إليها في مرحلة لاحقة بلاد الرافدين وقبرص. وقد اغتال الحزب السيد رياض الصلح رئيس وزراء لبنان الأسبق عام 1951 والعقيد الركن عدنان المالكي نائب رئيس أركان الجيش السوري وقائد التيار القومي العربي في الجيش عام 1955 والصحفي اللبناني السيد نسيب المتني عام 1958.
وسيتم الحديث عن بعض هذه التيارات بصورة أكثر تفصيلاً في فصول قادمة.
الحكومات التي توالت في هذه الفترة:
تعتبر فترة الحكم الوطني من الجلاء حتى الانقلاب العسكري الأول في 30 آذار 1949 امتداداً للحكم الوطني الذي بدأ في صيف 1943 مع انتخابات أول مجلس نيابي ديمقراطي يعبر عن إرادة الشعب في تلك المرحلة وانتخاب الرئيس شكري القوتلي أول رئيس للجمهورية الفتية مع إطلالة الحكم الوطني هذا الرئيس الذي تضمّن خطابه يوم الجلاء المقولة التالية: (لن ترتفع فوق هذه الراية "ويقصد الراية السورية" أي راية بعد اليوم إلا راية الوحدة العربية). [3]
ووفق التقاليد الدستورية استقالت الحكومة القائمة يوم الجلاء وأجرى رئيس الجمهورية المشاورات المعتادة وكلف السيد سعد الله الجابري بتشكيل الحكومة الأولى بعد الجلاء.
الوزارة الأولى:
صدرت مراسيم تشكيل حكومة السيد الجابري في 27 نيسان 1946 على الوجه التالي:
1. السيد سعد الله الجابري رئيساً للوزراء ووزيراً للخارجية.
2. السيد خالد العظم وزيراً للعدل ووزيراً للاقتصاد الوطني.
3. السيد نبيه العظمة وزيراً للدفاع (استقال في 17/6/1946).
4. السيد صبري العسلي وزيراً للداخلية.
5. السيد أحمد الشرباتي وزيراً للمعارف(أصبح وزيراً للدفاع اعتباراً من 17/6/1946.
6. السيد ميخائيل إليان وزيراً للأشغال العامة.
7. السيد أدمون حمصي وزيراً للمالية.
8. السيد عادل أرسلان وزيراً للمعارف (اعتباراً من 17/6/1946).
وقد وعدت الحكومة في بيانها ضمان الاستقرار والعدل وفرص العمل والإنتاج وإقامة العلاقة على قدم المساواة مع جميع الدول الأجنبية وفق ميثاق الأمم المتحدة وإقامة العلاقات الطيبة والمتينة مع الدول العربية خاصة وشرعت في إعادة تنظيم هيكل الدولة وأصدرت قانوناً جديداً للعمل وبدأ في عهدها النشاط السياسي والحزبي ولكن هذه الوزارة لم تستمر سوى بضعة أشهر، فقد استقالت في 28/12/1946 بسبب الظروف الصحية لرئيسها.
الوزارة الثانية:
· حكومة السيد جميل مردم بك في 28 /12/1946 - 6/10/1947. تشكلت الحكومة الثانية بعد الجلاء في 28/12/1946 على النحو التالي:
1. السيد جميل مردم بك رئيساً لمجلس الوزراء ووزيراً للداخلية والصحة.
2. السيد سعيد الغزي وزيراً للمالية.
3. السيد أحمد الشر باتي وزيراً للدفاع الوطني.
4. السيد حكمت الحكيم وزيراً للاقتصاد الوطني.
5. السيد عادل أرسلان وزيراً للمعارف.
6. السيد عدنان الأتاسي وزيراً للعدل والأشغال العامة.
7. السيد نعيم أنطاكي وزيراً للخارجية (استقال في 16/4/1947، وكلف رئيس الوزراء بحقيبته).
وفي عهد هذه الحكومة عدل قانون الانتخاب ليصبح انتخاب النواب مباشرة على درجة واحدة بعد أن كان على درجتين وأجريت الانتخابات وفق القانون الجديد في 7/7/1947، وتم انتخاب المجلس النيابي الثاني في العهد الوطني، حيث قام المجلس الجديد بتعديل الدستور ليسمح بإعادة انتخاب القوتلي لولاية ثانية [4].
وفي السادس من تشرين الأول عام 1947 استقال السيد جميل مردم بك وكلف بإعادة تشكيل الحكومة:
الوزارة الثالثة:
حكومة السيد جميل مردم بك الثانية 6/10/1947-22/8/1948:
1. السيد جميل مردم بك رئيساً للوزراء ووزيراً للخارجية.
2. السيد سعيد الغزي وزيراً للاقتصاد الوطني.
3. السيد أحمد الشرباتي وزيراً للدفاع الوطني (استقال في 23/5/1948 وكلف رئيس الوزراء بحقيبته).
4. السيد محسن البرازي وزيراً للداخلية والصحة.
5. السيد أحمد الرفاعي وزيراً للعدل والأشغال العامة.
6. السيد وهبي الحريري وزيراً للمالية.
7. السيد منير العجلاني وزيراً للمعارف.
في عهد هذه الحكومة أعيد انتخاب الرئيس شكري القوتلي في 18/4/1948 لولاية ثانية تبدأ في 17/8/1948 (تاريخ انتهاء الولاية الأولى).
وفي 15 أيار 1948 عندما أعلنت بريطانيا إنهاء انتدابها على فلسطين، تحركت الجيوش العربية لحمايتها، محاولة إنقاذها من براثن الصهيونية ومعها الجيش العربي السوري بدافع الواجب الوطني والقومي وكله عزم وإيمان لتحقيق النصر. وقد استطاع فعلاً في الأيام الأولى تحرير سمخ والسيطرة على نهر اليرموك في جسر بنات يعقوب، وطبريا، ولكن كان لقلة عدد الجيش وضعف عدّته دورٌ في مجرى الأحداث وكشفت عن تقصير القيادات السياسية في بعض الأقطار العربية ليس هنا مجال الحديث عنها.
الوزارة الرابعة:
حكومة السيد جميل مردم بك الثالثة من 22/8/1948 - 16/12/1948.
بعد مباشرة الرئيس شكري القوتلي مهمّات عمله لولاية ثانية قدم السيد جميل مردم بك استقالة حكومته وفقاً للتقاليد الدستورية، فكلفه رئيس الجمهورية بإعادة تشكيلها، وصدرت مراسيم تشكيلها في 22/8/1948 على الوجه التالي:
1. السيد جميل مردم بك رئيساً للوزراء ووزيراً للدفاع الوطني.
2. السيد لطفي الحفار: نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للدولة.
3. السيد سعيد الغزي وزيراً للعدل ووزيراً للمالية (اعتباراً من 18/11/1948).
4. السيد محسن البرازي: وزيراً للخارجية.
5. السيد محمد العايش: وزيراً للدولة ووزيراً للزراعة (ووزيراً للاقتصاد الوطني اعتباراً من 9/11/1948).
6. السيد صبري العسلي: وزيراً للداخلية (استقال في 9/11/1948).
7. السيد ميخائيل إليان: وزيراً للاقتصاد الوطني.
8. السيد عادل أرسلان: وزيراً للصحة ووزيراً للشؤون الاجتماعية.
9. السيد أحمد الرفاعي: وزيراً للأشغال العامة.
10. السيد وهبي الحريري: وزيراً للمالية (استقال في 18/11/1948).
11. منير العجلاني: وزيراً للمعارف.
وقد واجهت هذه الحكومة مسألة خطيرة هي القضية الفلسطينية بعد حرب 1948 وما أحيط بها من ملابسات وردود فعل أدت إلى إضرابات ومظاهرات عارمة وصلت إلى حد التصادم بين الشعب والسلطة وتفاقم الخلاف بين الحكومة والعديد من التيارات السياسية انتهت باستقالة الحكومة مما دعا رئيس الجمهورية إلى تكليف السيد خالد العظم بتشكيل حكومة جديدة.
الوزارة الخامسة:
· حكومة السيد خالد العظم 16/12/1948 - 30/3/1949.
في أعقاب الإضرابات والمظاهرات التي أعقبت حرب فلسطين 1948 واستقالة حكومة السيد مردم بك شكل السيد خالد العظم حكومته على الوجه التالي:
1. السيد خالد العظم: رئيساً للوزراء ووزيراً للخارجية والدفاع الوطني.
2. السيد محسن البرازي: وزيراً للمعارف.
3. السيد محمد العايش: وزيراً للزراعة.
4. السيد أحمد الرفاعي: وزيراً للعدل والصحة والشؤون الاجتماعية.
5. السيد حنين صحناوي: وزيراً للاقتصاد الوطني.
6. السيد حسن جبارة: وزيراً للمالية.
7. السيد عادل العظمة: وزيراً للداخلية.
8. السيد مجد الدين الجابري: وزيراً للأشغال العامة.
وكان على الوزارة فور تشكيلها أن تعالج الأمور التالية:
1. تصديق اتفاقية مرور البترول عبر سورية (التابلاين) وتقديمها إلى المجلس النيابي.
2. تصديق اتفاقية النقد السوري المعقودة مع فرنسا في 7 شباط 1947.
3. معالجة الموقف على الجبهة الفلسطينية وعقد هدنة مع الكيان الصهيوني.
4. تأمين الموارد المالية لتسديد ثمن الأسلحة المشتراة من فرنسا.
كما استمرت الإضرابات والمظاهرات مما دعا الحكومة إلى فرض الأحكام العرفية والاستعانة بالجيش لفرض النظام، وبدأت تلوح في الأفق ملامح انقلاب عسكري.
لن أتناول بالحديث الحرب العربية الصهيونية على أرض فلسطين عام 1948 والأسباب التي أدت إلى دخول الجيش العربي السوري المعترك السياسي رغم أهميتها وتأثيرها على مجرى الأحداث في سورية خلال النصف الثاني من القرن العشرين، نظراً لكثرة الدراسات والتحليلات والمذكرات المنشورة حول هذا الموضوع.
الفصل الأول
المبحث الثاني
انقلاب الزعيم حسني الزعيم
كان للهزيمة التي لحقت بالأنظمة العربية في حرب فلسطين عام 1948، تأثير قوي على شعبنا العربي من محيطه إلى خليجه. وقد شعر شعبنا في سورية - والقوات المسلحة جزء من هذا الشعب - بالمرارة والمهانة والإحباط والرغبة في الانتقام من الذين استهانوا بشعبنا، ولا بد من التغيير وكان هذا عاملاً من ضمن عوامل مهدت لاستيلاء المؤسسة العسكرية على السلطة السياسية في سورية في 30 آذار 1949.
ومن يتابع تاريخ سورية المعاصر خلال ستة عقود يلاحظ استمرار الهيمنة العسكرية على المؤسسة السياسية، فمنذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا تجري الهيمنة بشكل مباشر أو غير مباشر، مع اختلاف الصيغ والأساليب.
ويعتبر انقلاب حسني الزعيم 1الأول في التاريخ العربي المعاصر - بعد انقلاب بكر صدقي في العراق عام 1936 2، وهو الأول بعد الحرب العالمية الثانية.
في صباح الثلاثين من آذار 1949، استيقظت دمشق لتجد نفسها وسط انقلاب لم يخطر على بالها، وأصبحت ترزح تحت الأحكام العرفية، فقد انتشرت المدرعات والمفارز العسكرية في كل زاوية وشارع، بعد أن قام الزعيم حسني الزعيم القائد العام للقوات المسلحة ومعه مجموعة من ضباط الجيش العربي السوري بانقلاب عسكري، وسيطرت الوحدات العسكرية الموالية على المواقع الرئيسة في العاصمة دمشق، وتم اعتقال الرئيس شكري القوتلي رئيس الجمهورية والسيد خالد العظم رئيس الوزراء وعدد من رجال الحكومة وبعض الضباط الموالين لها. ووضع الزعيم حداً للحكم الديمقراطي النيابي الذي استمر منذ بداية الاستقلال، ودخلت سورية مرحلة جديدة من الحكم العسكري المباشر.
لقد تم إعداد مشروع الانقلاب في اجتماع سري عقد بتاريخ العشرين من آذار عام 1949 في مدينة (القنيطرة). وعلم الرئيس القوتلي والسيد العظم باجتماع الضباط عن طريق الشائعات، ولكن لم يعيرا الموضوع أهمية تذكر، بينما عقد الاجتماع الحاسم الذي حددت فيه ساعة الصفر بتاريخ التاسع والعشرين من آذار 1949 في (القنيطرة) أيضاً. وتم التنفيذ في الساعات الأولى من صباح 30/3/1949.
تم حشد القوات التي أعدها الزعيم لتنفيذ الانقلاب في نقطتين مهمتين هما: (قطنا والقنيطرة)، إذ خصصت القوات الموجودة في (قطنا) لتنفيذ الانقلاب، فيما وضعت القوات الموجودة في (القنيطرة) في الاحتياط تحسباً لكل طارئ، ولم تستخدم هذه القوات نظراً لعدم حدوث ما يدعوها إلى ذلك.
كانت القوات المشاركة محدودة، وشملت عدداً من الدروع المخصصة للاستيلاء على النقاط الهامة المقررة سلفاً وعدداً من مفارز الشرطة العسكرية التي حددت مهمّاتها باعتقال بعض رجال الحكم السابقين، وعزلت العاصمة دمشق عن العالم الخارجي، وقطعت الاتصالات والطرق المؤدية إليها، بعد أن تحركت وحدات الجيش إلى أهدافها المرسومة بكل دقة.
والغريب في الأمر أنه لم تتصد للانقلاب أية قوى عسكرية وتم التنفيذ خلال ساعتين فقط دون أن تطلق رصاصة واحدة أو تسيل قطرة دم واحدة.
لقد كان للسيد أكرم الحوراني دور هام في التخطيط للانقلاب بحكم صلاته وصداقاته مع عدد من الضباط، لذا فقد حضر منذ اللحظة الأولى مع زعيم الانقلاب، وقام شخصياً بإعداد البيانات للإذاعة، وقرأ البيان الأول بنفسه ومما جاء في هذا البيان :
(مدفوعين بغيرتنا الوطنية ومتألمين لما آل إليه وضع البلد من جراء افتراءات وتعسف من يدعون أنفسهم حكاماً مخلصين لجأنا مضطرين إلى تسلم زمام الحكم مؤقتاً في البلاد التي نحرص على استقلالها كل الحرص وسنقوم بكل ما يترتب علينا نحو وطننا العزيز غير طامحين إلى استلام الحكم بل القصد من عملنا هو تهيئة حكم ديمقراطي صحيح محل الحكم الحالي المزيف وإننا لنرجو من الشعب الكريم أن يلجأ للهدوء والسكينة مقدماً لنا المعونة والمساعدة للسماح لنا بإتمام مهمتنا التحريرية وإن كل محاولة للإخلال بالأمن تظهر من بعض العناصر الهدامة تقمع فوراً دون شفقة أو رحمة).
وكانت المشكلة الحقيقية في فكر الزعيم أن يستولي على السلطة السياسية إلى جانب السلطة العسكرية، لذلك فقد استدعى عدداً من النواب الذين كانوا في دمشق للاتصال بهم وإبلاغهم بأسباب وأهداف الانقلاب. كما التقى أيضاً بالسيد فارس الخوري رئيس مجلس النواب وتداول معه وتبادلا وجهات النظر. وقال السيد الخوري للزعيم: إن عمله هذا غير شرعي ولكن يمكن إضفاء الشرعية على الحكم بطريقة ما، بعد ذلك زار السيد الخوري الرئيس القوتلي في المستشفى العسكري في ضاحية المزة المجاورة للعاصمة دمشق وحاول إقناعه بالاستقالة، لكن القوتلي رفض بإصرار، فعمد الزعيم إلى حل مجلس النواب والأحزاب السياسية وشكل مجلس وزراء مؤقت من الأمناء العامين (وكلاء الوزارات) بعد تكليفهم بواجبات الوزراء، وألحقت القيادة العامة للدرك (شرطة الأرياف) بقيادة الجيش وعين ضباطاً من الجيش كمستشارين إلى جانب المحافظين المدنيين لمتابعة أعمالهم.
في السادس من نيسان 1949 وافق الرئيس شكري القوتلي على الاستقالة من رئاسة الجمهورية في كتاب موجز موجهاً إلى الأمة. وفي اليوم التالي - السابع من نيسان 1949 أعلن السيد العظم استقالته من رئاسة الحكومة وقد أعقب ذلك انتقال السيدين القوتلي والعظم من المستشفى إلى داريهما.
استُقبل انقلاب الزعيم بالترحيب الشعبي نتيجة للأخطاء التي ارتكبت من قبل حكومات العهد الوطني وبسبب التقصير الواضح بحق هذا الشعب في حرب 1948 خاصة. وحصل على تأييد القوى السياسية كحزب البعث العربي والحزب الوطني وحزب الشعب.
وبعد أن شعر الزعيم بالاستقرار بدأ مشاوراته بهدوء وتدرج لتشكيل حكومة مدنية يتولى رئاستها بنفسه وأنجز تشكيلها في 18 نيسان محتفظاً لنفسه بوزارتي الدفاع والداخلية وضمت الحكومة كلاً من السادة: عادل أرسلان نائباً للرئيس ووزيراً للخارجية، خليل مردم بك وزيراً للمعارف والصحة والشؤون الاجتماعية، وحسن جبارة وزيراً للمالية والاقتصاد الوطني وفتح الله صقال وزيراً للأشغال ونوري الإيبش وزيراً للزراعة.
وقد أقرت الحكومة عدداً من الاتفاقيات منها اتفاقية (التابلاين) التي تسمح بمرور النفط من المملكة العربية السعودية إلى البحر المتوسط عبر سورية، واتفاقية النقد مع فرنسا التي تنظم وضع العملة السورية وعلاقتها مع الجانب الفرنسي. وطورت الجيش العربي السوري تنظيماً وتسليحاً وتجهيزاً بالتعاون مع فرنسا، كما طورت مؤسسات التربية والتعليم العالي وتحديث الجامعة السورية بعد أن عينت الدكتور قسطنطين زريق رئيساً للجامعة.
كما شرعت أو عدلت عدداً من القوانين مستفيدة من تجارب مصر في هذا المضمار منها القانون المدني وقانون العقوبات وقانون حل الوقف الذري. وشرعت في الإعداد لدستور جديد والتمهيد لاستفتاء يضفي الشرعية على الإجراءات المتخذة.
كانت مشكلة النظام هي مسألة الشرعية ولم يكن أمام الزعيم غير خيارين، إما الاستمرار بالحكم العسكري المباشر أو التحول إلى حكم مدني يرتدي ثوب الشرعية وقد اختار الزعيم الخيار الثاني، ففي 4/6/1949 تقرر إجراء استفتاء لانتخاب رئيس للجمهورية وتخويله إصدار دستور جديد.
وفعلاً جرى الاستفتاء في الخامس والعشرين من حزيران 1949، وانتخب الزعيم رئيساً للجمهورية ورُفع إلى رتبة المشير وخول بإصدار دستور جديد. واكتسبت جميع الإجراءات التي نفذها صفة الشرعية ومن يومها دخلت الحياة السياسية إلى الجيش من أوسع أبوابها (الانقلابات). وكما هي العادة، في مثل هذه الظروف فقد استقالت الوزارة وكلف رئيس الجمهورية المشير حسني الزعيم الدكتور محسن البرازي بتشكيل حكومة جديدة صدرت مراسيمها في 26/6/1949 على الوجه التالي:
1. الدكتور محسن البرازي: رئيساً للوزراء ووزيراً للداخلية والخارجية.
2. السيد مصطفى الشهابي: وزيراً للعدل.
3. السيد خليل مردم بك: وزيراً للمعارف والصحة.
4. السيد حسن جبارة: وزيراً للاقتصاد الوطني والمالية.
5. السيد نوري الأبيش: وزيراً للزراعة.
6. السيد فتح الله الصقال: وزيراً للأشغال العامة.
7. اللواء عبد الله عطفة: وزيراً للدفاع.
واستمر المشير حسني الزعيم - رئيس الجمهورية الجديد - بتقوية وتعزيز قدرات الجيش فازداد عدده وتنوع سلاحه وعتاده، كما قام بالعديد من الإصلاحات والإنجازات على المستوى المحلي وعلى مختلف الأصعدة، الاقتصادية والإدارية والتشريعية والتعليمية.
أدى عدم التزام الزعيم بإعادة الحياة الديمقراطية وحرية الأحزاب والجمعيات - كما جاء في بياناته الأولى - إلى إعادة نظر القوى السياسية بموقفها نحوه، وانتقال العديد من الأحزاب التي أيدته في البداية إلى صفوف المعارضة وخاصة الأحزاب الثلاثة البارزة في تلك الفترة : البعث العربي والوطني والشعب.
كما ظهر بوضوح انحيازه إلى فرنسا والولايات المتحدة الأميركية وعلى الصعيد العربي إلى محور القاهرة - الرياض. وبدأ رصيده على الصعيدين المدني والعسكري بالتراجع مما سهل قيام العقيد سامي الحناوي بالانقلاب العسكري الثاني في 14 آب 1949 ولم يمض على حكم الزعيم في السلطة سوى 137 يوماً، وبسقوطه سقطت الحكومة التي شكلها الدكتور البرازي. كان أول إجراء للانقلاب العسكري الثاني، اعتقال المشير حسني الزعيم والدكتور محسن البرازي ونقلهما إلى ضاحية المزة القريبة من العاصمة دمشق حيث تمَّ تنفيذ حكم الإعدام بهما دون محاكمة، ومن ثم جرت محاكمتهما، ولكن بعد فترة من إعدامهما.
في عام 1980 نشرت مجلة الوطن العربي التي تصدر في باريس الوثائق المرفقة بهذه الحلقة، أعيدُ نشرها على سبيل الاطلاع دون أن يكون لي منها موقف محدد.
ملحق المبحث الثاني من الفصل الأول
قصة انقلاب حسني الزعيم: وثائق سرية من داخل وزارة الخارجية البريطانية عن أسرار أول انقلاب عسكري عربي
مرت ثلاثون سنة على أول انقلاب عسكري في الوطن العربي - انقلاب حسني الزعيم. وزارة الخارجية البريطانية سمحت للمرة الأولى بكشف النقاب عن وثائق هذا الانقلاب، الوطن العربي تنفرد بنشر أهم المعلومات الواردة في هذه الوثائق.
تاريخ أول انقلاب عسكري في العالم العربي يغلفه الغموض والكتمان لأن الذين قاموا به قتلوا، وليست هناك تفاصيل تاريخية كاملة حول هذا الانقلاب الذي يعتبر أهم حدث شهدته المنطقة العربية في أواخر الأربعينات. إلا أن الفرصة التي سنحت أخيراً جاءت من لندن عندما سمحت وزارة الخارجية البريطانية بإذاعة وثائقها بالانقلاب الذي قام به حسني الزعيم، بعد مرور أكثر من ثلاثين عاماً على ذلك الانقلاب، والذي يعتبر أول انقلاب عسكري شهدته الدول العربية.
وعلى هامش هذه الوثائق لا بد من تسجيل بعض الملاحظات :
* أولاً: إن المعلومات التي سمح بإذاعتها تمثل محادثات أجراها موظفون بريطانيون مع عدد من رجال السياسة العرب، ومعظم الذين جرت معهم هذه الاتصالات أصبحوا في ذمة الله.
* ثانياً: ثمة محاولات غير مباشرة للقول أن انقلاب حسني الزعيم دبره الإنجليز، مع أن معلومات أخرى نشرت في أميركا (ومن بينها كتاب " لعبة الأمم " لمايلز كوبلاند) تشير إلى أن الولايات المتحدة كانت ضالعة في الانقلاب.
* ثالثاً: كان الهاجس الأكبر لبريطانيا في تحركاتها كلها قبل وفي أثناء الانقلاب تدعيم خطتها التي كانت معروفة في تلك الأيام باسم الهلال الخصيب.
ولا بد من الإشارة إلى أن الكشف عن هذه الوثائق - مع كل ما يحمله من قيمة تاريخية - يبقى معبراً عن وجهة نظر واحدة هي وجهة النظر البريطانية في ذلك الحديث.
و(الوطن العربي) إذ تقدم هنا ملخصاً عن هذه الوثائق، فإنها تفعل ذلك انسجاماً مع مبادئ العمل الصحفي، وتترك للقراء، وللذين تناولتهم الوثائق، أن يحكموا على تلك الفترة من تاريخ المشرق العربي، مع ما حفلت به وما حملته من تغييرات ومناورات واتصالات.
تبدأ وثائق الخارجية البريطانية (الفورين أوفيس) ببرقية سرية رقمها 122 تحمل تاريخ 31 آذار (مارس) 1949 وجاء فيها " بالإشارة إلى الانقلاب الذي قاده حسني الزعيم فلقد نجح الانقلاب وهدفه الأساسي، الإطاحة بشكري القوتلي، والقوات التي استخدمت في الانقلاب، كانت في طريق عودتها من الحدود اللبنانية، وقد تم انقلاب الزعيم دون مساندة أي مجموعة من خارج الجيش. ولم يلق الانقلاب حتى الآن تأييداً من الشخصيات السياسية باستثناء الأمير عادل أرسلان، ومن المستبعد أن يستقيل الرئيس القوتلي لأنه شخص عنيد" ولقد أجرى الرئيس اتصالات مع رئيس مجلس النواب فارس الخوري. وفي خلال الغداء اليوم قال الأمير عادل أرسلان لونداس ونداس (هو أحد رجال المخابرات البريطانية)، إن الزعيم كلفه تشكيل حكومة إلا أنه لا يستطيع ذلك من دون استشارة فارس الخوري، وناقش أرسلان الأمر مع الخوري، ولم يتوصلا إلى قرار لكن إنذاراً وجهه إلى الزعيم بأنه إذا مس البرلمان فلن يحصل على أي مساعدة كانت. و أشار أرسلان إلى أنه زار شكري القوتلي وخالد العظم في سجن المستشفى العسكري وتأكد من أنهما يلقيان معاملة حسنة، أما أعضاء حكومة العظم فهم إما أحرار أو قيد الإقامة الجبرية في منازلهم.
والبرقية الثانية كانت تشير إلى اهتمام فرنسا بالحدث السوري وتقول الوثيقة رقم 357 بتاريخ أول نيسان (أبريل) " أخبرنا دي مارجيري مدير قسم أفريقيا والشرق الأوسط أن معلومات ضئيلة وصلت إلى الحكومة الفرنسية عن أسباب الانقلاب، وقد قام أعضاء البعثة الفرنسية بمقابلة الزعيم الذي بدا متعباً ومثبط العزيمة ولم يقدر على إعطاء أي رواية واضحة كانت عن أسباب انقلابه. والانطباع السائد لدى وزارة الخارجية الفرنسية أن وراء الانقلاب - ربما - طموحاً عسكرياً على الطريقة التقليدية في أميركا اللاتينية. وطلبت وزارة الخارجية الفرنسية أن تبقى وزارة الخارجية البريطانية على اتصال معها خشية توجه الزعيم إلى طلب الدعم من أي جهة إذا لم يتوافر له الدعم المدني داخل سوري ".
وجاء بعد ذلك الدور الأمريكي. وهو ما روته الوثيقة رقم 190 بتاريخ 3 نيسان (أبريل) 1949، إذ ورد فيها: " ذكر السفير الأميركي في دمشق أن الزعيم سيحاول تصفية شكري القوتلي، ويجب أخذ إجراء مبكر لإجبار رئيس الأركان السوري على عدم القيام بتلك الجريمة السياسية و اللاإنسانية ".
وفي اليوم نفسه وفي وثيقة أخرى تحمل الرقم 190 جاء ما يأتي: " بعثت الحكومة اللبنانية إلى السفير البريطاني في دمشق برقية تعرب فيها عن اهتمامها بسلامة الرئيس القوتلي وتطلب تدخل الحكومة البريطانية لاستخدام تأثيرها وتأكيد معاملته معاملة حسنة ".
ثم جاء تحرك أميركي آخر إذ تقول الوثيقة رقم 75531 / 371 " تلقت وزارة الخارجية الأميركية تقريراً يشير إلى احتمال قيام الزعيم بتصفية القوتلي وقد أبرقت الوزارة فوراً إلى سفارتها في دمشق وطلبت إليها إبلاغ الزعيم أن مثل هذا العمل سيؤدي إلى نتائج وخيمة".
الغرب يوحد اعترافه:
وبعد الانقلاب السوري كان لا بد من الاعتراف به، وكانت تلك المرحلة من أهم المراحل التي شهدت الكثير من الاتصالات والمراجعات والاستشارات.
فبالبرقية رقم 376 بتاريخ 6 نيسان (أبريل) 1949 تقول: " تستعد الحكومة الفرنسية للاعتراف المبكر بالنظام السوري الجديد ولكنها تفضل أن يتم ذلك بالاتفاق مع الحكومتين الأميركية والبريطانية، وخلال عدة أيام، وذلك حتى لا تتهم بتأييد الانقلاب والتحمس له ".
والحكومات العربية كانت تنتظر موقف الغرب من الانقلاب، حتى أن الحكومة اللبنانية سألت بريطانيا عن موقفها وكان الجواب البريطاني : " إن الموقف يعتمد على نتائج محددة وهي: هل سيعترف النظام بالمواثيق الدولية ؟ وهل سيستمر هذا النظام طويلاً ؟ ".
وفي الوقت نفسه كان حسني الزعيم يسعى لإرضاء الغرب. ولذلك خطط لوضع ألفي شيوعي في السجن في معسكر تدمر ليثبت للغرب أنه ضد الشيوعيين.. كما سمح لرجل المخابرات البريطاني الكولونيل فوكس بزيارة شكري القوتلي في سجنه ليطمئن عليه وليرى أنه يتمتع بصحة جيدة. وأن ثمة أطباء يعنون به كما أنه جلب طباخيه ليعدوا له المآكل التي يريدها!
ومن ناحية أخرى، وكما تقول الوثيقة رقم 159 بتاريخ 7 نيسان (أبريل)، أكد الزعيم أن انقلابه حال دون قيام ثورة دموية شعبية وأن الانقلاب تم لتحقيق آمال الشعب، وأنه إجراء دفاعي بعد الإجراءات المخالفة للدستور، وأن موقف سوريا تجاه حلف شمال الأطلسي وبرنامج مارشال هو الموقف الذي تقرره الجامعة العربية. واستمرت المساعي للحصول على اعتراف بالانقلاب. . غير أن مصر ترددت طويلاً في الاعتراف بالنظام السوري الجديد لأنها كانت على علاقات جيدة مع حكومة شكري القوتلي، كما أن الملك فاروق كان يعتبر أن سوريا لن تنعم بحكومة أفضل من حكومة شكري القوتلي.
أما الملك عبد العزيز آل سعود، فقد كان رأيه في الانقلاب السوري أنه "كارثة على العرب لأنه قد يقود إلى سفك الدماء ويعرض استقلال سوريا للخطر". وأعرب الملك السعودي عن أمله في أن يحافظ حسني الزعيم على استقلال سورية وحياة شكري القوتلي، وأشار إلى أنه لن يسمح لأي كان بالتدخل في سوريا.
أسوأ أنواع المستشارين:
وتمضي الوثائق البريطانية بعد ذلك في سيل من التفاصيل عن مراجعات واتصالات. لكنها تصب في مجموعها في قناة الاعتراف.
وثيقة رقم 214 تقول إن الحكومة اللبنانية قررت الاعتراف بنظام حسني الزعيم بعد أن تأكدت من دعم الجيش له وسير الأمور سيراً طبيعياً. وعندما سئل وزير الخارجية عمّا إذا كان الاعتراف اعترافاً بالأمر الواقع أم اعترافاً مرحلياً لم يرغب في تحديد الجواب بانتظار إعلان الاعتراف رسمياً. قام مبعوثون من قبل حسني الزعيم بزيارة السعودية لإقناع الملك عبد العزيز بالاعتراف بالنظام الجديد خصوصاً أنه لم يسفك الدماء، وقد أجاب الملك أنه يسره أن الدماء لم تسفك. . ولقد تناهت إليه أنباء استقالة رئيس الجمهورية وحكومته، لكنه لم يعرف نوع الحكومة التي ستشكل، وطالب بالإفراج عن رئيس الجمهورية القوتلي.
ثم توجه المبعوثون إلى القاهرة لإقناع أمين الجامعة عبد الرحمن عزام بمرافقتهما إلى دمشق، والأمر الذي كان واضحاً في تلك الفترة هو أن الملك فاروق كان غير راغب في التعاون مع الانقلاب وموقفه في هذا الصدد معروف، وكذلك كراهيته للثورات والاغتيالات وخصوصاً بعد محاولة الانقلاب في اليمن واغتيال النقراشي.
قابل سامي كبارة السيد ونداس (رجل المخابرات البريطاني) وأبلغه أنه إذا لم تحصل حكومة حسني الزعيم على مساعدة فورية فإن النظام الجديد سينهار نتيجة اضطراب مالي واقتصادي.
وإذا اعترفت بريطانيا بحكومة حسني الزعيم فيجب أن تطلب منه تسليم الحكم إلى الشعب، أما إذا لم تعترف الحكومة البريطانية بالزعيم ولم تمنحه الدعم المعنوي، فلن يجد أي دعم داخلي كان يساعده على الاستقرار، وكما قال الكولونيل فوكس، فإن تأخر بريطانيا في إظهار تأييدها للزعيم - ولو بشكل غير رسمي - سيؤدي إلى أن يحيط الزعيم نفسه بأسوأ أنواع المستشارين.
الانقلاب أقلق لبنان :
وفي مجال الاعتراف أيضاً بنظام حسني الزعيم قالت البرقية رقم 415 " ستتسلم الولايات المتحدة قريباً بياناً من الحكومة الفرنسية تقترح فيه اعترافاً مبكراً بنظام حسني الزعيم وعدم الأخذ بالاعتبار مواقف الدول العربية تجاه الانقلاب، ويعتقد الفرنسيون أن الزعيم يحتاج إلى النصح والإرشاد ولذلك تكون فرنسا في وضع أفضل إذا هي اعترفت بنظامه ".
أما بالنسبة إلى لبنان فتقول الوثيقة 215: " يجب عدم تفسير الاعتراف اللبناني بالنظام السوري على أنه علامة رضا عن التطورات بل على النقيض فإن نجاح الانقلاب أقلق لبنان. وقد أظهر رياض الصلح عداوة للزعيم وحركته، ولا يرجع ذلك إلى علاقته الحميمة مع شكري القوتلي فحسب بل لمخاوفه أيضاً من الوضع السوري الجديد، وقد أطلعني مصدر مطلع على أن المصريين قد حثوا لبنان على الاعتراف بالنظام السوري. وطلب مني رياض الصلح أن أقابله وقد زرته فلقيت عنده حسن جبارة (وزير سوري في حكومة حسني الزعيم) الذي قدم من دمشق حاملاً رسالة إلى الرئيس اللبناني.
وعندما غادر الوزير قال لي رياض الصلح (وإن كنت أشك في صحة ما قاله لي) إن موقف الحكومة اللبنانية تجاه الأحداث الأخيرة في سوريا كان على صواب مما أدى إلى فتح الحدود بين البلدين. وقال الصلح إنه لم يكن شخصياً من محبذي الاعتراف السريع بنظام حسني الزعيم. وعندما انتهى رياض الصلح من حديثه معي كرئيس للوزراء قال: إنه يريد أن يحدثني الآن حديثاً شخصياً، وأنا أعرف أنه كان دائماً يثق بي وأنه يعطي الأفضلية للبريطانيين في الشرق الأوسط، لأنه مقتنع بأهمية الصداقة العربية - البريطانية، ويشعر أن معظم توقعاته كانت واقعية وإن ارتكب بعض الأخطاء كالآخرين. قال رياض الصلح: إذا أضعنا الفرصة المتاحة الآن لتحقيق الهلال الخصيب فسنخسر إحدى الفرص التي قد لا تأتي إلا مرة واحدة كل مائة سنة، فالأجواء مواتية في الجيش وفي أوساط السياسيين، ومن الضروري عدم قيام أي تدخل بريطاني مسلح كان، خصوصاً أن البريطانيين تحوم حولهم الشكوك بأنهم هندسوا انقلاب الزعيم ويجب أن يحرص البريطانيون على نفي علاقتهم بالانقلاب ولكن يجب البقاء على اتصال في التخطيط لتنفيذ مشروع الهلال الخصيب. وفي نهاية الحديث أكد لي رياض الصلح أن موضوع الهلال الخصيب هو ما طلبه منه السوريون الذين اجتمع بهم وأكد لي أنه لن يطلع رئيس الجمهورية اللبنانية على ذلك كما طلب مني أن لا أطلع أحداً على تفاصيل حديثنا. وقال لي رياض الصلح: إنه أقسم اليمين الدستورية للحفاظ على سيادة لبنان، وأنه إذا تحققت فكرة الهلال الخصيب - التي يعمل بعض المسيحيين لها - وإذا شعر أن الشعب اللبناني ميال إلى القبول بها فإنه سيقدم استقالته ويقوم بما يمليه عليه واجبه.
شمعون يفاوض الزعيم:
وبعد هذا يأتي دور كميل شمعون في قصة الانقلاب السوري ففي البرقية رقم 224 التي بعث بها هيوستون بوزوال قال: "اجتمعت بكميل شمعون وأطلعني على نتائج زيارته لدمشق في 12 نيسان (أبريل) حيث قابل حسني الزعيم برفقة عبد الحميد كرامي وبعض السياسيين اللبنانيين، وقد أثر على شمعون موقف الزعيم القوي وقال: إن الزعيم سيجري انتخابات خلال شهرين، وسيضمن تأييد غالبية الشعب السوري له، وقال: إنه لا يعتقد أن الزعيم بإمكانه إعلان نفسه دكتاتوراً عسكرياً، كما أعرب عن ثقته بجدية الزعيم في إعادة الحياة الدستورية للبلاد، وقال شمعون أيضاً: إن الزعيم وافقه على آرائه وسياسته بأن على أعضاء الجامعة العربية الارتباط بمعاهدات عسكرية وسياسية فيما بينهم، أما عن موقف سوريا الدولي تجاه الغرب والشرق، فإن شمعون يعتقد أن الزعيم سيقف إلى جانب الأنغلو ساكسون، وقال: إنه اقترح عليه ألا يثق بجميع دول الغرب بالنسبة إلى الموقف العربي وخاصة أميركا، واقترح عليه أن تتوجه الحكومة السورية إلى حكومة صاحبة الجلالة (بريطانيا).
وأجاب الزعيم بأنه ينوي تطوير وإعادة تسليح الجيش وتساءل عمّا إذا كانت الحكومة البريطانية مستعدة لتزويد الجيش السوري بالمعدات المهمة وبعض الخبراء. وقال له شمعون: إنه عندما توقع معاهدة الهدنة بين إسرائيل وشرقي الأردن فإن الدول التي فرضت الحظر على تصدير الأسلحة إلى المنطقة سترفع الحظر خاصة أن إسرائيل تلقت أسلحة برغم الحظر وحول تلك النقطة حث شمعون الزعيم على أن تعجل سوريا في توقيع الهدنة ليجري أخذ ذلك بعين الاعتبار حين تقديم مثل ذلك الطلب
لكن حسني الزعيم الذي أعطى الوعود سرعان ما حل مجلس النواب " بناء على رغبة الأمة وآمال وطموحات الشعب السوري " ولكنه في الوقت نفسه أكد احترامه للمواثيق الدولية.
مطلوب سوبرمان :
والضوء الآخر على انقلاب حسني الزعيم تسلطه برقية أخرى بعث بها الملحق العسكري البريطاني في دمشق الليفتنانت كولونيل هارمار إلى الماجور كريس يزل أكد فيها أن عملية الانقلاب قد نجحت دون أن يقتل أحد، ومما جاء في تلك البرقية : " كانت الفرق العسكرية التي استولت على المناطق الحساسة من دمشق معظمها من الأقليات مثل الشراكسة والعلويين الذين يمكن الاعتماد عليهم سياسياً. ويقدر عدد المشتركين بلواء عسكري فقط في دمشق " !.
وتمضي البرقية قائلة " لقد دفع الزعيم في تشكيل حكومة برئاسة فارس الخوري أو عادل أرسلان إلى حل البرلمان والخطوات الأخرى التي اتخذها الزعيم مثل تشكيل لجنة لوضع دستور جديد وإجراء انتخابات، وبالرغم من أن الشعب السوري يؤيد الزعيم إلا أن عليه العمل بسرعة لوضع حد للفساد الذي يتطلب (سوبرمان) للقضاء عليه، وإلا فإن الفرصة ستفوته ولن تظهر نتائج سياسية إلا بعد شهر من الآن ".
موسكو تتهم الغرب :
ثم جاءت برقية أخرى بعثت بها السفارة البريطانية من موسكو وتلخص البرقية موقف موسكو من الانقلاب عبر ما نشرته جريدة (برافدا) في 11 نيسان (أبريل) والذي جاء فيه أن الانقلاب يمثل الصراع بين القوى الإمبريالية في الشرق الأدنى. كما يعكس مخططات هذه القوى العدائية ضد الاتحاد السوفييتي. وقالت الصحيفة: إن البريطانيين "نظموا هذا الانقلاب ضمن خطتهم لإقامة الهلال الخصيب وهي اللحظة التي تعزز موقفهم في الشرق الأدنى وتحمي مصالحهم من أية هيمنة فرنسية أو أميركية، كما أنها تخدم مصالح البريطانيين في إقامة منظمة ضد السوفييت عن طريق قيام تكتل جديد في الشرق الأدنى. وأكدت البرافدا أن هذه الخطط موجهة ضد المصالح القومية للشعب العربي ".
