العلامة الموسوعي عبد الرحمن الأخضري
فوزي مصمودي في كتاب جديد:
شخصيته ومواقفه
عبد الله لالي
بسكرة الجزائر
الأستاذ فوزي مصمودي[1] كاتب ذو همّة لا تفتر، وبحث دؤوب لا ينقطع ، ما يكاد ينتهي من مهمّة ثقافيّة أو نشاط فكريّ حتى تجده قد ولج إلى آخر..فاعل معطاء يدهشنا باستمرار بجديده المتميّز..
وها هو يوقع مرّة أخرى في عالم الإبداع بكتاب جديد عن ( العلامة الموسوعي عبد الرحمن الأخضري، شخصيته ومواقفه)، وقد صدر الكتاب بدعم من وزارة الثقافة وطبع بدار موفم للنشر في 200 صفحة من القطع المتوسط، بمقدمة وفصلين، واحتوى كلّ فصل عدّة عناوين تناولت حياة العلامة الأخضري ، نتحدّث عنها بشيء من الإيجاز – بعد الحديث عن المقدمة - في ما يلي:
المقدمة:
في مقدّمة الكتاب تحدّث الكاتب عن الحركة العلميّة التي تميّز بها القرن العاشر الهجري حيث قال:
" شهدت الجزائر خلال القرن ( 10 الهجري – 16 الميلادي ) حركة علميّة متميّزة، نبغ فيها العديد من العلماء الذين قادوا حركة الفكر التجديدي رغم انعدام الاستقرار السياسي بسبب ضعف الدّولة الزيّانيّة والتحرّشات الأوربيّة التي تزعمتها إسبانيا والبرتغال والدّانمارك وإيطاليا... "
ثمّ بدأ حديثه عن النابغة عبد الرّحمن الأخضري الذي اعتبره طفرة فريدة في مجتمعه، وأنّه كان علامة مضيئة في عصره أنارت الشمال الإفريقي، ولاحظ أنّه لم يحظ بالمكانة التي يستحقها..الأمر الذي دفع بالكاتب إلى التنقيب عن حياته ومسيرته العلميّة، وتحدّث أيضا عن العقبات والعراقيل التي واجهته أثناء تأليف هذا الكتاب والتي منها؛ صعوبة الحصول على مؤلفاته ومنظوماته المخطوطة، وقلّة بل ندرة كتبه المطبوعة.
الفصل الأوّل:
هذا الفصل خصّصه الأستاذ فوزي مصمودي لحياة العلامة عبد الرحمن الأخضري وشخصيّته، وبدأه بالحديث عن عصره الذي كان عبارة عن فترة حرجة ومنعرج خطير مرّت به الجزائر ، والتي كانت تتعرّض لهجمات الإسبان الذين تمكنوا من احتلال كثير من المدن الساحليّة.
وكذلك الاضطراب الاجتماعي الذي عبّر عنه العلامة الأخضري في بيتين من الشعر يقول فيهما:
هذا زمان كثرت فيه البدع واضطربت عليه أمواج الخدع
وخسفت شمس الهوى وأفلت من بعد ما بـزغـت وكملـت
بعد ذلك انتقل المؤلف إلى الكلام عن نسب الأخضري ومولده فذكر أنّه:
" أبو زيد عبد الرحمن بن محمّد الصغيّر بن محمّد بن عامر الأخضري ، ولد في عائلة علميّة شهيرة ، تنحدر من بني سليم، القبيلة العربية التي وفدت مع الهلاليين إلى بلاد المغرب الإسلامي ..." إلى أن يقول :
" وفي رحاب هذه الأسرة العلمية التي توارث أفرادها العلم والتعليم والإصلاح قرونا عديدة ولد الشيخ عبد الرحمن الأخضري ....وذلك في 920 هـ- 1514 م ببلدة بنطيوس " وقد استدلّ على تاريخ مولده من بيتين من الشعر قال فيهما عن نفسه:
ولبني إحدى وعشرين سنة معذرة مقبولة مستحسنة
لاسيما في عاشر القرون ذي الجهل والفساد والفتون
ويعرض أيضا للقب الأخضري ويقول أنّه يرجع إلى بطن من بطون قبيلة بني سليم، ويتحدّث عن نشأته العلميّة وأساتذته الذين أخذ عنهم، ويذكر رحلته إلى تونس ودراسته بجامع الزيتونة، ويناقش مسالة زواجه التي اختلف حولها من كتبوا عنه، ويؤكد أنّه تزوّج فعلا وخلف أبناء وأحفادا ؛ مستدلا بوثيقة نادرة تحصّل عليها رجال أسرة الأخضري من محكمة طولقة.
