الخروج من الرأسمالية
من أجل إنقاذ الكوكب
بدر محمد بدر
الكتاب: الخروج من الرأسمالية من أجل إنقاذ الكوكب
المؤلف: هيرفي كيمف
المترجم: أنور مغيث
الناشر: المركز القومي للترجمة، القاهرة
عدد الصفحات: 152
الطبعة: الأولى 2013
يطلق مؤلف هذا الكتاب صيحة تحذير من الآثار السلبية للرأسمالية على البيئة، والتي ظهرت بوضوح خلال نصف القرن الأخير، ويؤكد أن أمامنا "فرصة أخيرة" من أجل إنقاذ كوكب الأرض، الذي يتعرض لمخاطر شديدة، ينبغى تداركها فورا.
والمؤلف هيرفي كيمف هو صحفي فرنسي مهتم بشئون البيئة، ويعمل مسؤولا عن قسم البيئة في صحيفة "لوموند" الفرنسية، وصدرت له عدة كتب ودارسات عن البيئة، ومنها كتابه الشهير "الأثرياء يدمرون الكوكب".
مخاطر الرأسمالية
يبين الكتاب خطر استمرار النظام الرأسمالي على البشرية بأسرها، من خلال ثلاثة أنواع من المخاطر: بيئية وهي الناتجة عن الاستهلاك المفرط للطاقة وموارد الطبيعة، واجتماعية ناتجة عن تحفيز الاستهلاك الترفي، ودخول منطق الربح إلى مناطق تتعلق بالعواطف والإنجاب والعلاقات الأسرية.
أما النوع الثالث فهو المخاطر السياسية التي تهدد الديمقراطية وحرية اختيار الناس للحياة التي يريدونها، وكل هذه المخاطر تتكبدها البشرية بسبب رغبة كبار الرأسماليين في الكسب، رغم أنف الجميع.
ويشخص المؤلف أبعاد المشكلة كما يراها في النقاط التالية:
1- ترك الأزمة البيئية تتعمق، سوف يدفع بالحضارة إلى تدهور مستمر وهائل في شروط وجودها.
2- حظيت نظرية "آثار السقف"، وهي النقطة التي تفقد الأنظمة الطبيعية بعدها توازنها، بمصداقية كبرى.
3- لا شيئ يبرر أن يكون نصيب الأفارقة أو الآسيويين أو أي جماعة بشرية أخرى، من موارد المجال الحيوي على المستوى الفردي، أقل مما يحصل عليه الأوروبيون واليابانيون وأهل أميركا الشمالية.
4- لن يتمكن أعضاء المجتمع البشري من الوصول إلى المستوى الحالي لاستخدام الموارد لدى الأوروبيين واليابانيين والأميركيين، دون تخطي سقف التوازن في المجال الحيوي، فعلى هؤلاء إذن تخفيض استهلاكهم للموارد، إلى مستوى قريب من المتوسط العالمي، المنخفض كثيرا عن مستواهم الحالي.
5- تتسم المجتمعات المسماة بالمتقدمة بالتفاوت، والإنصاف يعني أن تخفيض الاستهلاك المادي ينبغي أن يكون أكبر بالنسبة للأغنياء من غيرهم، والانخفاض العام للاستهلاك المادي سوف يعوضه تحسين الخدمات الجمعية، التي تتضافر من أجل الرفاهية العامة.
6- التنافس الفاضح موجود في قلب أداء المجتمع العالمي، ويعني أن عادات الطبقات الأكثر ثراء، تحدد النموذج الثقافي الذي يتبعه مجمل المجتمع، وتقليل التفاوت، وبالتالي تقليل إمكانات الاستهلاك الفاضح لدى الطغمة، سوف يعدل النماذج العامة للسلوك.
7- التحدي السياسي الأكبر للفترة التي سوف تبدأ هو "إجراء تحول نحو مجتمع أكثر عدلاً، وفي توازن مع المحيط البيئي، دون أن تدمر الطغمة الديمقراطية، كي تحافظ على امتيازاتها".
فرض النموذج الفردي
ويشير المؤلف إلى أن الرأسمالية نجحت، في العقود الثلاثة الأخيرة بشكل كامل، في فرض نموذجها الفردي في التصور وفي السلوك، مهمشة المنطق الجماعي، الذي كان يكبح حتى ذلك الوقت تقدمها، وتكمن الصعوبة الخاصة بالجيل الذي نما تحت هذه السيطرة، في واجب إعادة "اختراع" التضامن، بينما تكرر له الشروط الاجتماعية بلا توقف، أن الفرد هو الكل، وللخروج من الآلية المدمرة للرأسمالية ينبغي أولا تفكيك أنماط ثقافية، والتخلص من التحكم السيكولوجي.
لا يكمن المستقبل في إعادة إطلاق للاقتصاد تقوم على التكنولوجيا، ولكن في ترتيب جديد للعلاقات الاجتماعية، وتقتضي تحديات الساعة الخروج من منطق الربح الأقصى والفردي، إلى خلق اقتصادات تعاونية، تسعى إلى احترام الكائنات والمحيط الطبيعي.