ومن ناحية أخرى - وفي وقت لاحق - ذكرت البرافدا أن وصول (بولوك) مدير الاستخبارات البريطانية إلى دمشق يثبت تورط بريطانيا في الانقلاب، وبشكل خاص تأييد الأحزاب الرجعية لذلك الانقلاب، وأن سبب كل هذه التحركات الحصول على قواعد لحماية منابع النفط في الشرق الأوسط.
يجب احترام سيادة لبنان :
وعودة إلى بيروت، فلقد روت البرقية 231 التي بعث بها هيوستون بوزوال في 19 نيسان (أبريل) 1949 ما يأتي " أخبرني رئيس الوزراء اللبناني رياض الصلح أن النائب الفرنسي م. غورس قد أسرّ إليه في أثناء عودته من دمشق بعد مقابلته للزعيم أنه مرتاح لقوة نظام الزعيم. . . وأن الحكومة الفرنسية متحمسة للاعتراف به، ولكنها تريد الاعتراف بالاتفاق مع كل من الحكومتين البريطانية والأمريكية. وأكد له ضرورة اعتراف فرنسا بالزعيم لحاجته إلى النصح. وقال رياض الصلح: إنه لا يعرف ما إذا كان هناك دافع سري وراء هذا التسرع الفرنسي".
ومن هنا كما تقول البرقيات الأخرى طلبت فرنسا وبريطانيا من الحكومة الأمريكية تحديد موعد مبكر لاعتراف الدول الثلاث بحكومة الزعيم حتى لا يقع في أياد أخرى، وحتى يتمكن ممثلو تلك الدول في دمشق من تقديم النصح له. لكن وزارة الخارجية الأمريكية ردت بأن الاعتراف المبكر غير مستحب لعدة أسباب منها أن الحكومة الأمريكية لها تجاربها التعسة مع الدكتاتوريات العسكرية (!) في أمريكا اللاتينية ولا تريد أن تشجع مثل تلك الحركات في الجيوش العربية الأخرى (!) وثانياً أنه من الأفضل أن تعترف الدول العربية أولاً بحكومة الزعيم. وقالت: إن أمريكا تفضل أن يشكل الزعيم نوعاً من الحكومة عوضاً عن الحكم الفردي الحالي. ثم إن الحكومة الأمريكية ترى أن سياسة عدم الاعتراف ليست أداة فعالة، ولكن في الوضع الحالي يجب أن تتحرك الدول العربية للاعتراف بنظام حسني الزعيم.
هذا، وقام سفير أميركا في بيروت بمقابلة رئيس الجمهورية (آنذاك) بشارة الخوري ورئيس الوزراء رياض الصلح، وطالبه الاثنان(!) بوقف الاعتراف أو تأجيله لأنهما يخشيان أن يقوم حسني الزعيم بقلب الميزان الدقيق في لبنان عبر دعم العناصر الناقلة، وشدد على ضرورة الحفاظ على استقلال لبنان كي يكون جسراً بين العرب والغرب وإذا كان لا بد من اعتراف أمريكا بنظام حسني الزعيم فإن عليها أن تذكره بأن تحترم سوريا سيادة لبنان وأن أمريكا تحب أن تربط اعترافها المستمر للنظام السوري تبعاً لاحترامه لتلك السيادة. وكان جواب الخارجية الأمريكية على هذا الطلب هو أن ذلك الأسلوب مستحيل ولكن أمريكا قد تمارس ضغوطاً دبلوماسية إذا رأت علائم تدخل سوري في الشؤون اللبنانية.
الزعيم : مجنون :
لكن حسني الزعيم لم يقف طوال ذلك الوقت مكتوف اليدين. . . كان يبعث رسله للحصول على اعتراف بنظامه، كما قام شخصياً بزيارة مفاجئة إلى القاهرة قابل في خلالها الملك فاروق. وفي الوقت نفسه كانت العواصم العربية تزن الاعتراف حسب الاتجاهات التي كانت سائدة في ذلك الوقت. . .
وعلى سبيل المثال، ومن خلال برقية بعث بها هيوستون بوزوال، تبين أنه في خلال اجتماعه بوزير الخارجية اللبناني، أبلغه الوزير ارتياحه لقرار بريطانيا الاعتراف بنظام حسني الزعيم " ولكنه أبدى اهتمامه بالموقف حيال الدعوات إلى وحدة الهلال الخصيب والتي يمكن نتيجة لها أن يتحول لبنان إلى "لبنان الصغير" ولا بد أن يصبح تابعاً بعد ذلك، وطالب الحكومة البريطانية أن تدعم الجامعة العربية وأن تضغط على رئيس الوزراء اللبناني حول هذا الموضوع".
لكن الاعترافات توالت بعد ذلك، من الدول العربية ومن الغرب. . . وأخذ حسني الزعيم بعد حصوله على الاعترافات الدولية يتصرف بكثير من التمرد. . . والحرية!
وفي البرقية 349 التي بعث بها هيوستون بوزوال إلى لندن قال: "لقد طلب رياض الصلح مقابلتي. لكني أرسلت إليه السيد إيفانز الذي قال: إن الصلح أبلغه نتائج اجتماعه يوم 24 نيسان (أبريل) بحسني الزعيم، وقال بالحرف الواحد " إن الزعيم مجنون ويجب على بريطانيا أن تضع حداً له قبل فوات الأوان ".
صناعة ليست عربية:
وتبقى بعد هذا الذي قيل ملاحظات. . .
كان الزعماء يتهافتون على السفارات الغربية إما لتدعيم نفوذهم أو للمشاركة في تنفيذ مخططات تخدم مصالح تلك السفارات. كانت الشؤون السياسية في العالم العربي في خلال الأربعينيات والخمسينيات تدار من عواصم الغرب.
كان رجال المخابرات وما يزالون - أهم من السفراء - ولذلك كانوا هم الذين يجرون المقابلات ويسجلون الأحاديث ويأخذون الملاحظات.
منذ الأربعينيات كان لبنان على كف العفريت الغربي. . هذا، وما نشرته (الوطن العربي) ليس إلا ملخصاً لهذه الوثائق التي سمح لها بأن ترى النور أخيراً. .
وأكبر مما يمكن أن تبرزه هذه الوثائق هو أن الانقلابات في العالم العربي لم تكن صناعة عربية، ولم تكن صناعة محلية، ولم تكن نابعة من مصلحة الشعوب وتطلعاتها. . .
الفصل الأول
المبحث الثالث
انقلاب العقيد سامي الحناوي
فوجئت دمشق واستيقظت على غير عادتها في الساعة الثالثة من فجر الرابع عشر من آب 1949 بانقلاب قاده العقيد سامي الحناوي1، واعتبر الانقلاب العسكري الثاني في تاريخ سوريا المعاصر. فقد أدت أساليب المشير حسني الزعيم الفردية في إدارة سياسة الدولة وعدم امتلاكه تجربة سياسية إلى فشله، وافتقاره إلى القاعدة الشعبية التي يستند إليها أي حكم، وعدم تحقيق الوعود التي قدمها في بياناته وتصريحاته. ففقد خلال الثلاثة أشهر الأخيرة معظم شعبيته، وظهر له أعداء من مختلف شرائح المجتمع، كما أثار سخط عدد من أصدقائه العسكريين الذين نفذوا معه الانقلاب، وكذلك أقدم على تسريح بعضهم وأبعد البعض الآخر، وبهذه الأعمال فقد سنده العسكري، مما مهد لانقلاب الحناوي.
وكان قائد الانقلاب الجديد قد قام باتصالات سرية توجت باجتماع سري في معسكرات قطنا تقرر فيه أن يقوم اللواء الأول بقيادة العقيد الحناوي بالانقلاب بالتعاون مع بعض الوحدات المساندة، ووضعت خطة لاعتقال كل من رئيس الجمهورية المشير حسني الزعيم ورئيس وزرائه الدكتور محسن البرازي، ومدير الشرطة العسكرية المقدم إبراهيم الحسيني والسيطرة على مبنى الأركان العامة للجيش، وعدد من المباني والنقاط ذات الأهمية الخاصة لنجاح الانقلاب، كما شكل قائد الانقلاب مجلساً حربياً أعلى من الضباط الذين اشتركوا معه في تخطيط وتنفيذ الانقلاب، لإدارة شؤون البلاد العليا ريثما يتم تشكيل حكومة دستورية، وأوكلت إلى هذا المجلس مؤقتاً صلاحيات السلطات التشريعية والتنفيذية والعسكرية.
وقد تألف هذا المجلس من:
1. العقيد سامي الحناوي: قائد اللواء الأول.
2. العقيد بهيج كلاس: المستشار في وزارة الدفاع.
3. العقيد علم الدين قواص: رئيس أركان اللواء الأول.
4. المقدم أمين أبو عساف: قائد كتيبة مدرعات.
5. النقيب عصام مريود: ضابط في سلاح الطيران.
6. النقيب محمود الرفاعي: معاون مدير الاستخبارات العسكرية.
7. النقيب حسن الحكيم: قائد قوة مدفعية.
8. النقيب محمد معروف: قائد الشرطة العسكرية.
9. النقيب محمود دياب: رئيس الشعبة الثالثة في الأركان العامة.
10. النقيب خالد جادا: مرافق رئيس الجمهورية.
وقد تحركت الوحدات والمفارز المنفذة في الوقت المحدد لها من معسكرات قطنا ونفذت الواجبات المكلفة بها وفق الخطة الموضوعة. ونقل المعتقلون إلى مبنى الأركان العامة وهم بملابس النوم، بعدها جرى نقل الزعيم والبرازي بمدرعة خاصة إلى سهل المزة على طريق المطار وتمَّ إعدامهما بدون محاكمة، وقد أجريت محاكمة صورية لهما في وقت لاحق.
وفي هذا المضمار صرح قائد الانقلاب الجديد أن الانقلاب الجديد أي الانقلاب الثاني كان تصحيحاً للانقلاب الأول الذي كان يفترض به إعادة الأمور إلى مجراها السوي. وأن الزعيم لم يعدم لتنفيذه الانقلاب الأول بل لخيانته لذلك الانقلاب.
وقد بدأ العقيد الحناوي بلاغه العسكري الأول بعبارة أصبحت لازمة عربية (لقد قام جيشكم الباسل) وختمها بلازمة أخرى (وعد بالعودة إلى الثكنات وتسليم أمور السياسة إلى رجالاتها) ومما جاء في البيان الأول:
(لقد قام جيشكم الباسل بانقلاب يوم 30 آذار 1949 الماضي لينقذ البلاد من الحالة السيئة التي وصلت إليها من قبل وقد استقبلتم ذلك العمل بالفرح والتقدير لما وعد به زعيم ذلك الانقلاب حول إنقاذ البلاد من الفوضى وإعادتها إلى عزتها وكرامتها في بياناته الأولى ولكنه ما إن استتبت له الأمور حتى أخذ يتطاول إلى أموال الأمة وكرامة البلاد وما صحب ذلك من سوء الإدارة والفوضى والتدهور، بحيث أخذ الناس يسخرون من الجيش ورجاله لما آلت إليه البلاد، إضافة إلى الفوضى الداخلية والخارجية.
لذا وبعد الاعتماد على الله القويّ العزيز عزم جيشكم الباسل الذي لا يريد إلا الخير للبلاد أن يخلصها من الطاغية الذي استبد هو ورجال حكومته المسخرة بمقدراتها.
وقد أتم الله للجيش ما أراد وأنقذ شرف البلاد من ظلمهم وسطوتهم، وقد آلى على نفسه أن يسلم زمام الأمور إلى الأفراد المخلصين. وإن الجيش وقواده يعاهدونكم أمام الله والتاريخ، أنهم لا يبغون في حركتهم إلا أن تعيش البلاد حرة مستقلة، وسيترك الجيش لزعماء البلاد إدارتها وسيعود إلى ثكناته ويترك أمور السياسة إلى رجالاتها والسلام).
وفي بلاغاته اللاحقة أوجز قائد الانقلاب من وجهة نظره الأسباب الرئيسة التي أدت إلى انقلابه بما يلي:-
أ - انحراف الزعيم عن المبادئ التي وعد بها الشعب، وعدم وجود قاعدة شعبية أو حزبية تسانده.
ب - سيره في البلاد بشكل جعل الناس تذكر بالخير العهد السابق وتتمنى عودته.
ج - فساد رجال الحكم وانتشار الرشوة والمحسوبية.
د - عمل على محاربة الوطنيين وزج الكثير منهم في السجون وهرب البعض منهم خارج القطر.
هـ - عطل القوانين وخرق الدستور.
و- أجبر الرئيس شكري القوتلي بطريقة غير دستورية على الاستقالة وسجنه في المستشفى العسكري بالمزة مع رئيس الوزراء.
ز- إثارة الخلافات المستمرة رغم قصر فترة الحكم مع العراق والأردن.
أما المحللون السياسيون في نهاية الأربعينيات، فيؤكدون أن وراء الانقلاب دوافع محلية وعربية ودولية.
1. الأسباب الداخلية: ظهور خلافات وصراعات عشائرية.
2. الأسباب العربية: كان موقف حكومة السيد نوري السعيد بعد أن توجه الزعيم نحو محور القاهرة - الرياض، العمل على إنهاء حكمه.
3. الأسباب الدولية: الصراع بين المصالح الأمريكية والفرنسية من جهة والمصالح البريطانية من جهة أخرى.
فعلى الصعيد العربي كان موقف الحكومة العراقية واضحاً منذ البداية فقد اعترفت بالنظام الجديد وهنأت قائد الانقلاب، وأخذت تطرح شعار الاتحاد والوحدة مع سورية منذ الأيام الأولى وتوجهت إلى دمشق بعثة عراقية ضمت عسكريين ودبلوماسيين، وفور وصولهم إلى دار الحكومة في دمشق، عقدوا اجتماعاً مع الجانب السوري.
وظهرت مؤخراً بعض الوثائق تؤكد على دور حكومة السيد نوري السعيد في إعداد وتخطيط الانقلاب العسكري الثاني في سورية. أما الحكومة المصرية فقد عبرت عن قلقها لما جرى في سورية وأعلنت الحداد لثلاثة أيام لمقتل المشير حسني الزعيم، وهاجمت الصحافة و وسائل الإعلام المصرية الانقلاب الجديد أما على الصعيد الدولي، فقد عبرت بريطانيا عن ارتياحها وكالت المديح لقادة الانقلاب، ونوهت بأن الانقلاب أسفر عن حكومة قوية يسندها الشعب وتؤازرها الهيئات الوطنية لإعادة سورية إلى الديمقراطية!!!.
بينما اعتبرت الصحف الفرنسية الانقلاب مؤامرة على سورية ساهمت في تدبيرها المخابرات البريطانية وحكومة السيد نوري السعيد، بينما نظرت الولايات المتحدة الأمريكية إلى الواقع الجديد على ضوء مصالحها الخاصة، فهي تريد أن تطمئن على تطبيق اتفاقية (التابلاين) وعلى موقف النظام الجديد من الشيوعية.
لم يستأثر العقيد الحناوي بالسلطة، كما عمل سلفه بل استفاد من تجربته وسقطاته وهفواته.
وبما أنه يختلف عنه في الكثير من الأمور، فقد أفرج عن المعتقلين، وسمح للأحزاب بالعودة إلى ممارسة نشاطها وإلى الصحف المغلقة بالعودة للصدور، ففي اليوم الثاني للانقلاب (15 آب 1949) سلم قائد الانقلاب السلطة رسمياً للرئيس هاشم الأتاسي تاركاً له تشكيل الحكومة، على أن يراقب الجيش الأوضاع السياسية عن طريق وزير الدفاع، فتم تشكيلها في اليوم نفسه على الوجه التالي:
1. السيد هاشم الأتاسي: رئيساً لمجلس الوزراء.
2. السيد خالد العظم: وزيراً للمالية.
3. السيد ناظم القدسي: وزيراً للخارجية.
4. السيد رشدي الكيخيا: وزيراً للداخلية.
5. اللواء عبد الله عطفة: وزيراً للدفاع.
6. السيد أكرم الحوراني: وزيراً للزراعة.
7. السيد سامي كبارة: وزيراً للعدل والصحة.
8. السيد فيضي الأتاسي: وزيراً للاقتصاد الوطني.
9. السيد مجد الدين الجابري: وزيراً للأشغال العامة.
10. السيد عادل العظمة: وزيراً للدولة.
11. السيد ميشيل عفلق: وزيراً للمعارف (استقال في 19/11/1949).
12. السيد فتح الله أسيون: وزيراً للدولة.
وأعلنت الحكومة الجديدة البدء بالتحضير لانتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد، كما أصدرت قانوناً جديداً للانتخاب، وحددت موعداً نهائياً لإجراء الانتخابات في 15/11/1949. وقد منح القانون الجديد المرأة السورية لأول مرة حق الانتخاب دون الترشيح، وجرت الانتخابات في موعدها، وفاز حزب الشعب بالأكثرية.
عقدت الجمعية التأسيسية أولى جلساتها في 12/12/1949، وانتخبت السيد رشدي الكيخيا (عميد حزب الشعب) رئيساً لها والرئيس هاشم الأتاسي رئيساً للدولة مما عزز من مكانة حزب الشعب، وأصبح طريق الوحدة أو الاتحاد ممكناً، كما أيد الحزب الوطني فكرة الاتحاد وكذلك بعض الساسة المستقلين، كالسيد حسن الحكيم1. إضافة إلى مساعي الرئيس هاشم الأتاسي لتحقيق هذه الفكرة مع رجالات سورية، مما شجع على المباشرة بالإجراءات التمهيدية لتنفيذ خطة الاتحاد2.
هذا مع أن الموقف العراقي كان واضحاً منذ البداية، وتعزز بزيارة الأمير عبد الإله إلى دمشق في 15/10/1949 وجرت مفاوضات سرية في بغداد بين لجنة وزارية سورية والحكومة العراقية، رغم الخلاف في وجهات النظر، فالجانب العراقي أراد وحدة الشعبين من خلال برلمان واحد وتوحيد وزارات الدفاع والخارجية والاقتصاد مع ترك الموضوعات الأخرى في كل قطر بتصريف محلي ذاتي، مع ضمانة عدم شمول القطر السوري بالمعاهدة العراقية مع بريطانيا، ويبقى الأمر بالنسبة إلى الأمير عبد الإله يدرس بصورة مستقلة.
لماذا فشل مشروع الوحدة مع العراق؟:
تعود أسباب فشل مشروع الوحدة مع العراق إلى عوامل داخلية وخارجية، يمكن إجمالها بوجود عناصر قوية في الجيش العربي السوري مؤمنة بالنظام الجمهوري ولا تريد الارتباط بالعراق الملكي. كما أنها تتحفظ على المعاهدة العراقية البريطانية. ووجود أصدقاء عسكريين للسيد أكرم الحوراني مثل العقيد أديب الشيشكلي وإخوانه.
أما على الصعيد العربي فكانت هناك معارضة محور القاهرة - الرياض، وطرح بدائل للوحدة من خلال جامعة الدول العربية.
وعلى الصعيد الدولي عارضت الولايات المتحدة الأمريكية أي تغيير في الخريطة العربية دون أن ننسى دور الكيان الصهيوني في إعاقة أي تقارب سوري عراقي (بغض النظر عن طبيعة الأنظمة الحاكمة). لما يمثله من تمركز للقوى العربية، مما يشكل تهديداً له ولوجوده1.
وكان أمام الساسة السوريين المعارضين لمشروع الوحدة مع العراق بديل واحد هو تشكيل تحالف مع عناصر الجيش المعارضة للمشروع. و كان السيد أكرم الحوراني حلقة الوصل بين الفريقين بينما كان قائد العناصر العسكرية العقيد أديب الشيشكلي قائد اللواء الأول المتمركز في معسكرات قطنا (عشرين كيلو متر عن وسط العاصمة دمشق).
ولإفشال هذا المشروع ولإنهاء النظام القائم والقضاء على حركة الزعيم الحناوي، تحرك العقيد أديب الشيشكلي صبيحة التاسع عشر من كانون الأول 1949، واستولى على السلطة العسكرية، وبهذا كانت نهاية حكم الحناوي.
المبحث الرابع
الانقلاب العسكري الثالث / انقلاب أديب الشيشكلي
في التاسع عشر من كانون الأول عام 1949م تحرك قائد اللواء الأول المتمركز في معسكرات قطنا، العقيد أديب الشيشكلي على رأس لوائه وعدد من الوحدات المساندة والمتعاونة ليقود انقلابه العسكري الأول، الذي يعدّ الثالث في تاريخ سورية المعاصر والثالث خلال عام 1949، وقد تميز عن الانقلابين السابقين بأنه انقلاب على السلطة العسكرية هذه المرة فقط دون التعرض للسلطة السياسية، أما الأسباب التي دفعت العقيد الشيشكلي للقيام بانقلابه الأول فهي:
- شهدت الأيام القليلة التي سبقت الانقلاب تحركات واسعة في الأوساط السياسية تمثلت بقادة الجيش وعلى رأسهم الزعيم الحناوي وقادة حزب الشعب، ونواب مستقلين في الجمعية التأسيسية متعاطفين مع اتجاه الوحدة أو الاتحاد مع العراق، وعارضها السيد أكرم الحوراني ونواب البعث العربي والسيد عبد الباقي نظام الدين والشيخ مصطفى السباعي وآخرون ممن لهم رصيد وطني وقوي في الشارع السوري. تحرك هؤلاء المعارضون من خلال الاتصال برئيس الجمهورية هاشم الأتاسي والسيد رشدي الكيخيا عميد حزب الشعب ووزير الداخلية والزعيم سامي الحناوي وأعربوا لهم عن مخاوفهم من الاتحاد، فكان الجواب دوماً أن الأمر قد درس من جميع جوانبه وأنه متروك للجمعية التأسيسية، فلم يبق أمامهم سوى الخيار العسكري لمنع مثل هذا الاتحاد المشبوه والمحافظة على النظام الجمهوري وعدم الارتباط مع العراق المكبل بمعاهدة جائرة من قبل بريطانيا.
البيان الأول للانقلاب :
تم تنفيذ الانقلاب بسرعة وسهولة من خلال خطة محكمة تمكنت من السيطرة على المراكز الحيوية، كما جرى اعتقال الزعيم الحناوي وعدد من أعوانه، وأذاع زعيم الانقلاب البيان الأول الذي جاء فيه:
(يعتبر الجيش أن هذه الحركة ضرورية للمحافظة على سلامة البلاد لأن الحناوي وبعض الزعماء السياسيين تآمروا مع عناصر أجنبية لإلحاق الضرر بأمن البلاد والجيش. ورغم التحذيرات التي وجهت إلى الحناوي من نشاطاته الموالية للعراق فقد رفض التحذير.. الخ).
ومن الجدير بالذكر أن البيان وقعه العقيد أديب الشيشكلي دون إضافة صفة أو منصب له، كما ظهر أنه أكثر دهاء وصلابة ومهارة سياسية من الذين سبقوه إذ ترك للسلطة السياسية الاستمرار في مهمّاتها وجعل الجمعية التأسيسية تمضي في طريقها لإعداد الدستور، ومنها تشكيل الحكومات أو سحب الثقة منها، واكتفى هو بدور القوة الفاعلة والمراقب من وراء الستار، وقد استمرت هذه الحقبة زهاء سنتين، مما جعل المنظرين السياسيين يراقبونه من خلف ستار دون أن يكشف عن مكنونات نفسه أو يظهر خفاياها.
وعَدَّ الشيشكلي حركته حركة تصحيحية خاصة بالسلطة العسكرية، فقد بقى رئيس الجمهورية الأتاسي في منصب الرئاسة وحزب الشعب يمارس أعماله الاعتيادية، وقد أمسك بناصية الحكم على الرغم من اهتزاز مكانته نتيجة الانقلاب على الحناوي، وقد عمل بعد فترة على إطلاق سراح الحناوي وسمح له بالمغادرة إلى لبنان حسب رغبته، لكن القدر كان له بالمرصاد، حيث اغتيل من قبل (حرشو البرازي) ثأراً لقريبه الدكتور محسن البرازي الذي أعدمه سامي الحناوي.
التطورات الحكومية بعد انقلاب الشيشكلي الأول :
طلب الشيشكلي رسمياً من الرئيس الأتاسي بعد نجاح الانقلاب تشكيل حكومة جديدة، فاختار الأتاسي السيد خالد العظم لتشكيل الوزارة، لكنه أخفق في مهمته ولم يوافق على شروط حزب الشعب، فتم تكليف الدكتور ناظم القدسي الذي ألف وزارة جديدة في 25/12/1949 لكنها لم تنل رضا الجيش فاعتذر بدوره، وهنا طرح الرئيس الأتاسي حلاً وسطاً يقضي بالعودة إلى تكليف السيد خالد العظم بتشكيل حكومة جديدة يشترك فيها أربع وزراء من حزب الشعب على أن يتولى وزارة الدفاع السيد أكرم الحوراني، وحدث الاتفاق وصدرت مراسيم تشكل الوزارة في 27/12/1949 على الوجه التالي:
1. السيد خالد العظم- رئيساً للوزراء ووزيراً للخارجية.
2. السيد فيضي الأتاسي - وزيراً للعدل. .
3. السيد فتح الله أسيون - وزيراً للصحة.
4. السيد سامي كبارة - وزيراً للداخلية.
5. الأستاذ محمد المبارك - وزيراً للأشغال العامة.
6. السيد أكرم الحوراني - وزيراً للدفاع.
7. السيد هاني السباعي - وزيراً للمعارف.
8. السيد عبد الباقي نظام الدين - وزيراً للزراعة.
9. الدكتور معروف الدواليبي - وزيراً للاقتصاد الوطني.
10. السيد عبد الرحمن العظم - وزيراً للمالية.
ومن الجدير بالذكر أن اختيار رئيس الوزراء وبعض الوزراء وخاصة السيد أكرم الحوراني وعبد الباقي نظام الدين كان بدعم من الجيش.
تقدم السيد العظم بمنهاجه الوزاري إلى الجمعية التأسيسية في 4 كانون الثاني 1950 عبر خطاب أكد فيه على استقلال سورية ونظامها الجهوري ودعم المشاريع الصناعية والاقتصادية، والعمل على تقوية العلاقات مع الأقطار العربية. كما حصل على ثقة الجمعية بالأغلبية وقد صوت على منهاجه الوزاري 92 مقابل 7 أصوات بعد تشكيل الوزارة.
قام العقيد الشيشكلي بزيارة رسمية على رأس وفد عسكري إلى القاهرة والرياض، أما الدكتور معروف الدواليبي، فقد رأس وفداً اقتصادياً إلى المملكة العربية السعودية وعقد معها اتفاقية تعاون اقتصادي في مطلع عام 1950.
عادت سورية في ظل هذه الحكومة باتجاه محور القاهرة -الرياض، وهي السياسة المنسجمة مع رغبات قادة الجيش، حيث سافر السيد العظم إلى القاهرة للمشاركة باجتماع اللجنة السياسية التابعة لجامعة الدول العربية وتم توقيع ميثاق الضمان الاجتماعي العربي وبعدها غادر القاهرة إلى المملكة العربية السعودية ولم يعد إلى دمشق إلاَّ في 24 أيار 1950 وفوجئ الجميع عندما قدم في 28 آب استقالته بعد خلافات وزارية لم يقو على حلها. . وعندما طلب إليه تشكيل وزارة جديدة رفض ذلك واعتكف في داره.
فكُلف الدكتور ناظم القدسي بتأليف وزارة جديدة، وقام على الفور بمباحثات مع حزب الشعب، الذي وافق على المشاركة في الوزارة، فكانت الوزارة جميعها من حزبه عدا وزيرين هما السيدان زكي الخطيب وفوزي سلو ممثل الجيش، الذي كلف بمراقبة مسيرة الحكومة. وقد تعرض الدكتور ناظم القدسي إلى معارضة من داخل الجمعية التأسيسية وخارجها. إضافة إلى نشوء صعوبات وأزمات متتالية، فقدم استقالته وأعاد تشكيلها ثانية في 4 حزيران 1950. ومع هذا لم تستمر طويلاً فاستقال ليعيد تشكيلها ثالثة في 8 أيلول 1950. هذه الوزارة التي عاشت سبعة أشهر ليكلف بتشكيل وزارة رابعة في 23 آذار 1951، وتعتبر هذه الوزارة أقصر الوزارات عمراً في تاريخ سورية حيث لم تستمر سوى يوم واحد.
وبينما الأحداث السياسية تسير في طريقها، كانت أعمال الجمعية التأسيسية لإعداد الدستور الجديد، قد قطعت شوطاً من خلال الدراسات والمناقشات المستفيضة، وقدم مشروع الدستور إلى الجمعية التأسيسية التي أقرته في 5/9/1950 متضمناً (166) مادة.
وقد احتوت مقدمة الدستور على جملة أهداف، من ضمنها حرية المواطنين ومساواتهم في الحقوق والواجبات، والقضاء على الفقر والمرض والجهل وتوطيد العلاقة بين سورية وسائر الأقطار العربية والبلدان الإسلامية.
كما أكد الدستور على عروبة الجمهورية السورية وأن شعبها جزء من الأمة العربية وعزز دستور 1930 بمواده التي تنص على أن دين رئيس الدولة الرسمي هو الإسلام، وأن الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيس للتشريع، كما نص على الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتحولت الجمعية التأسيسية بعد إقرار الدستور إلى مجلس نيابي له الحق في انتخاب رئيس للجمهورية، وتكون دورته النيابية كل (4) سنوات، واعتباراً من كانون الأول 1949 بداية لذلك، وفعلاً انتخب هذا المجلس في أول جلساته السيد هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية والسيد رشدي الكيخيا (عميد حزب الشعب) رئيساً للمجلس النيابي وفق الصيغة الجديدة.
لقد استمرت هيمنة حزب الشعب على المجلس، وتصاعد استياء الساسة المعارضين له، فضلاً عن ازدياد استياء العسكريين من خصوم حزب الشعب. وقد أدى هذا في النهاية إلى استقالة الدكتور القدسي (كما ورد سابقاً)، وإعادة تكليف السيد خالد العظم.
تمكن السيد خالد العظم من تشكيل وزارة جديدة دون اشتراك أي من الأحزاب، بما في ذلك حزب الشعب الذي ضمن السيد العظم موافقته، وحصل كذلك على موافقة العسكريين بعد حواره مع العقيد الشيشكلي والسيد الحوراني، فصدرت مراسيم الوزارة الجديدة في 27 آذار 1951 على الشكل التالي:
1. السيد خالد العظم: رئيساً لمجلس الوزراء ووزيراً للخارجية.
2. السيد سامي كبارة: وزيراً للداخلية.
3. السيد عبد الباقي نظام الدين: وزيراً للزراعة والعدل.
4. السيد عبد الرحمن العظم: وزيراً للمالية.
5. العميد فوزي سلو: وزيراً للدفاع الوطني.
6. السيد رئيف الملقي: وزيراً للمعارف والاقتصاد الوطني.
7. السيد سامي طيارة: وزيراً للصحة والأشغال العامة والمواصلات.
وقد ضمت هذه الوزارة عدداً من المقربين للجيش منهم السيد خالد العظم والسيد عبد الباقي نظام الدين والسيد فوزي سلو ممثل الجيش والسيد سامي طيارة من مجموعة السيد أكرم الحوراني.
أكد السيد العظم في بيانه الوزاري أن سورية لن ترتبط بأي من المعسكرين الدوليين أو بأحد المحاور العربية، وركز على ضرورة إكمال المشاريع الاقتصادية المطروحة سابقاً وتهيئة مشاريع جديدة، ودعم الجامعة العربية، والسعي لتحقيق الوحدة العربية مع سائر دول الجامعة العربية ومن خلالها جعل قضية اللاجئين الفلسطينيين قضية مصيرية، والدفاع عن استقلال الوطن، وتقوية الجيش، وتوثيق الصلات الخارجية وفق المصلحة الوطنية، واعتماد الإخلاص والنزاهة في شتى الوظائف.
كما دعا الكتل والأحزاب كافة، إلى تناسي خلافاتها وجمع كلمتها وتوحيد صفوفها لما فيه مصلحة البلد.
ومن أبرز ما تم في عهد هذه الوزارة التخطيط لإنشاء مرفأ في مدينة اللاذقية، ومد سكة حديد من مناطق الجزيرة والفرات التي تعتبر من أهم مناطق الإنتاج إلى مرفأ اللاذقية الواقع على البحر المتوسط.
وفي عهد هذه الوزارة بدأ التحرش الصهيوني حول بحيرة الحولة والتي ردَّ فيها الجيش العربي السوري على تلك التحرشات. كما جرى ترفيع العقيد الشيشكلي إلى رتبة زعيم وتعيينه رئيساً للأركان العامة، وإسناد وزارة الدفاع إلى الزعيم فوزي سلو لكي يكون الجيش على علم بما يدور من لقاءات وتحركات مع الأقطار العربية المجاورة.
واستمرت هذه الحكومة السلطة حتى نهاية تموز 1951 عندما اضطر السيد العظم إلى الاستقالة إثر أزمة سياسية حدثت في وزارته.
أجرى الرئيس الأتاسي سلسلة من المشاورات انتهت بتكليف السياسي المستقل السيد حسن الحكيم1، وقد عارض الجيش في البداية هذا التكليف نظراً لميول السيد الحكيم للوحدة مع العراق، كما أنه اتفق مع الجيش على تشكيل الوزارة مقابل شروط وضعها السيد الحكيم وتم الاتفاق عليها، وصدرت مراسيم الوزارة الجديدة في التاسع من آب 1951 على الشكل التالي:
1. السيد حسن الحكيم: رئيساً لمجلس الوزراء ووزيراً للمالية.
2. السيد فيضي الأتاسي: وزيراً للخارجية.
3. السيد فتح الله أسيون: وزيراً للصحة.
4. السيد شاكر العاص: وزيراً للاقتصاد الوطني.
5. اللواء فوزي سلو: وزيراً للدفاع الوطني.
6. السيد رشاد برمدا: وزيراً للداخلية.
7. السيد حامد الخوجة: وزيراً للأشغال العامة والمواصلات.
8. الدكتور عبد الوهاب حومد: وزيراً للمعارف.
9. السيد عبد العزيز حسن: وزيراً للعدل.
10. الأستاذ محمد المبارك: وزيراً للزراعة.
ومن خلال البيان الوزاري الذي تقدمت به الوزارة، حصلت على الثقة بأكثرية (84) صوتاً ضد (4) أصوات، عدد الحضور (88). بدأت وزارة السيد الحكيم أعمالها بمجموعة قرارات عالجت من خلالها العديد من القضايا التي لها أولوية في جدول أعمالها، كمشكلة التمويل، ومشكلة الإضرابات التي كانت تتكرر من حين إلى آخر، وذلك عن طريق تشريع قانون يضمن حقوق العمال والموظفين. وحلت مشكلة الموازنة التي كانت مستعصية وشكلت في الماضي مثار جدل لدى الحكومات السابقة، والتي عُدَّت واحدة من أسباب سقوط حكومة العظم، فسدت العجز بضغط النفقات وإقرار مبدأ الضرائب التصاعدية.
لكن الخلافات عصفت بالوزارة لتباين وجهات النظر حول مشروع الدفاع المشترك وموضوع ربط الدرك (شرطة الأرياف) بوزارة الداخلية. وتفاقمت الأزمة مما دعا بعض الوزراء إلى تقديم استقالاتهم وأصبح من الصعب استمرار الحكومة، فتقدمت باستقالتها ونشأت أزمة حكومية جديدة استمرت ثمانية عشر يوماً. انتهت بتشكيل وزارة جديدة برئاسة السيد معروف الدواليبي واعتبرت تحدياً للجيش ولم تستمر أكثر من أربع وعشرين ساعة، فمهدت لقيام الزعيم أديب الشيشكلي بانقلابه الثاني في 29 /11/1951 واضطر السيد الدواليبي إلى تقديم استقالته. ولما لم يتمكن الرئيس الأتاسي من تكليف أحد السياسيين بتشكيل وزارة جديدة تتمتع بموافقة الجيش، بديلة عن الوزارة المستقيلة، قدم استقالته في 2/12/1951، وسافر إلى مسقط رأسه حمص. عندها تولى الزعيم الشيشكلي مهمات رئيس الجمهورية وسائر السلطات بموجب البلاغ العسكري رقم (1) في 2/12/1951 1. وفي اليوم التالي أصدر البلاغ العسكري رقم (2) بتاريخ 3/12/1951 الذي عهد به إلى الزعيم فوزي سلو بمهمات السلطتين التشريعية والتنفيذية ومهمات رئيس الدولة، ورئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع وكلّف الأمناء العامين (وكلاء الوزارات) بمهمات الوزراء.
الفصل الأول
المبحث الخامس
الانقلاب العسكري الرابع
الانقلاب الثاني للزعيم أديب الشيشكلي
استمرت فترة الانقلاب العسكري الثالث - الذي يعدّ الانقلاب الأول للزعيم أديب الشيشكلي الذي استولى فيه على السلطة العسكرية مع استمرار السلطة السياسية تزاول نشاطها على ما كانت عليه مع مراقبة ومتابعة الجيش من وراء الستار حوالي سنتين، حيث بدأت في كانون الأول عام 1949 وانتهت في كانون الأول عام 1951، عندما صدر البيان العسكري رقم (1) الذي تولى بموجبه رئيس الأركان العامة الزعيم أديب الشيشكلي رئاسة المجلس العسكري الأعلى، ومهمّات رئيس الجمهورية، متمتعاً بسائر الصلاحيات الممنوحة للسلطة التنفيذية.
وفي اليوم التالي أصدر بلاغه العسكري الثاني الذي كلف بموجبه الزعيم فوزي سلو بمهمّات رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع، وخوله كلًّ الصلاحيات التشريعية والتنفيذية.
وقد برر الشيشكلي إجراءاته هذه من خلال البيان الذي أذاعته ونشرته وسائل الإعلام المختلفة الذي حلل فيه الوضع الراهن الذي مرَّ بالبلاد منذ 14 آب 1949 واستنكر فيه سيطرة الفئة الحاكمة ووصفها بتحريف الدستور وقلب الجمعية التأسيسية إلى مجلس نيابي، والتقليل من شأن الجيش من خلال فصل قيادة الدرك (شرطة الأرياف) عن الجيش وربطها بوزارة الداخلية، ومطالبتها المستمرة بتنصيب وزير دفاع مدني. كما طلب في بيانه العسكري الثاني من الأمناء العامين (وكلاء الوزارات) في كل وزارة أن يتولى كل منهم سلطة الوزير لتسيير أمور وزارته إضافة إلى وظيفته لحين عودة الحياة النيابية.
وقد أعلن الزعيم فوزي سلو أن السياسة الخارجية السورية ستحافظ على الإخاء والوفاق مع الأقطار العربية مع الالتزام بميثاق جامعة الدول العربية، كما أن علاقة سورية بالدول الأجنبية ستستمر وفق ميثاق هيئة الأمم المتحدة.
إلا أنه أكد بشكل خاص على أهمية العلاقة مع مصر والعمل على توثيقها، وأعدَّ مجموعة قوانين تخص الأحوال الشخصية وأصول المحاكمات وضريبة الدخل وملاك الشرطة والأمن. واستمرت هذه الصيغة زهاء ستة أشهر، وفي 8 حزيران 1952 تألفت وزارة جديدة بموجب مرسوم صادر عن الزعيم سلو استناداً إلى الصلاحيات المنوطة به شارك فيها الزعيم الشيشكلي بمنصب نائب رئيس الوزراء مع احتفاظه بمهمّات رئيس الأركان العامة للجيش وشكلت هذه المشاركة أول ظهور علني على المسرح السياسي للزعيم الشيشكلي الذي شرع في بناء جهاز سياسي مدعوم بنظام دستوري وأصدر مرسوماً منع فيه العسكريين من العمل السياسي والانتماء إلى الأحزاب والجمعيات والكتابة في الصحف والمجلات فيما يخص الجوانب السياسية، وقد ضمت الوزارة الجديدة المجموعة التالية:
1. الزعيم فوزي سلو: رئيساً للوزراء ووزيراً للدفاع والداخلية.
2. الزعيم أديب الشيشكلي: نائباً لرئيس الوزراء.
3. السيد سعيد الزعيم: وزيراً للمالية.
4. السيد منير دياب: وزيراً للاقتصاد الوطني.
5. السيد عبد الرحمن الهنيدي: وزيراً للزراعة.
6. السيد منير غنام: وزيراً للعدل.
7. السيد توفيق هارون: وزيراً للأشغال العامة.
8. السيد سامي طيارة: وزيراً للمعارف.
9. السيد مرشد خاطر: وزيراً للصحة.
10. السيد ظافر الرفاعي: وزيراً للخارجية.
حركة التحرير العربي:
في أعقاب تشكيل الوزارة الجديدة ومشاركة الزعيم الشيشكلي في الحكومة للمرة الأولى شرع في تنظيم حزب جماهيري يؤمن له قاعدة شعبية واسعة وفق صيغة الحزب الواحد لسد الفراغ السياسي الناجم عن حل الأحزاب لتدعيم مركزه السياسي.
وقد أطلق على هذا التنظيم اسم حركة التحرير العربي، وأصبحت هذه الحركة حزب الدولة لكونها المؤسسة السياسية الوحيدة التي مارست النشاط علناً، ولمصلحة الحكم القائم مستخدمة الجهاز الحكومي كله في وقت كان النشاط السياسي والحزبي محظوراً على التنظيمات السياسية الأخرى.
