سوريا... لا خبز ... ولا حرية

د.خالد الأحمد *

للكاتب آلن جورج (2003) وتعريب حصيف عبد الغني (2006) 

والكاتب مساعد مدير مجلس التفاهم العربي البريطاني (كابو) وكاتب في أهم الصحف البريطانية كالابزورفر، والاندبندت ،والعربية المهاجرة كالشرق الأوسط والقدس العربي .

رجل موضوعي حيادي ، كتابه هذا مبني على مقابلات شخصية مع سوريين . قال مدير منظمة مراقبة حقوق الإنسان ( لوتي لخت ) : ( تقييم قوي لربيع دمشق والإجراءات الصارمة ضده من أجل البقاء في السلطة )... وقالت عنه الكاتبة من أصل سوري ( رنـا قباني ) : ( نقد مدمر لحكم الحزب الواحد ، والسلطة بدون ضوابط ، ودفاع مثير عن حركة المجتمع المدني الشجاعة في سوريا ) .

تخرج الكاتب من اكسفورد (1970) وحصل على الماجستير في جغرافية الشرق الأوسط ، ثم الدكتوراة في موضوع سوريا (1978) وبدأ العمل كصحفي عام (1984) .

جاء في مقدمة الكتاب : بعد وفاة حافظ الأسد وتسلم بشار ؛ استطاع السوريون بعد عقود أن يتكلموا بحرية [ المثقفون فقط ] ـ والكلام بين المعقوفتين لي ـ ، وبدأت الصحف تنشر مقالات تطالب بالديموقراطية ، فقام عتاة النظام الحاكم بهجوم معاكس ، أغلقوا المنتديات وأحالوا المناضلين إلى المحاكم العرفية ، ولم يكن بشار قادراً على مواجهة مطالب المتشددين في النظام [ الحرس القديم ] وظهر أن الرئيس ليس هو مركز القرار ... وفي قمعه لحركة المجتمع المدني حاول النظام تلطيخ سمعتها بوصمها بالخيانة، و"أنها أداة للصهيونية والاستعمار"...

طالبت حركة المجتمع المدني بإلغاء قانون الطوارئ الذي فرضه النظام قبل أربعين سنة ، والذي يعطي رجال الأمن سلطات غير محدودة .  وتريد وضع حد للتعذيب -في المعتقلات والسجون- ولتغييب الأفراد ... ويجادل نشطاء المجتمع المدني في سورية مطالبين بوضوح بإصلاح سياسي واسع شامل كأساس لازم لأي تحسن في نوعية الحياة -للمواطن السوري- وكشرط لازم لا بد منه لإنهاء حالة الاستنقاع في الأزمة الاقتصادية المزمنة...

بداية أراد بشار الأسد إصلاح السياسة والاقتصاد ولكن بضغط من المتشددين في النظام اختار الإصلاح الاقتصادي فقط".لا يحيى الإنسان بالخبز فقط"، هذا ما قاله مرة حافظ الأسد، "بل يحتاج المرء ليعيش إنسانيته، إنه بحاجة لمعنى أخلاقي في حياته، إنه بحاجة للحرية والكرامة".(3) والحقيقة أن حافظ الأسد لم يوفر لا الخبز ولا الحرية. ولقد علّق رياض سيف عضو البرلمان الذي سجن عام 2001 لاشتراكه في حركة المجتمع المدني, أن بشار وضع الأولوية للخبز قبل الحرية فهل يستطيع, وإلى أي مدى, النجاح في ذلك، هذه أسئلة لا تزال مطروحة!

وفي الزيارتين اللتين قمت بهما إلى دمشق عامي 2001-2002م تقدمت بطلب رسمي لمقابلة كبار المسوؤلين  في حزب البعث ولكنهم لم يكونوا كلهم جاهزين لذلك، ولقد استنتجت من هذا الموقف أن الحزب, رغم  وجوده الكلي إمّا أنه لا شيء عنده ليقوله أو أنه لا يريد أن يصرح بشيء؛ عائق آخر كان أمامي هو فشل وزارة الإعلام في الموافقة على السماح لي بسِمة دخول إلى سورية عندما قررت زيارتها في نيسان وأيار من عام 2002م؛ وبأسلوب يذكّر بكتابات (جورج أرول) و(فرانتزكافكا)، لم يقدم لي أي سبب (لرفض إعطائي سمة دخول إلى سورية).لم يكن اسمي على القائمة السوداء للممنوعين من الدخول، ولم يرفضوا رسميا إعطائي سمة الدخول، وأدى الأمر بطريقة ما إلى عدم إصدار السمة ...

وتجري الاعتذارات التي تدربوا على إطلاقها جيدا:  إن سورية تواجه باستمرار تهديد إسرائيل العدوانية، لذا يستوجب هذا تحويل مصادرها الوطنية للدفاع، ولتقوية جهاز أمنها... وأن حقوق الإنسان تأتي في المرتبة الأدنى بعد الحاجة إلى الاحتراز من المؤامرات الأجنبية ...

ويستحق الشعب السوري كل التقدير على ثبات قوته وحيويته وروحيته التي لم تروع كليا بعقود سود من القهر وثابر على النضال اليومي في سبيل الحصول على ما يكفيه من دخل ولقد دهشت باستمرار وأعجبت بالطريقة التي يتعامل بها السوريون مع بعضهم البعض وقوامها اللياقة والتسامح والتماسك. ولم يفقدوا روح الدعابة  والنكتة, والحق أن هذه الروح هي إحدى أبرز دفاعاتهم ضد النظام. حدثت حفرة عميقة في أحد شوارع دمشق ولم يكن هناك أي إعلان لتنبيه السائقين والمشاة لتلك الحفرة, ومع تزايد الإصابات من جرّائها شكا أحد المواطنين للسلطات المسؤولة طالبا إما ردم الحفرة أو على الأقل, وضع إشارة تنبيه حولها وعوضا عن القيام بأحد الأمرين عينت السلطات ممرضة لتسعف المصابين قبل نقلهم إلى المشافي. وعندما تكررت الشكاوى من الحفرة عمدت السلطات لتخصيص سيارة إسعاف لتقف قرب الحفرة، ولكن ذلك لم يوقف طوفان الشكاوى فأمرت السلطات ببناء مستشفى قرب الحفرة لنقل المصابين اليها مباشرة. وأطلقت على المستشفى اسم ابن الرئيس: الراحل باسل. ورغم ذلك ظلت الشكاوى تتوارد بلا انقطاع.

وفي النهاية وبعد اجتماع لأعلى المسوؤلين الحزبيين في المكتب التنفيذي للقيادة القطرية لحزب البعث صدر قرار بأن يحفر كلّ الشارع ويخفّض إلى مستوى قعر الحفرة وهكذا انحلت المشكلة.

لقد حاولت السلطات تلطيخ سمعة المناضلين في حركة المجتمع المدني بنعتهم بالخونة والعمالة للعدو الأجنبي. ولم يقبل الناس هذه الاتهامات من نظام خان بشكل بارز آمال شعبه ومصالحه وكان همه الأول والأوحد هو السلطة من أجل السلطة نفسها. والوطنيون الحقيقيون وأبطال سورية الحديثة ليسوا هم رؤساء الأجهزة الأمنية القابضة على أعناق الناس. ولا مطلقو شعارات حزب البعث من موظفي الحزب. بل هم مناضلو حركة المجتمع المدني الذي يستطيع الوطن الافتخار بهم ,ولهؤلاء كرست وأهديت هذا الكتاب.

               

    * كاتب سوري في المنفى باحث في التربية السياسية