وإذا كانت العقود الثلاثة الأخيرة تمثل امتدادا للفترة التاريخية، التي افتتحتها الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر، فهي مع ذلك تعد شاهدا على واقعة كبرى تاريخية، وهي أننا وصلنا إلى حدود المجال الحيوي، ونقطة القطيعة مع التوازنات البيئية، أكثر من التعويذات المتكررة للعمليات الكارثية، التي لا يستطيع أي شخص إنكارها، مثل: التصحر، تقلص التنوع الحيوي، ندرة متزايدة في المياه، تدهور التربة، تزايد الأحماض في المحيطات، توسع عمراني، ذوبان الجليد... إلخ.
ويشير المؤلف إلى أن ارتفاع أسعار الطاقة في النظام الرأسمالي أدى إلى تحفيز استغلال احتياطي البترول، الذي كان هامشيا حتى وقت قريب، وبالتالي أدى إلى زيادة انبعاثات غاز الاحتباس الحراري.
وفي مجال الطاقة يمكن القول بأن الطاقة النووية ليست هي الحل، والمراوح العملاقة في النظام الحالي لا تغير الوضع، والوقود الزراعي ليس هو الأفضل، وآثاره الجانبية كارثية، والفحم الذي يبث ثاني أكسيد الكربون، سوف يبقى الوقود الأساسي للمفاعلات الكهربائية، وإرتفاع أسعار البترول سيؤدي إلى استمرار انتاجه، وبالتالي انبعاثات غاز الكربون بدرجة أكبر.
لوحة محبطة
ويرى المؤلف أن هناك ثلاثة أفكار فيما يخص مسألة البيئة، تحدد بنية "لوحة محبطة" وهي:
1- أن التكنولوجيا سوف تحل المشكلة، دون أن تغير في العمق نمط الحياة الغربي، ولا إعادة تقسيم الثروة، وتطور هذه التقنيات سوف يسمح بإعادة إطلاق لنمو الربح.
2- استهلاك الطاقة سوف يستمر في التزايد، بما في ذلك البلاد الغنية، ونمو الناتج القومي سوف يتواصل، وسوف يستمر تزايد الثروة، كما كان الحال منذ مائتي عام.
3- التغير المناخي هو المشكلة، فنحن ننسى السمة الكوكبية للأزمة البيئية، لأن النظام الرأسمالي ليس لديه حل لأزمة التنوع الحيوي أو تدهور المحيطات، في حين أنه يعتقد بوجود حل للمسألة المناخية، بعد ترجمتها إلى مجرد مسألة طاقة.
ولو بقينا في إطار هذا الثالوث من الأفكار، لن يكون هناك حل للأزمة البيئية، ولن نشهد مع الوقت إلا التفاقم، ولابد من البحث عن حل، يكمن في تحقيق "تنمية تلبي احتياجات الأجيال الحاضرة، دون أن تقلل من قدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها.
وبتركيز أكثر يمكن القول بأن الاعتقاد في أن التكنولوجيا يمكن أن تحل المشكلة البيئية، يعني الرغبة في إدامة نمط حياة يكون مبرره الرئيس هو مراكمة السلع الاستهلاكية، كما يعني ترحيل القرار الذي لا مفر منه بإيقاف تزايد انبعاثات غاز الاحتباس الحراي إلى الأجيال المقبلة، فى شروط أكثر تدهورا من الآن، وبالعكس فإن رفض اعتبار أن التكنولوجيا تمثل الحل، يتضمن الرغبة في تغبير المجتمع في أسسه، وكذلك في أهدافه.
وهذا يفترض أن نتخلى عن الفكرة القديمة، التي تجعلنا نتصور أن التطور التكنولوجي سيتخذ مسارا مستقلا طوال الطريق الحتمي للتقدم، بل على العكس يبين علماء "اجتماع العلم" أن الطرق التقنية المختارة، تعتمد على التفاعل مع المجتمعات التي تندمج فيها.
إذن الاختيار التكنولوجي هو أساسا اختيار سياسي ينبع من تصور مسبق للنظام الاجتماعي، بمعنى: في أي مجتمع نريد أن نعيش؟ وأي تكنولوجيا تناسبه؟.
التعاون وليس التنافس
وفي النهاية يؤكد المؤلف أن الاختيار الآن مفتوح، بينما الصعوبات تتزايد، إما التنافس بين الدول والحرب، وإما السعي إلى المصلحة الكوكبية والتعاون، ومن الممكن- في ظل الفوضى المتصاعدة- أن يتغلب "الميل الإجرامي" الرأسمالي على قوى الضبط الجماعي، مستندا على قوى كثيرة يملكها، وأن يلعب على هاجس الخوف لدى الشعوب، التي لم تنتشر فيها الروح الجديدة بشكل كاف.
وإذا لم ننجح في التوصل إلى فرض منطق "التعاون" داخل المجتمعات، فسوف يدفع التطور السلطوي الرأسمالية إلى العدوانية أكثر على المستوى الدولي.