واتخذت من دمشق مركزاً رئيساً لها، وقد افتتح الزعيم الشيشكلي بنفسه المراكز الدمشقية للحركة، ومن أجل ضمان انتشارها والانتساب لها قام بزيارات لسائر المحافظات وبعض الأقضية والنواحي لافتتاح فروع لها.
شمل منهاج الحركة المعلن ومنهاجها الشامل (31) مادة نصت على الإيمان بالقومية العربية والعمل في سبيل الوحدة وتأمين فرص العمل لسائر المواطنين، وإقامة المعاهد والمدارس وخاصة المهنية منها. كما نصت على أن سورية جزء من الوطن العربي وشعبها جزء من الأمة العربية.
ومهدت لإصدار دستور جديد ذي توجه رئاسي يجرى الاستفتاء عليه، وانتخاب رئيس للجمهورية في وقت واحد، ويصبح الزعيم أديب الشيشكلي رئيساً للجمهورية.
الدستور الجديد والانتخابات النيابية والرئاسية:
ضمن الدستور الجديد الصادر عام 1953 رغبة قائد الانقلاب في إضفاء صفة الشرعية على الصلاحيات التي يمارسها بوصفه رجل البلاد القوي وجعل جهاز الدولة يتكيّف وفق هذا التوجه.
وقد تميز الدستور الجديد عن الدستورين السابقين بأنه كان رئاسياً أي أن رئيس الجمهورية هو في الوقت نفسه رئيس الوزراء، والوزراء مسؤولون أمامه، لكن الدستور الجديد أبقى بنوداً أساسية كانت واردة سابقاً كالمحافظة على النظام الجمهوري، والمساواة بين الجميع أمام القانون، وحماية حرية الرأي للفرد والجماعة، كما تضمن بنوداً تنظم اقتصاد البلاد واستثمار إمكاناتها الزراعية والصناعية والتجارية، وتوزيع أراضي الدولة مجاناً على الفلاحين وتحديد الملكية العقارية.
وفي العاشر من تموز 1953 جرى الاستفتاء على الدستور الجديد وانتخاب رئيس الجمهورية في وقت واحد، وأعلنت الحكومة إثر انتهاء عملية الاستفتاء أن الشعب أقر مشروع الدستور الجديد وأصبح نافذ المفعول فوراً، وأن الزعيم الشيشكلي فاز برئاسة الجمهورية بأكثرية ساحقة، وبموجب الدستور الجديد تم دمج منصب رئيس الوزراء بمنصب رئيس الجمهورية، وعلى ضوء التغييرات التي جرت، وحسب الدستور، استقالت الوزارة التي أشرفت على الاستفتاء وأحيل الزعيم فوزي سلو على التقاعد بعد ترفيعه إلى رتبة اللواء. ولكي يتفرغ الرئيس الجديد لمهمّاته السياسية تم تعيين الزعيم شوكت شقير 1رئيساً للأركان العامة.
وفي 19 تموز 1953 أعلن الرئيس الشيشكلي أسماء وزارته وأغلبيتها من التكنوقراط وضمت الوزارة كلاً من:
1. الزعيم أديب الشيشكلي: رئيساً للوزراء.
2. السيد خليل مردم بك: وزيراً للخارجية.
3. العميد رفعت خانكان: وزيراً للدفاع.
4. السيد عبد الرحمن هنيدي: وزيراً للزراعة.
5. السيد نوري الإبيش: وزيراً للداخلية.
6. السيد أنور إبراهيم: وزيراً للمعارف.
7. السيد أسعد محاسن: وزيراً للعدل.
8. السيد عون الله الجابري: وزيراً للاقتصاد الوطني.
9. السيد جورج شاهين: وزيراً للمالية.
10. السيد فتح الله أسيون: وزيراً للأشغال العامة.
11. السيد نظمي القباني: وزيراً للصحة.
وقد أصدرت الحكومة عدداً من المراسيم التشريعية لتنظيم أجهزة الدولة. . منها إصدارها قانون الانتخاب الجديد الذي بموجبه تم انتخاب المجلس النيابي في 9 تشرين الأول 1953 ورفع الحظر المفروض على الأحزاب السياسية اعتباراً من 14 أيلول 1953 تمهيداً للانتخابات وسمح للموظفين الحكوميين عدا رجال الجيش والشرطة، بالانضمام إلى الأحزاب والجمعيات على أن لا يزاولوا نشاطهم ضمن الدوائر الحكومية والمدارس، وقد قاطعت الانتخابات كل الأحزاب عدا الحزبين الشيوعي والقومي السوري.
وقد أسفرت هذه الانتخابات عن حصول حركة التحرير العربي على (60) مقعداً من أصل (82) مقعداً أما الحزب القومي السوري فلم يحصل إلا على مقعد واحد، وتوزعت المقاعد الباقية بين نواب العشائر والمستقلين، وفي 13/1/1952 اندمج حزب البعث العربي والحزب العربي الاشتراكي في حزب واحد تحت اسم حزب البعث العربي الاشتراكي، كما عقدت أبرز الأحزاب وهي : حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الوطني، وحزب الشعب، وعدد من المستقلين مؤتمراً في 4 تموز 1953 في حمص، ووقعت ميثاقاً يعارض النظام القائم ويدعو إلى إسقاطه.
إنجازات وإصلاحات الشيشكلي:
تركت فترة حكم الشيشكلي التي ناهزت الأربع سنوات بصماتها على الأوضاع العامة في سورية فبالرغم من الانتقادات التي وجهت إلى حكمه العسكري لا يمكن إغفال الإصلاحات المهمة التي قام بها فقد جعل سورية دولة عصرية منظمة متحدة داخلياً عن طريق القضاء على النفوذ الأجنبي وإلغاء ما تبقى من امتيازات سابقة. كما وضع الرقابة على إخراج رؤوس الأموال وإلزام الشركات الأجنبية التي لها فروع في سورية أن يكون ممثلوها من المواطنين السوريين. ووضع شروطاً على تملك الأجانب (غير العرب) للأراضي الزراعية ونظم دخولهم إلى البلاد وفي المجال الزراعي تم استصلاح مساحات واسعة من الأراضي البكر وحدد الملكية الزراعية وأعطى الفلاحين والمستأجرين للأرض نسبة أكبر من المحصول وفي المجال الصناعي شجع المؤسسات الصناعية من خلال حوافز جديدة وتمكن من زيادة عائدات سورية من شركة (التابلاين).
وفي المجال التجاري نظم ضريبة الشركات وألزم التجار بأن يحتفظوا بالدفاتر والسجلات لكي تجبى ضريبة الدخل على وجه عادل. ولكن هذه الإنجازات لم تغير شيئاً من موقف القوى السياسية المعارضة بسبب غياب الديمقراطية.
وفي أواخر عام 1953 ومطلع عام 1954، تصاعدت المعارضة ضد نظام الشيشكلي من قبل الأحزاب والقوى السياسية وامتدت إلى الوسط العسكري وازداد الأمر تعقيداً بعد اعتقال عدد من قادة الأحزاب السياسية (البعث العربي الاشتراكي، الوطني، الإخوان المسلمين، الشعب) وبدأ التململ في الوحدات العسكرية لصالح القوى المعارضة ورافقتها اضطرابات ومظاهرات في بعض المحافظات السورية. وشرع عدد من ضباط حامية حلب في الاستعداد وتنظيم أنفسهم والتنسيق مع حاميات اللاذقية، دير الزور، حمص، حماة، وأصبحت الظروف مهيأة لانقلاب عسكري (أو عصيان مسلح) لإسقاط النظام.
انقلاب 25 شباط 1954:
في صباح الخميس المصادف 25 شباط 1954 أعلن النقيب مصطفى حمدون البيان الأول مبتدئاً بعبارة: هنا حلب، مصطفى حمدون يتحدث إليكم. . ووجه إنذاراً إلى الزعيم الشيشكلي وأكد أن الجيش قرر أن يغادر رئيس الجمهورية البلاد خلال أربع وعشرين ساعة، وسلط الضوء على أخطاء الشيشكلي والأسباب التي أدت إلى التحرك لإسقاطه.
وقد شارك في الحركة عدد من الضباط المنتمين إلى القوى السياسية المعارضة منهم العقيد فيصل أتاسي المتعاطف مع حزب الشعب وابن شقيق الرئيس هاشم الأتاسي والملازم الأول محمد عمران1والملازم خالد عيد2، وقد استقبل الانقلاب بردود أفعال ايجابية وبقي تأييداً من حاميات دير الزور، اللاذقية، حمص، حماة، درعا والسويداء وغيرها.
ولم يبق تحت سيطرة النظام سوى قوات العاصمة والجبهة، مما اضطر الزعيم الشيشكلي إلى الرضوخ للأمر الواقع والاستقالة، وكان باستطاعته المقاومة ولكن حقناً للدماء ترك سورية مساء اليوم نفسه 25/2/1954، إلى بيروت ومنها إلى المملكة العربية السعودية، التي وصل إليها في 27/2/1954. وقد حاول بعض الضباط الموالين للنظام إفشال الحركة وتعيين السيد مأمون الكزبري رئيساً للمجلس النيابي ورئيساً للجمهورية وكالة، لكن جماهير الشعب فوتت عليهم الفرصة وانتصر الانقلاب.
ولا شك أن انقلاب 25 شباط 1954 مثل إرادة الشعب من خلال أحزابه السياسية بعد تردي الأوضاع في ظل النظام العسكري فالجيش والشعب كانا ينتظران الفرصة المناسبة، وكان الانقلاب عملاً منظماً تم التخطيط له بشكل متقن ولم يكن تعبيراً عن رغبة آنية أو رد فعل سريع، ولم يكن هدف القائمين به الوصول إلى الحكم كما حدث في الانقلابات السابقة، وقد برهنوا على ذلك عندما عاد القائمون بالانقلاب إلى ثكناتهم دون المطالبة بموقع أو مركز أو منصب.
لا بد من الإشارة إلى تأثير الانقلابات العسكرية المتتالية على التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي في سورية مع التأكيد على الدور الهام للقضية الفلسطينية التي كانت أهم محرك للقوى الوطنية، دون أن نهمل صراعات المصالح الأجنبية على مسيرة الأحداث السياسية، وعلى الانقلابات بالذات، لهذا كانت محطتنا التي ابتدأت عام 1946 قد انتهت بالانقلاب في شباط عام 1954.
الفصل الثاني
المبحث الأول
عودة الديمقراطية والحياة الدستورية
شباط 1954 - شباط 1958
الانقلاب العسكري الخامس: في صباح يوم الخميس الموافق في 25 شباط قطعت إذاعة حلب** برامجها لتذيع بياناً تلاه النقيب مصطفى حمدون موجهاً إلى الشعب العربي السوري أعلن فيه أن قيادات الجيش في المحافظات الشمالية والشرقية والغربية (حلب، اللاذقية، دير الزور، الرقة، الحسكة) أعلنت انفصالها عن دمشق، وطلب البيان إلى الزعيم أديب الشيشكلي أن يتخلى عن منصبه ويغادر البلاد حالاً حقناً للدماء. كما ناشد النقيب حمدون وحدات الجيش في المناطق الوسطى والجنوبية أن تقف إلى جانب الحركة وأوضح أن أهداف هذه الحركة أهداف وطنية وقومية لإنقاذ البلاد من الوضع الذي قادها إليه الزعيم أديب الشيشكلي. . والعودة بها إلى الأوضاع الدستورية الصحيحة والحياة الديمقراطية واستمرت الموسيقى العسكرية وتكرار البيان والبرقيات التي وصلتهم من قيادات الجيش في المحافظات. .
وبعد ساعات معدودة أعلنت إذاعة حلب انضمام المنطقة الوسطى - (حمص وحماة) - إلى الحركة كما أذاعت بياناً مفصلاً عن أهدافها جاء فيه:
نقد لمسيرة الزعيم الشيشكلي خلال فترة حكمه الذي سلب حريات المواطنين وحل الأحزاب والمنظمات السياسية وأقام مجلس نواب صورياً موالياً للنظام. . الخ
وعلى الرغم من أن أنصار الزعيم الشيشكلي في القيادة ووحدات دمشق حاولوا إقناعه أنها قادرة على إجهاض حركة حلب وأن طيران دمشق قادر على إسكات إذاعة حلب إلا أنه رفض ذلك حقناً للدماء رغم إلحاح الكثيرين و أصر على مغادرة دمشق.
وفي مساء اليوم نفسه أعلن الزعيم الشيشكلي استقالته حقناً للدماء وغادر دمشق إلى بيروت في مساء نفس اليوم (الخميس 25 شباط 1954) يرافقه عدد من الضباط المؤيدين له.
وبعد مغادرة الحدود السورية صدر بيان أذاعته الإذاعة السورية من دمشق يعلن استقالة الشيشكلي ومغادرته الأراضي السورية. وقد حاول عدد من مؤيديه العسكريين في اليوم التالي تنصيب السيد مأمون الكزبري رئيس مجلس النواب رئيساً للجمهورية بالنيابة واستمرار النظام القائم إلا أن تماسك الجيش والشعب أحبط هذه الخطة وانتصرت حركة حلب وأخلي سبيل المعتقلين السياسيين (مدنيين وعسكريين) وعادت الحياة طبيعية في سورية. . ولم يبق الشيشكلي طويلاً في بيروت بل غادرها إلى الملكة العربية السعودية في 27 شباط 1954. وفي حمص عقد السياسيون مؤتمراً لتدارس الخطوات المقبلة وتقرر عودة رئيس الجمهورية السيد هاشم الأتاسي لممارسة مهمّاته حتى نهاية ولايته، بعد أن أبعد قسراً.
وعلى الفور باشر صلاحياته الدستورية، وقبل استقالة وزارة السيد معروف الدواليبي التي كانت قد شكلت في كانون الأول 1951 دون أن تتمكن من ممارسة مهمّاتها نتيجة الانقلاب العسكري الرابع. وكلف السيد صبري العسلي(1) تشكيل حكومة جديدة لها الصفة الانتقالية، وقد قام فور تكليفه بالاتصال ببعض الأحزاب والشخصيات السورية المستقلة وشرح لهم طبيعة عمل وزارته. .
وأنيط بها إعادة الحياة الدستورية إلى البلاد من خلال ممارسة سياسية برلمانية وديمقراطية وأن الجيش لن يكون له ممثلون في الوزارة وقد ضمت الوزارة الجديدة السادة الآتية أسماؤهم:
1. صبري العسلي: رئيساً للوزراء.
2. معروف الدواليبي: وزيراً للدفاع.
3. فيضي الأتاسي : وزيراً للخارجية.
4. منير العجلاني : وزيراً للتربية.
5. حسن الأطرش : وزيراً للزراعة.
6. عبد الرحمن العظم : وزيراً للمالية.
7. علي بوظو : وزيراً للداخلية.
8. عفيف الصلح : وزيراً للدولة.
9. فاخر الكيالي : وزيراً للاقتصاد الوطني.
10. محمد سليمان الأحمد : وزيراً للصحة.
واستناداً إلى قرار قادة الأحزاب السياسية بعودة الرئيس هاشم الأتاسي لممارسة مهماته وصل الرئيس من حمص في صباح يوم 1 آذار 1954 على رأس موكب كبير استقبلته دمشق بحفاوة واتجه إلى القصر الجمهوري وباشر فوراً القيام بواجباته.
لقد ضمت وزارة السيد العسلي الجديدة ممثلين عن الحزب الوطني وحزب الشعب وعناصر سياسية مستقلة وخلت من العسكريين. كما لم يشارك حزب البعث العربي الاشتراكي في هذه الحكومة.
أعادت الحكومة الجديدة العمل بدستور 1950 ودعت مجلس النواب السابق إلى الانعقاد رغم انتهاء مدته وذلك استناداً إلى نص في الدستور يقضي باعتبار المجلس المنتهية مدته مجلساً شرعياً إذا مضت ثلاثة أشهر على انتهاء دورته دون انتخاب.
وانعقد مجلس النواب السوري السابق في 15 آذار 1954 بناء على دعوة تلقاها من رئيسه الدكتور ناظم القدسي واطلع على مرسوم تشكيل الوزارة الجديدة وقرر إعادة ربط قيادة الدرك (شرطة الأرياف) بوزارة الداخلية.
جابهت وزارة السيد العسلي بعد أيام من تشكيلها عدداً من الصعوبات والخلافات الداخلية كما عارضها كل من الجيش وحزب البعث العربي الاشتراكي وطالبا بتشكيل حكومة حيادية للإشراف على الانتخابات القادمة. وقد أجرى الرئيس الأتاسي مشاورات هادئة وطويلة انتهت بترشيح السيد سعيد الغز ي بتأليف وزارة حيادية مصغرة هدفها الوحيد إجراء انتخابات حرة وديمقراطية تعبر عن إرادة الشعب وتنال رضاء سائر القوى السياسية فضلاً عن الجيش. وعلى هذا الأساس تقدم السيد العسلي باستقالته في 19/6/1954 وقبلت على الفور وكلف رسمياً السيد الغزي بتأليف الوزارة الجديدة وبعد أن أجرى عدة مفاوضات تم تشكيل الوزارة وصدرت مراسيمها في 19 حزيران سنة 1954 من السادة :
1. سعيد الغزي : رئيساً للوزارة ووزيراً للدفاع الوطني.
2. عزت الصقال: وزيراً للخارجية والمالية.
3. اسعد الكوراني : وزيراً للعدل والاقتصاد الوطني.
4. نهاد القاسم : وزيراً للتربية والزراعة.
5. نبيه الغزي : وزيراً للأشغال العامة والصحة.
6. إسماعيل قولي : وزيراً للداخلية.
وقد روعي أن تكون محدودة العدد وأعضاؤها من المستقلين وفور تسلمه السلطة انصرف السيد الغزي لإرساء الحياة الديمقراطية وحدد يوم 20 آب سنة 1954 موعداً لإجراء الانتخابات النيابية. كما أصدر المجلس النيابي السابق قانوناً انتخابياً جديداً نص على أن يكون عدد النواب في المجلس القادم 142 نائباً يمثل كل نائب ثلاثين ألف مواطن واشترط لمن يرشح لنفسه للنيابة ألا يقل عمره عن 30 سنة وأن يحسن القراءة والكتابة وغير محكوم عليه بجناية أو جنحة مخلة بالشرف. . ولأسباب عدّة تقرر تأجيل الانتخابات لمدة شهر واحد ثم جرت الجولة الأولى من الانتخابات في يومي (24و25 أيلول 1954) والجولة الثانية في يومي (4و5 تشرين الأول عام 1954). وقد تمت الانتخابات في جو ديمقراطي وبصورة حيادية نزيهة واعتبرت معبرة بنسبة كبيرة عن إرادة الشعب مما ولد لدى المواطنين الطمأنينة.
وقد كانت انتماءات النواب الفائزين الـ 142 كما يلي :
1. المستقلون: 55
2. حزب الشعب: 32
3. الحزب الوطني: 25
4. حزب البعث العربي الاشتراكي : 22
5. نواب العشائر: 7
6. الحزب الشيوعي: 1
ووفقاً للتقاليد الدستورية قدم السيد الغزي استقالة وزارته إلى رئيس الجمهورية وقبلت استقالته وكلف السيد خالد العظم بتشكيل الوزارة إلا أن السيد العظم اعتذر بعد 48 ساعة من تكليفه إذ رفض العديد التعاون معه ضمن شروطه فكلف رئيس الجمهورية السياسي المخضرم السيد فارس الخوري بتشكيلها فألفها في 29/10/1954 على الوجه التالي :
1. السيد فارس الخوري : رئيساً للوزراء.
2. السيد أحمد قنبر: وزيراً للداخلية.
3. السيد رشاد برمدا : وزيراً للدفاع.
4. السيد علي بوظو : وزيراً للعدل.
5. السيد رزق الله أنطاكي : وزيراً للمالية.
6. السيد مجد الدين الجابري : وزيراً للأشغال العامة و المواصلات.
7. السيد محمد سليمان الأحمد : وزيراً للصحة.
8. السيد فاخر الكيالي : وزيراً للاقتصاد الوطني.
9. السيد منير العجلاني : وزيراً للتربية.
10. السيد عبد الصمد الفتيح : وزيراً للزراعة.
وقد تعهد السيد الخوري أمام المجلس النيابي من خلال بيانه بعد تشكيل الوزارة أن يعمل على القيام بكل ما تتطلبه الإصلاحات على المستوى الداخلي وتقوية الروابط مع الأقطار العربية أولاً و الدول الصديقة ثانياً. وإعطاء الأفضلية لقضية فلسطين والعمل على تقوية الجيش وتجهيزه بكل المتطلبات. لكن الحكومة بعد أسابيع معدودة واجهت متاعب عدة، خاصة في مجال السياسة الخارجية وانتهت بالتخلي عن سياسة الحكومة المعادية للأحلاف الأجنبية والتي وردت في بيانها التي نالت الثقة على أساسه.
كما أدى رفض البرلمان للموازنة المقترحة لعام 1955 التي عارضها أساساً النواب البعثيون والنواب المستقلون المتحالفون مع السيد خالد العظم إضافة إلى أسباب أخرى ثانوية إلى إسقاط الحكومة التي لم يمض عليها أكثر من ثلاثة أشهر ونصف في السلطة.
عمد الرئيس الأتاسي بعد مشاورات مستفيضة إلى تكليف السيد صبري العسلي بتشكيل حكومة صدرت مراسيمها في 13/2/55 بعد مشاورات مع الأحزاب والمنظمات وشارك فيها كل من السيد خالد العظم والدكتور وهيب الغانم (أحد قادة حزب البعث العربي الاشتراكي في تلك الفترة) وقد ضمت الوزارة السادة :
1. صبري العسلي : رئيساً للوزارة ووزيراً للداخلية.
2. خالد العظم : وزيراً للخارجية ووزيراً للدفاع وكالة.
3. عبد الباقي نظام الدين : وزيراً للأشغال العامة والمواصلات.
4. رئيف الملقي : وزيراً للتربية.
5. حامد الخوجة : وزيراً للزراعة.
6. فاخر الكيالي : وزيراً للاقتصاد الوطني.
7. ليون زمريا: وزيراً للمالية.
8. مأمون الكزبري : وزيراً للعدل.
9. وهيب الغانم : وزيراً للدولة مكلفاً بوزارة الصحة.
وقد وعد السيد العسلي في بيانه الوزاري أمام مجلس النواب في 22 شباط 1955 بإعطاء الأفضلية للقضية الفلسطينية وتقوية الجيش والتركيز على العدالة الاجتماعية من خلال إيجاد وزارة للعمل والشؤون الاجتماعية، وحماية حقوق العمال والفلاحين وتوطين البدو من خلال توزيع أراضي الدولة عليهم. وعلى أساس ما تقدم وتعهد به أمام المجلس النيابي نال الثقة.
وقد استمرت هذه الحكومة في السلطة أكثر من ستة أشهر جرت خلالها وتحديداً في 22/4/55 جريمة اغتيال سياسية أودت بحياة العقيد الركن عدنان المالكي سيرد تفصيلها لاحقاً كما تمت انتخابات رئاسة الجمهورية في أعقاب انتهاء فترة الرئيس هاشم الأتاسي.
اجتمع مجلس النواب في 18 آب 1955 لانتخاب رئيس الجمهورية وكان المتنافسان على المنصب السيدين شكري القوتلي وخالد العظم وقد فاز السيد القوتلي بالاقتراع الثاني وتسلم منصب رئيس الجمهورية في 5 أيلول 1955. ووفقاً للتقليد الدستوري تقدم السيد العسلي باستقالته فقبلت وكلف السيد الغزي بتشكيل الحكومة الأولى في العهد الجديد وصدرت مراسيمها في 14 أيلول 1955 وضمت السادة:
1. سعيد الغزي : رئيساً للوزراء وزيراً للخارجية.
2. منير العجلاني : وزيراً للعدل.
3. حسن الأطرش : وزيراً للدولة.
4. عبد الباقي نظام الدين : وزيراً للأشغال العامة.
5. رشاد برمدا : وزيراً للدفاع.
6. علي بوظو : وزيراً للداخلية.
7. عبد الوهاب حومد : وزيراً للمالية.
8. محمد سليمان الأحمد : وزيراً للدولة.
9. رزق الله أنطاكي : وزيراً للتربية.
10. أسعد هارون : وزيراً للدولة.
11. بدري عبود : وزيراً للصحة.
12. مصطفى المير ميرزا : وزيراً للزراعة.
جريمة الاغتيال :
كان العقيد الركن عدنان المالكي يشغل موقع نائب رئيس الأركان العامة في الجيش السوري ورئيس الشعبة الثالثة (العمليات والتدريب) ويتزعم التيار القومي العربي الوحدوي في الجيش، عندما تعرض لعملية اغتيال في 22 نيسان 1955 وهو يرعى مباراة بكرة القدم بين فريق الجيش السوري وفريق الجيش المصري بحضور عدد من الضباط و المسؤولين السوريين والمصريين وجماهير المتفرجين على أرض الملعب البلدي عندما أطلق عليه النار رقيب في الشرطة العسكرية (الانضباط العسكري) هو يونس عبد الرحيم الذي انتحر فور تنفيذ جريمته.
وكان التوجه القومي الوحدوي للعقيد المالكي قد ولد له خصومات كثيرة أبرزها قيادة الحزب السوري القومي.
حامت الشكوك حول ثلاثة من المراتب كانوا يقفون خلف العقيد المالكي أثناء الجريمة وهم عبد المنعم الدبوسي وبديع مخلوف وفؤاد جديد (شقيق المقدم غسان جديد) وعند التحقيق معهم كشفوا خطة إعداد الجريمة وخطة تنفيذها وأنها ارتكبت بقرار من الحزب السوري القومي. وخلال إجراءات التفتيش والتحقيق عثر على العديد من الوثائق والمعلومات عن ارتباط الحزب بجهات أجنبية وخطة للاغتيالات وأخرى لانقلاب موال للغرب ومرتبط بالولايات المتحدة الأمريكية.
وأحيلت القضية إلى المحكمة العسكرية التي أصدرت أحكامها في 13/12/1955 وقضت بإعدام عبد المنعم الدبوسي وبديع مخلوف والسجن المؤبد على جديد والسجن مدداً متفاوتة على بعض قيادات الحزب وأحكام غيابية على البعض الآخر، مع اعتبار الحزب تنظيماً غير شرعي ولاذ البعض الآخر بالفرار.
لقد خسرت سورية عامةً وجيشها خاصة بفقدان هذا الضابط العربي الأصيل الذي يجمع بين العلم والكفاءة والمثل العليا والتهذيب الرفيع خسارة لا تعوض.
ومما يذكر له أنه ترأس لجنة لتعريب الجيش بعد تسليمه من قبل السلطة الوطنية وكان مديراً لأول دورة قبلت في الكلية الحربية بعد الجلاء وكان الباحث أحد طلابه الذين يكنون له كل مودة وتقدير واحترام.
الفصل الثاني
المبحث الثاني
التجمع القومي
آ - مؤتمر باندونغ والموقف من الأحلاف
يعتبر عام 1955 عاماً حافلاً ومصيرياً في تاريخ سورية المعاصر وقد تمت الإشارة في الحلقة السابقة إلى اغتيال الشهيد الخالد عدنان المالكي وانتخاب السيد شكري القوتلي رئيساً للجمهورية السورية خلال ذلك العام وكان المجلس النيابي الذي انتخب في العام السابق بحرية ونزاهة وديمقراطية قد عبر عن إرادة الشعب والذي أعلن وقوفه ضد سائر محاولات التآمر والاحتواء الأجنبي وسياسة الأحلاف وخاصة حلف بغداد الذي وقع في 24 شباط 1955 بين العراق وتركيا وانضمت إلى عضويته كل من الباكستان وإيران وبريطانيا واتخذت الولايات المتحدة الأمريكية صيغة مراقب وحاولت بكل الوسائل جر كل من سورية ومصر للدخول فيه واستخدمت كل وسائل الترغيب والترهيب ولكن دونما نتيجة خاصة عندما أعلنت سورية أنها ستشارك في مؤتمر باندونغ ففي 18 نيسان 1955 شاركت سوريا الدول الآسيوية والأفريقية في مؤتمر باندونغ الذي انعقد في مدينة باندونغ بإندونيسيا والذي دعت إليه حكومات كل من الهند ومصر وبورما وسيريلانكا. وكانت الأضواء مسلطة بصورة رئيسة على الرئيس عبد الناصر والسيد نهرو والسيد شو آن لاي وقد ترأس الوفد السوري السيد خالد العظم وزير الخارجية وضم الوفد السيد صلاح الدين البيطار ممثلاً لحزب البعث العربي الاشتراكي كما ضم أيضاً عدداً من السياسيين وممثلي الأحزاب الوطنية والقومية. واهتمت وسائل الإعلام الدولي والعربي بوقائع المؤتمر واعتبر ذلك العام من الأعوام البارزة على المستويات الدولية إذ تكونت رابطة الدول الآسيوية والأفريقية مما مهد لقيام حركة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز وأصدرت الدول المشاركة وعددها 28 دولة عشرة مبادئ اعتبرت دستوراً للعلاقة فيما بينها التي نصت على :-
1- احترام حقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة.
2- احترام سيادة جميع الدول وسلامة أراضيها.
3- الاعتراف بالمساواة العنصرية والوطنية.
4- عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى.
5- حق أي دولة في الدفاع عن نفسها بمفردها أو مع غيرها من الدول طبقاً لميثاق الأمم المتحدة.
6- الامتناع عن الاشتراك في نظام دفاعي جماعي في صالح إحدى الدول الكبرى، والامتناع عن الضغط على البلاد الأخرى.
7- الامتناع عن تهديد أي دولة بالعدوان.
8- تسوية جميع المشاكل الدولية بالطرق السلمية.
9- تدعيم التعاون بين الدول.
10- احترام مبادئ العدالة والالتزامات الدولية.
وفضلاً عن اهتمام الصحف ووسائل الإعلام العربية والأجنبية، بالمؤتمر فقد انعكست أصداء المؤتمر على رجل الشارع العربي خاصة ودول العالم الثالث عامة وأحس جميع العاملين في الحقل الوطني والقومي في سوريا أنه أصبح من الضروري أن تتلاحم قوى الجيش والشعب تحقيقاً للصمود والسير قدماً على الطريق الصحيح. وهكذا ارتفع العلم السوري جنباً إلى جنب أعلام الدول الآسيوية والأفريقية يبشر بميلاد جديد ويلغي إلى الأبد التفكير بأي نوع من أنواع الأحلاف العسكرية وغيرها متمسكاً بالحياد الإيجابي كما أكدت ثورة 23 تموز 1952 بشخص الزعيم جمال عبد الناصر هويتها العربية ومكانتها الدولية وبدأ التقارب بين القطرين العربيين الشقيقين بعد عودة الوفدين من المؤتمر ومن خلال اللقاءات الثنائية التي تمت في باندونغ والتي أكدت ضرورة التضامن والتشاور بكل ما يخص الشعب العربي والأقطار العربية عامة.
وانطلاقاً من إيمان أمتنا العربية بأنها أمة عربية واحدة ماضياً وحاضراً ومستقبلاً ولا حياة لها تحت الشمس في عصر تنامي القوى العظمى والتكتلات الكبرى إلا بوحدتها وحيادها واستقلالها وعدم ارتباطها بأي جهة، أجنبية مستهدفة سعادة شعبنا ورفع مستوى الإنسان العربي علماً وفكراً وثقافة مع اعتزازه بتاريخه وتراثه وقيمه والقضاء على كل مظاهر المرض والجهل والتخلف والتبعية وانطلقت الأصوات العربية الشريفة تدعو إلى حوار جدي بين مصر وسورية ويستهدف تحقيق الشخصية المستقبلية للأمة العربية في الميدان الدولي ويعمل على تفجير المواهب والإمكانات القومية والسير على طريق سياسة عربية موحدة واقتصاد عربي موحد يستند إلى سوق مشتركة وعملة موحدة وجيش عربي واحد بقيادة موحدة والعمل بجد في مجالات التسليح والصناعات الحربية.
وقد أدى هذا الحوار إلى زيارة وفد مصري برئاسة الصاغ صلاح سالم (عضو مجلس قيادة الثورة في حينه) إلى دمشق في 26/2/1955 حيث عقدت عدة جلسات وأجريت مفاوضات مع الحكومة السورية استمرت من 26/2/1955 حتى 2/3/1955 وصدر عن الاجتماعات بيان تضمن عدداً من الثوابت لتحقيق الأهداف المشتركة من أبرزها:
أولاً : عدم الانضمام إلى الحلف التركي العراقي أو أية أحلاف أخرى.
ثانياً : إقامة منظمة دفاع مشترك أو تعاون اقتصادي عربي ترتكز على الأمور التالية :
أ - الالتزام بالاشتراك في صد أي عدوان يقع على إحدى دول المنطقة.
ب - إنشاء قيادة عسكرية مشتركة دائمة لها مقر رئيس لتشرف على تدريب القوات العسكرية التي تضعها كل دولة تحت تصرف تلك القيادة وعلى تسليحها وتنظيمها وتوزيعها وفقاً للخطة الدفاعية المشتركة، كما تتولى هذه القيادة تنسيق الصناعات الحربية والمواصلات اللازمة للأغراض العسكرية.
ج - عدم قيام أي دولة مشتركة في المنظمة بعقد اتفاقات دولية عسكرية أو سياسية أو اقتصادية بدون موافقة بقية أعضاء المنظمة.
د - دعم الاقتصاد بين دول المنظمة تمهيداً لتحقيق الوحدة الاقتصادية الجامعة ويعمل الفريقان على إحداث مصرف عربي يصدر نقداً عربياً ويعيد النظر في نظم التبادل التجاري على أساس تخفيض أو إلغاء الرسوم الجمركية وتأليف شركات مساهمة برؤوس أموال عربية مشتركة في مجالات النقل والتأمين والزراعة والصناعة وغيرها.
وقد عرض الموضوع على بعض الأقطار العربية وترك الباب مفتوحاُ لمن يرغب بالانضمام إليه. . وقد وقعه عن الجانب المصري الصاغ صلاح سالم وعن الجانب السوري رئيس الوزراء السيد صبري العسلي ووزير الخارجية السيد خالد العظم.
وقد وقعت سورية ومصر استناداً إلى البيان السابق اتفاقية الدفاع المشترك بين القطرين في 20 تشرين الأول من العام نفسه وتنص الاتفاقية على ما يلي:-
المادة الأولى :- تؤكد الدولتان المتعاقدتان تمسكهما بالسلام والأمن وتصميمهما على حل جميع منازعاتهما الدولية بالوسائل السلمية.
المادة الثانية:- تقرر الدولتان أن كل اعتداء مسلح يقع على إحداهما أو على قواتها يعتبر موجهاً ضدهما معاً. لذلك ووفقاً لحق الدفاع الشرعي الفردي والجماعي ومحافظة على سلامتهما ووحدة أراضيهما فإنهما تتعهدان بتبادل المعونة في حالة العدوان واتخاذ كافة التدابير الضرورية على الفور واستخدام جميع ما تملكانه من وسائل بما في ذلك استعمال القوة المسلحة لصد العدوان وإعادة السلام والأمن.
المادة الثالثة :- تتشاور الدولتان المتعاقدتان بناءاً على طلب إحداهما كلما تعكرت العلاقات الدولية لدرجة تؤثر على أمن إحداهما أو استقلالهما أو سلامتهما ووحدة أراضيهما.
المادة الرابعة :- إذا وقع اعتداء مفاجئ على حدود إحدى الدولتين المتعاقدتين أو على قواتهما تتخذ الدولتان على الفور التدابير العسكرية لصد هذا العدوان والإجراءات الضرورية لتنفيذ المعاهدة الحالية وسريان مفعولها.
المادة الخامسة:- اتفق الطرفان المتعاقدان لتحقيق أهداف هذا الاتفاق على إنشاء المنظمات التالية:
أ - مجلس أعلى.
ب - مجلس للحرب.
ج - قيادة مشتركة.
المادة السادسة :- يشكل المجلس الأعلى من وزيري الخارجية ووزيري الدفاع في البلدين وتمثل هذا المجلس سلطة رسمية يخضع لها قادة القيادة الموحدة.
المادة السابعة :- يتكون مجلس الحرب من رئيسي الأركان في جيشي الدولتين المتعاقدتين ويعتبر هيئة استشارية للمجلس الأعلى.
المادة الثامنة :- تشمل القيادة المشتركة القائد العام لمجلس أركان حرب للوحدات التي ستوضع تحت تصرف القيادة المشتركة - ويكون للقيادة المشتركة صفة الدوام وتمارس أعمالها في زمن السلم كما في زمن الحرب.
المادة التاسعة :- يضع الطرفان المتعاقدان تحت تصرف القيادة المشتركة في حالتي السلم جميع قواتهما الموجودة تحت السلاح بما في ذلك القوات الموجودة على الحدود الفلسطينية.
المادة العاشرة :- ينشأ صندوق يشترك فيه الطرفان المتعاقدان لتغطية النفقات اللازمة للقيادة المشتركة مناصفة بينهما وفيما يتعلق بالمنشآت العسكرية المنصوص عليها في المادة التاسعة تكون نسبة الدفع 65 % للجمهورية المصرية و 35% للجمهورية السورية.
المادة الحادية عشرة :- هذه المعاهدة لا تتضمن أي شرط يؤثر أو يمكن أن يؤثر على الحقوق والالتزامات الحالية أو المستقبلية للدولتين وفقاً لميثاق الأمم المتحدة والمسؤوليات التي يضطلع بها مجلس الأمن للمحافظة على السلم للدولتين.
المادة الثانية عشرة :- مدة المعاهدة خمسة أعوام تتجدد بالاتفاق بين الطرفين.
المادة الثالثة عشرة :- يصدق على المعاهدة بالوسائل الدستورية المعمول بها في الدولتين ويتم تبادل الوثائق الخاصة بالتصديق في وزارة الخارجية السورية خلال ثلاثين يوماً.
وقد تألفت القيادة الموحدة فعلاً في 29/10/1955.
واستناداً إلى هذه الاتفاقية وصلت قوات مصرية إلى سورية في وقت لاحق كما مهدت لعقد اتفاقية الوحدة الاقتصادية بين البلدين في عام 1957. وكان وصول القوات المصرية لأول مرة إلى سورية قد أثار كثيراً من التكهنات والتفسيرات مما يؤكد أن مؤتمر باندونغ وزيارة الوفد المصري قد حقق الكثير من المهمّات وأن عام 1955 يؤكد استقلالية القرار في سورية خاصة عندما بادرت بعد مصر إلى كسر احتكار السلاح رداً على رفض دول الغرب تزويدها بالسلاح وعقدت معاهدة واتفاقية مع تشيكوسلوفاكيا لتزويدها بكافة متطلبات إنشاء جيش عصري وليس سراً أن الاتحاد السوفييتي كان يقف وراء تلك الاتفاقية مع تشيكوسلوفاكيا مما فتح الطريق ليصبح معبداً أمام توقيع اتفاقيات للتعاون الاقتصادي والفني بين سورية والاتحاد السوفيتي لذا يمكن بشكل عام القول: أن مجريات الأمور في عام 1955 قد مهدت للتطورات التي تلت في عام 1956وفعل دور الجماهير وجعلها تتلاحم وتدعو إلى الوحدة مما زاد بإجراءات التنسيق والتعاون مع مصر والمعسكر الاشتراكي والسير قدماً في طريق الحياد الإيجابي وعدم الانحياز.
ب - الميثاق القومي وحكومة التجمع القومي
سبقت الإشارة إلى أن عام 1955 كان حافلاً ومصيرياً في تاريخ سورية المعاصر ومن الطبيعي أن تأتي أحداث 1956 و 1957 مرتبطة على الصعيد القطري والقومي بأحداث عام 1955.
في بداية عام 1956 دعا الدكتور معروف الدواليبي (أحد أقطاب حزب الشعب) إلى تشكيل حكومة قومية وإقامة ميثاق قومي تجتمع حوله الأحزاب السياسية والقوى الوطنية في سورية وقد أكد هذه الدعوة رئيس الجمهورية السيد شكري القوتلي وطلب من الأحزاب كافة تناسي الخلافات والعمل في جبهة واحدة تتصدى للمؤامرات التي تستهدف سورية خاصة والمنطقة العربية عامة.
وتلبية لدعوة رئيس الجمهورية بادر رئيس المجلس النيابي لتشكيل لجنة من عشرين نائباً لوضع ميثاق قومي يمهد لإقامة حكم قومي وطني ولكن السيد أكرم الحوراني ممثل حزب البعث العربي الاشتراكي اقترح تقليص العدد لتضم اللجنة عضواً واحداً عن كل حزب مخولاً بكافة الصلاحيات فتمت الموافقة على هذا الاقتراح وباشرت اللجنة حواراً طويلاً مفصلاً وصعباً استمر أربعة أشهر توصلت بنهايته إلى صيغة ميثاق قومي تضمن في خطوطه العريضة مقاومة الاستعمار الغربي والصهيوني ومقاومة الأحلاف الأجنبية والصلح مع الكيان الصهيوني والمضي قدما في تسليح الجيش من المعسكر الاشتراكي والسير في طريق الوحدة مع مصر وقد بارك الجيش هذا التوجه وعلى الأثر تقدم السيد سعيد الغزي باستقالة حكومته وكلف السيد صبري العسلي بتشكيل حكومة تجمع كافة الأطراف القومية والوطنية أطلق عليها حكومة التجمع القومي وقد شارك فيها ممثلون عن الحزب الوطني و حزب البعث العربي الاشتراكي وحزب الشعب والكتلة الديمقراطية (رئيسها السيد خالد العظم) والكتلة الدستورية (رئيسها السيد منير العجلاني) وقد صدرت مراسيم قبول استقالة الحكومة السابقة و تشكيل الحكومة الجديدة في 14 حزيران عام 1956 وضمت هذه الوزارة كلاً من السادة :
1. صبري العسلي رئيساً للوزراء ووزيراً للمالية (الحزب الوطني).
