من أدب مصر والشام في العصر الفاطمي

د. حسن الربابعة

[email protected]

المقدمة بقلم المؤلف

الحمدُ لله رب العالمين ، أهل الحمد كله ، المستوجب له الحمد من أمة الحمد خاصة ، كما يستوجبها حمداً بعدد ما ينبغي له أن يحمد عليه ، حتى يرضى سبحانه وتعالى عما يشركون ،فالحمد له تبارك اسمه وتقدس علاه ،فحمده واجب على كل ذي مقالة،يبدأ بها ،قبل افتتاحها كما بدئ بالنعمة قبل استحقاقها، فالحمدُ لله شعارُ أهل الجنة ، وبالحمد لله افتتحَ  سبحانه  كتابَهُ العزيزَ وهو فرقانهُ العظيم ؛ فحمدُ الله خيرُ مفتتحٍ للقول ،وخيرُمختتم ،والصلاة والسلام على عبده ونبيِّه ، خاتمِ رسله النبي الأميِّ الأبطحي الهاشمي محمّد ، أصلِ الشجرة الثوارنية ، وعلى عترتهِ الطاهرة وآلهِ الأطياب ، وصحبه الأنجاب ، مصابيح الهدى ، في حنادس الظُّلم ، صلاةً تُحلُّ بها العُقَدُ ، وتنفرجُ ببركتها الكُربُ ، عن أمتي؛ الإسلام والعرب ، فيلملم شعثُها ، ويُستشفعُ بها يوم الحساب،وبعد؛

   فهذا كتاب وسمهُ " من أدب مصر والشام في العصر الفاطمي " ، ضمّ بين دفتيه دراسةَ أنموذجات شاهدة ، لمفردات خطة دراسية يتقرّاها طلبة بكالوريوس اللغة العربية في جامعة مؤتة ، التي تنمازُ عن غيرها من الجامعات الأردنية – فيما أظنه – بتدريس هذا المساق ضمن خطتها الدراسية .

وقد نهض الكتاب على خمسة فصول على النحو الآتي :

الفصل الأول : الفاطميون " لمحة في إطار تاريخي " جغرافي ، عرض لنسبهم والخلافِ فيه , وأسماءِ الخلفاء الفاطميين الأربعة عشر ، ممن تسلَّموا سدَّة الخلافة مدة مائتين وسبعين عاماً ، وأبرز الإنجازات في إطار تاريخي " زماني " بغية أن يستتم بإطار جغرافي مكاني لمصر وثغورها على بحري الروم " المتوسط" والقُلزم " الاحمر " وينضاف إليهما ثغرُها النيليُّ الماخر بها من جنوبها الى شمالها ؛حيث يغذي البحر المتوسط بشريانيه ، دمياط ورشيد ، معززاً الدراسة بخريطة تبيِّنُ أبرز المواقع والثغور ومجليَّة ،وأ برزت واجبات الولاة وأعوانهم ، وتحصينات الثغور من أسوار وأبواب وخنادق وقلاع وأبراج ومآصر :" سلاسل ضخمة " ومنارات ومرايا ومآذن وغيرها ، مما كانت تسليحاً للثغور الأمامية، دفاعاً عن مصر ضَّ أعدائها؛ من هجومات داخلية كالقرامطة ، وخارجية من غزوات الأساطيل الرومية ، والصليبية ، كان ذلك من منحى تاريخي جغرافي عسكري مقولباً أدبياً بشعره ونثره .

لقد كان لطول السواحل الفاطمية الممتدة ، من حدود موريتانيا اليوم على المحيط الأطلسي ، مروراً بسواحل البحر المتوسط الجنوبي كلِّه وشرقيِّه كلِّه ، ينضاف الى ذلك جزرُ قبرصَ وصقليةَ وسردينةَوغيرها، في عرض البحر المتوسط ، دور في إنشاء أسطول قوي ، لا يرتبط قائده بإمرة قائد الثغور ، بل له صلاحية مستقلة للذود عن أمن البلاد كلما اقتضى الأمر ذلك .

