طه حسين من الانبهار بالغرب إلى الانتصار للإسلام
طه حسين
من الانبهار بالغرب إلى الانتصار للإسلام
بدر محمد بدر
يقدم لنا المفكر الإسلامي د. محمد عمارة في كتابه الجديد "طه حسين.. من الانبهار بالغرب إلى الانتصار للإسلام"، دراسة علمية رصينة، تتناول مراحل التطور الفكري للأديب الكبير د. "طه حسين"، وتكشف ملامح المرحل الأخيرة بالذات، التي يراها المؤلف أهم مراحل حياته، التي يتغافل عنها "المعجبون به، والكارهون له على السواء".
فى مقدمة الكتاب، الذي صدر قبل أيام في 192 صفحة، كهدية مع عدد ذي القعدة من مجلة الأزهر, يستعرض المؤلف سيرة حياة طه حسين (1889-1973م) بداية من مولده في إحدى قرى مركز مغاغة بمحافظة المنيا (شمال الصعيد)، ومرورا بأهم المحطات الفكرية والسياسية والاجتماعية في حياته، وحتى وفاته يوم عيد الفطر (غرة شوال 1393هـ - 28/10/1973م).
بدايات مترددة
ويقسم الكتاب التطور الفكري الذي مر به طه حسين إلى مراحل أربع:
الأولى هي بداياته الفكرية (1908-1914م) والتي بدأت بالتحاقه بالجامعة الأهلية المصرية، بعد حرمانه من نيل شهادة العالمية الأزهرية, وانتهت بسفره إلى فرنسا سنة 1914م، مبعوثا من الجامعة المصرية لنيل درجة الدكتوراه من جامعة السوربون.
وفي هذه المرحلة بدا طه حسين مترددا في الهوية الحضارية لمصر، بين مذهب "حزب الأمة" ومفكره أحمد لطفي السيد، الذي يدعو إلى الوطنية المصرية، الرافضة للعروبة القومية والانتماء الحضاري الإسلامي، وبين اتجاه "الحزب الوطني" وزعيمه مصطفى كامل، ذي الهوية الإسلامية والمدافع عن الجامعة الإسلامية والخلافة.
والمرحلة الثانية (19-1930م) أطلق عليه المؤلف: مرحلة الانبهار الشديد بالغرب، وفيها كان حسين مبهورا بكل ما هو غربي، وساعيا بكل ما يملك إلى إلحاق مصر بهذا النموذج الحضاري الغربي، وفيها ظهرت كتبه التي أثارت جدلا واسعا، منها مشاركته في تأليف والدفاع عن كتاب "الإسلام وأصول الحكم" للشيخ علي عبد الرازق، ثم كتابه "في الشعر الجاهلي"، الذي بلغ فيه قمة الاستفزاز التغريبي، عندما طبق غلو الشك العبثي على المقدسات الإسلامية، ثم كتابه "في الأدب الجاهلي".
ويشير المؤلف إلى أن أهم تطور فكري في تلك الفترة نتج عن زواج طه حسين في فرنسا من فتاة فرنسية مسيحية أقنعها عمها القسيس بالزواج منه، فكانت عينه التي يقرأ بها وأثرت كثيرا في قناعاته الفكرية.
والمرحلة الثالثة (1932-1952) يسميها د. عمارة: "مرحلة الإياب التدريجي والمخاض الحافل بالتناقضات"، ويلخص أهم عالمها في عدة نقاط، منها:
- خلو كتابات طه حسين من أي إساءة إلى الإسلام ومقدساته ورموزه.
- التوجه، ضمن كوكبة من كبار الكتاب، إلى الكتابة في الإسلاميات، والدفاع عن الإسلام ضد التنصير.
- وفي السياسة الإسلامية وعلاقة الدين بالدولة، توالت تأكيداته على شمول الإسلام للدين والدولة كمنهاج شامل للحياة.
- كما تصاعدت نبرة نقده للسياسة الاستعمارية الغربية، مع صعود حركات التحرر الوطني.
- ولكن ظل التغريب الحضاري ملحوظا في عطائه الفكري، وخاصة في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر" 1938م، الذي مثل ذروة التغريب الحضاري في مشروعه الفكري.
الانتصار للإسلام
أما المرحلة الرابعة والأخيرة (52-1960م) فيعتبرها المؤلف: "مرحلة الإياب والانتصار الحاسم للعروبة والإسلام"، وأهم ملامحها تتجسد في تأكيد طه حسين على "حاكمية القرآن الكريم"، وانحيازه إلى العروبة التي صاغها الإسلام بعيدا عن الفرعونية التي تبناها من قبل.
ويشير د. عمارة إلى أهمية رحلة طه حسين إلى الأراضي الحجازية عام 1955، وهي الرحلة التي هزته من الأعماق، ومثلت قمة الإياب الروحي إلى أحضان الإسلام، وميلادا جديدا له بعد مخاض عسير.
ويشكل كتابيه: "مرآة الإسلام" 1959م، ثم "الشيخان" 1960م آخر ما كتب، أهم مراجعاته الفكرية.