2. محمد العايش وزيراً للدولة (الكتلة الديمقراطية).
3. مجد الدين الجابري وزيراً للأشغال العامة (الحزب الوطني).
4. عبد الباقي نظام الدين وزيراً للصحة (الكتلة الديمقراطية).
5. أحمد قنبر وزيراً للداخلية (حزب الشعب).
6. عبد الوهاب حومد وزيراً للتربية (حزب الشعب).
7. رشاد جبري وزيراً للزراعة (حزب الشعب).
8. مصطفى الزرقا وزيراً للعدل (الكتلة الدستورية).
9. صلاح الدين البيطار وزيراً للخارجية (حزب البعث).
10. خليل كلاس وزيراً للاقتصاد (حزب البعث).
11. عبد الحسيب رسلان وزيراً للدفاع (الكتلة الدستورية).
وقد استمرت صيغة التجمع القومي مستمرة حتى قيام الوحدة عام 1958 وتم تعديل الحكومة في نهاية عام 1956 باستبعاد حزب الشعب والكتلة الدستورية وضم عدد من المستقلين مع الإبقاء على رئيس الوزراء وبعض الوزراء الأساسيين فأصبحت في تشكيلتها الجديدة تضم كلاً من السادة :
1. صبري العسلي : رئيسا للوزراء ووزيراً للداخلية (الحزب الوطني).
2. خالد العظم : وزيرا للدولة ووزيراً للدفاع (الكتلة الديمقراطية)
3. هاني السباعي : وزيراً للتربية (مستقل)
4. حامد خوجة : وزيراً للزراعة (الكتلة الديمقراطية)
5. فاخر الكيالي : وزيراً للأشغال العامة (الحزب الوطني)
6. مأمون الكزبري : وزيراً للعدل ووزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية وكالة (حركة التحرير التي شكلها الزعيم الشيشكلي).
7. 7صلاح الدين البيطار : وزيراً للخارجية (حزب البعث).
8. خليل كلاس : وزيراً للاقتصاد الوطني (حزب البعث)
9. أسعد محاسن : وزيراً للمالية (مستقل).
10. صالح عقيل : وزيراً للدولة (الكتلة الديمقراطية)
11. أسعد هارون : وزيراً للصحة (الحزب الوطني).
وقد استمرت هذه الحكومة حتى قيام الوحدة - كما سيتم الحديث عن ذلك في حلقة مقبلة.
الفصل الثاني
المبحث الثالث
الطريق إلى الوحدة
آ-تأميم القنال والعدوان الثلاثي على مصر - 1956
التأميم: قديماً قال هيرودوت (إن مصر هبة النيل) ومع تنامي عدد سكان مصر و قلة مواردها كان من البديهي أن تفكر الحكومات المصرية المتتابعة في مشاريع كبيرة للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية و كان من أبرز هذه المشاريع التي تصدت لها حكومة الثورة في مصر بعد ثورة 23 تموز (يوليو) 1952 مشروع سد أسوان (أو السد العالي) ودراسة جدواه الاقتصادية في المجالات الزراعية و الصناعية و الكهربائية و ما يتفرع عنها. و دون الدخول في المقدمات والتفاصيل يمكن الانتقال إلى مجريات الأمور عام 1956. لهذا توصلت الثورة إلى ضرورة بناء السد العالي ودرست كلَّ التفاصيل المتعلقة ببنائه ووضعت نصب عينها عملية التمويل لهذا أجرت اتصالات مكثفة مع البنك الدولي أدت إلى إعلان السيد يوجين بلاك محافظ البنك الدولي في 11256 أن البنك توصل إلى اتفاق هام مع مصر يقضي بمنحها قرضاً بقيمة (200) مليون دولار لتنفيذ مشروع السد العالي على أن تساهم بريطانيا وأميركا بالمشروع في تقديم قرض متمم بقيمة (70) مليون دولار أخرى. ومنذ البداية مرت مفاوضات عقد القرض بصعوبات وشروط مجحفة مما ولد لدى مصر إحباطاً من تلك الشروط التي تضمنت أن يتولى البنك التدقيق في ميزانيات الدول التي تطلب منه قروضاً وأن تتعهد كل دولة تقترض منه بأن لا تطلب قروضاً أخرى من أي جهة ثانية دون موافقة البنك، خاصة أن الشعب العربي في مصر لديه حساسية سابقة من جراء مثل هذه القروض الأجنبية المشروطة (كإنشاء قنال السويس) التي رهنت مصر واستقلالها.. لسنين طويلة..
استمرت المفاوضات بين مصر والبنك الدولي خمسة أشهر (شباط 1956 - حزيران 1956) وفي فترة تنامي العداء بين الأمة العربية والإدارتين الأميركية والبريطانية الملتزمتين بالدعم اللامحدود عسكرياً ومادياً وإعلامياً للكيان الصهيوني وبروز أفكار الحياد الإيجابي وعدم الانحياز واعتراف مصر وبعض الأقطار العربية بحكومة الصين.
في 9/7/56 توالت الأحداث بشكل متسارع بدأت برسالة من السيد بلاك محافظ البنك الدولي إلى وزير مالية مصر يؤكد فيها عرض القرض السابق وفي 10/7/56 أعلن السيد جون فوستر دالاس وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية في مؤتمر صحفي أن منح مصر القروض بات أمراً غير محتمل وبعث برسالة إلى الكونغرس بهذا الخصوص دون أن يبلغ الحكومة المصرية أو سفارته بالقاهرة بأي شيء يرمز إلى تبدل سياسة الولايات المتحدة تجاه القرض.
في 17/7 / 56 عاد سفير مصر إلى أميركا وفور هبوطه من الطائرة صرح بأن مصر قبلت القروض الغربية وأنها راغبة بعقد الاتفاقات الخاصة بها وعلى استعداد للمباشرة في العمل في مشروع السد فور الوصول إلى اتفاق مع السودان على توزيع مياه النيل.
وفي 19/7 /56 استقبل السيد دالاس وزير الخارجية الأميركية - السيد أحمد حسين السفير المصري لدى واشنطن في مقابلة قصيرة صدر إثر انتهائها بيان إلى الصحافة يعلن فيه سحب القرض الأميركي لأن التطورات لم تعد مواتية لإنجاح المشروع وأن مصر ليست قادرة على تخصيص مبالغ كافية من مواردها التي أصبحت موضع شك عند دراستها.
وأحس الرئيس عبد الناصر الذي كان في طريق العودة من بريوني في يوغوسلافيا إلى القاهرة في أعقاب اجتماع مع الرئيسين (تيتو ونهرو) أن حكومته قد أهينت إهانة متعمدة وعلى نطاق عالمي وأن الإهانة موجهة إلى شعبها و كل الشعب العربي، واستعاد بذاكرته معاناة مصر خلال مائة عام سابقة منذ بدء المفاوضات لشق قناة السويس والضغوط الاقتصادية الأجنبية واحتلال مصر عام 1882 ومطالبة الوطنيين المصريين منذ سنوات طويلة بعودة القناة إلى مصر ووضع حد لكل هذه المعاناة.
في 26 تموز 1956 وفي خطاب ألقاه الرئيس عبد الناصر في الإسكندرية بمناسبة خلع الملك فاروق عن العرش ومغادرته مصر - أعلن تأميم قناة السويس ( وهو أول تأميم عربي في التاريخ المعاصر) وأنه سيمضي قدما في بناء السد العالي من إيرادات قناة السويس وتعهد رسمياً بالتعويض على المساهمين وأكّد على أن القناة جزء لا يتجزأ من مصر وأن التأميم عمل من أعمال السيادة الوطنية.
العدوان : أيد الشعب العربي و الشعوب الحرة في كل مكان هذه الخطوة الشجاعة ووقف العرب صفاً واحداً إلى جانب أشقائه في مصر. ودون الدخول في تفاصيل ما جرى خلال الأشهر التي تلت التأميم و سبقت العدوان إذ إن مجلدات عدة نشرت في هذا المضمار وخاصة حول التنسيق الصهيوني مع حكومتي إيدن وموليه الذي بدأ في 16/10/56 حتى في التفاصيل الدقيقة وتم استعداد القوات المعنية خلال الأسبوعين التي سبقت العدوان ووضع سيناريو لمسرحية العدوان التي لم تنطلي على أحد و يمكن العودة إلى الكثير من المؤلفات والمصادر العربية والأجنبية التي أوضحت التواطؤ الصهيوني الغربي منذ اللحظة الأولى وبعلم الإدارة الأميركية، وأشير بإيجاز إلى أن العدوان الصهيوني الذي بدأ في 29/10/56 أصبح ثلاثياً بمشاركة بريطانيا وفرنسا في 30/10/56 ووقفت الأمة العربية والعالم الثالث إلى جانب مصر وانتهى العدوان بنصر سياسي لمصر وللرئيس عبد الناصر بالذات.
موقف سورية من العدوان:
في الثلاثين من تشرين الأول 1956 اتصل الرئيس شكري القوتلي بالرئيس جمال عبد الناصر وأبدى استعداد سورية لتنفيذ اتفاق الدفاع المشترك ولأي عمل تكلفه بها القيادة المشتركة، كما بادرت القيادة العسكرية السورية في نفس اليوم إلى تشكيل مجموعة مكونة من لواء مشاة ولواء مدرع وثلاثة أفواج مدفعية مع لوازمها الفنية والإدارية وأرسلتها إلى الأردن في 31/10/56، لكن القيادة المصرية طلبت تأجيل دخول القوات السورية والأردنية إلى داخل فلسطين المحتلة وفضلت إبقاءها كقوات احتياطية للمستجدات. وكان للموقف السوري بنسف أنابيب النفط القادمة من العراق عبر سورية إلى البحر المتوسط أثره الكبير في حسم معركة السويس كما كان إحدى وسائل التعبير عن مشاعر الشعب العربي في سورية تجاه العدوان الصهيوني- الغربي على مصر مما عزز الأواصر القومية بين جماهير الشعب في القطرين. إضافة إلى ذلك عمدت الحكومة السورية إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع حكومتي فرنسا وبريطانيا احتجاجاً على المواقف العدوانية تجاه الأمة العربية. وقام الرئيس شكري القوتلي بزيارة إلى موسكو ليطلب إليها مزيداً من الدعم لمصر في مواجهتها للعدوان الآثم وللشكر والثناء على وقفتها بحزم ضد العدوان على مصر الذي اعتبر عدواناً على الأمة العربية كلها.
ب - الطريق إلى الوحدة
سبقت الإشارة إلى حكومة التجمع القومي التي شكلت في 14 حزيران 1956 وعدلت في نهاية عام 1956. وقد أحبطت الحكومة في عام 1956 أكثر من مؤامرة أميركية وصهيونية وأحالت عدداً من المتآمرين إلى القضاء وصدرت أحكام بحقهم، كما أحبطت في عام 1957 مؤامرة أميركية أخرى وصدرت الأحكام القضائية بحق المتآمرين. ووقفت بحزم ضد مشروع آيزنهاور الذي كان يسعى تحت عنوان ملء الفراغ لإحلال الاستعمار الأميركي الجديد مكان الاستعمار البريطاني القديم. كما تصدت بقوة للحشود التركية التي هددت سورية بمساعدة عسكرية وإعلامية ومعنوية من الشقيقة مصر إضافة إلى الموقف الفاعل والجاد للمعسكر الاشتراكي الذي أعلن وقوفه مع سورية ضد الحشود التركية.
كما شهد عام 1957 تطوراً وعلى سائر الأصعدة والمواقف بين سورية ومصر فقد أشاد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في خطابه أمام البرلمان المصري في 22 تموز 1957 بالموقف السوري المشرف من العدوان الثلاثي وإلى موقف سورية الوطني الوحدوي. وفي لقائه مع الوفد البرلماني السوري الذي زار مصر بمناسبة أعياد الثورة - أبلغ الوفد أن الحكومة المصرية مستعدة للدخول في مباحثات مع الجانب السوري لتحقيق الاتحاد بين القطرين فوراً بعد أن لمس إن الإعلام و الشارع العربي السوري كانا مع مصر خلال الظروف الصعبة التي اجتازتها.
في 4 أيلول 1957 وقعت حكومتا سورية ومصر اتفاقية للوحدة الاقتصادية نصت على:
1. حرية انتقال الأشخاص ورؤوس الأموال.
2. حرية تبادل المنتجات الوطنية والأجنبية.
3. حرية الإقامة والعمل و الاستخدام وممارسة النشاط الاقتصادي.
4. حرية النقل بمختلف الوسائل.
5. حرية التملك والإيصاء والإرث.
ولتحقيق هذه الاتفاقية تم الاتفاق بين الطرفين على:
1- توحيد قوانين العمل والضمان الاجتماعي والضرائب والرسوم والجمارك تمهيداً لاعتبار البلدين منطقة جمركية واحدة.
2- تنسيق السياسات المالية و النقدية وصولاً إلى توحيد النقد.
3- إحداث مؤسسات اقتصادية مشتركة منها:مصرف صناعي ومصرف تجاري وشركة تأمين.
كما دعا الرئيس شكري القوتلي في خطابه الذي افتتح به المؤتمر العربي الأول للعلوم الإدارية الذي انعقد في دمشق في تشرين الثاني 1957 إلى قيام الوحدة بين سورية ومصر.
وفي 18 تشرين الثاني 1957 وأثناء زيارة الوفد البرلماني المصري إلى سورية ولقائه أعضاء مجلس النواب السوري دعا رئيس المجلس الوفد النيابي المصري إلى ترك أماكنهم في شرفة الضيوف والانضمام إلى إخوانهم النواب السوريين لعقد جلسة مشتركة ونال الاقتراح قبولا حسناً من خلال التصفيق و الهتاف، تحدث خلالها عدد من النواب السوريين والمصريين وقرر المجتمعون في هذه الجلسة المشتركة الموافقة على قيام اتحاد بين سورية ومصر، وأصدروا بياناً مشتركاً أشاروا فيه إلى أن الدستور في كل من سورية ومصر ينص على أن القطر المعني هو جزء من الأمة العربية، كما أشادوا بالاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية والثقافية المعقودة وأعلنوا القرار الذي وافق الجميع عليه والمتضمن ما يلي :
أن نواب المجلسين المجتمعين إذ يعلنون رغبة الشعب العربي في مصر وسورية بإقامة اتحاد فيدرالي بين القطرين يباركون الخطوات العملية التي اتخذتها الحكومتان السورية والمصرية في سبيل تحقيق هذا الاتحاد ويدعون حكومتي مصر و سورية للدخول فوراً في مباحثات مشتركة لتنفيذ هذا الاتحاد.
وبعد عودة الوفد المصري إلى القاهرة عرض الموضوع على مجلس الأمة المصري فأقره بالإجماع أيضاً عندها أبرق السيد عبد اللطيف البغدادي رئيس مجلس الأمة المصري إلى السيد أكرم الحوراني رئيس المجلس النيابي السوري يبلغه قرار الموافقة على ما جاء في البيان الذي وافق عليه مجلس النواب السوري وأذيع بأجهزة الإعلام الرسمية. ومن استعراض التطورات للعلاقات السورية المصرية قبل الوحدة وعلى مختلف الصعود العسكرية والثقافية والاقتصادية والسياسية يمكنه الاستنتاج أن الوحدة لم تكن ارتجالية أو استجابة عفوية دون تخطيط وتمحيص أو أنها رد فعل لظرف طارئ أو غيرها من التفسيرات التي ظهرت قبل الوحدة وأثناءها وبعد ردة الانفصال، إنما كانت هناك خطوات متصارعة ومتصاعدة باتجاه تعزيز التقارب بين القيادتين والشعبين في كل من سورية ومصر. وأصبح الشعب العربي في كلا القطرين ومن خلال مجلسيهما النيابيين يطالب بالوحدة و الإسراع بتحقيقها.
لقد اعتبر البعض أن الوحدة كانت على شكل رغبة عسكرية طارئة قام بها بعض الضباط!! ونسب البعض الفضل كله إلى حزب بمفرده… واجتهد آخرون بأن الظروف الدولية أو الأخطار الخارجية أو الخوف من المد الشيوعي أو غير ذلك من المبررات أدت إلى الوحدة، والحقيقة التي لا ريب فيها - أن الشعب العربي هو الذي وضع الوحدة وبقدر تعلق الأمر بسورية فالشعب العربي السوري هو صاحب الفكرة والمطالب الأول والأخير بها، وكل ما قامت به القوى السياسية والعسكرية والحكومية ليس إلا تعبيراً عن إرادة هذا الشعب العربي الأصيل. وبلاد الشام كانت دوماً مشعل العروبة الداعية إلى الوحدة، المتجاوزة لأي تفكير طائفي أو مذهبي أو عنصري، والرافضة لأي نزعة قطرية أو إقليمية. وما الزيارات التي قام بها الوفد العسكري و وزير الخارجية ثم الحكومة برمتها إلاّ تعبير عن هذه الإرادة. لقد أخذ الجيش زمام المبادرة و قام وفد يمثل كلّ التيارات السياسية في الجيش برئاسة القائد العام بزيارة إلى مصر والتقى الرئيس جمال عبد الناصر في 13/1/1958 …
وفي 15/1/1958 فوض مجلس الوزراء السوري وزير الخارجية بالبحث مع الرئيس عبد الناصر في موضوع الوحدة، وسافر وزير الخارجية حاملاً الرأي الرسمي للحكومة السورية. وفي 17/1/1958 استقبل الرئيس جمال عبد الناصر وزير الخارجية السوري السيد صلاح الدين البيطار بحضور وفد من الضباط السوريين و أوضح الوفد للرئيس عبد الناصر رأي الحكومة السورية بالموافقة فوراً على الوحدة بين القطرين وتم الاتفاق بعد حوار مطول بين الطرفين على إقامة وحدة فورية اندماجية بين سورية و مصر. وكان للرئيس عبد الناصر ثلاثة شروط هي:-
أولاً: أن يتم إجراء استفتاء شعبي على الوحدة ليقول الشعب في كل من سورية ومصر كلمته ويعبر عن رأيه.
ثانياً: أن يتوقف النشاط الحزبي في سورية توقفاً كاملاً (كما هو الحال في مصر) وأن تقوم الأحزاب السورية بالإعلان رسمياً عن حل نفسها.
ثالثاً: أن يتوقف تدخل الجيش في السياسة و أن ينصرف الضباط إلى أعمالهم، ومن يرغب في العمل السياسي فعليه أن يترك الجيش ويعمل بالسياسة.
وقد وافق الجانب السوري على ذلك بالإجماع، عندها قال الرئيس عبد الناصر: فلنقرأ الفاتحة ولنتوكل على الله. ومن ثم تم الاتفاق على تشكيل لجنة تضم الجانبين السوري والمصري لدراسة المتطلبات القانونية و الدستورية والإعداد للقاء مشترك للحكومتين.
في الأول من شباط عام 1958 عقد في القاهرة اجتماع مشترك ضم الرئيسين عبد الناصر والقوتلي وأعضاء الحكومتين وأعلن قيام الوحدة بين القطرين في جمهورية واحدة أطلق عليها اسم الجمهورية العربية المتحدة وتم إقرار ما سبق الاتفاق عليه واُتفق على إجراء استفتاء يوم 21 شباط على موضوعين هما الوحدة واختيار رئيس الجمهورية، وفي ما يلي نص الاتفاق:
في جلسة تاريخية عقدت في قصر القبة في القاهرة في 12 من رجب سنة 1377 هجري الموافق أول فبراير سنة 1958 م، اجتمع فخامة الرئيس شكري القوتلي رئيس الجمهورية السورية وسيادة الرئيس جمال عبد الناصر رئيس جمهورية مصر بممثلي جمهوريتي سورية ومصر السادة : صبري العسلي، عبد اللطيف البغدادي، خالد العظم، زكريا محي الدين، حامد الخوجة، حسين الشافعي، مأمون الكزبري، أنور السادات، أسعد هارون، عبد الحكيم عامر، صلاح الدين البيطار، كمال الدين حسين، خليل الكلاس، نور الدين طراف، صالح عقيل، فتحي رضوان، عفيف البزري، كمال رمزي أستينو، علي صبري، عبد الرحمن العظم، محمود رياض.
وكانت غاية هذا الاجتماع أن يتداولوا في الإجراءات النهائية لتحقيق إرادة الشعب العربي ولتنفيذ ما نص عليه دستور الجمهوريتين، من أن شعب كل منهما جزء من الأمة العربية، لذلك تذاكروا ما قرره كل من مجلس الأمة المصري والمجلس النيابي السوري، من الموافقة الإجماعية على قيام الوحدة بين البلدين، كخطوة أولى نحو تحقيق الوحدة العربية الشاملة كما تذاكروا ما توالى في السنين الأخيرة من الدلائل القاطعة على أن القومية العربية كانت روحاً لتاريخ طويل ساد العرب في مختلف أقطارهم، وحاضراً مشتركاً بينهم، ومستقبلاً مأمولاً من كل فرد من أفرادهم. وانتهوا إلى أن هذه الوحدة التي هي ثمرة القومية العربية هي طريق العرب إلى الحرية والسيادة، وسبيل الإنسانية إلى التعاون والسلام، ولذلك فإن واجبهم أن يخرجوا بهذه الوحدة من نطاق الأماني إلى حيز التنفيذ، في عزم ثابت وإصرار قوي. ثم خلص المجتمعون من هذا كله إلى أن عناصر قيام الوحدة بين الجمهوريتين السورية والمصرية وأسباب نجاحها قد توافرت بعد أن جمع بينهما في الحقبة الأخيرة كفاح مشترك زاد معنى القومية وضوحاً و أكّد أنها حركة تحرير وتعمير و عقيدة تعاون وسلام. لذلك رأى المجتمعون أن يعلنوا اتفاقهم التام، وإيمانهم الكامل، وثقتهم العميقة، في وجوب اتحاد سورية ومصر، في دولة واحدة، اسمها الجمهورية العربية المتحدة. كما رأوا أن يعلنوا اتفاقهم الإجماعي على أن يكون نظام الحكم في الجمهورية العربية ديمقراطيا رئاسياً، يتولى فيه السلطة التنفيذية رئيس الدولة يعاونه وزراء يعينهم رئيس الدولة، ويكونون مسؤولين أمامه.
كما يتولى السلطة التشريعية في هذه الجمهورية مجلس تشريعي واحد، وسيكون لها علم واحد، يظلل شعباً واحداً، وجيشاً واحداً، في وحدة يتساوى فيها أبناؤها في الحقوق و الواجبات، و يدعون جميعهم لحمايتها بالأنفس و المهج والأرواح، ويتسابقون لتثبيت عزتها و تأكيد منعتها. و سيتقدم كل من فخامة الرئيس شكري القوتلي و سيادة الرئيس جمال عبد الناصر ببيان إلى الشعب يلقى أمام المجلس النيابي السوري ومجلس الأمة المصري، في الأربعاء 16 من رجب 1377 هجري الموافق 5من فبراير سنة 1958 يبسطان فيه ما انتهي إليه هذا الاجتماع من قرارات ويشرحان أسس الوحدة التي تقوم عليها دولة العرب الفتية. كما سيدعى الشعب في مصر و سورية إلى استفتاء خلال ثلاثين يوماً على أسس الوحدة و شخص رئيس الدولة. والمجتمعون إذ يعلنون قراراتهم هذه، يحسون بأعمق السعادة وأجمل ألوان الفخر، إذ شاركوا في الخطوة الإيجابية في طريق وحدة العرب وتضامنهم، تلك الوحدة التي عاشت تملأ قلوب العرب كأمل مرموق، وهدف عظيم، حقبة بعد حقبة جيلا بعد جيل. و الله نسأل أن يكلأ هذه الخطوة، وما يتلوها من خطوات، بعين رعايته الساهرة، وبفضل عنايته السابغة، وأن يكتب للعرب في ظل الوحدة، العزة والسلام.
القاهرة في 12 من رجب 1377 هجري الموافق أول فبراير سنة 1958م
في22 شباط 1958 أعلنت نتائج الاستفتاء بموافقة الشعب العربي في كل من سورية ومصر بما يشبه الإجماع العام على قيام الجمهورية العربية المتحدة وانتخاب الرئيس جمال عبد الناصر رئيساً لها، وتخويله وضع دستور مؤقت، وتعيين حكومة مركزية وحكومة للإقليم الشمالي(سورية) وحكومة للإقليم الجنوبي(مصر). وكان الرئيس القوتلي أول من بايع الرئيس عبد الناصر رئيساً للجمهورية العربية المتحدة. وبدوره منح الرئيس عبد الناصر بعد انتخابه - الرئيس القوتلي لقب المواطن العربي الأول.
الفصل الثالث
المبحث الأول
الوحدة بين سورية ومصر
إعلان الجمهورية العربية المتحدة - 22 شباط 1958
في 22 شباط حققت الأمة العربية انتصاراً كبيراً بقيام أول وحدة عربية حقيقية في تاريخها المعاصر عندما وافق الشعب العربي في كل من سورية ومصر بما يشبه الإجماع على قيام الجمهورية العربية المتحدة وانتخاب الرئيس جمال عبد الناصر رئيساً لها وتخويله وضع دستور مؤقت وتعيين حكومة مركزية وحكومة للإقليم الشمالي (سورية) وحكومة للإقليم الجنوبي (مصر).
وفي 22 شباط وصل إلى دمشق رئيس الجمهورية العربية المتحدة وكانت المرة الأولى التي يزور فيها دمشق، وقد استقبل من الشعب العربي السوري استقبال الأبطال وأحيط بكل ما هو أهل له من الحب والتقدير والاحترام.
وفي الأيام التالية تداعت جماهير كثيرة من سائر المحافظات الأخرى ومن القطر اللبناني الشقيق لزيارة دمشق وتحية الزعيم عبد الناصر في مقر إقامته بقصر الضيافة.
في 5 آذار 1958 أعلن رئيس الجمهورية الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة وأصدر في اليوم التالي مراسيم تشكيل أول حكومة للجمهورية العربية المتحدة.
مبادئ الدستور المؤقت
1. الجمهورية العربية المتحدة جمهورية ديمقراطية مستقلة ذات سيادة وشعبها جزء من الأمة العربية.
2. تتكون الجمهورية العربية المتحدة من إقليمين هما مصر وسورية ويكون لكل إقليم مجلس تنفيذي يرأسه رئيس يعين بقرار من رئيس الجمهورية ويعاونه وزراء يعينهم رئيس الجمهورية بناء على اقتراح رئيس المجلس.
3. الحريات العامة مكفولة في حدود القانون.
4. الانتخاب العام حق للمواطنين على الوجه المبين في القانون ومساهمتهم في الحياة العامة واجب وطني عليهم.
5. يتولى السلطة التشريعية مجلس يسمى مجلس الأمة ويشترط أن يكون نصف الأعضاء على الأقل من بين أعضاء مجلس النواب السوري ومجلس الأمة المصري ويحدد عدد أعضاء هذا المجلس ويتم اختيارهم بقرار من رئيس الجمهورية.
6. يتولى رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية.
7. الملكية الخاصة مصونة وينظم القانون أداة وظيفتها الاجتماعية ولا تنتزع الملكية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل وفقاً للقانون.
8. إنشاء الضرائب العامة أو تعديلها أو إلغاؤها لا يكون إلا بقانون ولا يعفى أحد من أدائها في غير الأحوال المبينة في القانون.
9. كل ما قررته التشريعات المعمول بها في سورية ومصر يبقى ساري المفعول في النطاق الإقليمي المقرر له عند إصدارها ويجوز إلغاء هذه التشريعات أو تعديلها.
10. تبقى أحكام المعاهدات والاتفاقات الدولية المبرمة بين كل من سورية ومصر وبين الدول الأخرى سارية المفعول في النطاق الإقليمي المقرر لها عند إبرامها وفقاً لقواعد القانون الدولي.
11. تبقى المصالح العامة والنظم الإدارية القائمة معمولاً بها في كل من سورية ومصر إلى أن يعاد تنظيمها وتوحيدها بقرارات من رئيس الجمهورية.
12. يكوّن المواطنون اتحاداً قومياً للعمل على تحقيق الأهداف القومية ولحث الجمهور لبناء الأمة بناء سليماً من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتبين طريقة تكون هذا الاتحاد بقرار من رئيس الجمهورية.
13. تتخذ الإجراءات لوضع الدستور الدائم للجمهورية العربية المتحدة.
14. ينشر هذا الدستور المؤقت ويعمل به إلى حين وضع دستور دائم.
الوزارة الأولى للجمهورية العربية المتحدة
في السادس من آذار 1958 وفي أعقاب صدور الدستور المؤقت أصدر الرئيس جمال عبد الناصر قراراً بتشكيل الحكومة الجديدة برئاسته وتضمنت تعيين أربعة نواب لرئيس الجمهورية هم السادة:
أكرم الحوراني: من القطر السوري ويكلف بالشؤون الاجتماعية ورسم وتنسيق السياسة العامة للخدمات والرقابة التنفيذية عليها.
صبري العسلي: من القطر السوري ويكلف بالسياسة العربية ورسم وتنسيق شؤون الوحدة بين الإقليمين والنواحي العامة لها.
عبد اللطيف البغدادي: من القطر المصري ويكلف بالتخطيط والتعمير والمسائل الاقتصادية والإنتاجية ومراقبة تنفيذها.
عبد الحكيم عامر: من القطر المصري ويكلف بشؤون الدفاع والقوات المسلحة.
كما تضمنت أيضاً تعيين ثلاثين وزيراً تسعة منهم في الوزارة الاتحادية وعشرة في مجلس الإقليم المصري وأحد عشر في مجلس الإقليم السوري.
وقد شملت الوزارة الاتحادية السادة:
1. زكريا محي الدين: وزيراً للداخلية (مصري).
2. كمال الدين حسين: وزيراً للتربية والتعليم (مصري).
3. فتحي رضوان: وزيراً للإرشاد القومي (مصري).
4. محمود فوزي: وزيراً للخارجية (مصري).
5. صلاح الدين البيطار: وزيراً للدولة (سوري).
6. أحمد حسن الباقوري: وزيراً للأوقاف (مصري).
7. علي صبري: وزيراً للدولة لشؤون رئاسة الجمهورية (مصري).
8. عزيز صدقي: وزيراً للصناعة (مصري).
9. فهمي رزق: نائباً لوزير الحربية (مصري).
أما الوزارة التنفيذية للإقليم الشمالي وعددها 11 وزيراً فقد شملت السادة:
عبد الحميد السراج: وزيراً للداخلية (رئيس الشعبة الثانية - الاستخبارات في الجيش العربي السوري).
حسن جبارة: وزيراً للتخطيط (وزير سابق ورئيس مؤسسة المشاريع الكبرى).
مصطفى حمدون: وزيراً للشؤون الاجتماعية (رئيس الشعبة الأولى - شؤون الضباط الأفراد في الجيش العربي السوري).
1. شوكت القنواتي: وزيراً للصحة (رئيس الجامعة السورية ودكتور بالطب).
2. عبد الوهاب حومد: وزيراً للعدل (نائب حلب عن حزب الشعب ودكتور بالقانون وأستاذ جامعي).
3. نور الدين كحالة: وزيراً للأشغال (مدير عام شركة مرفأ اللاذقية دكتور بالهندسة).
4. أحمد عبد الكريم: وزيراً للشؤون البلدية والقروية (رئيس الشعبة الثالثة - العمليات والتدريب - في الجيش العربي السوري).
5. خليل كلاس: وزيراً للاقتصاد والتجارة (نائب حماة عن حزب البعث ومحام).
6. أحمد الحاج يونس: وزيراً للزراعة (نائب مستقل عن مدينة حمص).
7. فاخر كيالي: وزيراً للخزانة (نائب حلب عن الحزب الوطني).
8. أمين نفوري: وزيراً للمواصلات (معاون رئيس الأركان العامة في الجيش العربي السوري).
ويلاحظ أنها ضمت أربعة من الضباط البارزين وأربعة من السياسيين النواب من اتجاهات متفرقة وثلاثة تكنوقراط من كبار الموظفين وكلهم من القطر السوري.
كما تألفت الوزارة التنفيذية للإقليم الجنوبي وعددها عشرة كلهم من القطر المصري من السادة:
1. حسين الشافعي: وزيراً للتخطيط والشؤون الاجتماعية (عضو في قيادة الثورة سابقاً).
2. نور الدين طراف: وزيراً للصحة (دكتور).
3. أحمد حسني: وزيراً للعدل (مستشار قانوني).
4. أحمد عبده الشرباصي: وزيراً للأشغال (مهندس).
5. محمد أبو نصير: وزيراً للشؤون البلدية والقروية (مهندس).
6. عبد المنعم القيسوني: وزيراً للاقتصاد والتجارة (دكتور بالاقتصاد).
7. كمال رمزي ستيف: وزيراً للتموين.
8. حسن عباس زكي: وزيراً للخزانة.
9. مصطفى خليل: وزيراً للمواصلات.
10. كمال الدين رفعت: وزيراً للدولة.
وقد استمرت هذه الحكومة سبعة أشهر أنجزت خلالها تطورات هادفة خاصة في القطر السوري منها قانون العلاقات الزراعية الصادر في 4 أيلول 1958 وقانون الإصلاح الزراعي الصادر في 27 أيلول 1958 وقانون التعاون وقانون أملاك الدولة وقانون المصرف الزراعي، كما استحدثت وزارات جديدة أبرزها وزارة التخطيط وعدد من المؤسسات العامة مثل الهيئة العامة للبترول والمصرف الصناعي.
وبدأت صياغة خطة عشرية لتطوير الاقتصاد والتحضير لمشروع خطة خمسية وعلى ضوء التجربة والممارسة وتقويم الإيجابيات والسلبيات أعيد النظر في التشكيل الوزاري وأصدر رئيس الجمهورية قراراً بتاريخ 8 تشرين الأول يقضي بتخفيض عدد نوابه إلى ثلاثة بعد استقالة السيد صبري العسلي ورفع عدد أعضاء الحكومة إلى خمسين بمن فيهم الرئيس ونواب الرئيس حيث أسندت إليهم حقائب وزارية بالإضافة إلى استمرارهم كنواب للرئيس فأصبحت التشكيلة الحكومية الجديدة كما يلي:
الوزارة المركزية: السادة:
1. عبد اللطيف البغدادي: نائياً للرئيس ووزيراً للتخطيط (مصري من أعضاء مجلس قيادة الثورة سابقاً).
2. عبد الحكيم عامر: نائباً للرئيس ووزيراً للحربية (مصري من أعضاء مجلس قيادة الثورة سابقاً).
3. أكرم الحوراني: نائياً للرئيس ووزيراً للعدل (سوري - رئيس مجلس النواب سابقاً).
4. زكريا محي الدين: وزيراً للداخلية (مصري - عضو مجلس قيادة الثورة سابقاً).
5. حسين الشافعي: وزيراً للشؤون الاجتماعية والعمل (مصري - عضو مجلس قيادة الثورة سابقاً).
6. كمال الدين حسين: وزيراً للتربية والتعليم (مصري - عضو مجلس قيادة الثورة سابقاً).
7. محمود فوزي: وزيراً للخارجية (مصري - وزير خارجية سابق مندوب مصر في الأمم المتحدة سابقاً ودبلوماسي مخضرم).
8. حسن جبارة: وزيراً للخزانة (سوري - وزير سابق - تكنوقراط - من أبناء لواء الإسكندرونة)
9. عبد المنعم القيسوني: وزيراً للاقتصاد (مصري - وزير سابق - أستاذ جامعي وخبير اقتصادي).
10. أحمد عبده الشرباصي: وزيراً للأشغال (مصري - وزير سابق - مهندس).
11. فاخر كيالي: وزيراً للدولة (سوري - وزير ونائب سابق عن الحزب الوطني).
12. صلاح الدين البيطار: وزيراً للثقافة والإرشاد (سوري - أحد مؤسسي حزب البعث ونائب ووزير خارجية سابق).
13. أحمد حسن الباقوري: وزيراً للأوقاف (مصري - وزير سابق - عالم دين).
14. علي صبري: وزيراً لشؤون الرئاسة (مصري - وزير سابق من الضباط الأحرار).
15. أمين نفوري: وزيراً للمواصلات (سوري - وزير سابق - معاون رئيس الأركان العامة السابق).
16. بشير العظمة: وزيراً للصحة (سوري - أستاذ جامعي وطبيب أخصائي).
17. عزيز صدقي: وزيراًَ للصناعة (مصري - وزير سابق - دكتور في الهندسة).
18. أحمد عبد الكريم: وزيراً للشؤون البلدية والقروية (سوري - وزير سابق- رئيس الشعبة الثالثة السابق).
19. كمال رمزي ستيف: وزيراً للتموين (مصري - وزير سابق).
20. سيد مرعي: وزيراً للزراعة والإصلاح الزراعي (مصري - وزير سابق- دكتور بالاقتصاد الزراعي).
21. كمال الدين رفعت: وزيراً للعدل (مصري - وزير سابق - من الضباط الأحرار - مفكر قومي وحدوي).
المجلس التنفيذي للإقليم السوري السادة:
1. نور الدين كحالة: رئيساً للمجلس ووزيراً للتخطيط.
2. عبد الوهاب حومد: وزيراً للمالية.
3. خليل كلاس: وزيراً للاقتصاد.
4. مصطفى حمدون: وزيراً للإصلاح الزراعي.
5. عبد الحميد السراج: وزيراً للداخلية.
6. نهاد القاسم: وزيراً للعدل.
7. أحمد الحاج يونس: وزيراً للزراعة.
8. شوكت القنواني: وزيراً للصحة.
9. محمد العالم: وزيراً للمواصلات (مدير عام السكك الحديدية وأستاذ في كلية الهندسة).
10. عبد الغني قنوت: وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية (ضابط بعثي من أصدقاء الأستاذ الحوراني).
11. رياض المالكي: وزيراً للثقافة والإرشاد القومي (محام بعثي - شقيق الشهيد عدنان المالكي).
12. أحمد الطرابلسي: وزيراً للتربية والتعليم (أستاذ جامعي بعثي).
13. وجيه السمان: وزيراً للصناعة (أكاديمي مستقل).
المجلس التنفيذي للإقليم المصري: السادة:
1. نور الدين طراف: رئيساً للمجلس التنفيذي.
2. أحمد حسني: وزيراً للعدل.
3. حمد أبو نصير: وزيراً للشؤون البلدية والقروية.
4. مصطفى خليل: وزيراً للمواصلات.
5. حسن عباس زكي: وزيراً للاقتصاد.
6. فهمي رزق: وزيراً للصناعة.
7. ثروت عكاشة: وزيراً للثقافة والإرشاد القومي.
8. توفيق عبد الفتاح: وزيراً للشؤون الاجتماعية والعمل.
9. عباس رضوان: وزيراً للداخلية.
10. محمد المحرودن: وزيراً للزراعة.
11. حسن بغدادي: وزيراً للإصلاح الزراعي.
12. موسى عرفة: وزيراً للأشغال.
13. محمد نصار: وزيراً للصحة.
14. حسن صلاح الدين: وزيراً للمالية.
15. أحمد نجيب هاشم: وزيراً للتربية والتعليم.
الاتحاد القومي - استقالة الوزراء البعثيين - تشكيل اللجنة العسكرية
سبق للرئيس جمال عبد الناصر أن اشترط عند قيام الوحدة ابتعاد العسكريين عن العمل السياسي ويحق لمن يرغب في متابعة نشاطه السياسي أن يستقيل من الجيش ويتفرغ للسياسة، وكذلك أن تحل الأحزاب نفسها وأن يتم تشكيل الاتحاد القومي.
وقد تم تكليف عدد من الضباط بمناصب وزارية ونقل آخرون إلى السلك الدبلوماسي وندب البعض الآخر للعمل في الإقليم الجنوبي وبالمقابل نقل عدد كبير من الضباط المصريين من مختلف الرتب للعمل في سورية، وشغلت المناصب الأساسية بإخوة من الإقليم الجنوبي مثل رئيس الأركان العامة ونائبه ورئيس أركان الجبهة ورؤساء أركان عدد من الألوية ورئيس شعبة التنظيم والإدارة وكاتم أسرار الجيش - إدارة شؤون الضباط - وعدد من قادة الوحدات.
أما الأحزاب السياسية فقد قامت منذ البداية بحل نفسها عدا الحزب الشيوعي وشرعت القيادة السياسية للجمهورية العربية المتحدة بالتحضير لإقامة اتحاد قومي على مستوى دولة الوحدة يعمل على تحقيق أهداف الأمة وحث الجمهور على بناء الأمة بناءً سليماً من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية وجرت الانتخابات للاتحاد القومي على مستوى الجمهورية يوم 8 حزيران وتم انتخاب عدد من ممثلي الأحزاب السياسية السابقة ومنهم السيد مأمون الكزبري (رئيس حركة التحرير العربي التي أسسها الزعيم أديب الشيشكلي والذي شغل منصب رئيس مجلس النواب في عهد الشيشكلي) الذي أصبح رئيساً للجنة الاتحاد القومي في مدينة دمشق وفي مرحلة لاحقة أصبح رئيساً للوزراء في عهد الانفصال.