وبرزت صناعات السفن والأساطيل في ثغور مصرَ الشمالية كالإسكندرية ودمياط والفرَما ، كما انمازت سفن الجلاب للبحر الأحمر خاصة ، دونما مسامير ظناً منهم خطأ؛بأن فيه مغانط تجذبُها فتغرق ، فحملهم ذلك على تجنبه ، فأبدعوا بوسائل أخرى في بناء السفن ؛ وتنوَّعت السفنُ حربيةً وتجاريةً ؛ تمخرُ عُباب البحار ونهر النيل، وللسباحة والتنزُّه ، وعزز ذلك بشواهد شعرية ونثرية في باب الأدب الفاطمي .

أمّا الفصل الثاتي فدرس أنموذجاتٍ من الشعر الفاطمي وأسبابَهُ ، وعزي لكثرة الأعياد الدينية من إسلامية ومسيحية وفارسية وموسمية ، كالنيروز الفارسي، وإجتماعية كأعياد كسوتي الصيف والشتاء ، ومناسبات ركوبات الخلفاء كلَّ يومي سبت وثلاثاء ، الى متنزهات النيل ، وعيد كسر الخليج ،إذا تجاوز منسوبُهُ

 ( 16 ) ستَّ عشرة ذراعاً ونيفاً , فيُستبشر به يومئذٍ موسمَ خير وعطاء ، فمصرُ هي هبةُ النِّيل ، وكم  كان ينفق من أموال طائلة على هذه المناسبات ، ويُخلعُ على الناس خلع ، ويُنعَّمون بالنِّعم ، وكان للشعر صولجانهُ المجلِّي  في مثل  هذه المناسبات ، فيكافأ الشعراء المجيدون على أشعارهم ، وإزدهر الشعر لكثرة ما قيل في المبان القديمة ، كالأهرامات ، والديارات ، والحديثة كالقصور والمنشآت المزخرفة السامقة ، في حناجر الفضاءات ، يغنِّي الشعراء في أروقتها ، أشعارهم المتعددة الأغراض ، منها أشعار سياسية ، تدعو للعقيدة الفاطمية ، فيكافأُ الشاعر من الخليفة أحياناً ، أو من  الوزير الداعي لهذه العقيدة أحياناًٍ أخرى .

وينضاف الى عَقْدهم مهرجانات نقدية على مسامع الخلفاء ، فيجيزون المبدعَ لا غير ؛ لأنّ نقدَ الشعر كان من أهل الفصاحة والبيان ، منهم الخلفاء الشعراء كالمنصور بالله، والمعز لدين الله ، وولده الأمير الشاعر تميم ، والحاكم بأمر الله ، وحذا حذوهم بعض الوزراء والقضاة ، فحركوا أقلام الشعراء .

وكان للظلم الإجتماعي دوره في هجاء بعض الوزراء والقضاة , فأقال الخليفةُ الوزيرَ موسى بن مِنشَّأ اليهودي  لما تناهى الى مسامع الخليفة ظلمُهُ.

أمّا الفصل الثالث ،" موضوعات شعرية في العصر الفاطمي " ، فتعدَّدت وكان موضوع العقيدة الفاطمية ، جديداً في طرحه فبرز منه خمسة عشر موضوعاً منها الحقيقة المحمدية ، والخليفة حجة ، والخليفة وصيُّ ، ودلالة " كن " ، والسلام على جميع الأنبياء ، ومقارنة بين خليفة ونبي ، والوصي هو داعي الدعاة ، والملائكة هم الدعاة ، و منها تشيُّعٌ ولكن لا يشتمون السلف ، كما برز الطعنُ في نسب الفاطميين ، وفضلوا علياً على العبَّاس ، واختتم الفصل بمجالس الحكمة ، ومعانيها وأبرز ما كان فيها ، وختم هذا الفصل بمراسلات شعرية ، ووصف السفن : الحربية والإدارية ، وأنواعها كالشواني والحربيات ، التي كانت تطلق مقذوفاتها بالنار الإسلامية ، التي لا تنطفئ على سطح الماء .