وفي عنوان فرعي آخر يتحدّث المؤلف عن بلدة بلعلى الجبليّة في قلب الأوراس التي كثيرا ما كان يأوي إليها، متعبّدا ومؤلفا ومعلّما أيضا، ليعرض بعد ذلك إلى تلاميذه ومن تلقوا عنه العلم.
وبعد أن يتحدّث الكاتب عن نشأة التصوّف وكيفيّة دخوله إلى الجزائر وأهمّ الطرق الصوفيّة الموجودة بها مثل الطريقة التيجانيّة والقادريّة؛ يذكر علاقة الشيخ الأخضري بالتصوّف وأنّه كان ينظر إليه بمنظار الشرع والقرآن إذ هو تزكيّة للنفس وتهذيب للروح والأخلاق، فإذا تجاوز حدوده إلى غير ذلك صار دجلا وضلالا، وهو يحمل على غلاة الصوفيّة حملة شديدة إذ يقول فيهم:
قد ادعوا مراتب جليلة والشرع قد تجنبوا سبيله
وينفي عنهم خوارق العادات والإتيان بالمعجزات فيقول في بيتين رائعين:
واعلم بأنّ الخارق الرّباني لتابع السنّة والقرآن
والفرق بين الإفك والصّواب يعرف بالسنّة والكتاب
وهذا كما نرى هو موقف كلّ أهل السنّة والجماعة من التصوّف الصحيح، الذي يزن أعمال النّاس بميزان الكتاب والسنّة لا بميزان الأهواء والبدع.
ثم يعرض الكاتب لوفاة العلامة الأخضري فيقول:
" وقد اختلف العديد من العلماء والمؤرخين في تحديد تاريخ وفاته، حيث يرى بعضهم أنّ العلامة لحق بربّه عام 953 هـ الموافق لـ 1546 م، مؤكدين أنّه عاش ثلاثا وثلاثين عاما فقط، ومن هؤلاء حفيده أحمد بن داود في مخطوطته ( العقد الجهوري ) والدّكتور أبو القاسم سعد الله في موسوعته[2] ( تاريخ الجزائر الثقافي ) ..." بينما يذكر الكاتب أنّ باحثين آخرين قالوا أنّه مات وعمره 63 عاما. وقد بنيت حول قبره زاوية لتعليم القرآن الكريم مازالت قائمة إلى يومنا هذا.
ويعرض الكاتب أيضا إلى دور زاويته الرّسالي في الحفاظ على دين الأمّة ولغتها وتراثها، إلى أن يعرّج إلى قضيّة هامّة أثارت جدلا كبيرا بين العلماء والباحثين ، وهي إثبات نبوّة ( خالد بن سنان العبسي )[3] المدفون ببلدة سيدي خالد المسمّاة باسمه بمنطقة الزيبان التابعة لولاية بسكرة ( الجزائر ).
ثمّ كتب الأستاذ فوزي مصمودي عنوانا آخر( العلامة الأخضري في عيون الرّحالة العرب)، وذكر آراء ثلاثة منهم هم العيّاشي والورتلاني والزيّاني، كما تحدّث أيضا عن كتاب ( العقد الجوهري ) الذي ألفه حفيد العلامة الأخضري القاضي الشيخ أبو محمّد أحمد بن داود، ويعدّ هذا الكتاب أوّل ترجمة وافيّة لحياة الأخضري رحمه الله.