وتكون المؤتمر العام للاتحاد القومي من (2000) عضو انبثق عنه مجلس أمة مكون من (600) عضو منهم (400) مصري و(200) سوري.
بتاريخ 20 تشرين الأول عام 1959 أصدر الرئيس عبد الناصر قراراً قضى بتعيين المشير عبد الحكيم عامر نائباً له مخولاً بصلاحياته وصلاحيات رئيس المجلس التنفيذي والوزراء المركزيين إضافة إلى صلاحياته العسكرية. وقد أدت تصرفات المشير عامر نتيجة قلة خبرته السياسية وعدم إلمامه الكامل بأحوال القطر إلى خلق عدد من الأزمات والحساسيات أدت في النهاية إلى استقالة الوزراء البعثيين: فاستقال السادة أكرم الحوراني نائب رئيس الجمهورية وصلاح البيطار وزير الإرشاد القومي المركزي ومصطفى حمدون وزير الإصلاح الزراعي بالإقليم السوري وعبد الغني قنوت وزير الشؤون الاجتماعية والعمل في الإقليم السوري وقبلت استقالتهم في 25/ كانون الأول 1959 وتبعها استقالة السيد خليل الكلاس في الإقليم الشمالي التي قدمها في 3/1/60 وقبلت في 4/1/60 وقد شغلت مناصب الوزراء المستقيلين بالوكالة حتى 10 آذار 1960 حيث صدرت مراسيم تعيين أربعة من الضباط السوريين بمناصب وزارية وهم:
السيد أكرم ديري وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية - السيد جادو عز الدين وزيراً لشؤون الرئاسة في الإقليم الشمالي والسيد جمال الصوفي وزيراً للتموين والسيد أحمد هنيدي وزيراً للإصلاح الزراعي.
وفي نفس الفترة قام عدد من الضباط السوريين المندوبين للإقليم الجنوبي من الذين كانوا منتمين أو أصدقاء لحزب البعث العربي الاشتراكي بتشكيل لجنة عسكرية سيتم الحديث عنها في فصل قادم.
قرارات التأميم في تموز 1961 - توحيد المجلسين التنفيذيين في حكومة واحدة
الخلاف بين المشير عبد الحكيم عامر والسيد عبد الحميد السراج
التأميم: بتاريخ 20/7/1961 صدر عن رئاسة الجمهورية المرسوم 117 وبموجبه انتقلت ملكية المصارف وشركات التأمين وثلاث شركات صناعية كبرى إلى الدولة بصورة كاملة وتحولت أسهمها إلى سندات اسمية على الخزانة لمدة 15 عاماً بفائدة 4% واعتبرت قيمة السند حسب سعره في سوق البورصة قبل يوم واحد من صدور المرسوم.
وفي نفس التاريخ صدر مرسوم آخر برقم 118 انتقلت بموجبه 12 شركة سورية تساهم الدولة في رؤوس أموالها بمقدار 50% وتحولت هذه الأسهم بدورها إلى سندات اسمية على الخزانة لمدة 15 عاماً بفائدة 4% ثم صدر أيضاً بالتاريخ نفسه المرسوم رقم 119 الذي أمم 12 شركة صناعية مساهمة أخرى ومنع المرسوم أي شخصية طبيعية أو اعتبارية من امتلاك أسهم تزيد قيمتها عن مئة ألف ليرة سورية.
وأعقب هذه المراسيم صدور عدد من القرارات التنظيمية عن رئاسة الجمهورية نظمت أوضاع العمال والموظفين في الشركات المساهمة وشركات التضامن والشركات ذات المسؤولية المحدودة وقضت هذه القرارات على تنظيم وضع العمال والموظفين في الشركات المؤممة وتخصيص 25% من الأرباح لهم مع تمثيلهم في مجالس الإدارة.
توحيد الحكومة في الإقليمين: 16 أب 1961
أعقب صدور مراسيم التأميم والقرارات التنظيمية الملحقة بها توحيد المجلسين التنفيذيين في سورية ومصر مع الحكومة المركزية وتشكيل حكومة واحدة مركزية على مستوى الجمهورية العربية المتحدة برئاسة رئيس الجمهورية على أن تنتقل الدولة بأجهزتها الرسمية إلى دمشق سنوياً من أول شباط حتى نهاية أيار.
وتعتبر هذه الحكومة أكبر الحكومات عدداً في عهد الوحدة، إذ بلغ عدد أعضاءها 46 منهم 30 من الإقليم الجنوبي و16 من الإقليم الشمالي واستمرت هذه الحكومة حتى 28 أيلول 1961 (ردة الانفصال).
الخلاف بين عامر والسراج
في أعقاب قرارات التأميم في تموز 1961 وتشكيل حكومة موحدة على مستوى الجمهورية في 16 آب 1961. تفاقم الخلاف بين كل من السيدين السراج وعامر نائبي رئيس الجمهورية وكان لكل منهما نفوذه وصلاحياته ورجاله في الإقليم الشمالي. وخرج الخلاف من السرية إلى العلن وخاصة بعد سلسلة من القرارات أصدرها المشير عامر في 18 أيلول 1961. وأصبح الموقف بالغ الدقة وفي هذا المضمار كتب الصحفي العربي الكبير محمد حسنين هيكل بعد نكسة الانفصال مقالا في الأهرام أجتزئ منه ما يلي:
"صدر الأمر من القاهرة بأن يركب المشير عبد الحكيم عامر ومعه السيد عبد الحميد السراج طائرة واحدة ويجيئان معاً لمقابلة رئيس الجمهورية. واجتمع الرئيس جمال عبد الناصر بكل منهما على حدة. ثم اجتمع بهما معاً وتوالت اجتماعاته مع السيد السراج محاولا إقناعه بمنطق العقل أن لا ينساق وراء عواطفه. وكان في المشكلة جانبها العاطفي وهو أن جمال عبد الناصر يحب عبد الحميد السراج كشاب عربي وطني مخلص. ولكنه بالتأكيد يحب شعب سورية أكثر منه. كان يحبه وهو يرى الضوء في شخصيته ويرى الظل. وكان أمله أن يتمكن الضوء يوماً من الغلبة على الظلال كلها وتبديدها.
وفعل جمال عبد الناصر مع السراج ما لم يفعله مع غيره. قابله خمس مرات استغرقت ما يقرب من 20 ساعة حاول فيها أن يجعله يرى الحقيقة كما هي. وكان بين ما قاله جمال عبد الناصر: إنني لا أستطيع أن أفهم تصرفاتك وتصرفات رجالك في دمشق. لقد قابلتكم جميعاً أنت وعدداً من الوزراء السوريين في الإسكندرية في شهر تموز الماضي وتحدثت إليكم عن نيتي في توحيد حكومة الجمهورية العربية المتحدة. بل يومها تحدث إليكم بصراحة ليس بعدها صراحة. قلت لكم يومها أنني لا أستطيع أن أترك الأحوال في الإقليم السوري تمضي كما كانت تمضي. لقد كان لكل منكم في الإقليم جماعته ومعنى هذه الجماعات المتفرقة أن يتمزق الوطن الواحد. وقلت لكم أنكم وأنتم دعاة الوحدة وأنصارها قد سببتم لي من المتاعب ما لم يسببه أعداء الوحدة وخصومها وأنه لولا إيماني بالجماهير السورية نفسها ولولا ثقتي فيها لكنت طلبت من شكري القوتلي أن يتسلم رئاسة الجمهورية في سورية ويعفيني منها ولكني في سبيل الجماهير السورية وحدها أتحمل ما أتحمله.
ولقد اخترتك نائباً لرئيس الجمهورية وأعطيتك أوسع الاختصاصات وطلبت منك قبل سفري إلى بلغراد لحضور اجتماع الدول غير المنحازة أن تتحمل مسؤوليتك الكبيرة على مستوى الجمهورية كلها. ولكني فوجئت بما فعلته بعد ذلك في دمشق. ثم بالذي فعله بعض رجالك واتضح لي أن كل الذي تريده أن تبقى حاكماً لسورية وأنا أريدك مسؤولاً في الجمهورية العربية المتحدة كلها ثم من ناحية أخرى أنت تعرف رأيي في كثير من إجراءات البوليس في دمشق ولقد قلت لك أنه في كثير من الأحيان تضر بسمعة الجمهورية أكثر مما تخدم أمنها وأنا أقدر حسن نيتك فيما تفعله وأفهم أن الإخلاص للجمهورية هو الذي يدفعك إليه. ولكن الأمور لا تحتاج الوصول إلى هذا المدى الذي يصل إليه بعض رجالك في بعض الأحيان. ولم تستطع لمسات الضوء أن تظهر لمسات الظل واستقال عبد الحميد السراج وعاد إلى دمشق". انتهى مقطع مقال الأستاذ هيكل.
تقويم الوحدة
كانت وحدة مصر وسورية في 22/2/1958 والتي استمرت ثلاث سنوات وسبعة أشهر أول فرصة لوحدة عربية حقيقية في تاريخ أمتنا المعاصرة وكانت جديرة بالعناية والرعاية والمحافظة عليها وتقديم الغالي والنفيس للذود عنها.
وقد حققت الوحدة العديد من الانجازات على كافة الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية. ورفعت رأس العرب عالياً. وبعثت الأمل في نفوس الجماهير العربية بإمكان تحقيق وحدتها المنشودة. ولو أمكن لهذه الوحدة الاستمرار. أو لو نفذ ميثاق الوحدة الثلاثي الصادر في 17 نيسان 1963 "سيجري الحديث عنه لاحقاً" الذي جاء بعد سنة ونصف من الانفصال رداً على النكسة وعودة إلى طريق الوحدة الراسخة في قلوب وضمائر أبناء أمتنا المجيدة لأمكن وطننا أن يتجنب العديد من النكسات وخاصة نكسة 5 حزيران 1967. والعديد من حالات التردي التي مرت بها أمتنا.
إن من يتصدى للسلطة والمسؤولية في هذا العصر ليس من الملائكة ولكن من البشر الذي قد يخطي وقد يصيب وبتقديري المتواضع أن الخطاء التي جرت في عهد الوحدة وخاصة غياب الديمقراطية وحلول المباحث محل الجماهير الواعية المؤمنة بالوحدة لا تبرر بأي شكل جريمة الانفصال بل كان من الممكن إصلاح الأمور من داخل دولة الوحدة.
الفصل الثالث
المبحث الثاني
ردة الأنفصال
في صبيحة يوم الخميس 28 أيلول 1961 أذيع بلاغ عسكري من إذاعة دمشق باسم "القيادة الثورية العربية العليا للقوات المسلحة"، وأعلن فيه قيام الجيش بحركة انقلابية ومبرراً ذلك بالعبارة الآتية "إننا قد طرقنا كل باب للإصلاح قبل أن تنفجر الأمور فلم نجد إلا القوة سبيلاً للتحرر من المستغلين واتباع طريق الحرية، ولم نجد إلا القوة سبيلاً لكي تعاد للشعب حريته وللجيش كرامته".
بعد ذلك توالت البيانات والبلاغات العسكرية فأذيع البلاغ الثاني مبيناً الهدف من الانقلاب وأسباب القيام به، والبلاغ الثالث الذي نص على الحفاظ على أرواح المصريين الموجودين في سورية، أما البلاغ الرابع فقد أعلن إغلاق المطارات والموانئ وغلق الحدود.
في حين أكد البلاغ الخامس نجاح الحركة. كما منعت البلاغات السادس والسابع والثامن التظاهر بكل أشكاله بقصد تفويت الفرصة على القوى المعادية من استغلال الحركة وكذلك منع التجمعات.
كان المقدم عبد الكريم النحلاوي على رأس الضباط الذين شاركوا في الحركة الانقلابية من بين 35 ضابطاً آخر هم كل من الذين شاركوا في انقلاب 28 أيلول 1961.
لقد قام المقدم عبد الكريم النحلاوي وجماعته بإحكام الخطة التي وضعت وحددت القطعات التي رشحت للقيام بالحركة، بعدما نجح النحلاوي بنقل كثير من الضباط المؤيدين لحركته والموالين له إلى تلك القطعات. وكانت الخطة تقضي باحتلال الإذاعة والتلفزيون والهاتف ومنزل المشير عبد الحكيم عامر في دمشق. كذلك احتلال القيادة العامة للقوات المسلحة ثم الدخول إلى مبنى رئاسة الأركان العامة وفرض شروط تصحيح الأوضاع كما أطلق عليها إذ كلف بالتنفيذ كل من اللواء الأول مشاة آلي الذي كان أمره العقيد جاسم علوان والمتمركز في قطنا التي تبعد 20كم عن دمشق والذي كان يقوده المقدم مهيب الهندي وكذلك قوات البادية المتركزة في ضواحي دمشق (الضمير) وتبعد عنها بحدود 40 كم وقد تولى قيادتها المقدم حيدر الكزبري فضلاً عن مفارز الدبابات الموجودة في مدرسة المدرعات بالقرب من دمشق ويقودها الرائد عادل الحاج علي (وإنصافاً للحقيقة وبغض النظر عن الخلاف في وجهات النظر السياسي أشهد بأن المقدم نحلاوي الذي سبق له الخدمة تحت قيادتي يتمتع بالكفاءة العسكرية والخلق الرفيع والإيمان بالله والتهذيب الجم).
نفذت الخطة كما هو مرسوم لها وكالآتي:
- تحرك اللواء الأول (مشاة آلي) الذي يقوده المقدم مهيب الهندي رئيس أركان اللواء لمعسكرات قطنا وكانت مهمته الإحاطة برئاسة الأركان واحتلال الإذاعة والتلفزيون والهاتف الآلي مما مكن من تأمين مدخل دمشق لمنع دخول أي قوة معادية للانقلابيين.
- تحركت قوات البادية التي كان على رأسها المقدم حيدر الكزبري من منطقة الضمير في ضواحي دمشق وكان واجبها محاصرة المشير عبد الحكيم عامر في داره في شارع أبو رمانه في منطقة المهاجرين.
- قامت القوى الجوية بقيادة العميد موفق عصاصه بتقييد حركة الطيران السوري والسيطرة على القوى الجوية.
- بقية القطعات في دمشق كان هناك اتفاق مع عناصر من الضباط من جماعة النحلاوي والموالين له بالسيطرة على تلك القطعات وضمان تحييدها. فضلاً عن أن النحلاوي قد أصدر تعليماته إلى هؤلاء الضباط للقبض على الضباط المصريين العاملين في وحدات الجيش الأول للحيلولة دون قيامهم بأية مقاومة.
علمت شعبة الاستخبارات السورية التي كان يرأسها آنذاك ا لعقيد السوري محمد الإستنبولي بالحركة الانقلابية إذ أبلغ المشير عبد الحكيم عامر الذي اتصل على الفور بقائد الجيش الأول الفريق جمال فيصل وبرؤساء شعب الأركان والوزراء التنفيذيين والعسكريين فقط. وطلب منهم التوجه فوراً إلى رئاسة الأركان حيث وصل الجميع عند مطلع الفجر وعقدوا اجتماعاً ترأسه المشير عبد الحكيم عامر واتخذ فيه قرارين بإحباط الحركة الانقلابية كان الأول يقضي بمتابعة إرسال دوريات من الشرطة العسكرية إلى المحاور التي تتحرك عليها الأرتال المتقدمة إلى دمشق بقصد إعاقتها إلا أن هذه الدوريات كانت تعتقلها تلك القوات دون مقاومة تذكر وكان القصد من هذا العمل إعاقة تقدم القطعات وتأخير وصولها إلى دمشق والقرار الثاني الذي اتخذه الاجتماع والذي عهد فيه إلى قائد الجيش الفريق جمال فيصل بتنفيذه على الفور وهو الاتصال بالوحدات الفعالة كافة باستثناء المشتركة بالحركة في كل من قطنا والقابون والجبهة وإزرع وحمص طالبهم فيها بالتوجه إلى دمشق بأقصى سرعة لإفشال الحركة إلا أن هذه القطعات لم تستجب باستثناء لواء المدفعية الذي يبعد عن دمشق 40 كم والذي يضم في صفوفه 18 ضابطاً مصرياً وعدداً قليل من الضباط السوريين فضلاً عن أن آمر اللواء لم يكن موجوداً آنذاك إلا أن الاتصال السريع الذي أجراه الضباط السوريون بآمر اللواء دفعه إلى الإسراع للالتحاق بلوائه إذ التقاه في الطريق وهو يتقدم إلى دمشق بحسب أوامر قائد الجيش الأول فأوعز بعودة اللواء إلى ثكناته وعلى الأثر حصلت محاولة تمرد من الضباط المصريين واستمرت المماطلة إلى أن وصل الضباط السوريون ونفذوا أوامر قائد اللواء بإعادة الرتل إلى مقره. وكان النحلاوي قد اتصل بقائد اللواء وطلب إليه اعتقال الضباط المصريين وانتظار الأوامر من عناصر القيادة الجديدة، كما طلب منه الاستماع إلى البلاغات التي كانت إذاعة دمشق قد باشرت ببثها.
أما القطعات المكلفة بواجبات الانقلاب فقد استمرت بالتقدم بحسب الخطة المرسومة لها نحو دمشق وقامت باحتلال أهدافها المحددة وأحاطت برئاسة الأركان دون مقاومة تذكر وهي القوات التي يقودها المقدم حيدر الكزبري والقوات التي يقودها المقدم مهيب الهندي والتي جاءت من قطنا وآنذاك بدأت مرحلة المفاوضات.
فقد خرج الفريق جمال فيصل إلى شرفة القيادة واستدعى ضباط الحركة للمفاوضة غير أن هؤلاء أجابوا أنهم لن يدخلوا القيادة قبل تسليمهم بعض الضباط رهائن. وقد طلب المشير عبد الحكيم عامر بالمقابل من أجل إثبات حسن النية تراجع الدبابات لمسافة قصيرة وقد مثل الانقلابيين في التفاوض كل من العميد موفق عصاصة والعميد زهير عقيل والمقدم عبد الكريم النحلاوي في حين مثل الطرف الآخر المشير عبد الحكيم عامر والفريق جمال فيصل ومجموعة الوزراء العسكريين.
طالب الانقلابيون ببعض الإصلاحات كما دافع النحلاوي عن حركته مدعياً أنها لا تهدف إلى الانفصال وكان من بين المطالب الحد من تزايد عدد الضباط المصريين في القطعات السورية ونقل البعض الآخر منهم من مناصبهم إلى رئاسة أركان الجيش الثاني في الإقليم المصري وتشكيل قيادة الجيش الأول من الضباط السوريين فقط كما طالبوا بإبعاد الوزراء العسكريين الذين كانوا يحضرون ذلك الاجتماع إلى الإقليم الجنوبي وبالفعل قد تم تنفيذ مطالبهم بإحضار طائرة ورحل جميع هؤلاء بعد ذلك أذيع البيان رقم 9 ا لذي كان على شكل بيان مشترك أعلن فيه نهاية حالة العصيان وأكد أن الضباط الذين شاركوا بعملية الانقلاب لا يشكلون خطراً على مكتسبات القومية العربية وقد حصل الاتفاق مع المشير عبد الحكيم عامر لاتخاذ الإجراءات المناسبة من أجل المحافظة على وحدة القوات المسلحة في الجمهورية العربية المتحدة وأدى تأخر المشير عامر إلى الالتزام بما ورد في البلاغ رقم 9 ونشوب خلافات بين قيادات الانقلاب حول تأثير هذا البلاغ إلى ترحيل المشير وقائد الجيش الفريق جمال فيصل إلى الإقليم الجنوبي والإعلان رسمياً عن خروج سوريا من الجمهورية العربية المتحدة وصدر البلاغ رقم 10 ملغياً البلاغ رقم 9 مبرراً ذلك بنقض المشير للوعود وعدم التوصل إلى حل.
ثم توالت البلاغات بالصدور حتى البلاغ السادس عشر الذي أعلن تشكيل أول قيادة عسكرية للجيش السوري بعد الانفصال بقيادة اللواء عبد الكريم زهر الدين بعد أن رفض عدد من الضباط الكبار المحترمين منصب قيادة الجيش وفضلوا الإحالة على التقاعد.
من هو عبد الكريم زهر الدين
العميد مطيع السمان ضابط قديم وجيد خريج الدورات الأولى بعد الجلاء وتحديداً عام 1948 وشغل عدداً من المناصب الهامة آخرها قائد المنطقة الوسطى عند وقوع الانفصال ولم تكن له أي مشاركة بالانقلاب وقد تولى منصب قائد قوى الأمن الداخلي من أوائل نيسان 1962 حتى 8 آذار 1963. وقد صدر له عام 1965 عن دار النشر اللبنانية (بيسان) مذكراته بعنوان: وطن وعسكر، أقتبس بعض ما ورد فيه حرصاً على الموضوعية والمصداقية وشكراً للعميد السمان.
تعيين زهر الدين قائدا للجيش :
(حدثني صديقي وابن دورتي العميد سمير جبور بأنه عند مجيئه إلى مقر قيادة الجيش بدمشق يوم 28/9/1961 وجد اللواء عبد الكريم زهر الدين واقفاً تحت تهديد السلاح وبوضع غير لائق وأن أحد جنود العشائر المكلفين بمحاصرة وحراسة هذا المقر منعه من الدخول وقد أشهر عليه السلاح لتطاوله وتلفظه بما لا يليق.
تدخل العميد سمير وأنقذ زهر الدين مما هو فيه وأخذه بصحبته إلى حيث كان مع ضباط الحركة وكانوا قلقين حيارى لأن الأمور تطورت أكثر مما كانوا يريدون وأضحت البلاد بلا حكومة ولا قيادة عندما تقرر تسفير المشير وهم لا يدرون ما سيعملون.
وفي هذا الجلسة وفي هذا الموقف القلق شديد الوطأة والمسؤولية اقترح العميد دهمان تشكيل قيادة تتحمل المسؤولية فطرح المقدم نحلاوي تشكيلها دون اعتراض من أحد على النحو التالي:
اللواء عبد الكريم زهر الدين قائداً للجيش لأنه كان حاضراً وبالمصادفة.
اللواء نامق كمال رئيساً للأركان العامة لكفاءته وكان في موسكو.
العميد فيصل سري الحسيني رئيساً لشعبة العمليات وهو أحد ضباط الحركة وكان حاضراً.
المقدم برهان بولص رئيساً لشعبة الاستخبارات كان في مصر وهو من جماعة النحلاوي.
المقدم عبد الكريم النحلاوي رئيساً لإدارة شؤون الضباط وكان معاوناً لرئيسها المصري.
كما اقترح المقدم النحلاوي استدعاء الضباط المبتعثين إلى روسيا وكلهم من كبار الرتب العسكرية وعددهم اثنا عشر ضابطاً من بينهم اللواء نامق كمال واللواء وديع مقعبري والعميد مسلم صباغ وغيرهم وذلك لملء المراكز التي شغرت بتسفير الضباط المصريين ومن هم بركابهم من السوريين.
كتب العميد سمير كتاباً باللغة الفرنسية التي يتقنها وبعد طبعه وقعه اللواء زهر الدين وجرى إرساله إلى السفارة الروسية بدمشق و من ثم قدم هؤلاء الضباط.
تابع العميد سمير قوله: بأنه لا يجزم يومها فيما إذا كان تعيين اللواء زهر الدين من قبل المقدم نحلاوي كان لقطع الطريق على غيره من كبار ضباط الحركة رغم زهدهم الملموس في المناصب والرتب، أم ليقينه بأن تسييره والسيطرة عليه أسهل من الآخرين، لنقاط الضعف التي يعرفها فيه، وأن الأيام اللاحقة، رجحت الرأي الثاني بما لا يقبل الشك. .
وقد أيد العميد سمير رأيي بأن هذا التعيين كان المسمار الأول في نعش ذاك العهد وأن تستر النحلاوي باسم زهر الدين واستخدام مركزه عملياً دون اعتراض مكنه من القضاء على جميع رفاقه بالحركة وارتكاب كثير من الحماقات القاتلة للوطن وله.
ويذكرني تعيين اللواء زهر الدين في منصب قائد للجيش بتعيين العميد شوكت شقير قائد المنطقة العسكرية الوسطى الأسبق في هذا المنصب مع الاعتراف بثقافة شقير وكفاءته وذلك من قبل العميد شيشكلي عندما استلم رئاسة الجمهورية وقد تجاوز بهذا التعيين ثلاثة ضباط أقدم منه وهم العمداء توفيق البرهامي ورسمي القدسي وعمر خان تمر، ورابعهم معاونه العميد أمير شلاش ولما سئل الشيشكلي عن أسباب هذا التجاوز قال: "بأن شقير بلا ماضي ولا مستقبل ولا أحد يسير خلفه لأنه درزي ولبناني أصلاً" وقد حصل على الجنسية السورية يوم انقلاب حسني الزعيم على المرحوم شكري القوتلي فعلق وقتها أحد العارفين الأذكياء على هذا الكلام بقوله:
"إن من يستولي على البلاد و العباد بانقلاب يخشى من الانقلاب عليه، وإن قائد جيش هزيلا هو أكثر اطمئناناً له من آخر تتوفر فيه الاستقامة والكفاءة والشخصية والشجاعة".
وبالفعل يوم أمر الشيشكلي بضرب جبل الدروز عسكرياً كان العميد شقير قائداً للجيش ومنفذاً لأوامره بدون قدرة على رفض أو اعتراض على ضرب أبناء عمومته وهو في أعلى المناصب العسكرية.
في هذه المناسبة تحضرني حادثة تتعلق بالطائفة الدرزية المحترمة ذكرها عبد الكريم زهر الدين في الصفحة رقم (43) من مذكراته وهي أنهم أي ضباط حركة الانفصال وزهر الدين:
"عثروا في جملة ما عثروا في مكتب المشير عامر وأعوانه على دراسات لتصفية الجيش السوري تشير إلى وجوب التفتيش عن قائد جديد للجيش الأول بعد أن اتضح للقيادة العامة بأن الفريق جمال فيصل قد استهلك استهلاكاً كاملاً، واقتراح العقيد جاد وعز الدين لهذا المنصب، ولكن هناك عقبات عديدة أهمها كونه من الطائفة الدرزية أي من الأقليات ولا يجوز أن يستلم قيادة الجيش درزي".
وهذا ما ذكره زهر الدين بالذات، ومع ذلك أقدمت "شلة الشوام" (حسب قوله) التي عثرت على هذه الدراسة، على تعيينه قائداً للجيش رغم درزيته، وكان هذا خطاً أحمر، لا يجوز تجاوزه أثناء الوحدة، لأن الشوام يرون عدم التفريق بين المواطن والطوائف عند التعيين في المراكز الوظيفية ويأتي زهر الدين فيما بعد، بكل سخف يتجنى عليهم بأقوال رعناء.
أرجو من الأعماق بغية الوصول إلى الحقيقة، من الذين يودون كتابة أحداث سورية في هذه الحقبة بأسماء أصحابها أن يسألوا قبل تدوينها، القريبين والرؤساء والمرؤوسين عما تركه عبد الكريم زهر الدين من أعمال وممارسات يوم كان مديراً لمصلحة المهمات (ملابس الجنود) لسنوات كثيرة ورئيساً لهيئة الإمداد والتموين لفترة قصيرة وأخيراً قائداً لجيش الانفصال، الوظيفة التي عينه فيها الذين كان بيدهم هذا التعيين (شلة الشوام حسب تعبيره) لتكون كتاباتهم مستندة على واقع، وأن يسألوا عن أعمال وممارسات أحد أفراد شلة الشوام كاتب هذه السطور، في جميع الوظائف التي شغلها وآخرها قائد لقوى الأمن الداخلي في سورية، أيام الانفصال أيضاً، وكذلك عمن شاءوا من الشوام الذين شغلوا قيادات عسكرية كبرى في عهود متعددة، وما أكثرهم، طالما كان الاعتراض عليهم بسبب شاميتهم من البعض حسب مذكرات زهر الدين، غير الصادقة، ليقارنوا بين مخلفات زهر الدين، غير الشامي وبين مخلفات شلة الشوام، مع الاعتراف بنبل وكفاءة وميزات كثير من القادة غير الدمشقيين الذين عرفناهم وتعرفنا عليهم بمناسبات كثيرة في حياتنا العسكرية، ولم يكن عبد الكريم زهر الدين منهم، بكل أسف.
رأي أحد السياسيين بتعيين زهر الدين
أصبحنا في اليوم الثالث من الانفصال السبت 30/9/61 على استنكار في حمص وقطعاتها من جراء تعيين اللواء زهر الدين قائداً للجيش، وقد ظننته في البدء لأن سلفه الفريق جمال فيصل هو من أبناء هذه المدينة، إلى أن أتاني رئيس مخابرات المنطقة الرائد بسام عبد النور ببعض العبارات التي كتبت على جدران المدينة، وكلها ليست في صالح قائد الجيش الجديد، ولا بد أن العقيد رسلان شطا مدير الشرطة المدنية في حمص، يتذكر الأوامر التي أعطيتها له، لتزويد الحراس الليليين بفراشي وأوعية فيها مادة سوداء لطمس تلك العبارات التي كانت على الجدران، واعتبرت كل تهاون أو عدم القبض على الفاعلين عند مشاهدتهم أو ترك أي أثر بعد كل صباح يعرض المسؤول عنه إلى عقوبة صارمة.
كما حمل إلى الضابط، الملازم زعيم، مصنف الرقابة الهاتفية يومها، وفيه تسجيل خطي لاتصال هاتفي جرى من حمص، بين النائب والوزير السابق هاني السباعي وبين دمشق مع النائب والوزير السابق رشاد جبري، والاثنان من حزب واحد يقول فيه الأول للثاني:
"بلغ ضابط الحركة بلساني بأنهم يرتكبون جريمة بحق وطنهم وبحق أنفسهم إن أبقوا على تعيين زهر الدين في منصب قيادة الجيش لأنه…. ) وقد اطلع على تسجيل هذه المخابرة كل من فيصل سري الحسيني وموفق عصاصة وزهير عقيل ومحمد منصور ونور الله حج إبراهيم وحيدر الكزبري وعبد الكريم النحلاوي ولا بد أنهم تبلغوا رسالة هاني السباعي إليهم بلسان رشاد جبري.
زهير الدين يفتح محفظتي بغيابي
بعد أيام حضرت إلى دمشق لمعالجة بعض أمور قيادتي، دخلت على اللواء زهر الدين في مكتبته وكان يغص بضباط الحركة دخولاً وخروجاً، وبعد تبادل بعض الأحاديث، فتحت محفظة يدي وعرضت على القائد الجديد، بحضور ضباطاً الحركة، ما قدمت من أجله، وكان بين وثائقي تسجيل مخابرة "سباعي - جبري" الهاتفية، ولكونها تمس زهر الدين، فإنني لم أكشف أمرها ووضعتها جانباً، فسألني عنها العميد فيصل حسيني، فقلت له ورقة خاصة وناولته إياها، فاطلع عليها وابتسم، ثم ناولها إلى المقدم نحلاوي، وهذا ناولها إلى العميد عقيل، فأعادها إلي هذا الأخير وأعدتها إلى محفظتي.
وبعد أحاديث شتى غادرنا هذا المكتب إلى مكتب النحلاوي، تاركاً محفظتي دون قصد مني في مكتب اللواء زهر الدين، وبعد فترة تذكرتها وعدت وجلبتها، ولما تفقدت محتوياتها وجدت تسجيل المخابرة قد فقد، لذا قلت لقد لطشها زهر الدين وهممت بالعودة إلى مكتبه لطلبها منه، فحال دون ذلك مع الرجاء النحلاوي واعداً إياي بأنه سيأتيني بها.
وفي هذه الجلسة أبلغت الحاضرين، وهم الحسيني ودهمان وعصاصة وعقيل وحج إبراهيم ومنصور والنحلاوي والكزبري، خطأ وسوء إسناد منصب قيادة الجيش إلى زهر الدين، لأنه ليس على مستوى هذه المسؤولية، وأن كثرة النجوم التي على كتفيه لا تصنع منه قائداً مؤهلاً، وغداً ستكون من النادمين يوم لا ينفع الندم. أجاب فيصل سري الحسيني: لا شك بأنها كانت خطيئة ثم قال:
1- لقد اتفقنا على عدم تحقيق أي مكسب شخصي لأحدنا.
4- إن التنظيم المصري للجيش السوري أيام الوحدة لم يبق أمراً عسكرياً هاماً وفعالاً بيد قائد الجيش، وجعل منه شخصاً للمناسبات والمراسم فقط. وقد حصر جميع الأمور العسكرية المهمة في قبضة يد رئيس أركان الجيش، كما أن زهر الدين لا يقدم على عمل قبل عرضه علينا وأخذ موافقتنا.
7- وبالفعل فإن رئاسة أركان الجيش الأول في عهد الوحدة كانت بيد المصريين، فأولهم العميد عبد المحسن أبو النور وخلفه اللواء أنور القاضي، الذي حصل الانفصال بزمانه.
زهر الدين قائداً للجيش:
قلت لم يكن لإعلان خبر تعيين اللواء عبد الكريم زهر الدين قائداً للجيش ممن هم دونه رتبة - شلة الشوام- وفي غياب السلطات الدستورية، الوقع الحسن في نفوس جميع عارفيه، وكان لثماني سنوات متصلة مضت مديراً لمصلحة التجهيز، المصلحة المختصة بملابس الجند ووسائل نومهم، وهو برتبة مقدم وعقيد وعميد.
نشأته:
بدأ عبد الكريم زهر الدين حياته العسكرية كجندي عادي في سرية خدمات الكلية العسكرية في حمص، بعد تركه بيت شاهين مدير مالية السويداء ومن ثم بيت مدام بيكان الفرنسية في السويداء أيضاً، التي زارته عندما مرت بحمص وتكلمت من أجله مع مدير الكلية العسكرية الكومندان "بران" وأفهمته ما لوالده، الذي كان قد توفي، من خدمات لصالحهم وخاصة مع الكابتين "كاربيه" فوعدها بمساعدته وقبوله في عداد الطلاب الضباط في أول دورة مقبلة، وقد قبله دون أن تتوافر لديه شروط الفحص والانتساب وخاصة الشهادة الثانوية أسوة بجميع أقرانه من الطلاب.
تزوج عبد الكريم من عائلة حمصية مسيحية من بيت حنون وتكلل عليها بالكنيسة، كما عمد ولديه فيها وهذا معروف من الجميع والذي اضطرني لذكر هذه الواقعة الشرر الذي يتطاير من مذكراته والفتنة التي استهدفها ثم عباراته التي دونها في الصفحتين رقم 60 و 61 من مذكراته والتي نشرتها مجلة النهضة الكويتية في العدد رقم 133 لعام 1970، عندما ادعى بدون أدنى حرج وصدق، بأن قيادة الجيش أسندت إليه لأن الضباط الذين قاموا بالانفصال- "شلة الشوام حسب تعبيره"- لم يقبلوا تعيين أحد ضابطين مسيحيين لها بسبب طائفتهما الدينية، رغم أرجحية قدمهما عليه، مما اضطرني مرغماً للرد عليه وتسفيه أقواله السخيفة في العدد رقم 143 تاريخ 23/أيار/1970 من مجلة النهضة الكويتية نفسها والتي كانت تنشر مقتطفات من مذكراته.
وهذا بعض ما نشرته وقتئذ على الصفحات 40 و 41 و 65 من العدد رداً على أقواله: سيادة الأستاذ الكريم صاحب ورئيس تحرير مجلة النهضة الكويتية الغراء المحترم.
قرأت في العدد رقم 133 لعام 1970 من مجلتكم الراقية الحلقة التاسعة من مذكرات اللواء عبد الكريم زهر ا لدين، وبدافع إطفاء الفتنة الطائفية التي تندلع من عبارات هذه الحلقة، عندما تحدث صاحبها مشوهاً لفترة بكل دقائقها، وأنا أشغل منصباً عسكرياً كبيراً، رأيت لزاماً أن أنشر الحقيقة التي أعرفها تفشيلاً لمخططه الضار بوطني.
أحب أن أعترف بكل صراحة بأن الذي لفتني إلى ما أنا بصدده، صديق يقرأ بانتظام أعداد مجلة النهضة، عرفته طبيباً بارعاً واسع الثقافة صادق الوطنية مرهف الحس من الطائفة المسيحية، زرته منذ أيام في عيادته، لمرض أصاب أحد أولادي، فإذا به يبادرني، بلهجة تفيض بالألم والعتب قائلاً:
"أهكذا ترفضون في عهد الانفصال تعيين أحد ضابطين ممتازين لهما الرجحان من حيث القدم والكفاءة في منصب قائد جيش، لمجرد كونهما يدينان بالمسيحية؟ وهل أصبحت الديانة المسيحية في وطننا كافياً لإقصاء أبنائها عن المراكز التي يستحقونها؟
قلت لصديقي في دهشة واستغراب: ومن هذا الذي افترى على الحقيقة التي أعرفها بهذه الفرية؟ أجاب اقرأ ما نشرته مجلة النهضة وناولني إياها. أجبته مهدئاً: لو عرفت زهر الدين على حقيقته لما انفعلت لكلامه هذا الانفعال.
انتهى الطبيب من فحص ابني وسارعت إلى شراء مجلة النهضة برغبة لا تقل عن شراء الدواء لولدي، وقد صعقت لاحقاً من الأقاويل التي سطرها زهر الدين في مجلة النهضة الكويتية في العدد رقم 133 لعام 1970، وقلت في نفسي: هذا أول أغراضه على صفحات المجلات أيضاً إثارة النعرات الطائفية في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى جمع الصفوف.
وشعرت بأن من أقدس واجباتي وأنا المطلع العارف، ضرورة وضع النقاط على الحروف، بما يتعلق بهذه الحلقة من مذكراته إحباطاً لمخططه منها وأغراضه من ورائها، عندما ادعى بأن ضباط حركة الانفصال عرضوا عليه منصب قيادة الجيش بقولهم له:
"لقد أصبح الجيش بلا قائد وليس من تتوافر فيه الشروط لقيادته سواك، لأن درجتك من حيث الرتبة والأقدمية هي الرابعة، بعد الفريق جمال فيصل، إذ إن صاحب الدرجة الأولى هو اللواء باصيل صوايا وهو مسيحي ولا يمكن إسناد القيادة إليه (هكذا) وصاحب الدرجة الثانية هو اللواء فؤاد قربه، وهو ضابط صفوف وإداري وليس من خريجي الكلية الحربية، وضعيف الشخصية والإدارة والإمكانات، ولا يمكن إسناد هذا المركز الحساس إليه (هكذا). أما صاحب الدرجة الثالثة، اللواء فيليب صوايا فهو مسيحي أيضاً ولا يمكن تقليده هذا المنصب (هكذا).
هذا ما ذكره زهر الدين في الصفحة رقم 60 من مذكراته - ثم يتابع بأنهم قالوا:
"فالقيادة إذن مهيأة لك لكونك خريج الكلية الحربية ومؤهلاً وإدارياً بدورات عالية اتبعتها في الداخل والخارج، ونحن واثقون من أن القيادات التي سبق وزاولتها، أي عندما كنت أستاذاً لمدة أربع سنوات تقريباً في الكلية الحربية، وعندما كنت رئيساً لأركان أحد ألوية المشاة وأنت برتبة صغيرة- رئيس- قد أعطت جميعها البرهان تلو البرهان على الإمكانات القوية المتوافرة فيك، هذا بالإضافة لكونك من الضباط المحبوبين من كافة المرؤوسين، بالنظر لسلوكك وحيادك المطلق، فلا نرى والحالة هذه من هو أصلح من زهر الدين لاستلام دفة السفينة بعد تخلي الفريق جمال فيصل عنها: لذلك فالخيار يقع عليكم حتماً". (هكذا)
يقول زهر الدين أيضاً:
"وطلبت من ضباط الحركة مهلة للتفكير وخرجت من القاعة حيث التف حولي بعض الضباط الذين يكرهون الضباط الدمشقيين (هكذا) وألحوا علي ضرورة استلام قيادة الجيش وإلا حسب قولهم فإن الدماء ستسيل، إذ لا يمكن أن يسمحوا لأحد من ضباط الحركة الذين أطلقوا عليهم شلة الضباط الشوام أن يستلم مركز القيادة، وذلك في سبيل المصلحة العامة وليس في سبيل مصلحتي، خاصة وأن القطعات المحاربة تعج بعناصر النجلاوي".
"سألت عن العناصر المؤيدة للحركة فقدموا برقيات تؤيد وقوف 95 بالمئة على الأقل من عناصر الجيش إلى جانب الحركة، كما قدموا لي برقيات تأييد مدني تزيد عن هذه النسبة. سألت عن المراحل القادمة فقالوا لي……. ".
انتهى كلام زهر الدين المدون على الصفحتين 60 و 61 من مذكراته.
عندما تتغلب الأوهام وتتدفق التفاهات يستكثر الصغير عندها من الأمجاد والادعاءات والاختلافات لأنها بالمجان، لذا فإني أسأل هذا الدعي إلى حد الهوس و… هل هذا كلام يقال؟ وإذا قيل… هل ينقل؟ وإذا نقل بدون إدراك… هل يسجل على صفحات كتاب بيد عاقل؟ وهل انحط بعض ضباط الجيش إلى هذا الدرك، بمجرد ظهور زهر الدين على السطح؟ كما أسأل من هو المستفيد من هذا الدس الرخيص، والكلام الأرخص المختلق؟ هذه أمثولة من أعمال وأقوال الذي أجلسوه على كرسي قيادة الجيش في ساعة…… والكل يعرف بأني كنت أول المستنكرين لهذا التعيين حرصاً على جيشي ووطني.