أمّا السفنُ الإداريةُ فمتنوعة ؛ منها التي كانت تمخر النيل ، وتحمل البضائع في تنقُّلٍ داخلي ، ومنها الذي ينتقل في البحر الأحمر بلا مسامير ، وثمت وصف لرحلات بحرية واحتفالات بكسر الخليج .

  وعُرضَ في هذا الفصل إستهداءٌ وردٌّ رسائلي ، وسرد قصصي ، وهجاء لبعض أصحاب المهن كالمغنيين والوزراء ، وصف سابحة في النيل ،وغزل بمتنزهة سوداء ، ومداعبة شاعر في وصف منزله العفن.

    أمّا الفصل الرابع : من أدب الجهاد والحرب ، فنوعان في محوريه : الجهاد والحرب ، فالجهادُ أوسع باباً من صنوه الحرب ، لإنَّ الأول في سبيل الله ، وله مؤيدوه الكثر ، والتخاذل عنه مسبة ، ومخالفةٌُ لأمر الله ، أمّا الحرب ، فلا ينفر إليه كما يُنفرُ الى الجهاد ، لأن فيه تخوفا من عصيان الله ،إن قتل أخاه المسلم أو قتله أخوه ، كما بيَّنه شاهد ذلك .

  وأمّا الفصل الأخير " فنون أدبية أخرى " ، فدرس أنموذجاتٍ نثريةً متعددة ، هي السجلات والرسائل والسير ، وانتهى الفصل بدراسة كتاب " المنازل والديار " ، لأسامة بن منقذ ، غلب على فنونه الطابع النثري ، وإن كانت هذه الفنون لا تخلو من الشعر أحياناً ، فالسِّجلاتُ كتبٌ رسمية من الخلفاء , يطلبون تعميمها ، والالتزام بأوامرها .

  أمّا الرسائل فنوعان : إخوانية ، وموضوعية ، كرسالة الغفران لأبي العلاء المعري ، التي نسجها خيالُه ، فعرض فيها مسائل نقدية دينية ، وإجتماعية ، وأخلاقية ، في محور أدبي رفيع ، وأماالسيرة فنوعان ، غيري كسيرة جوذر الصقلي ، وذاتي كالإعتبار الذي أُختتمت بها الدراسة .

وختاما فأشكر لعمادة البحث العلمي في جامعتنا العزيزة"مؤتة" "التي دعمته بما تيَّسر لها من دعمٍ مادي ،   ولمؤسسة رام للتكنولوجيا والكمبيوتر ، ممثلةً بمديرها السيد : زهير أحمد البطوش ، والأخت الطابعة الآنسة : تغريد الصرايرة ، على جهدها المتواصل في طباعة هذه الدراسة ، بسرعة وإتقان ، قلما يجتمعان إلاّ لمحترفة ، ولا يفوتُني أخيراً شكرُ الآنسة إيمان البطوش ، التي أشرفت على تنسيق هذه الدراسة كلِّها  ولابنتيالعزيزة الطالبة في كلية التمريض "إسراء حسن الربابعة " ولولدي الأصغر "محمد المهدي حسن الربابعة "اللذين  جهدا في إدراج صور الغلاف وغيره بدقة وأمانة ، لم تكونا على ملف الدراسة ،سائلاً المولى عزَّ شأنه أن يكلأهم جميعاً بعين رحمته ، وواسع غفرانهِ ، وأن يصنعَهم على عينه، كما يحبُّ في طاعته ويرضى ، وأن يجري لنا من الأجر مباركاً لنا فيه ، فهو نعم المسؤول، وهو أرحم الراحمين، وآخرُ دعواهم أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.