وخصّص الكاتب الفصل الثاني من كتابه للحديث عن آثار الشيخ العلامة الأخضري ، والتي تجاوزت الثلاثين أثرا بين كتاب ومنظومة شعريّة، ذكر منها:
1 – السراج في علم الفلك: وهي منظومة شعريّة في علم الفلك بلغ عدد أبياتها 296 بيتا ومما جاء في مقدمتها:
وبعد فاعلم أنّ علم الفلك علم غزير من أجلّ مسلك
أعني الذي تدرى به الأوقات والفجر والقبلة والساعات
وما به تطرق للغيب فذاك الحرام دون ريـب
2 – الدّرة البضاء: يقول فيها الكاتب " هي منظومة علميّة طويلة تقارب الـ 500 بيت ويقول فيها:
أبياتها زادت على التسعين من بعد أربع من المئين
وتتناول علم الفرائض والحساب والتركات والقسمة.
3 – السّلم المرونق: وهي أيضا منظومة شعريّة في علم المنطق ، كتبها وعمره 21 عاما، وتتألّف من 143 بيتا من بحر الرجز، وكانت من أهمّ الروافد العلميّة في الجزائر في العهد العثماني. وقد قام بشرح السلّم المرونق كثير من الكتاب والعلماء.
4 – الجوهر المكنون في صدف الثلاثة الفنون: وهي أيضا مؤلف شعري في الأدب والبلاغة والعربيّة ، ألفه عام 950 هـ من 291 بيتا، وقد اعتنى بها المشارقة والمغاربة ودرّست في كبرى المعاهد العلميّة في العالم الإسلامي.
5 – مختصر العبادات في الفقه المالكي: وهو كتاب صغير في الفقه المالكي، وله شروح كثيرة لا زالت تدرّس مع الأصل إلى يوم النّاس هذا.
وهناك كتب ومؤلفات أخرى غيرها ذكرها الكاتب منها :
- أزهر المطالب في هيئة الأفلاك والكواكب
- القدسيّة ( منظومة شعريّة ) في التصوّف
- شرح صغرى السنوسي ( رسالة في علم التوحيد )
- نظم الأجروميّة ( الدّرّة البهيّة ).
- منظومة قواعد الإعراب.
وكثير من الكتب والمنظومات غيرها في فنون شتى من العلم، وختم كتابه بقائمة المراجع والمصادر. وزيّن الكتاب بجملة من الصور التوضيحيّة الهامّة مثل الخرائط وأغلفة الكتب المخطوطة أو المطبوعة والأماكن المذكورة في الكتاب. كما زيّل صفحاته بكثير من الهوامش التوضيحيّة النافعة.
ختاما:
إنّ كتاب ( العلامة الموسوعي عبد الرّحمن الأخضري ) للأستاذ فوزي مصمودي الباحث في علم التاريخ والإعلامي المعروف، هو دراسة مستفيضة وبحث مدقق لحياة الشيخ العلامة عبد الرحمن الأخضري ( 1514 – 1575 م ) فيه شفاء للسائل وكفاية للمستقصي، تناول عدّة جوانب هامّة من حياته وأنار زوايا كانت خفيّة على الدّارسين.
[1] &n - الأستاذ فوزي مصمودي أستاذ اجتماعيّات باحث في علم التاريخ من مواليد 1967 م ، رئيس الجمعيّة الخلدونيّة للأبحاث والدّراسات التاريخيّة ، ورئيس تحرير مجلتها الخلدونيّة ، عضو اتحاد الكتاب الجزائريين، إعلامي نشيط في مجال الصحافة والإذاعة له عدّة برامج إذاعيّة بإذاعة بسكرة الجهويّة (الجزائر).
[2] - أبو القاسم سعد الله شيخ المؤرخين الجزائريين ، ومن كبار أعمدة الثقافة الجزائريّة.
[3] - خالد بن سينان العباسي رجل صالح ظهر في زمن الفترة بين سيدنا عيسى عليه السلام وسيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلّم ، في حدود 300 بعد الميلاد، له قبر يزار ببلدة سيدي خالد يبعد 100 كم عن ولاية بسكرة في الجنوب الجزائر ، يزعم العامّة أنّه نبيّ من أنبياء الله ، وذهب الشيخ عبد الرحمن الأخضري إلى أنّه فعلا نبيّ من أنبياء الله.