أنا لا أقصد هنا الإطراء غير المتزن والبعيد عن الحقيقة الذي نسبه زهر الدين إلى ضباط الحركة ونسج منه ثوباً لشخصه ليظهر به أمام الناس بصفات انتحلها وهو المحروم منها، وإنما أقصد إسفين الفرقة والهدم ونار الفتنة الشنعاء والنعرة الطائفية البغيضة التي استهدفها في هذا الوقت بالذات، لغايات غير نبيلة عندما ادعى بدون حق بأن ضباط الحركة وضعوه على كرسي قيادة الجيش لأنهم لم يقبلوا لهذا المركز والمنصب بضابط مسيحي.
زهر الدين … و "كامل أمين ثابت"
هل ضحالة التفكير أم الحظ الخارق هو الذي أتى باللواء زهر الدين إلى منصب قائد الجيش في اليوم الأول من الانفصال؟ أم أن هناك أيدي قادرة وعقولاً رهيبة مخططة كانت وراء هذا التعيين مع تجاوز آخرين أقدم وأكفأ وأرجح؟ بعد ما ظهر من محاكمات إلياهو شاؤول كوهين (كامل أمين ثابت) الجاسوس الإسرائيلي الشهير الذي زرع في سورية، بأن له صديقاً اسمه الملازم الأول معزى زهر الدين ابن حسيبة شقيقة اللواء قائد الجيش الجديد. كما تبين من مجريات المحاكمة التي انتهت عام 1965 بأن كوهين كان يسرح ويمرح في سورية منذ الأيام الأخيرة للوحدة وأثناء عهد الانفصال ولفترة بعده إلى أن اكتشفت أمره شعبة مخابرات الجيش بحكم اختصاصها ومسؤولياتها وقبضت عليه وعلى شركائه وأحالتهم إلى القضاء العادل النزيه الذي أصدر بحقهم أحكاماً أصبحت مقضية بعد ثبوت الاتصال بالعدو، وأعدم كوهين شنقاً بساحة المرجة بدمشق كما حكم على الآخرين ومنهم معزى زهر الدين بالسجن الطويل وقد نفذ عقوبته.
من اللافت أن اللواء زهر الدين لم يأت على ذكر هذه القضية، لا تصريحاً ولا تلميحاً، في مذكراته التي أصدرها عام 1968 رغم أهميتها وعلاقتها بأيام العز والبأس وبالملازم أحد ضباطه، ابن شقيقته العزيز، الذي كان كوهين يركن إليه في أحاديثه وطلباته العسكرية ويزور معه الخطوط الأمامية من الجبهة السورية الفلسطينية، بتراخيص وأذونات عسكرية تصدر لهما إكراماً لابن الأخت الذي لا يرد له طلب ولا يغلق في وجهه باب، والذي كان يمضي بكل سهولة الساعات الطويلة في بيت الخال وفي المكتب أيام الأحداث ليطمئن على أحوال الوطن المفدى من صاحبها وموجهها.
لقد ظهر اللواء زهر الدين في مذكراته بأنه كان مدرسة في الوطنية والتضحية والنزاهة والتوجيه، كما نصب نفسه وصياً على شؤون الدولة، . كلها وجميع رجالاتها وموجهاً لهم ومراقباً عليهم لكي يبعدهم عن العيوب ويضبط خطواتهم من الانزلاق، وكان يلقي عليهم الدروس والمواعظ بالاستقامة وحسن أداء الواجب، دون أن يستثني أحداً منهم من رئيس الجمهورية الدكتور ناظم القدسي ورؤساء الوزارات الكزبري والدواليبي والعظم وجميع الوزراء وكبار موظفي الدولة وقادة الجيش وأبسطهم قائد قوى الأمن الداخلي مطيع السمان. كما كان يضع للدولة وحكوماتها خططاً وبرامج بالاقتصاد والمالية والوطنية والوحدة والاشتراكية والتأميم ويعممها على القطعات العسكرية باسمه وتوقيعه.
أليس كان من الأجدر به، وبشعبة مخابراته وجميع رؤسائها الذين تعاقبوا زمن ا لانفصال، القيام بواجباتهم والانصراف إلى مهامهم بدلاً من ادعاءات مختلفة، والانشغال والتلهي بما لا يعنيهم ولا يخصهم وظيفياً، لكي يجنبوا أنفسهم هذا التقصير الفاضح.
مما لا شك فيه أن شعبة مخابرات الجيش من أهم شعب القيادة، وخاصة زمن الانفصال لنوعية قلاقله وأحداثه العسكرية، وكان يجب أن تعطى الأهمية بدلاً من شلها، قصداً أو غباءً، بتعيين رئيس جديد لها كل شهرين من عمر الانفصال، كما كنا نسمع يومياً عن نقل ضباط منها وإليها.
هل كان هذا مصادقة أم تخطيطاً لإلغاء دورها في أداء واجبها الأول وهو مكافحة التجسس والتجسس المضاد؟ وقد أجد العذر لرؤساء شعبة المخابرات في تلك الحقبة بسبب عدم استقرارهم، ولكني لم أجده ولم أعثر عليه لقائد الجيش ورئيس أركانه ولكل من ساهم في هذه الأعمال، وأعني هنا عدم استقرار رئيس لشعبة مخابرات الجيش صاحبة المسؤولية الأولى عن أمن الجيش ومكافحة التجسس عليه.
إني أجزم وأنا المطلع بأن أقوال زهر الدين، التي أوردها في مذكراته، في أسباب تعيينه قائداً للجيش، مختلفة كأكثر رواياته، لينفث السموم بقوله "بأن بعض الذين يكرهون الضباط الدمشقيين قد ا لتفوا حوله لكي لا يسمحوا لأحد من ضباط الحركة من شلة الشوام أن يستلم قيادة ا لجيش وإلا فإن الدماء ستسيل".
هذا كلام لا يصدر عن عاقل أو مخلص، لأنه يثير العداوات بين أبناء الوطن الواحد، ويفرز الجيش إلى شلل، شلة شامية وشلة حموية وأخرى حلبية ورابعة حمصية و… و… وإلى شلل قروية و… مسيحية وإسلامية ودرزية إلى ما لا نهاية.
فماذا يبقى عندئذ من وحدة لهذا الجيش؟ كلام لا يصدر عن مخلص، إنه يدعو إلى الأسف لأني لم أسمعه ولم أقرأه في حياتي عن جيش من الجيوش أو أمة من الأمم. تباً لمفرق صف الأمة، وجيشها على هذا الشكل، هذه هي عقلية وأخلاق ووطنية قائد جيش الانفصال. .
هل سكان دمشق الشام، هم سكانها منذ الأزل، وقطنوا بها منذ بدء الخليقة دون قادمين أو طارئين؟ وهل دمشق الشام ملك لفئة من العرب السوريين دون سواهم؟ دمشق الشام للجميع، كما أن كل ذرة من ذرات هذا الوطن هي للجميع، ولا يستطيع أحد احتكارها أو حجبها عن الآخرين من أبناء الوطن الواحد. إلا أن شعور الضعة ومركب النقص حمله على هذا الشعور وعلى هذه التقولات حقداً وصغاراً. إن لم يكن خلفها أهداف أخرى.
غفر الله لزهر الدين و أمثاله على أعماله وأقواله، لقد فتح أبواباً لا يفتحها عاقل وكان يجب أن لا تفتح وتبقى مغلقة مع الماضي السحيق، وأنا أسأل زهر الدين أين يسكن هو اليوم وزوجه وأولاده وأحفاده؟ لو كان أعمق تفكيراً لاستنصح أحد العقلاء قبل تسطير ادعائه بحجب قيادة الجيش عن المسيحيين لإسنادها إليه، وقبل فرز أبناء الجيش والوطن إلى شلل، لكان قد جنب نفسه الذم والملامة. ودليل عقل المرء في أقواله ودليل أصله أفعاله.
مرة دخلت على زهر الدين في مكتبه عندما استشرت الطائفية والإقليمية في زمانه الميمون، وكان هو وبعضهم من ورائها وقلت له:
"ألا يوجد مخلصون وأصحاب كفاءات من غير الشوام"؟ قال لي: "طبعاً" فأجبته: "إذن وسعوا مجلس قيادتكم الثوري الشوري الذي تدعون، بآخرين من مختلف المحافظات والفئات والطوائف وأعلنوا ذلك بدلاً من الإبقاء على ما أنتم عليه، فسجل ملاحظتي على مفكرة كانت أمامه على الطاولة، ولم يفعل شيئاً فيما بعد، لعدم قدرة أم لعدم رغبة؟ والعلم عند علام الغيوب.
لقد وقفت في وجه من أثار النعرات البغيضة، سواء كانت إقليمية أو طائفية، وحملت تبعة ذلك أبعاداً وابتعاداً، كما مددت يدي، بحدود قدرتي، إلى الجميع دون تفريق وأنا مرتاح الضمير، حباً بوطني وبالكل، لا معاداة لفرد ولا محاباة لطائفة، لأن الله هو الخالق لهذا التنويع وليس لنا فيه مساهمة.
من أسس الإصلاح الوطني معالجة الطائفية والإقليمية والقضاء على مساوئهما ورافعي لوائهما في السر والعلن، ليكون الوطن واحداً لا أوطاناً متعددة، والشعب شعباً واحداً لا شعوباً.
والحقيقة التي لا مراء فيها أن الخير والشر موجودان في كل مكان وزمان، وفي كل فئة وتخصيص إحداها بأحدهما خطأ فادح وعداوة معلنة أو ادعاء لا يؤيده واقع.
إن اللواء عبد الكريم زهر الدين لم يعين، ممن هم دونه رتبة عسكرية في منصب قيادة الجيش للكفاءات والمميزات التي أسهب في تعدادها على النحو الذي أراد كما أن قيادة الجيش لم تحجب عن ضابط بسبب ديانته المسيحية، وأقولها بحق لو أن صفات زهر الدين الحقيقية توفرت بأحد الضباط الثلاثة الذين أتى على ذكرهم، وهم اللواء باصيل صوايا واللواء فؤاد قربه واللواء فيليب صوايا، لكان أحدهم قائداً للجيش، في تلك الحقبة دون ريب، بصرف النظر عن طائفته الدينية، كما أني على يقين بأنه لن يكون… كما كان زهر الدين من 28 أيلول 61 لغاية 8 آذار 1963.
إن كلام زهر الدين عن استبعاد آخرين عن منصب قيادة الجيش بسبب ديانتهم ومعتقداتهم السماوية غير صحيح والعاقل من يميز الخير عن الشر بكلامه.
رغبة زهر الدين بزيارة حمص:
اتصل بي هاتفياً اللواء عبد الكريم زهر الدين بعد أيام من استلامه قيادة الجيش مبديا رغبته بزيارة المنطقة الوسطى، مع بعض الضباط، واستقبالهم شعبياً، طالباً التهيئة والتحضير، فأجبته بلباقة عدم إمكانية ذلك في حمص، مدينة زوجته، دون الإفصاح عن الأسباب، وإمكانية ذلك في مدينة حماة.
استقبلته في ثكنة خالد بن الوليد في حمص، مع جمهرة من ضباط المنطقة الوسطى ومفارز رمزية من قطعاتها واللواء المدرع الخامس بكامله، وألقيت من شرفة الثكنة كلمة ترحيبية به وبصحبه تعريفاً به، منوهاً بسعادتي واعتزازي بجميع عسكريي المنطقة ضباطاً وضباط صف وأفراداً لسلامة انضباطهم ووعيهم وخاصة في الأحداث التي مررنا بها من أيام قريبة وفخرنا بأن منطقتنا هي المنطقة الوحيدة في كل سورية والتي لم يقع فيها جريح واحد أو حادث ذو بال يوم 28/أيلول/ 61 والأيام اللاحقة.
كما ألقى سيادة اللواء كلمة مناسبة في هذا الجمع منوهاً بكفاءاتي وقدرتي بالسيطرة على وحداتي في الأوقات الدقيقة والحرجة، مادحاً إياي بما يخجلني تكراره بقلمي.
حديث من أجل الانتخابات:
ظهر يوم خميس من تشرين الثاني 1961 كنت في طريقي من حمص إلى دمشق، وعلى مسافة تقدر بثلاثين كيلومتراً منها، رأيت سيارة قادمة باتجاهنا تعطي لنا إشارة التمهل والوقوف، طلبت إلى سائق سيارتي الامتثال لها.
ترجل منها العميدان موفق عصاصة وزهير عقل، بعد أداء تحياتهما قال لي موفق، بأنهما عرفا سيارتي من العلم الذي كان يرفرف في مقدمتها (كانت السيارات العسكرية الرسمية لقادة المناطق والأسلحة ولمن هم برتبة لواء فما فوق تحمل علماً خاصاً في مقدمتها داخل مناطقهم). ثم أردف قائلاً "بأنهما قدما إلي وإلى قائد المنطقة الشمالية، بتكليف من اللواء زهر الدين، من أجل الاتفاق على الانتخابات التي تقرر إجراؤها، وما دمت ذاهباً إلى دمشق فقد أغنيتنا عن الحديث، اتصل من أجلها مع قائد الجيش"، والطقس بارد لا يسمح بالإطالة، وأننا سنتكلم مع العقيد تيسير طباع، أجبتهما: بأن وكيلي عند غيابي هو العميد وهيب الرفاعي وليس العقيد طباع، وطلبت إليهما عدم بحث أي أمر يتعلق بقيادتي مع غير وكيلي.
افترقنا بعد هذا الحديث العاجل، ولدى وصولي إلى قرية حسية، ا لتي تبعد حوالي أربعين كيلومتراً عن حمص، اتصلت هاتفياً من مكتب مدير شرطتها بالرفاعي وطلبت إليه الاجتماع بهما وسماع ما جاءا من أجله مفصلاً.
قابلت اللواء زهر الدين مساءً مستوضحاً، فقال لي لقد قرر الإخوان إجراء انتخابات نيابية، فباركت الفكرة، ثم قال: كما تم الاتفاق على إخراج نواب جيدين، وذلك بتسهيل نجاح النظيفين والحيلولة دون نجاح القذرين، فقلت وكيف السبيل؟ قال: "سيتقدم كل قائد منطقة بأسماء ثلاثة أضعاف عدد نواب منطقته، وسنتفق معه على الذين سنعمل على إنجاحهم، وذلك بتزويد كل محافظة بعدد مضاعف من صناديق الانتخابات، نصفها ليضع الناخبون أوراقهم فيها، والنصف الثاني فيها أسماء الذين نرى إنجاحهم، والأمر متروك لكم في طريقة تبديل الصناديق وسنلبي كل طلباتكم لنجاح هذه الخطة".
غرقت في بحر من التفكير ولم أعط جواباً، لأني بالفعل كنت مفاجأ بهذا الحديث الذي لم أكن أتوقعه، وفي البلاد حكومة مدنية برئاسة مأمون الكزبري، الذي سبق أن أعلن ووعد بإجراء انتخابات نيابية حرة ونزيهة.
زارني يوم الجمعة صديقان، هما هيثم الكيلاني وسالم أتاسي، وبعد تردد فتحت موضوع الانتخابات وما جرى من حديث مع اللواء من أجلها، اتفقنا بأن الابتعاد عن هذا العمل أفضل، وعندنا في الجيش سابق تجربة في عهود مختلفة انعكست على أربابها بالقبض أو بالألم الدائم وبتبكيت الضمير لأنهم كانوا مطية في التزوير وفي إيصال أشخاص إلى المجلس النيابي دون مستوى تمثيل الشعب، وقد استعرضنا بعض أسمائهم وما أصاب البلاد بسببهم.
تعززت قناعتي وقوي تصميمي على الابتعاد عن هذا المسار الذي لا يتمشى مع سلوكي ومفهومي وقناعتي.
صباح اليوم الثاني قابلت اللواء نامق كمال رئيس الأركان العامة، وهو أستاذي في الكلية العسكرية ورجوته استدعاء العميد فيصل سري الحسيني وهذا أقدم مني عسكرياً بسنة واحدة، ورجوتهما أن يكونا معي في مقابلة اللواء زهر الدين من أجل موضوع خطير وهام.
دخلنا على قائد الجيش، وخاطبتهم بقول: "أنتم الثلاثة أقدم مني عسكرياً وقد حدثني أول من أمس اللواء عبد الكريم بشأن الانتخابات النيابية، وعزمكم عن إخراج نواب جيدين، وذلك بإبدال صناديق الاقتراع بصناديق مملوءة بمعرفتكم. وبعد تفكير طويل قررت عدم المساهمة بهذا العمل لما فيه من سيئات ستنعكس علينا جميعاً بما لا تحمد عقباه.
حاول زهر الدين إقناعي دون نتيجة ثم قال لي: "نحن لسنا قادرين على الحكم". أجبته أني أعرف ذلك، لذا أرى تركها حرة، أو لكي لا نرتكب أخطاءً فادحة يصعب تداركها فإني أقترح عودة المجلس النيابي الذي حل عند قيام الوحدة، وعودة الرئيس شكري القوتلي إلى الرئاسة الأولى في البلاد، وقد أرسل إليكم برقية من سويسرا بتأييدكم، حسب الإذاعة السورية، ورجال السياسة أدرى منا بالمعالجة، ولكم في ذلك تجربة سابقة وأسوة حسنة، يوم أخرج أو خرج الشيشكلي من البلاد وقرر قادتها عودة الرئيس هاشم الأتاسي إلى الرئاسة الأولى تمام مدة رئاسته، والحؤول دون تنصيب الدكتور مأمون الكزبري نفسه رئيساً للجمهورية، وفق منطوق دستور الشيشكلي، وإلغاء مجلسه النيابي وعودة المجلس الذي سبقه.
تراءى لي بأني تمكنت من إقناعهم، طلب إلي زهر الدين الانتظار لدقائق في مكتب اللواء ألبير عرنوق المقابل لمكتبه.
بعد أقل من نصف ساعة كانت أطول من ساعات بالنسبة لي، هتف إلي زهر الدين ودخلت عليه وحوله اللواء نامق والضباط الحسيني وعصاصة وعقيل ودهمان وحج إبراهيم والنحلاوي والكزبري حيدر، وكرسي شاغر لجلوسي.
طلب إلي زهر الدين إعادة أقوالي بصدد الانتخابات على مسامع الحاضرين فأعدتها كلها بإسهاب ووضوح بأني أرى ترك الانتخابات حرة أفضل بكثير من تزويرها لأننا لسنا ملائكة ولأن عيوب التزوير أكثر بلاء علينا وعلى البلاد من حرية الانتخاب، أو أرى عودة رجال الحكم السابق للوحدة بمجلسهم النيابي ورئاسة القوتلي لاستئناف مسؤولياتهم بعد فشل هذه الوحدة.
وهنا خبط حيدر الكزبري بيده على الطاولة كأن ثعباناً قد لدغه، صائحاً برعونة وبأعلى صوته: "هذا جبن نحنا حطينا دمنا على أكفنا من أجل عودة القوتلي؟ ثم وقف محاولاً إشهار مسدسه، ولكوني أعزل أخذت صحن السيكارة الذي كان أمامي ورميته به وقلت له عبارة ليس من الأدب تكرارها احتراماً للقارئ، وأتبعتها بعبارة هذا جبن منك…. من الذي وضعكم أوصياء على هذه الأمة؟
هاج الجميع وماجوا فتدخل زهر الدين بقوله لي: "متى ستسافر"؟ قلت: الآن، اعتقاداً مني بسفري إلى مقر قيادتي في حمص. فقال لي: "لقد تقرر إيفادك بمهمة إلى براغ لمتابعة اتفاقيات وعقود التسليح مع الحكومة التشيكية" - (وكان هذا متفقاً عليه من قبل دخولي عليهم عند إصراري على موقفي)-.
كما كان سبب رد فعل حيدر الكزبري على كلامي السابق، وعلى النحو الذي أسلفت، أنه كان وبعض من يسير في ركابه يخططون وسائرين لإيصال الدكتور مأمون الكزبري إلى الرئاسة الأولى في البلاد.
غادرت هذا الاجتماع وعدت في اليوم التالي لمتابعة أمور سفري وقد استجاب اللواء زهر الدين لكل طلباتي ما عدا عودتي إلى حمص لإحضار بعض ملابسي ولوازم سفري، وأعلمني باستلام العميد شرف وظيفي بالوكالة ونقل بعض ضباطها وتعيين آخرين بدلاً عنهم.
بعد خروجي من مكتب قائد الجيش قابلت مصادفة في ممشى المكاتب المقدم حيدر الكزبري، فهرع إلى تحيتي وتقبيلي مع قوله: "لقد تخليت عنا بأحرج الساعات فأجبته "أنتم سائرون بطريق خاطئ وغداً ستندم يا حيدر".
ولم يمض سوى أيام قلائل على هذه الحادثة حتى كان حيدر ضيفاً على سجن المزة.
مذكرات زهر الدين:
كنت أنتظر من اللواء عبد الكريم زهر الدين عندما دون مذكراته وتعرض فيها للانتخابات النيابية وغيرها، أن يدون بصدق ما له وما لغيره. وما عليه وما على سواه بأمانة موضوعية بدلاً من تشويه الحقائق التي ما زال شهودها أحياء يرزقون.
لقد أخطأ كثيراً عندما رفع من شأنه كتابة وتجاوزاً لشعوره بالنقص، وقلل من شأن الآخرين حقداً وحسداً.
عرفت زهر الدين عندما كنت مديراً لمصلحة العقود في قيادة الجيش، المكلفة بالتعاقد لتوفير كافة لوازم أسلحته الثلاثة في البرية والبحرية والجوية، وكان هو رئيساً لمحاسبة الكلية العسكرية، ومدرساً لهذه المادة لطلابها، وقد نقل إلى مديرية مصلحة التجهيز كمدير لها، ولم أسمع باسمه أو يحصل لي شرف التعرف عليه من قبل، ثم عينت مديراً عاماً لمؤسسة معامل الدفاع وبقي هو في مكانه وكان بيننا بعض الاتصال بحكم العمل الوظيفي، وكذلك حسن الاستقبال والوداع ولطف الحديث، وكان بسيطاً طيب القلب خفيف الظل والحقيقة أني كنت آنس لحديثه.
كان يحب الإطراء لشعوره بالظلم لأنه ذو مرتبة عالية ويشغل وظائف دونها على الدوام، وكان يعزو ذلك إلى طائفته وعدم إنصافه من أصحاب الشأن، وكنت أسمع له وأبدد من أوهامه وأقوال له لا بد أن هناك أسباباً أخرى لأن بعضاً من جماعته يشغلون مناصب محترمة وقاموا بأدوار هامة كشوكت شقير وحمد الأطرش وأمين أبو عساف وجادوعز الدين وسلمان الشعراني وغيرهم كثيرون.
وكان يرتاح لحديثي ويطلب إلي ذكره بالخير عند رفاقي أصحاب الشأن كعبد الحميد السراج وأحمد عبد الكريم وأكرم ديري وأحمد حنيدي ومصطفى حمدون وعبد الغني قنوت وغيرهم، إلى أن هبطت عليه السعادة من السماء في أواخر أيام الوحدة، وكانت طليعتها تعيينه مديراً لهيئة الإمداد والتموين، ثم كانت اسمياً وبدون قمة فعلية عندما عينه صغار الضباط قائداً لجيش الانفصال. لذلك لم أستغرب ما رأيت وقرأت في مذكراته من أنه قائد عظيم كيوسف العظمة ص 181 وبأنه رئيس الدولة السورية ورئيس وزرائها المرتجى ص 192 باقتراح من ابن جلدته فريد زين الدين واعتذر عنهما لأنه متواضع لا يريدهما، وثالثة بأنه حامي العروش ص 396 ورابعة بأنه منقذ الرقاب من الإعدام، وخامسة بأنه يستدعي زعماء البلاد ورجال السياسة فيهرعون إليه منصاعين لاستدعاءاته لأنهم يخشون سلاحه وجنده وسادسة… وسابعة… الخ ذلك من ترهات كثيرة، ينطبق عليه قول الشاعر:
يهدد بالسلاح ويدعيه وما ملك الجنود ولا السلاحا.
استكان إلى الذين عينوه من الضباط، وهم ليسوا على مستوى سياسي وقيادة أمة، كالأكثرية الساحقة من العسكر، ما عدا الذين خصهم بالخوارق وجميع أولئك ليسوا منهم، كما أنهم لم يتركوا العمل لأربابه من أهل الخبرة والحنكة والتجربة، الذين تمرسوا بالرئاسات والوزارات والقيادات. وكانوا بتدخلاتهم يضعون العصي بعجلات الحكم.
لذا كانت البلوى والتصرفات الخرقاء على صعيد الوطن كله، تتساقط يومياً على الجميع حتى أضحى الانفصال ينفرد بهذه الأهوال من بين غيره من العهود.
الجيش دوماً بقائده، فإن صلح القائد، صلحت القيادة والجيش، وإن فسد، فسد الجيش وأركانه وضباطه والدولة كلها. وهذا الذي حصل في عهد الانفصال.
إن شرف الرجال منوط بحسن الأعمال، وقيمة العاقل بأفكاره، وأفكار الجاهل سبب بلائه وانهياره، فهل من مستغرب لانهيار الانفصال وبلاياه؟)
(انتهت هذه المقتطفات من كتاب العميد مطيع السمان والتي أرخت لأحداث مر عليها زهاء 40 عاماً).
تشكيل وزارة الدكتور مأمون الكزبري:
أذاع راديو دمشق في 29/9/1961 البلاغ رقم -17- وهذا نصه:
"تعلن القيادة الثورية العليا للقوات المسلحة أنها وفاء منها بالعهد الذي قطعته على نفسها للشعب بأن توكل أمور السياسة والإدارة إلى أبناء الشعب المختصين، قامت بتكليف الدكتور مأمون الكزبري بتشكيل وزارة يسند إليها أمر إدارة شؤون البلاد وتوطئة لإعادة الأوضاع الدستورية فيها. وقد قبل الدكتور الكزبري هذا التكليف وباشر فوراً باتصاله وسيعلن أسماء الوزراء بعد قليل".
ثم صدر البلاغان رقم 18 و 19 بتخويله سلطة تسمية الوزراء وسلطة إصدار المراسيم الاشتراعية فأصدر المرسوم رقم -1- التالي:
إن رئيس مجلس الوزراء استناداً إلى البلاغات ذات الأرقام 17 و 18و 19 الصادرة عن مجلس قيادة الثورة العربية العليا للقوات المسلحة برسم ما يلي:-
مادة أولى: تشكل الوزارة الانتقالية على الوجه التالي:
الدكتور مأمون الكزبري رئيساً للوزراء ووزارة الخارجية ووزارة الدفاع - الدكتور ليون زمريا للمالية ووزيراً للتموين- الدكتور فرحان الجندلي وزيراً للصحة والإسعاف العام- الدكتور عدنان القوتلي وزيراً لداخلية - الدكتور عزت النص وزيراً للتربية والتعليم والإرشاد القومي - الدكتور عوض بركات وزيراً للاقتصاد ووزيراً للصناعة - الدكتور نعمان الأزهري وزيراً للتخطيط ووزيراً لشؤون البلدية والقروية - المهندس أمين ناصيف وزيراً للزراعة ووزيراً للإصلاح الزراعي - المهندس عبد الرحمن حورية وزيراً للأشغال العامة ووزيراً للمواصلات - المحامي الأستاذ أحمد سلطان وزيراً للعدل ووزيراً للأوقاف - الأستاذ فؤاد عادل وزيراً للشؤون الاجتماعية والعمل.
مادة ثانية: ينشر هذا المرسوم ويعمل به فور صدوره.
رئيس مجلس الوزراء: الدكتور مأمون الكزبري
حصل النظام الجديد على اعتراف القوتين العظيمتين وتوالت الاعترافات بحيث لم يمض أقل من شهر حتى وصل عدد الدول التي أبلغت سورية اعترافها، ستين دولة وفي 13 تشرين الأول 1961 تم قبول عضويتها في هيئة الأمم المتحدة، كما قبلت عضويتها في الجامعة العربية في 18 تشرين الثاني 1961.
لقد جاءت البلاغات العسكرية الأخيرة للانقلابيين تحمل في طياتها علائم استقرار الوضع، وكان آخر هذه البلاغات البلاغ العسكري رقم 25 الذي أعلن فيه عن عودة القوات وجميع الضباط المشاركين بالحركة الانقلابية إلى ثكناتهم، وتم رفع حظر التجول وفتح المطارات والحدود والسماح للصحفيين وغيرهم بدخول الأراضي السورية، وأكدت الوزارة الجديدة في الوقت نفسه، أنها انتقالية ووعدت بعودة الحياة إلى البلاد وإجراء انتخابات خلال أربعة أشهر، تحاول خلالها أن تعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل الوحدة.
مجلس الأمن القومي
على الرغم من انسحاب الجيش السوري إلى ثكناته وإعلانه عن ترك الأمور إلى السياسيين في إدارة دفة الحكم، ووضع الصلاحيات الدستورية والسياسية بيد الحكومة المدنية إلا أن قادة الجيش الذين وجدوا أنفسهم خارج نطاق السلطة والحكم، ابتكروا وسيلة جديدة من أجل التدخل في القرار السياسي وإضفاء صفة الشرعية على هذا التدخل عن طريق استحداث مؤسسة جديدة سميت (مجلس الأمن القومي) الذي حددت مهمته بصياغة الخطوط العريضة لسياسة الدولة.
وكان هذا المجلس يتكون من ممثلي القيادة العسكرية ورئيس الوزراء وخمسة من الوزراء. وتنحصر مهمته في مراقبة نشاط ا لحكومة، كما أعطي الحق لرئيس المجلس باستدعاء الشخصيات السياسية المشاركة في السلطة، عندما يرى حضورها ضرورياً حسب موضوعات الجلسات. وحددت مهمة هذا المجلس بدراسة كلّ الأمور التي تؤثر على سلامة أمن الدولة في الداخل أو الخارج.
إن نسبة العسكريين الموجودة في تشكيلة مجلس الأمن القومي وطبيعة مهمّاته، تؤكد على سيطرة العسكريين على عملية صنع القرار السياسي في سورية، برغم ادعائهم في البلاغ العسكري رقم 52 عودتهم إلى معسكراتهم وثكناتهم، وترك الأمور للسياسيين لإدارة الحكم.
الانتخابات النيابية
قرر مجلس الأمن القومي تشكيل مجلس نيابي جديد، وانتخاب رئيس له، ثم انتخاب رئيس للجمهورية، لتعود سورية كما كانت قبل الوحدة دولة ديمقراطية نيابية، (وفق وجهة نظر قيادة الانفصال) تضمن الميثاق الذي وافق عليه عدد من النواب السابقين والسياسيين السوريين الدعوة إلى إقامة حكم ديمقراطي، والتحضير للانتخابات الجديدة. ولأجل التمهيد لهذه الانتخابات شكلت لجنة مؤلفة من عدد من الضباط، وحددت مهمّات هذه اللجنة بإجراء الدراسات ومعرفة وجهات النظر في الانتخابات المزمع إجراؤها، وعرض نتائجها على مجلس الأمن القومي، وقد عملت هذه اللجنة بدأب على إجراء اتصالات متعددة مع ممثلي الكتل والأحزاب السياسية، للوقوف على آرائهم وتقريب وجهات نظرهم ومحاولة تجاوز الخلافات السياسية والحزبية من أجل ضمان الاستقرار وحرصاً على المصلحة الوطنية، وقد توجت هذه التحركات باجتماع عام في نادي الضباط لحامية دمشق، حضره ممثلون لمختلف القوى والأحزاب السياسية السورية، وممثلون عن المنظمات الجماهيرية، كاتحاد الطلبة، ونقابات العمال، وذلك لدراسة الموقف العام في سورية، ودراسة قانون الانتخابات الجديد وتحديد موعد للاقتراع.
صدرت التعليمات بشأن الانتخابات حيث أعلنت حكومة مأمون الكزبري موعد الانتخابات التشريعية في اليوم الأول من كانون الأول 1961، كما حدد اليوم نفسه موعداً للاستفتاء على الدستور المؤقت الجديد.
قدم رئيس الوزراء مأمون الكزبري استقالته من أجل الترشيح للانتخابات، وعلى أثرها اجتمع مجلس الأمن القومي وأصدر مرسوماً تشريعياً بإحداث منصب رئيس مجلس الوزراء، ونص المرسوم على قيامه بمهمّات الرئيس عند غيابه، وسمي الدكتور عزت النص لهذا المنصب الجديد، وكلف بتشكيل الوزارة التي ستتولى عملية الانتخابات ونقل السلطة.
جرت الانتخابات في موعدها المحدد في الأول من كانون الأول عام 1961، وأظهرت نتائج الاستفتاء على الدستور موافقة 97.6 % من المصوتين عليه، أما نتائج الانتخابات النيابية فقد أظهرت الفوز الساحق لرئيس الوزراء السابق مأمون الكزبري، إذ حصل على التسلسل الثاني بعد خالد العظم من ناحية عدد الأصوات، كما أسفرت عن فوز 58 نائباً من النواب القدامى الذين سبق لهم الفوز في المجالس النيابية قبل عام الوحدة 1958. وشكل المستقلون أغلبية بحصولهم على 62 مقعداً، وحصل حزب الشعب على 33 مقعداً، في حين حصل حزب البعث على 15 مقعداً، وحصل الإخوان المسلمون على عشرة مقاعد، أما مقاعد العشائر السبعة فقد توزعت بين عشائر البادية السورية، اثنان منها لشمر واثنان للجبور والثلاثة الباقية توزعت على بقية العشائر الأخرى، في الوقت الذي لم تفز أي امرأة سورية
الجيش والانتخابات
إن موقف الجيش من الانتخابات التي جرت في الأول من كانون الأول 1961، وهو القوة الأولى التي تحرك الوضع السياسي عن طريق ما سمي بمجلس الأمن القومي، كان موقف الحياد التام خلال عملية الانتخابات وكما أكدت قيادة الجيش ذلك في بيانها الصادر بهذا الخصوص، إلا أن البيان اختتم بالعبارة الآتية "إن القيادة مهما ادعت من عدم الانحياز، إلا أنها لن تتساهل أمام الأشخاص غير المرغوب فيهم من قبلها".
إن ذلك اعتراف واضح وصريح بالتدخل وبالفعل حدث ذلك عندما أوقف سامي كبارة من الوزراء السابقين وآخرون، ولم يطلق سراحهم إلا بعد سحبهم لترشيحهم، كما كانت هناك إشارات أخرى على تدخل الجيش، منها موقف مجموعة من ضباط المدفعية والمدرعات في ضواحي دمشق التي وقفت إلى جانب بعض المرشحين، ومجموعة أخرى وقفت إلى جانب البعض الآخر. وكان اعتراف قائد الجيش عبد الكريم زهر الدين بالقول "كنت أعتقد بأن تلك الانتخابات كانت مثالية من حيث النزاهة، غير أنني بعد مضي وقت على قيام المجلس النيابي علمت بأن تدخلاً سرياً من الجيش ومن خارجه قد لعب دوراً مهماً بالموضوع. وأنني لم أتمكن من كشف التدخل".
من هذا يتبين أن هناك تدخلاً قد حدث من قبل العسكريين في الانتخابات، وإن كان محدوداً، وهو أمر غير مستبعد في نظام يمتلك فيه العسكريون مفاتيح السلطة.
بعد الانتخابات وقبل أن يعقد المجلس النيابي اجتماعه الأول في 12 كانون الأول 1961، كانت هناك مشاورات وتحركات تجري على مختلف الأصعدة بشأن اختيار الشخصيات التي تتولى المناصب الرئاسية الثلاثة، رئاسة المجلس والجمهورية والوزارة الجديدة، فبالنسبة للجيش كان مجلس الأمن القومي يواصل اجتماعاته لاستعرض آراء العسكر على اختيار السيد سعيد الغزي لرئاسة المجلس، والسيد رشدي الكيخيا لرئاسة الجمهورية وفي حالة اعتذاره يحل محله الدكتور ناظم القدسي، في حين لم تحدد شخصية معينة لرئاسة الوزارة، وفي الوقت الذي رفض العسكريون أن يتولى الوزارة كل من السادة صبري العسلي ومعروف الدواليبي ومأمون الكزبري وخالد العظم، وكان ذلك بسبب تأثير التقارير التي كانت شعبة المخابرات ترفعها إلى مجلس الأمن القومي، وتوجه فيها مختلف الاتهامات إلى هؤلاء.
جرت عملية الاقتراع في المجلس النيابي لانتخاب رئيس المجلس الذي رشح له كل من السادة سعيد الغزي ومأمون الكزبري، وجلال السيد، وعند فرز الأصوات، أعلن عن فوز الدكتور مأمون الكزبري بـ 117 صوتاً ليحتل منصب رئاسة المجلس، في حين حصل السيد سعيد الغزي مرشح الجيش على 18 صوتاً فقط، أما جلال السيد فقد حصل على 47 صوتاً.
لقد كانت النتيجة على غير ما كان الجيش يرغب فيه، فانسحب الضباط من الجلسة، دون تقديم التهاني إلى الرئيس المنتخب، وحملوا ناظم القدسي مسؤولية هذا الفوز، وعدوا ذلك طعنة وجهها القدسي لهم، فدافع عن نفسه وقال: إنه عمل المستحيل ليفوز مرشح الجيش، إلا أنه لم يستطع إقناع النواب بذلك.
تلك النتائج كانت سبباً لتذمر الجيش، لعدم سير الانتخابات على وفق ما يرغب ويريد، وفي الوقت نفسه فتحت باباً أمام المزيد من الصراع بين القوى السياسية العاملة على الساحة السورية.
وبعد عودة الحياة البرلمانية وانتخاب رئيس المجلس النيابي، عقدت جلسة ثانية يوم 14 من كانون الأول 1961 لانتخاب رئيس الجمهورية، ففاز الدكتور ناظم القدسي المرشح الوحيد بعد تنازل السيد خالد العظم له عن أصواته. وكانت مهمة الرئيس المنتخب الأولى تشكيل وزارة دستورية، بعد استقالة وزارة السيد عزت النص الانتقالية.
عهد إلى الدكتور معروف الدواليبي بتأليف الوزارة في 20 كانون الأول 1961 فشكلها وأعلنت برنامجها في 8 كانون الثاني 1962، والذي اشتمل على عدة وعود منها، السعي لإطلاق الحريات الديمقراطية، وإلغاء القوانين التي تحد من الحريات العامة، وبالذات حرية الصحافة والنشر، كما وعدت بتحسين الحالة الاقتصادية والنظر في قوانين التأميم، باستثناء قانون الإصلاح الزراعي، إذ أكدت الحفاظ عليه وتدعيم مكتسبات العمال والفلاحين مع احترام الملكية الخاصة والمبادرات الذاتية، أما على صعيد السياسة الخارجية فقد وعدت بالتمسك بسياسة الحياد الإيجابي، والعمل من أجل تحقيق الوحدة العربية. وفي المجال الاقتصادي شكلت الحكومة لجنة اقتصادية خاصة لدراسة مجمل الأوضاع الاقتصادية والمالية ووضع الخطط الكفيلة بتطوير هذا الجانب. ومن الجدير بالذكر أن لقاء قد حدث في مدينة الرطبة العراقية الحدودية بين الدكتور ناظم القدسي رئيس الجمهورية والسيد عبد الكريم قاسم رئيس وزراء العراق في 15 آذار 1962.
الفصل الثالث
المبحث الثالث
الانقلاب الانفصالي الثاني 28 آذار 1962
يميل بعض الكتاب والمؤرخين إلى اعتبار وحدة 1958 انقلابا وهي بالفعل انقلاب سياسي اقتصادي اجتماعي ولكنها ليمت انقلابأ عسكريأ لذلك أخذت بوجهة النظر التي تعتبر الانقلاب الانفصالي الأول في 28 أيلول 1961 هو الانقلاب العسكري السادس في تاريخ سورية المعاصر واعتبار الانقلاب الانفصالي الثاني في 28 آذار 1962هو الانقلاب العسكري السابع.
الانقلاب: استيقظت دمشق صباح يوم 28 آذار 1962 على انتشار وحدات الجيش في شوارعها والدبابات في الساحات العامة وحول وزارة الدفاع ومبنى الإذاعة والتلفزيون وقد أغلقت الحدود ومنع التجول.
وحمل البلاغ العسكري الأول الصادر عن قادة الانقلاب رقم 26 معتبرين هذا الانقلاب امتدادأ وتعميمأ لانقلاب 28 أيلول والذي توقفت بلاغاته عند الرقم 25 وعلم أن قائد الانقلاب الجديد هو نفسه قائد الانقلاب السابق المقدم عبد الكريم النحلاوي.
وأوضح البيان الصادر عن القيادة أن الأسباب التي دعت لهذه الحركة تعود إلى ما أقدمت عليه الحكومة والمجلس النيابي من سوء استخدام للسلطة والتآمر على البلاد الأمر الذي اضطرها إلى إقصاء المسؤولين عن الحكم وإبعاد العناصر المتآمرة وإحالتها إلى القضاء، وستسلم زمام الأمور إلى حكومة مؤقتة تؤلف من العناصر المخلصة تحقيقأ لرغبات الشعب وحفاظأ على مكاسبه وأمنه واستقراره.
وقد توالت البلاغات العسكرية في الصدور فأشار البلاغ رقم 27 إلى غلق الحدود والموانئ والمطارات، وأعلن البلاغ 28 حل المجلس النيابي وقبل البلاغ 29 استقالة رئيس الجمهورية أما البلاغ 30 فقد قبل استقالة رئيس وأعضاء مجلس الوزراء من مناصبهم.
وبموجب البلاغ رقم 31 تولت القيادة العسكرية السلطتين التشريعية والتنفيذية وخول الأمناء العامين بتسيير أمور وزاراتهم وقادة المناطق العسكرية بالسلطات العسكرية والمدنية في مناطقهم على أن يخضع لسلطتهم كافة الموظفين.
الانقلاب المضاد في حمص وحلب
بعد مرور يومين على انقلاب 28 آذار أعلنت بعض الوحدات العسكرية المتمركزة في حمص وحلب ودير الزور عصيانأ مسلحأ ودعت لانقلاب عسكري مضاد. وشرعت إذاعة حلب في إذاعة بيانات باسم حركة الضباط الأحرار أدانوا من خلالها الحركة الانفصالية ودعوا إلى اعادة توحيد شطري الجمهورية العربية المتحدة على أسس ثابتة وراسخة، وطلبوا من القاهرة سرعة إرسال المساعدات والإمدادات.
وتنامي خطر اندلاع حرب أهلية، أما القاهرة فقد دعت إلى إبعاد سورية عن مخاطر الاقتتال وعرضت وساطتها بين المتخاصمين.
وفي محاولة لتفادي الأخطار المحدقة بالجيش والبلاد تداعى عدد من الضباط الكبار المستقلين (وعلى رأسهم رئيس الأركان العامة اللواء الركن نامق كمال وهو ضابط كفؤ مستقل عن أي تنظيم سياسي كان أستاذا للعديد من الدورات التي تخرجت في الكلية الحربية بعد الجلاء وعضوا في اللجنة التي رأسها العقيد عدنان المالكي لإعادة تنظيم الجيش وتعريب مصطلحاته بعد الجلاء، ويتمتع باحترام الجيش وتقديره) إلى عقد مؤتمر في حمص للمصالحة والمحافظة على وحدة الجيش. وقد أوصى المؤتمر بإعادة تشكيل القيادة العسكرية ومكاتبها، وإعادة الضباط المسرحين من قبل الانفصال وعددهم 63 ضابطأ، والعفو عن العسكريين الذين اشتركوا بالأحداث الأخيرة من الطرفين وتسفير القياديين منهم إلى خارج سورية.
وفعلا فقد غادر سورية المقدم عبد الكريم النحلاوي وبعض أعوانه. أما قادة الفريق الآخر وأبرزهم العقيد الركن جاسم علوان والعقيد الركن لؤي الأتاسي فقد توارى بعضهم عن الأنظار وغادر العقيد الأتاسي سورية ملحقأ عسكريأ في السفارة السورية في الولايات المتحدة الأمريكية حيث أمضى عدة أشهر استدعي بعدها للتحقيق معه وأودع في سجن المزة. وبقي رهن الاعتقال حتى صباح 8 آذار 1963 عندما قامت إحدى الوحدات من اللواء الخامس عشر المشاركة في ثورة 8 آذار بإطلاق سراحه وسراح كافة المعتقلين السياسيين ونقله معززأ مكرمأ مباشرة من السجن إلى وزارة الدفاع ليتولى بقرار من مجلس قيادة الثورة القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة بعد ترفيعه إلى رتبة فريق ركن مع تكليفه بمهام رئيس الدولة ورئيس مجلس قيادة الثورة تقديرأ لوطنيته ونضاله دون أن ننسى أن العقيد الركن جاسم علوان هو أيضأ من خيرة الضباط كفاءة وإخلاصأ ووطنية، أما القيادة الجديدة المشكلة نتيجة مؤتمر حمص فلم تختلف كثيرأ عن القيادة السابقة كما أنها لم تلتزم بإعادة الضباط المسرحين.
عودة الرئيس القدسي وتشكيل وزارة جديدة
بعد عودة الحياة الطبيعية إلى سورية تم الإفراج عن المحتجزين السياسيين الذين اعتقلوا في 28 آذار وفي مقدمتهم الدكتور ناظم القدسي رئيس الجمهورية وأعضاء الوزارة وخوّل الدكتور القدسي صلاحية حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة وتشكيل حكومة جديدة.
وفعلا تم تشكيل وزارة جديدة برئاسة الدكتور بشير العظمة في 16 نيسان 1962 وعدلت في 20 حزيران من نفس العام واستمرت حتى 17 أيلول 1962 وأعقبتها وزارة أخرى برئاسة السيد خالد العظم بتاريخ أيلول 1962 استمرت حتى صبيحة 8 آذار 1963
البعث يعيد تنظيم نفسه في سورية
تمهيد: سبقت الإشارة إلى أن بدايات حزب البعث العربي الاشتراكي تعود إلى مطلع عام 1941عندما بدأ نشاطه تحت اسم حركة الإحياء العربي واستبدل الاسم عام 1943 بالبعث العربي وعقد مؤتمره التأسيسي في مطلع نيسان عام 1947 واعتبر المؤتمر التأسيسي هو المؤتمر القومي الأول واندمج مع الحزب العربي الاشتراكي في 13 تشرين الثاني عام 1952 تحت اسم حزب البعث العربي الاشتراكي، وعقد مؤتمره القومي الثاني في حزيران 1954 وهو أول مؤتمر بعد الدمج ء ومع قيام الوحدة حلت القيادة القومية تنظيمات الحزب في كل من سورية ومصر واستمرت في الأقطار العربية الأخرى وانتقلت القيادة إلى بيروت حيث عقدت المؤتمر القومي الثالث في آب 1959 والمؤتمر القومي الرابع في آب 1960.
المؤتمر القومي الخامس: هو مؤتمر للحزب بعد نكسة الانفصال وانعقد في مدينة حمص في أواسط أيار 1962 وكان الموضوع الرئيسي على جدول أعماله هو تحديد مفهوم الوحدة العربية وإستراتيجية العمل الوحدوي في ضوء تحليل أسباب فشل تجربة الوحدة.
وأكد المؤتمر أن الوحدة قضية شعبية ثورية ولابد من العمل لمحو عار الانفصال مع الأخذ بعين الاعتبار إدراك أخطاء تجربة الوحدة بوعي عميق.
وقد حدثت اختلافات عديدة في وجهات النظر حول تقويم تجربة الوحدة والموقف من مصر والموقف من الرئيس عبد الناصر أدت في النهاية إلى بعض الانشقاقات وتبلور ثلاثة اتجاهات.
1. اتجاه القيادة القومية ويضم القادة التاريخيين: الأستاذين ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار ومعهما نخبة من القياديين منهم السادة: شبلي العيسمي، عبد الكريم زهور، جمال الأتأسي، منصور الأطرش، وغيرهم من القطر السوري وقد قررت عودة تنظيمات الحزب في الجمهورية العربية السورية وانتخبت قيادة قومية جديدة وعينت قيادة قطرية سورية مؤقتة.
2. اتجاه الاشتراكيين العرب بقيادة الأستاذ أكرم حوراني الذي أصبح تنظيمأ مستقلا عن حزب البعث.
3. تنظيم القطريين ويضم بعض القيادات الحزبية خاصة من محافظتي اللاذقية ودير الزور الذين تحفظوا على القيادات التاريخية وكونوا تنظيمأ خاصأ بهم على مستوى القطر السوري.
وبالإضافة إلى ذلك برز تنظيم رابع هو تنظيم اللجنة العسكرية التي تشكلت في مصر عام 1960 من عدد من الضباط البعثيين وأصدقاء البعث الذين انتدبوا للعمل في الإقليم الجنوبي وعادوا إلى سورية بعد 28 أيلول واستمروا في نشاطهم خاصة في الوسط العسكري رغم تسريح عدد منهم من قبل حكومة الانفصال.
العد التنازلي للانفصال:
منذ نكسة الانفصال في28 أيلول 1961 بدأت كافة الفصائل الوحدوية من مستقلة وبعثية وناصرية بالتخطيط لإعادة الوحدة، وقد شمل التحرك أساسأ :
1. الوحدويين المستقلين.
2. البعثيين: اتجاه القيادة القومية - اتجاه اللجنة العسكرية - اتجاه القطريين.
3. الناصريين: اتجاه الوحدويين الاشتراكيين - اتجاه الاتحاد الاشتراكي - اتجاه القوميين العرب، دون أن ننس أن شعبنا العربي السوري بأكثرية الساحقة مؤمن بالله معتز بعروبته وإسلامه يرغب بوحدة عربية شاملة من المحيط إلى الخليج على أساس ديمقراطي، وفق أسس التعددية والحرية الفكرية وحقوق الإنسان، والحرص على عزته وكرامته والتطلع إلى أمة عربية واحدة تأخذ مكانها الطبيعي تحت الشمس، تجمع بين تراث وحضارة أربعة عشر قرنأ، وحداثة ومعاصرة العالم المتقدم.
الانقلاب العسكري الثامن
لذا كان من الطبيعي أن يمارس الجيش العربي السوري ابن الشعب البار دوره القومي مدعومأ من جماهير الشعب في الداخل ومكانة العرب الشرفاء في الخارج بقيامه بحركة 8 آذار 1963 والتي كانت بداية لمرحلة جديدة في تاريخ سورية المعاصر.
الفصل الرابع
المبحث الأول
حركة 8 آذار 1963
التيار العربي الوحدوي يتولى السلطة في سورية
في الثامن من آذار 1963 استعادت سورية وجهها العربي الوحدوي الأصيل.
وقد نجحت الحركة بفضل التفاف الجيش والشعب حولها دون إطلاق أي رصاصة أو إراقة أي نقطة دم فكانت ثورة بيضاء بكل معنى الكلمة ومنذ الساعات الأولى أيدتها كافة الوحدات الجيش وانطلقت المظاهرات تأبيدا لها وبدأت اعترافات الأقطار الشقيقة والدول الصديقة.
وكان أول الأقطار التي أيدت الحركة هو العراق وثانيهما مصر وكلاهما اعترفا قبل أن ينتصف نهار اليوم الأول.
وعند منتصف النهار كان قد تم تشكيل القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة وانتخابات مجلس لقيادة الثورة يمثل كافة الفصائل المشاركة في تخطيط وتنفيذ الحركة. وقد ضم المجلس عشرة ضباط فيما يلي أسماؤهم:
1. الفريق الركن لؤي الأتاسي: قائدا عاما للجيش ورئيسا لمجلس قيادة الثورة (كان برتبة عميد ومعتقلا في سجن المزه) رفع في 8/3/63
2. الفريق الركن محمد الصوفي: وزيرا للدفاع وعضوا في مجلس قيادة الثورة (كان برتبة عميد وآمر لواء مدرع في مدينة حمص) رفع في 8/3/63
3. اللواء الركن زياد الحريري: رئيسا للأركان العامة وعضوا في مجلس قيادة الثورة (كان برتبة عميد ورئيسا للأركان الجبهة وهو الذي قاد الوحدات المنفذة للثورة ويعتبر القائد العسكري لثورة 8 آذار) رفع في 8/3/63
4. اللواء الركن راشد قطيني: نائباً للقائد العام وعضوا في مجلس قيادة الثورة (كان برتبة عميد ورئيسا لشعبة الاستخبارات العسكرية) رفع في 8/3/63
5. اللواء الركن غسان حداد: مديرا لإدارة شؤون الضباط وعضوا في مجلس قيادة الثورة (كان برتبة عميد وقائد للواء الخامس عشر المحمول في دمشق وشارك في تنفيذ 8 آذار وقامت أحد وحداته بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين من سجن المزة) رفع في 1/12/63
6. اللواء محمد عمران: آمر للواء المدرع في الكسوة وعضوا في مجلس قيادة الثورة (كان برتبة عقيد منقول إلى وظيفة مدنية وهو رئيس اللجنة العسكرية) رفع في 1/12/63
7. اللواء صلاح جديد: نائبا لمدير شؤون الضباط وعضوا في مجلس قياد الثورة (كان برتبة مقدم منقول إلى وظيفة مدنية وهو نائب رئيس اللجنة العسكرية) رفع في 1/12/63
8. اللواء فهد الشاعر: قائداً لأحد الألوية ثم قائداً للجبهة وعضواً في مجلس قيادة الثورة. (كان برتبة عقيد شارك في تنفيذ الحركة تحت قيادة اللواء الحريري) رفع إلى عميد في عام 1964 وإلى لواء في عام 1965.
9. العقيد فواز محارب: قائداً لإحدى التشكيلات المقاتلة وعضواً في مجلس قيادة الثورة. (شارك في تنفيذ ثورة 8 آذار).
10. المقدم موسى الزغبي: قائداً لإحدى التشكيلات المقاتلة وعضواً في مجلس قيادة الثورة (شارك في تنفيذ ثورة 8 آذار).
كان قد تم الاتفاق مسبقاً وبالإجماع على أن يكون الأستاذ صلاح الدين البيطار رئيساً لمجلس الوزراء وأن تكون الحكومة مناصفة بين البعثيين والناصريين. كما تنسب عدم إبلاغ القيادات المدنية بساعة الصفر حرصاً على أمن الحركة وأن يتم إبلاغ الأستاذ البيطار فقط وأن يترك له إبلاغ ن يراه مناسباً في أضيق الحدود. وقد ذكر الأستاذ البيطار بعد نجاح الحركة أنه لم يبلغ أحداً من القيادات المدنية سوى الأستاذ ميشيل عفلق الأمين العام للحزب والأستاذ شبلي العبسي أمين سر القيادة القطرية السورية حصراً.
وفي عصر اليوم نفسه تم الاتصال مع القيادات السياسية الوحدوية المدنية ودعوتهم إلى وزارة الدفاع للتداول في تشكيل الحكومة الجديدة. وقد ترك لكل فيصل سياسي أن يحدد من يمثله. وقد حضر من البعث كل من السادة:
ميشيل عفلق، صلاح الدين البيطار، شبلي العبسي، عبد الكريم زهور، جمال الأتاسي، منصور الأطرش.
وبعد تبادل عبارات التحية والتهنئة تحدث الأستاذ البيطار واقترح أن يتألف مجلس قيادة الثورة من عشرين شخصاً عشرة من المدنيين يمثلون مختلف الفصائل القومية والعشرة العسكريين الذين سبقت الإشارة إليهم وأن يسمى المجلس: المجلس الوطني لقيادة الثورة. وبعد المداولة نمت الموافقة على هذا الاقتراح. كما وافق الأستاذ البيطار على تشكيل الحكومة وأن يشرع فوراً بمشاوراته بحيث تعلن في الساعة السابعة والربع من صباح 9/3/63 كما يسمى الأستاذ عفلق ممثلي الحزب في مجلس قيادة الثورة وهم الستة الحضور المشار إليهم. على أن يكون الأستاذ البيطار نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة ورئيساً للحكومة.
كما حضر عن الفصائل الناصرية كل من السادة:
نهاد القاسم وعبد الوهاب حومد عن الاتحاد الاشتراكي (الجبهة العربية المتحدة) هاني الهندي وجهاد ضاحي عن حركة القوميين العرب سامي صوفان وسامي الجندي عن حركة الوحدويين الاشتراكيين.
وبعد تبادل وجهات النظر وافق الحضور على الصيغة المقترحة آنفاً وسموا السادة نهاد القاسم، جهاد ضاحي، سامي صوفان، سامي الجندي أعضاء في مجلس قيادة الثورة وتم الاتفاق على أن يكون السيد نهاد القاسم نائباً لرئيس الوزراء.
ثم أوضحت القيادة العسكرية أنها لن تتدخل في تشكيل الحكومة وتترك للقيادات المدنية أمر تشكيل الحكومة وتوزيع الحقائب ولكنها تقترح اسم الفريق الركن محمد الصوفي لوزارة الدفاع والعميد الركن أمين الحافظ (كان برتبة عميد ركن ملحقاً عسكرياً في السفارة السورية في الأرجنتين) لوزارة الداخلية. وقد تم ضم العميد الحافظ إلى مجلس قيادة الثورة في 22/3/63.
وعند فجر التاسع من آذار كانت تشكيلة الحكومة قد اكتملت وصدرت مراسيمها وأذيعت مراسيم التشكيل في نشرة الأخبار الصباحية الساعة السابعة والربع وقد ضمت الحكومة السادة الآتية أسماؤهم. (وفق ورودها في مرسوم التشكيل) واستكمالاً للفائدة أضاف كاتب هذه السطور الاتجاه السياسي لكل منهم عند تشكيل الوزارة بغض النظر عن التبديلات التي حدثت بعد بضعة أشهر.
الوزارة الأولى: 8/3/63-12/5/63:
1. السيد صلاح الدين البيطار: رئيساً للوزراء ووزيراً للخارجية بعثي.
2. السيد نهاد القاسم: نائباً للرئيس ووزيراً للعدل ناصري اتحاد اشتراكي (الجبهة المتحدة)
3. الدكتور عبد الوهاب حومد: وزيراً للمالية ناصري- اتحاد اشتراكي (الجبهة المتحدة).
4. الفريق محمد الصوفي: وزيراً للدفاع رئيس التنظيم الناصري في الجيش (جذور بعثية).
5. العميد أمين الحافظ: وزيراً للداخلية بعثي.
6. السيد منصور الأطرش: وزيراً للعمل بعثي.
7. الدكتور عبد الحليم سويدان: وزيراً للزراعة وحدوي مستقل.
8. الدكتور سامي الدروبي: وزيراً للتربية ناصري من جذور بعثية.
9. السيد عبد الكريم زهور: وزيراً للإفتاء بعثي.
10. الدكتور جمال أتاسي: زيراً للإعلام بعثي
11. السيد درويش علواني: وزيراً للأوقاف وحدوي مستقل.
12. السيد هاني الهندي: وزيراً للتخطيط ناصري- حركة القوميين العرب.
13. السيد وليد طالب: وزيراً للبلديات بعثي.
14. السيد جهاد ضاحي: وزيراً للمواصلات ناصري- حركة القوميين العرب.
15. السيد سامي صوفان: وزيراً للتموين ناصري- حركة الوحدويون الاشتراكيين/ جذور بعثية
16. السيد أحمد أبو صالح: وزيراً للأشغال العامة بعثي.
17. السيد شبلي العبسي: وزيراً للإصلاح الزراعي بعثي.
18. الدكتور إبراهيم ماخوس: وزيراً للصحة بعثي.
19. الدكتور سامي الجندي: وزيراً للثقافة ناصري- حركة الوحدويين الاشتراكيين/ جذور بعثية.
20. السيد طالب الضماد: وزيراً للصناعة بعثي.
الفصل الرابع
المبحث الثاني
ميثاق الوحدة الثلاثية 17 نيسان 1963
وفد سياسي عراقي يزور سورية:
كان تخطيط القوى الوحدوية يستهدف إنهاء الانفصال وإعادة الوحدة ولكن بعد قيام ثورة 8 شباط 1963 (14 رمضان) أصبح التوجه نحو وحدة ثلاثية تضم سورية والعراق ومصر كنواة لوحدة عربية شاملة تفتح ذراعيها لأي قطر عربي يرغب بالانضمام إليها.
وفي العاشر من آذار قام وفد من القيادة السياسية العراقية برئاسة السيد علي صالح السعدي بزيارة إلى دمشق وأجرى حواراً مع القيادة السياسية العراقية وكان الوفد السوري برئاسة رئيس الدولة الفريق لؤي الأتاسي وعضوية الأستاذ ميشيل عفلق الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي والأستاذ صلاح الدين البيطار نائب رئيس مجلس قيادة الثورة ورئيس مجلس الوزراء واللواء زياد الحريري عضو مجلس قيادة الثورة رئيس الأركان العامة.
وقد أوجزنا الأستاذ البيطار بخلاصة الحوار وأوضح أن وجهة نظر القيادة العربية السورية هو عدم إقامة محاور ثنائية مع أي قطر عربي بل وحدة ثلاثية تشمل بداية الأقطار الثلاثة المشار إليها آنفاً تنضم إليها في مرحلة لاحقة الجزائر واليمن ثم أي قطر عربي تؤهله ظروفه للانضمام إلى دولة الوحدة.
إذابة الجليد وإعادة الحرارة للعلاقة بين دمشق والقاهرة:
أوفدت القيادة السورية خلال شهر آذار وفدين لزيارة القاهرة واللقاء مع الرئيس جمال عبد الناصر والقيادة السياسية المصرية إزالة الفتور والرواسب التي نشأت في أواخر عهد الوحدة وامتدت إلى عهد الانفصال وتمكنت إلى حد ما من إعادة الدفء إلى العلاقة الأخوية بين البلدين الشقيقين تمهيداً لإجراء تفاوضات تستهدف وحدة ثلاثية وحدد مطلع نيسان للبدء في المباحثات. وقد بدأت فعلاً في الثالث منه واستمرت حتى السابع عشر منه.
الخطوط العريضة للميثاق:
1- ورد في المقدمة أن الوحدة ثورة لأنها شعبية وتقدمية واندفاع قوي في تيار الحضارة وأنها مرتبطة ارتباطاً عميقاً بقضية فلسطين. وعلى القيادة السياسية الموحدة أن تضع تدريجياً تنظيماً سياسياً موحداً ولكن هذا لا يعني حل الأحزاب الوحدوية القائمة. وأن الديمقراطية هي توكيد السيادة للشعب وإن جماعية القيادة على كافة مستويات العمل السياسي والشعبي أمر لا بد منه ضمانة من تسلط الفرد وتأكيداً للديمقراطية وحرية الحركة للمنظمات الشعبية.
2- ورد في الصيغة الدستورية للوحدة: أنها وحدة اتحادية لها مجلسين تشريعيين أحدهما مجلس النواب بنسبة سكان كل قطر والثاني مجلس اتحاد من عدد متساوي من كل قطر. ولا يصدر القانون إلا بعد إقراره من كلا المجلسين.
ويتكون مجلس الأمة من المجلسين مجتمعين وهو الذي ينتخب رئيس الجمهورية وثلاث نواب له من الأقطار الثلاثة. وإلى جانب الحكومة المركزية يوجد لكل قطر رئيس ومجلس وزراء ومجلس تشريعي.
وتسمى دولة الوحدة الجمهورية العربية المتحدة ويكون لها علم واحد وتمثيل سياسي واحد في المنظمات الدولية والعربية ويتم توحيد وزارات السيادة تدريجياً بدء بالدفاع والخارجية ويطلق اسم القطر على كل من البلدان الثلاثة المشاركة في الوحدة كما يتم الاستفتاء على الميثاق في كل قطر شارك وفق تنظيماته الدستورية خلال أربعة أشهر من توقيع الميثاق.
سادت المباحثات أجواء أخوية لكنها لم تخلو من الحوارات الساخنة بين الحين والآخر مما تطلب بعض الاجتماعات الجانبية ولقاءين على مائدة الغداء في بيت الرئيس عبد الناصر وبعض أعضاء الوفد السوري أذكر منهم السادة لؤي الأتاسي، صلاح الدين البيطار، زياد الحريري، غسان حداد، عبد الكريم زهور، شبلي العبسي. وقد حضر الدعوة الأولى وشارك في الحوار الرئيس هواري بومدين وكان في ذلك الوقت وزيراً للدفاع في الحكومة الجزائرية ويقوم بزيارة رسمية للقاهرة وفي بداية اللقاء رحب الرئيس بكافة الضيوف وأشار إلى أنه تعمد دعوة الأخ هواري نظراً للتقدير والاحترام الذي يكنه الجميع لثورة المليون ونصف شهيد ولأننا نتوقع أن تكون الجزائر الدولة العربية الرابعة التي توقع على ميثاق الوحدة.
وفي الساعة الواحدة من صباح 17 نيسان 1963 تم التوقيع على ميثاق القاهرة الوحدوي. وقد استأذن الوفد السوري بالمغادرة فوراً ليتمكن من حضور الاحتفال الكبير والعرض والاستعراض الذي يقام صباح اليوم نفسه احتفالاً بعيد الجلاء. وقد شارك في المفاوضات ووقع على الميثاق من الأقطار الثلاثة السادة الآتية أسماؤهم - توثيقاً للتاريخ.
أعضاء وفود مباحثات الوحدة الثلاثية الموقعون على ميثاق 17 نيسان 1963 الوحدوي.
مصر
1. الرئيس جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية العربية المتحدة
2. السيد عبد اللطيف البغدادي نائب رئيس الجمهورية العربية المتحدة
3. السيد عبد الحكيم عامر نائب رئيس الجمهورية العربية المتحدة والقائد العام للقوات المسلحة
4. السيد كمال الدين حسين عضو مجلس الرئاسة
5. السيد كمال الدين رفعت عضو مجلس الرئاسة
6. السيد علي صبري عضو مجلس الرئاسة ورئيس المجلس التنفيذي
7. السيد أمين الهويدي سفير ج. ع. م. في بغداد
العراق
1. السيد أحمد حسن البكر رئيس الوزراء
2. السيد علي صالح السعدي نائب رئيس وزراء - وزير الداخلية
3. السيد صالح مهدي عماش وزير الدفاع
4. السيد طالب شبيب وزير الخارجية
5. السيد عبد الستار عبد اللطيف وزير المواصلات
6. السيد محمود شيت خطاب وزير الشؤون البلدية
سورية
1. السيد لؤي الأتاسي رئيس مجلس قيادة الثورة
2. السيد صلاح الدين البيطار رئيس مجلس الوزراء
3. السيد نهاد القاسم نائب رئيس مجلس الوزراء - وزير العدل
4. السيد محمد الصوفي وزير الدفاع
5. السيد زياد الحريري عضو مجلس قيادة الثورة ورئيس الأركان العامة
6. السيد غسان حداد عضو مجلس قيادة الثورة
7. السيد راشد قطيني عضو مجلس قيادة الثورة
8. السيد كمال هلال عضو مجلس قيادة الثورة
9. السيد فهد الشاعر عضو مجلس قيادة الثورة
10. السيد محمد عمران عضو مجلس قيادة الثورة
11. السيد فواز محارب عضو مجلس قيادة الثورة
12. السيد عبد الكريم زهور وزير الاقتصاد
13. السيد شبلي العيسمي وزير الإصلاح الزراعي
14. السيد هاني الهندي وزير التخطيط
15. السيد سامي صوفان وزير التموين
16. السيد عبد الحليم سو يدان وزير الزراعة
17. السيد سامي الجندي وزير الثقافة
الفصل الرابع
المبحث الثالث
بداية الفتور بين البعثيين والناصريين
استقبل الوفد السوري العائد من القاهرة بعد توقيع الميثاق الوحدوي الثلاثي استقبالا شعبيا حافلا وحارا. وانتقل الوفد مباشرة من مطار المزة إلى منصة العرض في شارع بيروت للمشاركة في الاحتفال العسكري والجماهيري الكبير بمناسبة عيد الجلاء. وقد أصبح العيد عيدين بعد أن اطمأن هذا الشعب الأصيل إلى أن الوحدة على الطريق فشعبنا العربي السوري يؤمن بالله ويعتز بالعروبة والإسلام. تعتز أكثريته بالفكر القومي العربي الوحدوي بمنظور ديمقراطي وإنساني، يحترم حرية الفكر والرأي الآخر ويحرص على التعددية السياسية وحقوق الإنسان ويعتبر صناديق الاقتراع هي الحكم في اختيار الحاكم.
وعندما أيد ثورة 8 آذار 1963 فلأنها دعت أولاً إلى الوحدة والديمقراطية وبشرت بفترة انتقالية يعود بعدها الشعب لممارسة حقوقه كاملة.
وكان الهاجس الأول للثورة السير على طريق الوحدة وبتوقيع الميثاق الوحدوي وتحديد فترة انتقالية لتحقيقه، أصبح الهدف الثاني هو تحقيق الديمقراطية داخل القطر أولاً وداخل دولة الوحدة ثانيا واجب التحقيق وهذا ما طرح ضمن القيادة السياسية مند اليوم الأول من الثورة وفي هذا المجال تجدر الإشارة أن بعض أعضاء القيادة ومنهم كاتب هذه السطور طالبوا منذ الأسبوع الأول للثورة بهدم سجن المزة وإقامة حديقة شعبية مكانه باعتباره رمزا للظلم مثل الباستيل (عند قيام الثورة الفرنسية عام 1789).
ولتحقيق الوحدة والديمقراطية كان من الطبيعي أن تستمر وحدة الفصائل القومية المشاركة في الثورة فقوتها في وحدتها وضعفها في تفككها وأعداء الأمة في الخارج والداخل بالمرصاد.
وعودة إلى التطورات التي جرت في سورية بعد 17 نيسان 1963 فقد بدأ الفتور بين الفصائل القومية لأسباب عدة منها التشكيلات التي أجريت في الجيش السوري في غياب بعض أعضاء القيادة في مصر والتي شملت نقل بعض الضباط الناصريين إلى السلك الدبلوماسي أو الوظائف المدنية وإحالة البعض الآخر إلى التقاعد مما أدى إلى استياء القيادات الناصرية المشاركة في مجلس قيادة الثورة والحكومة وتقديمها لاستقالاتها ورفضها لأي حوار أو مساعي حميدة قام بها رئيس الدولة الفريق الأتاسي ورئيس الأركان اللواء الحريري ولا أرى من المصلحة الآن الحديث مفصلا عن الخلاف أو إدانة أي طرف من الأطراف. إذ إن طموحنا في المستقبل هو عودة الوئام بين كل الفصائل القومية بشكل خاص وبين سائر الإطراف الوطنية بشكل عام مكتفيا بعرض حيادي موضوعي للتطورات تاركا للتاريخ مهمة الحكم.
في مطلع أيار 1963 تقدم أعضاء مجلس قيادة الثورة الممثلون للتيار الناصري باستقالتهم واستقال معهم قطبان بعثيان هما الأستاذ عبد الكريم زهور والدكتور جمال الأتاسي.
كما استقال أيضا كل الوزراء الناصريين في الحكومة التي شكلت في 9 آذار 1963 مما أدى بالأستاذ صلاح الدين البيطار إلى تقديم استقالة الوزارة إلى رئيس الدولة الفريق لؤي الأتاسي وطلب إليه الاستمرار بتسيير الأمور ريثما يتم تشكيل حكومة جديدة.
وعلى أثر ذلك دعا الفريق الأتاسي مجلس قيادة الثورة إلى الانعقاد لدراسة الوضع فحضر الأعضاء السادة :
من العسكريين :
1. لؤي الأتاسي
2. زياد الحريري
3. أمين الحافظ
4. غسان حداد
5. صلاح جديد
6. محمد عمران
7. فهد الشاعر
8. موسى الزعبي
ومن المدنيين:
1. صلاح الدين البيطار
2. ميشيل عفلق
3. شبلي العيسمي
4. منصور الأطرش
5. سامي الجندي
أي ثلاثة عشر عضوا من أصل واحد وعشرين وتغيب الآخرون وتدارسوا الوضع بشعور كبير بالمسؤولية وكان الاجتماع نحو الحوار الأخوي وإعادة الوئام ورأب الصدع وجرت على مدى بضعة أيام حوارات جدية ومسؤولة دون أن تؤدي إلى النتيجة المرجوة، فكان لابد من تشكيل حكومة جديدة تضم عدداً من البعثيين والوحدويين المستقلين والتكنوقراط، وتترك عدداً من الحقائب الوزارية الشاغرة تدار وكالة، على أمل عودة المشاركة الناصرية. وكلف الأستاذ البيطار بإعادة تشكيل الحكومة فتألفت في 12 أيار 1963 وضمت السادة :
1. صلاح الدين البيطار / رئيسا للوزارة ووزيرا للخارجية (عضو مجلس قيادة الثورة).
2. أمين الحافظ / نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للداخلية (عضو مجلس قيادة الثورة)
3. زياد الحريري / وزيرا للدفاع (عضو مجلس قيادة الثورة)
4. غسان حداد / وزيرا للتخطيط (عضو مجلس قيادة الثورة)
5. سامي الجندي / وزيرا للثقافة ووزيرا للإعلام وكالة (عضو مجلس قيادة الثورة) (عاد إلى البعث).
6. شبلي العيسمي / وزيراً للإصلاح الزراعي ووزيرا للتربية وكالة (عضو مجلس قيادة الثورة).
7. منصور الأطرش / وزيرا للعمل (عضو مجلس قيادة الثورة).
8. وليد طالب / وزيرا للبلديات (بعثي).
9. أحمد أبو صالح / وزيرا للمواصلات ووزيرا للأشغال العامة وكالة (بعثي).
10. مصطفى الشماع / وزيرا للمالية (تكنوقراط) كان رئيسا لديوان المحاسبات.
11. عبد الرحمن الطباع / وزيرا للأوقاف (تكنوقراط) كان أمينا عاماً للأوقاف.
12. عادل طربين / وزيراً للزراعة ووزيراً للتموين وكالة (صديقا للبعث كان عميدا لكلية الزراعة).
13. عبد الخالق نقشبندي / وزير دولة لشؤون مجلس قيادة الثورة (بعثي) (طبيب).
14. مظهر الشريجي / وزير دولة لشؤون الوحدة (وحدوي مستقل) (محام).
15. عبد الرزاق الشققي / وزير للصحة (وحدوي مستقل) (طبيب).
16. جورج طعمة / وزيرا للاقتصاد (موظف في الخارجية) دكتور في الاقتصاد.
الفصل الرابع
المبحث الرابع
مشروع الوحدة بين سورية والعراق
"هل تأكل الثورة أبناءها؟"
بعد تشكيل الأستاذ البيطار لوزارته الثانية بدت الأمور وكأنها بدأت تعود رويدا إلى الاستقرار وألقى رئيس الوزارة بيانه الوزاري من خلال أجهزة الإعلام موجها مباشرة إلى الشعب، أكد فيه على الالتزام بمبادئ الثامن من آذار وبالمنهج الوحدوي الديمقراطي والسير قدما لتنفيذ الميثاق الوحدوي الثلاثي الصادر في 17 نيسان 1963. وأرسل وفدا إلى العراق مؤلفا من عضوي مجلس قيادة الثورة : غسان حداد، وشبلي العيسمي للحوار والتنسيق مع القيادة السياسية العراقية حول سبيل تنفيذ الميثاق الثلاثي، كما رأس شخصيا وفداً من بعض أعضاء القيادة السياسية والحكومة في زيارة ودية للجزائر تعبيرا عن التقدير الذي يكنه شعبنا لثورة المليون ونصف شهيد. وقد ضم الوفد من بين أعضائه اللواء الركن زياد الحريري وزير الدفاع ورئيس الأركان العامة.
في أثناء غياب الوفد في الجزائر عملت بعض مراكز القوى في الجيش على إبعاد ثلاثين ضابطا من أنصار اللواء الحريري إلى مراكز أقل أهمية، أو وظائف مدنية بغية إضعافه عسكريا، تمهيدا لإبعاده.
وبعد عودة الوفد وتحديدا في الرابع من تموز عام 1963 دعا الفريق الأتاسي مجلس قيادة الثورة للاجتماع في القصر الجمهوري، ولم يشارك في الاجتماع الأستاذ عفلق لوجوده خارج دمشق، واللواء الحريري الذي لم توجه إليه الدعوة، وكان البند الوحيد على جدول الأعمال، إبعاد اللواء الحريري سفيرا متجولا في أوروبا، على أن يكون مقره باريس. وبعد نقاش طويل، صدر القرار بالأكثرية، ومعارضة خطية لثلاثة من أعضاء المجلس وهم : نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، ورئيس مجلس الوزراء صلاح الدين البيطار الذي تحدث مطولا وبهدوء عن الأبعاد المبدئية والأخلاقية لإقصاء القائد العسكري لثورة 8 آذار وختم كلمته بالقول : لولا زياد لما حدثت 8 آذار. . ربما حدثت 30 آذار أو 8 حزيران ولكن 8 آذار اقترنت باسم زياد، كما عارض القرار أيضا غسان حداد عضو مجلس قيادة الثورة ووزير التخطيط، وفهد الشاعر عضو مجلس قيادة الثورة وقائد الجبهة الجنوبية الغربية.
وفي صباح الخامس من تموز غادر اللواء الحريري مطار دمشق إلى باريس بعد أن جرى له وداع رسمي، كان على رأس المودعين الرئيس البيطار، وشارك في الوداع زميلاه : الحداد والشاعر.
وقد تطور الفتور بين البعثيين السوريين والناصريين السوريين إلى ما يشبه القطيعة بين القيادتين السياسيتين في كل من القاهرة ودمشق، مما دفع دمشق إلى إرسال وفد برئاسة الرئيس الأتاسي، وعضوية السيدين : سامي الجندي، وفهد الشاعر، للقاء الرئيس عبد الناصر. ، ومحاولة كسر الجمود والعودة إلى الوضع الطبيعي.
وقد غادر الوفد مطار دمشق صباح الثامن عشر من تموز 1963 في طريقه إلى القاهرة، وفي تمام الساعة الحادية عشرة من صباح هذا اليوم، جرت محاولة انقلاب عسكرية، مستهدفة احتلال مبنى وزارة الدفاع، وهيئة الإذاعة والتلفزيون في ساحة الأمويين، قام بها فصيل ناصري بقيادة العقيد الركن جاسم علوان، وقد تصدت للمحاولة الوحدات المدافعة عن هاتين المؤسستين، وهرعت لدعمهما وحدات أخرى من موقع دمشق، وتمكنت خلال ساعات قليلة من إحباطها.
في أعقاب سيطرة القيادة العسكرية على الموقف، جرت اعتقالات واسعة للرموز الناصرية، وشكلت محكمة عرفية قضت بإعدام أكثر من 20 معتقلاً. ونفذ فيهم حكم الإعدام.
للحقيقة والتاريخ، فان المحاولة لم يكن لها مبرر، إذ كان الواجب حل الأمور بلغة الدبلوماسية والحوار، كما أن رد الفعل القاسي ضد المحاولة لم يكن مبرراً أيضا خاصة أن سورية لم تعتد على مثل هذه الإجراءات العنيفة، فأول إعدام سياسي جرى منذ استقلال سورية كان صبيحة 14 آب 1949 عندما قام الحناوي بالانقلاب العسكري الثاني، واعدم الزعيم والبرازي، ثم أجرى لهما محاكمة بعد إعدامهما، والمرة الثانية كان هذا الإجراء العنيف لقمع المحاولة التي قامت بها إحدى الشرائح الناصرية وليست كلها.
وقد عاد الفريق الأتاسي والوفد المرافق له مساء 18 تموز 1063 واطلع على التطورات وردود الفعل، ففضل الاستقالة والاعتكاف في داره.
الحرد السياسي والاعتكاف تقليد مارسه العديد من السياسيين في مختلف العهود في سورية، وبعد 8 آذار مارسه أكثر من مسؤول، وفي كل مرة، كان يذهب وفد من القيادة للحوار مع المسؤول المعتكف، وإقناعه بالعودة.
وقد سبق للفريق الأتاسي أن استقال مرتين، وتم إقناعه بالعودة من قبل كاتب هذه السطور واللواء جديد بتكليف من مجلس قيادة الثورة. أما في هذه المرة فقد أصر على موقفه، وكلف الأستاذ البيطار بمهام رئاسة الدولة وكالة، إضافة إلى مهمات رئاسة الوزراء، ريثما يتم الاتفاق على صيغة جديدة. وبهذا خسرت الثورة اثنين من قادتها هما الأتاسي والحريري بالإضافة إلى خسارتها للإخوة الناصريين قبل بضعة أسابيع.
وخلال أسبوع (من 20 إلى 27 تموز) عاشت سورية فترة صعبة، دار العديد من الحوارات المعلنة وفي الكواليس وطرحت اقتراحات عدة إلى أن تم الوصول في 27 تموز إلى صيغة جديدة للقيادة السياسية والحكومة.
حوار بين اللواء جديد واللواء عمران واللواء حداد واعتذار كاتب هذه السطور عن قبول منصب رئاسة الدولة.
بتاريخ 23 تموز 1963 زار كل من اللواء صلاح جديد واللواء محمد عمران اللواء غسان حداد في داره للتداول معه في إيجاد حلول للأزمة التي تمرّ بها سورية. وفي بداية اللقاء تحدث اللواء جديد قائلاً:
أبا رشاد! إن أخوانك في السلاح والمبادئ يرغبون أن تتولى أنت مرحليا رئاسة مجلس قيادة الثورة، وأن تتم دراسة الحلول المناسبة للأزمة بهدوء وودية. بما في ذلك المرحلة الانتقالية والدستور المؤقت.
ومعروف عن اللواء جديد الدماثة، والخلق، والتهذيب، ونظافة اليد، والترف عن الموبقات. ومعرفتي به تعود إلى مطلع الخمسينيات وبتقديري أن الموضوعية تتطلب إنصاف الرجال، سواء اتفقت معهم أم اختلفت في الاجتهاد السياسي.
تلخص جوابي بشكر الإخوة والزملاء على مشاعرهم الإيجابية، والاعتذار عن قبول هذا الاقتراح. وأوضحت أنني أفضل رئيسا مدنياً، واقترحت أن يكون هذا الرئيس الأستاذ صلاح الدين البيطار، أو الأستاذ عبد الكريم زهور، وأن يتم الاتفاق على مرحلة انتقالية يتم خلالها وضع دستور جديد يطرح للاستفتاء وقانون انتخابات عصري وفق صيغ ديمقراطية تحترم التعددية، يتم بموجبه انتخاب مجلس نيابي جديد يقوم بدوره بانتخاب رئيس للجمهورية لمدة خمس سنوات غير قابلة للتجديد، إلا بعد مرور خمس سنوات أخرى، كما كانت تنص الدساتير السورية السابقة. وقد استمر الحوار وتبادل وجهات النظر بضع ساعات دون الوصول إلى أي قرار حاسم، فتم الاتفاق على إجراء لقاء آخر.
إعادة تشكيل مجلس قيادة الثورة ومجلس الوزراء
في السابع والعشرين من تموز 1963 اجتمع مجلس قيادة الثورة واتخذ عدداً من القرارات الهامة في مسيرة سورية وهي.
أولاً : لإعادة النظر في تشكيل مجلس قيادة الثورة بحيث يضم :
1- الأعضاء المستمرين في المجلس منذ 8 آذار 1963 وعددهم أحد عشر عضوا، هم : ميشيل عفلق، صلاح الدين البيطار، شبلي العيسمي، منصور الأطرش، سامي الجندي، غسان حداد، أمين الحافظ، محمد عمران، صلاح جديد، فهد الشاعر، موسى الزعبي.
2- الأعضاء السوريين في القيادة القومية، وقد شملت الأستاذ عفلق فقط باعتباره السوري الوحيد في القيادة القومية المنبثقة عن المؤتمر القومي الخامس (أيار 1962) وهو أصلاً عضو في مجلس القيادة من 8 آذار.
وعندما جرت الانتخابات في شهر تشرين الأول عام 1963 لانتخاب قيادة قومية جديدة انبثقت عن المؤتمر القومي السادس فاز من سورية كل من السادة: ميشيل عفلق، وأمين الحافظ، وصلاح جديد، وهم أصلاً أعضاء في مجلس القيادة.
3- كافة أعضاء القيادة القطرية السورية واستناداً إلى هذه الفقرة انضم إلى المجلس ثمانية أعضاء جدد اعتبارا من أيلول 1963 هم أعضاء القيادة القطرية التي انتخبها المؤتمر القطري الأول الذي انعقد في أيلول 1963.
4- وقد بقيت هذه الصيغة مستمرة زهاء سنتين ونيف، أي حتى انتهاء مهمات مجلس قيادة الثورة، وتشكيل مجلس وطني في أيلول عام 1965.
مع العلم أنه باستمرار هذه الصيغة، كان يطرأ تبديل على الأسماء أعقاب انعقاد كل مؤتمر قومي وقطري، مع استمرار الأسماء المنوه عنها في الفقرة الأولى.
ثانياً : انتخاب اللواء أمين الحافظ (الفريق لاحقاً) رئيساً لمجلس قيادة الثورة.
ثالثاً: الشروع في وضع دستور مؤقت، ومنهاج مرحلي للثورة.
رابعاً : تكليف الأستاذ البيطار بإعادة تشكيل الوزارة على ضوء التطورات الجديدة. فأجرى المشاورات اللازمة، وعرض النتائج على مجلس قيادة الثورة الذي أقرها واعتمدها وصدرت مراسيمها في الرابع من آب 1963 وقد ضمت 17 عضواً بمن فيهم الرئيس.
الوزارة الثالثة بعد 8 آذار 1963
1. السيد صلاح الدين البيطار (من أعضاء مجلس قيادة الثورة) رئيسا للوزارة ووزيرا للخارجية.
2. اللواء غسان حداد (من أعضاء مجلس قيادة الثورة) وزيرا للتخطيط.
3. السيد منصور الأطرش (من أعضاء مجلس قيادة الثورة) وزيرا للعمل.
4. السيد شبلي العيسمي (من أعضاء مجلس قيادة الثورة) وزيرا للإصلاح الزراعي.
5. الدكتور سامي الجندي (من أعضاء مجلس قيادة الثورة) وزيرا للثقافة والإعلام.
6. الدكتور نور الدين الأتاسي (أصبح عضوا في مجلس قيادة الثورة اعتبارا من أيلول 1963 بعد فوزه بعضوية القيادة القطرية) وزيرا للداخلية.
7. الدكتور إبراهيم ماخوس (أصبح عضوا في مجلس قيادة الثورة اعتبارا من نيسان 1965 بعد فوزه بعضوية القيادة القومية) وزيرا للصحة.
8. السيد أحمد أبو صالح (أصبح عضوا في مجلس قيادة الثورة اعتبارا من أيلول 1963 بعد فوزه بعضوية القيادة القطرية) وزيرا للأشغال والمواصلات.
9. السيد مصطفي الشماع (من أعضاء الحكومة السابقة) وزيرا للمالية.
10. الدكتور عبد الخالق نقشبندي (من أعضاء الحكومة السابقة) وزيرا لشؤون الرئاسة.
11. الدكتور عادل طربين (من أعضاء الحكومة السابقة) وزيرا للزراعة.
12. السيد مظهر العنبري (من أعضاء الحكومة السابقة) وزيرا للعدل والأوقاف.
13. الدكتور جورج طعمة (من أعضاء الحكومة السابقة) وزيرا للاقتصاد.
14. الدكتور نور الدين رفاعي (عميد كلية الهندسة) وزيرا للصناعة.
15. المحامي صالح المحاميد وزيرا للبلديات.
16. المحامي محمود الجيوش وزيرا للتموين.
17. العميد عبد الله زيادة وزيراً للدفاع.
مشروع الوحدة السورية العراقية
نشأتُ عربياً مسلماً مؤمناً بالله أنتمي إلى التيار الفكري القومي العربي الوحدوي بمنظور ديمقراطي وإنساني، ولا زلت ملتزما بذلك مع تطور عبر الأيام في التجربة والخبرة العلمية والفكرية والثقافية وتعميق للقيم والمبادئ التي رباني عليها أستاذي الأول وصاحب الفضل الرئيسي في ما حققته وما وصلت إليه والدي محمد رشاد حداد رحمه الله الذي لن أنسى فضله عليّ إلى آخر لحظة في حياتي، وأنا مدين له إلى يوم القيامة.
وكأي عربي وحدوي تطلعت دوما إلى إقامة دولة الوحدة وحدود الدولة كما أراها هي حدود الأمة، ولكني لا أمانع بخطوات متدرجة نحو هذا الهدف الأسمى كأن نبدأ بوحدة اقتصادية أو ثقافية أو تربوية وبصيغ فيدرالية أو كونفدرالية وتتطور مع الزمن وبالأسلوب الديمقراطي والدستوري واحترام إرادة الشعب إلى ما هو أفضل.
كما أنني لا أرى ضيرا من وحدة أي قطرين عربيين أو ثلاثة أو أكثر تؤهلها ظروفها للوحدة على أن لا يكون ذلك بديلاً عن الوحدة الشاملة، بل خطوة على طريقها وأن لا تشكل محورا ضد أي قطر عربي آخر ولا تترك حساسية لدى شعبنا في أي قطر عربي شقيق.
لذا كان من الطبيعي أن أرحب بدعوة الرئيس البيطار (بعد تعثر تطبيق الميثاق الوحدوي الثلاثي) إلى إقامة وحدة بين سورية والعراق تبقى مفتوحة لانضمام أي قطر عربي شقيق. وقد كانت البداية إقامة وحدة عسكرية ووحدة اقتصادية وقد كلفني برئاسة فريق عمل مؤلف من عدد من الوزراء للتحضير لمشروع الوحدة الاقتصادية تمهيدا لعرضها على القيادة السياسية العراقية، وإجراء المباحثات حولها.
وبالتوازي مع هذا التوجه تم تشكيل مجلس أعلى للتخطيط برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية عدد من الوزراء والمختصين، وسمي وزير التخطيط نائبا لهذا المجلس بدرجة نائب رئيس وزراء.
وأعيد النظر بالخطة العشرية 1961- 1970 والخطة الخمسية 1961- 1965 بحيث تكون أكثر واقعية ومعتمدة بتمويلها على الذات. وأعيدت دراسة العديد من المشاريع الكبرى تمهيدا لتنفيذها مثال : سد الفرات وسكك الحديد، خاصة خط القامشلي - اللاذقية الذي يصل بين مناطق الإنتاج وموانئ التصدير، وإحداث مرفأ في مدينة طرطوس مع توسيع مرفأ اللاذقية وذلك لتقديم تسهيلات التجارة الخارجية لبعض الأقطار الشقيقة بالإضافة إلى سورية. كما خطط لبناء مطار دولي جديد في دمشق يترافق مع تجديد الأسطول الجوي التجاري وتم إصدار تعديل بعض القوانين الاقتصادية دعما لمصالح الشعب وخاصة الشرائح محدودة الدخل.
سارت الأمور بشكل طبيعي، وانعقد خلال أيلول المؤتمر القطري الأول للبعث، وخلال تشرين الأول المؤتمر القومي السادس له. وقد أيد المؤتمر التوجه نحو وحدة القطرين وإبقائها مفتوحة للأقطار الأخرى الشقيقة.
ومع نهاية تشرين الأول شكلت القيادة السياسية وفداً برئاستي وعضوية بعض الإخوة الوزراء وهم : الدكتور نور الدين الأتاسي وزير الداخلية، والدكتور نور الدين الرفاعي وزير الأشغال العامة، والدكتور عادل طربين وزير الزراعة، والدكتور جورج طعمة وزير الاقتصاد، والأستاذ مصطفى الشماع وزير المالية، وعدد من الأمناء العامين والمستشارين والخبراء المختصين وكلهم من نخبة الكوادر الفنية في سورية. وفي الأول من تشرين الثاني بدأت في بغداد المباحثات مع وقد عراقي برئاسة رئيس مجلس الوزراء في ذلك الوقت الرئيس أحمد حسن البكر وضم الوفد عددا من الإخوة الوزراء والخبراء والمختصين، وكان الحوار أخويا وودياً وايجابياً مع شعور كبير بالمسؤولية، فالوحدة بين بلاد الشام ووادي الرافدين وإقامة دولة من الخليج العربي إلى البحر المتوسط هو في مصلحة كلا القطرين ومصلحة الأمة العربية أيضا وخطوة على طريق وحدة الأمة وقوة لها. لذا كان من الطبيعي اتفاق الطرفين على إقامة الوحدة الاقتصادية وثبتت كافة التفصيلات والمراحل وكان الاتفاق على الوحدة العسكرية قد سبق اتفاق الوحدة الاقتصادية، وكان رأي قادة البلدين ورأي العديد من المفكرين العرب القوميين ولا زال بأن الشام هي العمق الطبيعي للعراق. والعراق هو العمق الطبيعي للشام.
وكان هذا الحلم الجميل على وشك أن يتحقق لولا قيام حركة 18 تشرين الثاني في العراق.
وكان الأستاذ البيطار قد استقال قبل أسبوع من هذا التاريخ وتحديدا في 12 تشرين الثاني 1963 نتيجة عدم فوزه في عضوية القيادتين القطرية والقومية.
الوزارة السورية الرابعة في أعقاب 8 آذار 1963: 12 تشرين الثاني 1963- 13 أيار 1964
في أعقاب استقالة الأستاذ صلاح الدين البيطار وإصراره عليها واعتذاره عن إعادة تشكيل الحكومة الجديدة اجتمع مجلس قيادة الثورة بتشكيلته الجديدة التي ضمت أعضاءه المستمرين منذ 8 لآذار والأعضاء السوريين في القيادة القومية (وهم أصلا من الأعضاء المستمرين منذ 8 آذار) وأعضاء القيادة القطرية الجديدة وعددهم ثمانية، ودرسوا الموقف المستجد وخلصوا إلى قرار بتكليف رئيس الدولة برئاسة مجلس الوزراء إضافة إلى وظيفته، وتعيين اللواء محمد عمران نائباً لرئيس الوزراء، فتم تشكيل الحكومة الجديدة كما يلي (وهي الرابعة خلال ثمانية أشهر وهي بدورها لم تستمر سوى ستة أشهر) :
1. اللواء أمين الحافظ : رئيسا.
2. اللواء محمد عمران : نائبا للرئيس.
3. اللواء غسان حداد : وزيراً للتخطيط.
4. العميد عبد الله زيادة وزيراً للدفاع.
5. الدكتور إبراهيم ماخوس وزيراً للصحة.
6. الدكتور سامي الجندي وزيراً للإعلام.
7. الدكتور نور الدين الأتاسي وزيرا للداخلية.
8. الدكتور حسان مريود وزيرا للخارجية.
9. الدكتور عبد الخالق نقشبندي وزير دولة لشؤون مجلس قيادة الثورة.
10. الدكتور نور الدين الرفاعي وزيرا للأشغال العامة.
11. الدكتور جورج طعمة وزيراً للاقتصاد.
12. الدكتور مصطفي حداد وزيراً للتربية.
13. الدكتور عادل طربين وزيرا للزراعة.
14. السيد شبلي العيسمي وزيرا للثقافة والإرشاد القومي.
15. السيد منصور الأطرش وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية.
16. السيد أحمد أبو صالح وزيراً للمواصلات.
17. السيد مصطفي الشماع وزيرا للمالية.
18. السيد مظهر العنبري وزيرا للعدل.
19. السيد صالح المحاميد وزيراً للشؤون البلدية والقروية.
20. السيد محمود الجيوش وزيراً للتموين.
21. السيد الوليد طالب وزير دولة لشؤون الرئاسة.
22. الدكتور يوسف زعين وزيراً للإصلاح الزراعي.
23. الدكتور خير الدين حقي وزيراً للصناعة.
وقد ضمت الوزارة وزراء منتمين فكريا إلى التيارات الثلاثة الموجودة فعلاً في القيادة السياسية وهي التيار القومي والتيار القطري، وتيار اللجنة العسكرية. كما كان من الطبيعي بعد حركة 18 تشرين الثاني في 1963 الدعوة إلى مؤتمر قطري سوري لذا فقد انعقد المؤتمر القطري الاستثنائي في شباط 1964 وتداول في الأسباب التي أدت إلى حركة 18 تشرين الثاني في العراق ونتائجها، وفي مسيرة الحزب في القطر السوري وتحديد توجهات سورية في المستقبل المنظور وانتخب في نهاية المؤتمر قيادة قطرية جديدة.
وفي أعقاب المؤتمر القطري وفي شباط 1964 أيضا أنعقد المؤتمر القومي السابع بهدف تطويق النتائج الخطيرة التي قد تنعكس على تجربة الحزب في سورية بعد حركة 18 تشرين الثاني في العراق. وقد حاولت بعض العناصر أن تحول دون انعقاد المؤتمر ولكن محاولتهم باءت بالفشل، واختتم المؤتمر أعماله بانتخاب قيادة قومية جديدة كلفها المؤتمر أن تدرس نكسة الحزب في العراق وأسبابها وأن تقوم القيادة بالإعداد لمؤتمر قومي جديد حسب النظام الداخلي خلال ستة أشهر. وقد ضمت القيادة الجديدة ستة أعضاء سوريين كلهم أعضاء في مجلس قيادة الثورة، ثلاثة منهم من المدنيين وثلاثة من العسكريين وهم :
الأستاذ ميشيل عفلق (الأمين العام) الأستاذ شبلي العيسمي (الأمين العام المساعد) الأستاذ منصور الأطرش، الفريق أمين الحافظ، اللواء صلاح جديد، اللواء محمد عمران، وذلك طبعا بالإضافة إلى أعضاء من أقطار عربية أخرى.
وفي مطلع أيار غادرت إلى باريس على رأس وفد اقتصادي في زيارة رسمية إلى فرنسا تعقبها مشاركة في المؤتمر الأول للتجارة والتنمية المنعقد في جنيف في إطار المقر الأوروبي لهيئة الأمم المتحدة. وفي صبيحة اليوم التالي لانتهاء الزيارة إلى فرنسا وبينما كنت أستعد للمغادرة إلى جنيف طالعت في الصحف الفرنسية أخباراً مؤلمة عن أحداث جرت في مدينة حماة المناضلة، كما وصلتني برقية من الأستاذ البيطار بواسطة سفارتنا في باريس تطلب مني العودة السريعة إلى دمشق.
بقيت في جنيف يوما واحداً شاركت رمزيا في المؤتمر وتركت لزملائي الفنيين متابعة المؤتمر وعدت سريعا إلى دمشق عن طريق بيروت. التقيت فور وصولي إلى دمشق ببعض زملائي بالقيادة السياسية، وقمت بزيارة إلى كل من الأستاذين عفلق والبيطار، وقد أعلمني الأستاذ البيطار بتكليفه مجددا بتشكيل حكومة جديدة ودعاني لمقابلته في صباح اليوم التالي في وزارة الخارجية حيث يقوم بإجراء الاستشارات تمهيدا لتأليف الوزارة الجديدة. والمعروف عن الأستاذ البيطار في كافة وزاراته أنه لا يسمي وزيرا قبل استشارته ولا يستغني عن وزير في حكومة سابقة قبل استدعائه وإعلامه مسبقاً، ولم يسبق لوزير في حكومات البيطار المتعددة أن سمع تسميته أو إعفاءه بالراديو قبل أن يحاط علماً بذلك.
أوجز لي الأستاذ البيطار الأحداث التي مرت بها سورية خلال الأسبوعين المنصرمين وأسلوب حلها وعودة الأمور تدريجيا إلى الهدوء والظروف التي دفعته إلى قبول تشكيل الحكومة الجديدة، وأخبرني أن حكومته ستكون حكومة انفتاح داخلي على الشعب بكافة فصائله والسير في الطريق الديمقراطي وانفتاح على كافة الأقطار العربية الشقيقة دون استثناء وإذابة الجليد في علاقتنا مع الشقيقة الكبرى مصر، للوصول كخطوة أولى إلى تطبيع العلاقات وعودة العلاقات الدبلوماسية العادية تمهيدا لخطوات لاحقة مستقبلاً.
وتحدث إلي باختصار عن المشاورات التي أجراها ثم انتقل إلى المهام التي يريد إيصالها إلي قائلاً :
لقد أثبت كفاءة وجدارة في مجال التخطيط الاقتصادي وأريد أن تشعر هذه الوزارة بالاستقرار والاستمرارية، وأرغب أن تتابع واجبك فيها. كما أنني أريد وزيراً للدفاع ليس طرفاً في التكتلات القائمة، وعُرف عنك أنك لم تكن في يوم ما مع زيد ضد عمرو أو العكس، بل إن إخلاصك هو للبلد كله وللمؤسسة العسكرية بكاملها، وقد اخترتك أيضا لاستلام حقيبة الدفاع إضافة إلى حقيبة التخطيط وأنت تعرف تقديري لك منذ كنت أحد طلابي. شكرت للأستاذ البيطار ثقته وحسن ظنه وطرحت على سيادته وجهة نظري وخلاصتها أنه من الأفضل أولا أن يتفرغ أعضاء القيادة السياسية كلهم أو بعضهم للعمل السياسي.
ثانيا أن لا يشغل أي وزير أكثر من حقيبة وزارية واحدة.
واقترحت أن يستلم الدكتور محمد العمادي وزارة التخطيط حيث يعتبر الدكتور محمد العمادي من خيرة الاقتصاديين في الوطن العربي عامة وفي القطر السوري خاصة، وعرفت عنه إخلاصه لبلده وعمله وتهذيبه وخلقه الرفيع وكان له الفضل في تأسيس أول جمعية علمية اقتصادية في سورية والمشاركة في تأسيس اتحاد الاقتصاديين العرب وقد ترك بصماته على الاقتصاد السوري خلال أربعة عقود (1960 - 2000) ومازال مستمرا في عطائه - وهو الفني الأول في الوزارة، وأوضحت أن الفضل في النجاح الذي حققته في وزارة التخطيط يرجع بنسبة كبيرة منه إلى مجموعة الكفاءات المتميزة التي كانت موجودة في الوزارة والتي دعمت بعد 8 آذار بكفاءات أخرى نقلت من وزارات أخرى وكفاءات عادت من الخارج بعد انتهاء دراستها العليا.
أما وزارة الدفاع فاقترحت على الرئيس البيطار اللواء ممدوح جابر وهو رجل مستقل خلوق من مدينة حماة.
وقد وافق الأستاذ البيطار على اللواء جابر، وكلفني أن أستمزجه فوراً وبالهاتف، فاتصلت به ووضعته في الصورة وقلت له أنني أتحدث باسم الأستاذ البيطار فاستجاب الأخ ممدوح ووافق على المشاركة ورجاني إبلاغ الرئيس البيطار احترامه واستعداده للعمل تحت قيادته.
أما بالنسبة لوزارة التخطيط فقد أصر الرئيس على أن أتابع مسيرتي فيها ولي أن أكلف من أراه مناسباً ببعض صلاحياتي.
وكانت القيادة قد تركت للأستاذ البيطار تشكيل الحكومة حسب اجتهاده دون تدخل من أحد، وتم اختيار كافة الوزراء من قبله، واعتمدت كما هي من مجلس قيادة الثورة وصدرت مراسيم التشكيل في 14 أيار 1964 على الشكل التالي :
وزارة البيطار الرابعة - الوزارة الخامسة بعد 8 آذار : 14 أيار 1964 - 4 تشرين الأول 1964
1. السيد صلاح الدين البيطار : رئيساً للوزراء.
2. السيد ثابت العريس : وزيراً للدولة.
3. اللواء غسان حداد : وزيراً للتخطيط.
4. اللواء ممدوح جابر : وزيرا للدفاع.
5.
6. الدكتور حسان مريود : وزيرا للخارجية.
7. الدكتور عبد الله عبد الدائم : وزيراً للإعلام.
8. الدكتور عبد الخالق نقشبندي : وزير دولة لشؤون مجلس قيادة الثورة.
9. الدكتور عادل طربين : وزيرا للزراعة.
10. الدكتور نور الدين رفاعي : وزيراً للمواصلات والأشغال العامة.
11. الدكتور كمال حصني : وزيراً للاقتصاد.
12. الدكتور مصطفى حداد : وزيراً للتربية.
13. السيد مظهر العنبري : وزيراً للعدل والصحة.
14. السيد مصطفى الشماع : وزيراً للمالية.
15. السيد عادل السعدي : وزيرا للصناعة.
16. السيد أسعد محفل : وزيراً للثقافة والإرشاد القومي.
17. الدكتور صلاح الوزان : وزيراً للإصلاح الزراعي.
18. الدكتور عبد الرحمن الكواكبي : وزيرا للأوقاف.
ومن أصل ثمانية عشر وزيراً بمن فيهم الرئيس لم يشارك من القيادة السياسية سوى الرئيس ووزيري التخطيط والداخلية. وفي أول اجتماع لمجلس الوزراء أوضح الرئيس أنها الوزارة الأولى التي يشكلها بكاملها حسب اقتناعه دون تدخل من أحد وأعلن الخطوط العريضة للحكومة التي تشمل قطريا الانفتاح الداخلي والوحدة الوطنية والعمل على إعادة توحيد الفصائل القومية وقوميا إقامة علاقات طيبة مع كافة الأشقاء العرب ودوليا الالتزام بالحياد الإيجابي وعدم الانحياز مع تمتين العلاقة مع المعسكر الاشتراكي، وإعطاء الملف الاقتصادي اهتماما خاصا للنهوض باقتصاد البلد مع الاعتماد على الذات.
وقد شكل لجنة برئاسته وعضوية وزراء التخطيط والاقتصاد والداخلية والعدل لإعداد البيان الوزاري الذي أعلنه لاحقاً على الشعب وهو تفصيل للخطوط العريضة التي سبقت الإشارة إليها.
عمل الأستاذ البيطار بجد ومثابرة وأحضر سريراً صغيراً إلى مكتبه وكان يداوم من الساعة الثامنة صباحا حتى ساعة متأخرة من الليل، ويتناول طعام الغداء في مكتبه يتبعه ساعة من الراحة على سرير مكتبه ويعود إلى العمل. وللأمانة التاريخية أود الإشارة إلى أنه يأخذ دائما أي مهمة يكلف بها باهتمام وجدية وقد عرفته منذ مطلع الأربعينيات عندما درسني في تجهيز دمشق الأولى الرياضيات والفلك (كما سبقت الإشارة) وعرفته أول مرة خارج قاعة الدرس عندما دعاني في أوائل أيار من عام 1941 مع زملائي أعضاء لجنة الطلاب إلى اجتماع معه ومع صديق عمره ورفيق دربه الأستاذ ميشيل عفلق لتحضير إضراب ومظاهرة تنطلق بقيادتهما في صباح اليوم الثاني من التجهيز تضامنا مع ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق (أيار 1941) وقد تمكنت هذه المظاهرة الطلابية التي يقودها أساتذة للمرة الأولى في تاريخ الإضرابات الطلابية من إغلاق جامعة دمشق والمدارس الثانوية الأخرى والأسواق الرئيسة في دمشق. وانبثق عنها بعد ذلك حركة نصرة العراق (وذلك بعد أشهر قليلة من صدور البيان الأول لحركة الإحياء العربي في 22/ 1/ 1941 بتوقيع صلاح الدين البيطار - ميشيل عفلق - الدكتور مدحت البيطار) كما عرفته في الخمسينيات نائبا ووزيراً للخارجية وعضواً في الوفد السوري إلى مؤتمر باندونغ 1955 الذي انبثقت عنه حركة عدم الانحياز ثم مناضلا قيادياً مساهماً في تحقيق وحدة 1958 ثم وزيرا فيها، إلى أن تولى رئاسة أول وزارة تشكل في سورية بعد 8 آذار 1963 وكان طوال حياته وطنياً نظيف اليد محدود الدخل ولم يملك عند استشهاده سوى (129) دولاراً كما صرحت لزوجتي السيدة عقليته في الذكرى الأربعين لوفاته.
ومن منطلق أن الكمال لله وحده والحكام بشر وليسوا ملائكة يجتهدون فيصيبون أو يخطئون وعلى هذا الأساس يكون لهم أجران أو أجر واحد ولابد لمن يعمل أن تكون له إيجابياته وسلبياته والمهم أن ترجح الإيجابيات لذا أفضل عند الحديث عن رجل من السياسيين الراحلين أن أتناول الخط العريض لمسيرته والإيجابيات قبل السلبيات وللتاريخ أن يحكم له أو عليه والحساب عند رب العالمين.
الوزارة الخامسة :
لم تستمر الوزارة الخامسة سوى قرابة خمسة أشهر رغم جدارة رئيسها كرجل دولة كفؤ، وذلك نتيجة صراع القوى على مستوى القيادتين السياسية والعسكرية، فقدمت استقالتها في 4 تشرين الأول 1964 فقرر مجلس قيادة الثورة أن يتولى رئيس الدولة رئاسة مجلس الوزراء إضافة إلى وظيفته، وتكليف الدكتور نور الدين الأتاسي بمهام نائب رئيس الوزراء مع إعطائه الصلاحيات المناسبة واستمرار كاتب هذه السطور وزيرا للتخطيط ومتابعة للملف الاقتصادي، على أن تقتصر مشاركة أعضاء مجلس قيادة الثورة بالحكومة على هؤلاء الثلاثة، كما تم اختيار ثمانية عشر وزيرا ثمانية منهم من الحكومة السابقة، وعشرة وزراء جدد بعصيين غير قياديين من أصحاب الكفاءات. وقد استمرت هذه الحكومة قرابة عام، وتحديداً حتى أيلول 1965.
وفي خلال هذه الفترة انعقد على التوالي في نيسان 1965 المؤتمر القطري الثاني ثم المؤتمر القومي الثامن الذي درس تقريراً اقتصاديا مفصلاً عن قضايا التحول الاشتراكي والوحدة الاقتصادية العربية والسوق العربية المشتركة وإشكالات النفط العربي وأخطار الكيان الصهيوني على الاقتصاد العربي وأمور أخرى. وفي نهاية المؤتمر تم انتخاب قيادة قومية جديدة اختارت بدورها الدكتور منيف الرزاز أمينا عاماً بعد اعتذار الأستاذ عفلق.
كما صدر خلال هذه الفترة منهاج مرحلي ودستور مؤقت وتم تشكيل مجلس وطني (برلمان) بالتعيين ضم أعضاء مجلس قيادة الثورة والأعضاء السوريين في القيادة القومية، وأعضاء القيادة القطرية وقيادات اتحاد العمال واتحاد الفلاحين والنقابات المهنية. وعدداً من الشخصيات المستقلة والناصرية والشيوعية وبلغ المجموع خمسة وتسعين عضواً.
ومع اجتماع المجلس الوطني في أيلول 1965 أنهى مجلس قيادة الثورة مهامه وحل نفسه وأوكلت مهامه التشريعية إلى المجلس الوطني والتنفيذي إلى الحكومة.
وقد انتخب المجلس السيد منصور الأطرش رئيساً له ن والسيد مظهر العنبري نائباً للرئيس، كما انتخب مجلس رئاسة مؤلف من خمسة أعضاء وتقدمت الحكومة باستقالتها تمهيداً لتشكيل حكومة جديدة.
وقد اعتذر كاتب هذه السطور عن الاشتراك في الحكومة الجديدة واستقال من كافة مناصبه الرسمية، وقرر التفرغ للبحث العلمي، ومتابعة دراسته الأكاديمية العليا في أوروبا. وقد وافقت القيادة السياسية على عدم مشاركته في الحكومة الجديدة تقديرا للأسباب الموضوعية التي طرحها ولكنها أبقت على عضويته في المجلس الوطني وغيره من المهام وبقي الوضع معلقا حتى قيام حركة 23 شباط التي أعفته من كافة مهامه وأحالته على التقاعد.
وقد غادر الباحث سورية في 28 أيلول 1965 إلى أوروبا متفرغاً للبحث العلمي منذ ذلك التاريخ، ولم يشغل أي منصب حكومي بعد ذلك ولكنه ظل مؤمناً بالقيم والمبادئ التي تربى عليها ومتابعا لأمور وطنه وقطره.
وتجدر الإشارة إلى أن وزارتين قد شكلتا بين أواخر أيلول و 23 شباط استمرت الأولى وهي السابعة بعد 8 آذار قرابة ثلاثة أشهر انتهت في أواخر عام 1965. أما الثانية وهي الثامنة بعد 8 آذار فقد شكلت في مطلع عام 1966 واستمرت حتى شباط 1966.
ولا يفوتني في هذا المضمار أن أنوه بأن التكتلات وصراع مراكز القوى على الصعيدين السياسي والعسكري قد أساءت إلى مسيرة الثورة وأبطأت عملية التنمية والتوجه نحو الديمقراطية.
وأن من الإمراض التي منيت بها بلدان العالم الثالث وهي في طريق النمو، تسلل الانتهازيين والوصوليين إلى أجهزة السلطة، وارتياح بعض المسؤولين من مستويات متعددة إلى الرياء والمداهنة، وتقريب من يقول نعم ويهز رأسه بالموافقة قبل أن يستكمل المسؤول كلامه. وببروز فئة تحسن قراءة الأفكار وتعرض على المسؤول دوما رأيا يتفق مع ما يدور في ذهنه مما أدى إلى خشية البعض من قول كلمة الحق وشعور بعض المسؤولين بأنهم فوق مستوى البشر يرتاحون للنفاق ويعتمدون على من يعتبر النفاق سيد الأخلاق. ولكن لله الحمد تبقى الأكثرية الخيرة في أمتنا ملتزمة بالقيم العربية الإسلامية التي ورثناها عن أجدادنا الكرام.
الفصل الرابع
المبحث الخامس
أخيرا لا آخراً وآفاق المستقبل
في حديثي عن تاريخ سورية المعاصر عرضت أبرز الأحداث التي مر بها القطر العربي السوري خلال عقدين هامين أعقبا انتهاء الحرب العالمية الثانية وتحقيق الجلاء (1946-1966) تضمنت فترة الحكم الوطني الذي أعقب الجلاء ثم فترة الانقلابات العسكرية (بلغ عدد الانقلابات العسكرية 10 انقلابات خلال 21 عام). ثم ربيع الديمقراطية والتعددية السياسية (1954-1958) ثم عهد الوحدة فعهد الانفصال وصولا إلى 8 آذار 1963 والمعروف أن النظام الذي حكم سوريا منذ ذلك التاريخ ليس واحدا بل هو حقب متعددة جاءت كل حقبة من رحم الحقبة التي سبقتها. وقد اجتهدت أن أتوقف عند تاريخ 23 شباط 1966 مع إمكانية المتابعة مستقبلا، ولكن هذا لا يحول دون طرح بعض الأفكار كوجهة نظر قابلة للحوار مع تقديري لأي وجهة نظر مخالفة.
لقد دخل العالم وأمتنا العربية جزء منه الألفية الثالثة وتحديداً القرن الحادي والعشرين وهي تواجه العديد من التحديدات، فهل نواجهها منقسمين أم متحدين؟ وهل ترتفع إلى مستوى المسؤولية؟
1- لقد مضى عهد الانقلابات العسكرية والوصول إلى السلطة على دبابة أو بالقوة المسلحة، فواجب القوات المسلحة هو الدفاع عن الأمن الخارجي للأمة العربية، وحمايتها من أي عدوان أجنبي، وتبقى وحدة أمتنا العربية والسير على طريق الدولة العربية الواحدة التي تتطابق حدودها مع حدود الأمة هدفاً استراتيجياً لكل من يريد الخير لهذه الأمة، وبإمكاننا انتقاء الصيغ والمراحل التي توصلنا في خاتمة إلى ما يرضي ضميرنا ووجداننا ويحقق آمالنا.
2- الوحدة الوطنية داخل القطر الواحد لابد منها كمرحلة أساسية على طريق الوحدة العربية، وهذا يتحقق بالمساواة التامة بين كافة المواطنين بغض النظر عن أصول المواطن أو لونه أو جنسه أو دينه أو مذهبه أو انتمائه السياسي، وأن يشعر المواطن بكرامته الإنسانية ويزاول حريته الديمقراطية من تعددية سياسية وتداول السلطة بشكل سلمي والاحتكام دوماً إلى صناديق الاقتراع.
3- من طبيعة أي نظام ديمقراطي أن يتقبل قيام معارضة سياسية تعمل وفق الدستور والقوانين من داخل البلد لا من خارجه، وهذا يتطلب بالضرورة الإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين والسماح بعودة كافة المهجرين السياسيين إلى بلدهم لممارسة حقوقهم وواجباتهم في إطار القانون.
4- ومن حق المواطن العربي في القرن الحادي والعشرين أن يتوقع دستورا عصريا يجمع بين تراثنا العربي الإسلامي والحداثة المعاصرة في القرن الحادي والعشرين، وقانون انتخاب منسجم مع الدستور الجديد وروح العصر والاحتكام دوريا إلى صناديق الاقتراع بحرية وموضوعية ومصداقية تؤكد مكانتنا الدولية وترتفع بنا إلى المستوى الذي نستحقه، وتمهد لوحدة عربية تحدد مصيرنا في عصر التكتلات الدولية الكبرى، وتنسجم مع حضارة العروبة والإسلام، حضارة أربعة عشر قرناً، حضارة أغنت الحضارات الأخرى وشكلت نبراسا مضيئا للعالم في كافة المجالات العلمية : كالطب والهندسة والجبر، والمجالات الفكرية والاجتماعية.
قال تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم
وأمرهم شورى بينهم
وقال أيضا : بسم الله الرحمن الرحيم
وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون
صدق الله العظيم .
1 الذي أصبح رئيساً للوزراء في عام 1951.
عززت باتفاقية سان ريمو التي عقدت في 16/4/1920 بين إنكلترا وفرنسا وإيطاليا واليابان والتي حصلت فرنسا بموجبها على الانتداب على سورية ولبنان.[2] نضال البعث، الجزء الأول، دار الطليعة، بيروت.
[3] وفعلاً كان نفسه الرئيس السوري الذي وقع اتفاق الوحدة مع مصر عام 1958 أي بعد اثني عشر عاماً على الجلاء ورفع راية الجمهورية العربية المتحدة وتنازل عن الرئاسة للرئيس جمال عبد الناصر وأصبح لقبه المواطن العربي الأول.
[4] ينص الدستور على أن مدة رئيس الجمهورية خمس سنوات غير قابلة للتجديد إلا بعد انقضاء خمس سنوات أخرى وبموجب التعديل أصبح يحق للرئيس ولاية ثانية غير قابلة للتجديد إلا بعد انقضاء خمس سنوات.
1 العقيد سامي الحناوي: ولد في حلب عام 1898 وتلقى تعليمه فيها وتخرج في مدرسة المعلمين عام 1916. طلب للخدمة في الجيش العثماني، وقبل بالمدرسة العسكرية باسطنبول، وتخرج فيها في 24/7/1917 برتبة مرشح ضابط. حارب في صفوف الجيش العثماني في القفقاس ومن ثم في فلسطين، حيث تم أسره من قبل قوات الثورة العربية لذا عمل على التحاقه بالجيش العربي الفيصلي ودخل المدرسة الحربية في دمشق، وتخرج فيها عام 1919 برتبة ملازم. وفي عام 1922 تقدم بطلب للقوات الخاصة الفرنسية فرفض طلبه لضعف ثقافته العسكرية، لكنه التحق بالدرك (شرطة الأرياف) في لواء الإسكندرون، فأخفق فسّرح من الخدمة، تطوع في خدمة المستشار الفرنسي في بإدلب، ونتيجة تفانيه في خدمة الفرنسيين ألحقوه بالقوات الخاصة، وتدرج حتى وصل رتبة نقيب، وبعد قيام العهد الوطني وتأسيس الجيش العربي السوري تم قبوله كضابط في الجيش واشترك في حرب فلسطين ورفع إلى رتبة مقدم لبسالته، وللعلاقة المتينة التي تربطه مع الزعيم حسني الزعيم أراد أن يكون ذراعه وسنده لهذا منحه استثناءً رتبة عقيد، علماً بأنه لم يكن من الضباط اللامعين وبعد نجاح انقلابه رفع إلى رتبة الزعيم.
الأستاذ الدكتور غسان محمد رشاد حداد
· مكان وتاريخ الولادة : اللاذقية - سورية 1926
· دكتوراه دولة في التخطيط والإحصاء
· دكتوراه علمية (DSC) في الاقتصاد العربي والدولي
· بكالوريوس الكلية الحربية وماجستير كلية أركان حرب
الخبرات الأكاديمية والعلمية
· لواء ركن.
· 1963 ـ 1966 وزير التخطيط في سورية.
· 1966 ـ 1975 باحث - جامعة همبولد.
· 1975 ـ 1985 مستشار اقتصادي ورئيس الخبراء - وزارة التخطيط العراقية، وأستاذ محاضر للاقتصاد العربي والدولي في جامعة بغداد.
· 1985 ـ 2002 أستاذ للدراسات العليا - الجامعة المستنصرية، بغداد – العراق.
· 1986 انتخب من قبل الهيئة الدولية للموسوعات في كامبردج ضمن خمسة آلاف شخصية عالمية تضم قادة الفكر والعلم والثقافة في العالم.
· 1987 وضع أسمه على لائحة الشرف من قبل المركز الدولي للسير الذاتية في كامبردج، وانتخب نائباً للمدير العام عن قارة آسيا.
· 1988 وضع اسمه على لائحة الشرف بين المفكرين المتميزين في العالم من قبل المعهد الدولي للسير الذاتية في الولايات المتحدة الأمريكية.
· 1995 منح الشهادة التقديرية للاتحاد العام للكتّاب والمؤلفين في العراق تقديراً لجهوده العلمية الرصينة في إغناء الحياة الثقافية وتوثيقاً لإسهاماته المعرفية المتميزة.
· حصل على العديد من الأوسمة والميداليات.
· ورد أسمه في العديد من الموسوعات العالمية.
· عضو في الاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب.
· عضو في الاتحاد العام للمؤرخين العرب، وعميد معهد التاريخ العربي للعام الدراسي 1993 ـ 1994.
· عضو في الاتحاد العام للاقتصاديين العرب وعضو الهيئة الاستشارية في الأمانة العامة وعضو هيئة تحرير مجلة الاقتصاد العربي.
· عضو هيئة تحرير عدد من الدوريات المتخصصة.
· شارك في العديد من المؤتمرات العلمية القومية والإقليمية والدولية.
· كتب العديد من الدراسات والبحوث العلمية المنشورة في اللغات العربية والألمانية والفرنسية.
· شارك في العديد من المؤتمرات العلمية والندوات والحلقات النقاشية وخاصة المتعلق منها بالاقتصاد العربي والتخطيط والتنمية وحماية البيئة.
· طبعت بعض كتبه وأشرف على العديد من أطروحات الدكتوراه والماجستير.
بعض البحوث التي تم نشرها:
1. خصائص القطاع العام والاشتراكي - مجلة الاقتصادي.
2. حول إقامة التعاون الاقتصادي العربي - مجلة الاقتصادي العربي.
3. نحو عمل اقتصادي عربي مشترك - دراسات عمالية الصادرة عن منظمة العمل العربي.
4. نحو تكامل اقتصادي عربي صناعي - مجلة الاقتصاد العربي.
5. التطور السياسي والاقتصادي في سورية - جامعة البكر.
6. التحديات التي تواجه الأمة العربية في مطلع القرن الحادي والعشرين - مركز بحوث ودراسات الوطن العربي.
7. الاتحاد النقدي الأوروبي ومعاهدة ماسترخت - مركز بحوث ودراسات الوطن العربي.
8. إشكالات المياه في بعض الأقطار العربية الإفريقية - مركز البحوث ودراسات الوطن العربي.
9. مستقبل الاتحاد الأوروبي في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين - مركز بحوث ودراسات الوطن العربي.
10. العرب ومنظمة التجارة العالمية (W. T. O).
11. العرب والعولمة.
استضافته كأستاذ زائر أو محاضر في كل من الجامعات (الجزائر - الرباط - الأردنية / عمان - العلوم التطبيقية / عمان - فيلادلفيا / عمان - مونص في بلجيكا - برلين الحرة - همبولد في ألمانيا - التكنولوجية في ألمانيا - معهد الدراسات العمالية في الجزائر، وجامعات باريس).